الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثامن عشر:
معرفة الحديثِ المُعلَّل
.
ويسميه أهلُ الحديث: المعلول. وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس: العلة، والمعلول مرذولٌ عند أهل ِ العربية واللغةِ * (1).
اعلم أن معرفةَ عِلَل ِ الحديثِ من أجَلِّ علوم الحديث وأدقِّها وأشرفِها، وإنما يضطلع بذلك أهلُ الحفظِ والخبرةِ والفهم الثاقب. وهي عبارةٌ عن أسبابٍ خفيةٍ قادِحةٍ فيه. فالحديثُ المعلَّل هو الحديث الذي اطُّلِع فيه على علةٍ تقدح في صحته، مع أن ظاهرَهُ السلامةُ منها. ويتطرق ذلك إلى الإِسنادِ الذي رجالُه ثقاتٌ، الجامع ِ شروطَ الصحة من حيثُ الظاهرُ. ويستعان على إدراكِها بِتفرُّدِ الراوي وبمخالفة غيره له، مع قرائنَ تنضم إلى
(1) انظر تقييد العراقي (116 - 118) وتبصرته (1/ 225) وشرح النخبة (132) وتوضيح التنقيح (2/ 25).
_________
* المحاسن:
" فائدة: لا يقال: ليست مرذولة، حكاها صاحب الصحاح والمُطَرَّزي (1) وقطرب، ولم يترددوا. وتبعهم غيرُ واحد؛
لأنا نقول: المستعمَلُ عند المحدثين والفقهاء والأصوليين، إنما يقصدون به أن غيره أعلَّه، لا أنه عُلَّ بنفسه. والذي ذكره " الجوهري ": عُلَّ الشيءُ فهو معلول، وما ذكره في أول المادة من أن عَلَّه الثلاثي يتعدى؛ فذاك في السقْي [أي بمعنى: سَقَاه] وحينئذ فصوابُ الاستعمال ِ: المعلَّلُ، إذا كان من: أَعَلَّ. انظر تقييد العراقي (117) واستشهاده بقول الجوهري في الصحاح: " لا أعَلَّكَ الله، أي لا أصابك بعِلة ". انتهت " 31 / ظ.
_________
(1)
المُطَرَّزي، أبو الفتح وأبو المظفر ناصر بن عبدالسيد الخوارزمي. اