الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال المملي - أبقاه الله -: ينبغي أن يُبنَى هذا على أن الإجازةَ في حكم الإخبار بالمجاز جملةً، أو هي إذْنٌ. فإن جُعِلتْ في حكم الإخبار لم تصح هذه الإجازةُ؛ [44 / ظ] إذ كيف يخبر بما لا خبرَ عنده منه؟ وإن جُعِلتْ إذْنًا انبنى هذا على الخلافِ في تصحيح الإذنِ في بابِ الوكالة فيما لم يملكْه الآذنُ الموكِّلُ بعدُ، مثل أن يوكِّلَ في بيع العبدِ الذي يريد أن يشتريه، وقد أجاز ذلك بعضُ أصحابِ الشافعي. والصحيحُ بطلانُ هذه الإجازة. * وعلى هذا يتعينُ على من يردي أن يرويَ بالإجازةِ عن شيخ ٍ أجاز له جميعَ مسموعاته مثلا، أن يبحثَ حتى يعلمَ أن ذلك الذي يريد روايتَه عنه، مما سمعه قبلَ تاريخ الإجازة. وأما إذا قال:" أجزتُ لك ما صحَّ ويصحُّ عندك من مسموعاتي " فهذا ليس من هذا القبيل، وقد فعله " الدارقطني " وغيره. وجائزٌ أن يرويَ بذلك عنه ما صحَّ عنده بعد الإجازة أنه سمعه قبل الإجازة. ويجوز ذلك وإن اقتصر على قوله:" ما صحَّ عندك " ولم يقل: " وما يصح "؛ لأن المرادَ: أجزت لك أن ترويَ عني ما صحَّ عندك. فالمعتبر إذًا فيه صحةُ ذلك عنده حالةَ الرواية. والله أعلم.
النوع السابع من أنواع الإجازة: إجازة المُجاز
(1).
مثل أن يقول الشيخُ: " أجزتُ لك مُجازاتي، أو: أجزتُ لك روايةَ ما أجيز لي روايتُه "
(1) انظر في الكفاية (الرواية إجازة عن إجازة): 349.
_________
* المحاسن:
" فائدة: لو وكله في بيع ما ملكه وما سيملكه؛ فالذي يظهر صحتُه بما نص عليه " الشافعيُّ " في وصيته، وقد تقدم؛ فلا يُنَظَّر ذلك بما إذا وكَّله في بيع عبد سيملكه مجردًا، بل نظيرُه أن يوكله في بيع ما في مِلْكه وما سيجري في ملكه؛ فتقرب الصحةُ حينئذ في الإجازة. انتهت " 55 / و.
_________
- وانظر (فتح المغيث: 2/ 86).
فمنع من ذلك بعضُ مَن لا يُعتَدُّ به من المتأخرين. * والصحيحُ والذي عليه العملُ أن ذلك جائز. ولا يشبه ذلك ما امتنع من توكيل الوكيل بغير إذن الموكِّل. ووجدتُ عن " أبي عمرو السفاقسي الحافظ المغربي " قال: " سمعتُ أبا نُعيم الحافظَ الأصبهاني (1) يقول: الإجازةُ على الإجازة قويةٌ جائزة ".
وحكى " الخطيبُ الحافظُ " تجويز ذلك عن " الحافظِ الإمام أبي الحسن الدارقطني، والحافظِ أبي العباس المعروف بابنِ عُقدةَ الكوفي " وغيرِهما. (2) وقد كان الفقيهُ الزاهد [45 / و]" نصرُ بنُ إبراهيمَ المقدسي " يروي بالإجازةِ عن الإجازة، حتى ربما والَى في روايتِه بين إجازاتٍ ثلاث. **
وينبغي لمن يَروي بالإجازة عن الإجازة أن يتأملَ كيفيةَ إجازةِ شيخ ِ شيخِه ومقتضاها؛ حتى لا يرويَ بها ما لم يندرجْ تحتها: فإذا كان مثلاً صورةُ إجازةِ شيخ ِ
(1)[أصبهان، بكسر الهمزة وفتحها] من هامش (غ) وهو ضبطه في (اللباب: 2/ 69). وانظر معه (مشارق الأنوار على صحاح الآثار 1/ 58).
(2)
الكفاية: باب الرواية إجازة عن إجازة (350) وفيها صورة من نص إجازة الحافظ أبي العباس ابن عقدة: أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي (249 - 332 هـ).
_________
* المحاسن:
" فائدة: قيل: كأنه يشير إلى الإمام العلامة الحافظ عبدالوهاب الأنماطي (1)؛ فإنه جمع في ذلك شيئًا. انتهت " 55 / و.
** المحاسن:
" فائدة: القرينة الحالية من إرادة إبقاء السلسلة، قاضيةٌ بأن كلَّ مُجيزٍ بمقتضى ذلك، أَذِنَ لمن أجازه أن يُجِيزَ، وذلك في الإذن في الوكالة جائز. انتهت " 55 / و.
_________
(1)
عبدالوهاب بن المبارك بن أحمد، أبو البركات الأنماطي الحافظ، محدث بغداد (462 - 538 هـ) كان لا يجوز الإجازة على الإجازة، وصنف في ذلك (تذكرة الحفاظ للذهبي: 4/ 1282، والعبر، له: 4/ 104) مع التقييد لابن نقطة (ل: 128).
شيخِه: " أجزتُ له ما صحَّ عنده من سماعاتي " فرأى شيئًا من مسوعاتِ شيخ ِ شيخِه؛ فليس له أن يرويَ ذلك عن شيخِه عنه؛ حتى يستبينَ أنه مما كان قد صحَّ عند شيخِه كونُه من مسموعات شيخِه الذي تلك إجازتُه، ولا يكتفي بمجردِ صحةِ ذلك عنده الآنَ؛ عملاً بلفظِه وتقييدِه. ومَن لا يتفطنْ لهذا وأمثاله يَكثرْ عثارُه. والله أعلم.
هذه أنواعُ الإجازة التي تمسُّ الحاجةُ إلى بيانها. ويتركبُ منها أنواعٌ أُخَرُ سيتعرفُ المتأملُ حُكمَها مما أمليناه إن شاء الله تعالى.
ثم إنا نُنَبِّهُ على أمور:
أحدها: روينا عن " أبي الحسين (1) أحمدَ بنِ فارس " الأديب المصنفِ رحمه الله قال (2): " معنى الإجازة في كلام العرب مأخوذٌ من جوازِ الماء الذي يُسقاه المالُ من الماشيةِ والحَرْث، يقال منه: استجزتُ فلانًا فأجازني، إذا أسقاك ماءً لأرضِك أو ماشيتِك. كذلك طالبُ العلم يسأل العالِمَ أن يجيزَه عِلْمَه فيجيزَه إياه "(3).
قال المملي - أبقاه الله -: فللمجيزِ على هذا أن يَقولَ: " أجزتُ فلانًا مسموعاتي أو مَروِيَّاتي " فيُعدِّيه بغيرِ حرفِ جَرٍّ، من غيرِ حاجةٍ إلى ذكر لفظِ الرواية أو نحوِ ذلك. ويحتاج إلى ذلك من يَجعل الإجازةَ بمعنى التَسويغ والإِذْنِ والإِباحة، وذلك هو المعروف، فيقول:" أجزتُ لفلانٍ روايةَ مسموعاتي " مثلا. ومَن يقول منهم: " أجزت له مسمُوعاتي " فعلى سبيل ِ الحذف الذي لا يخفى نظيرُه. والله أعلم.
الثاني: [45 / ظ] إنما تُستحسَنُ الإجازةُ إذا كان المجيزُ عالما بما يجيز، والمُجاز له من أهل ِ العلم؛ لأنها توسُّع وترخيصٌ يتأهَّلُ له أهلُ العلم لمسيس ِ حاجتهم إليها. وبالغ بعضُهم في ذلك فجعله شرطًا فيها. وحكاه " أبو العباس الوليدُ بن بكر المالكيُّ " عن
(1) متن (غ، ص). وبهامش (غ): [أبو الحسن] خ / ومثله في مطبوعة (ع).
انظر: " أحمد بن فارس بن زكريا، القزويني الرازي، أبا الحسين " صاحب (معجم مقاييس اللغة، والمجمل) في: اليتيمة: 3/ 214، ابن الأنباري 392، ابن خلكان 1/ 351، إنباه القفطي 1/ 92 والعبر 3/ 58 وفيات سنة 395 هـ.
(2)
أحمد بن فارس " في جزء له سماه مأخذ العلم " قاله السخاوي في (فتح المغيث 2/ 94).
(3)
أسنده الخطيب في (الكفاية: 312) عن أبي الحسين أحمد بن فارس.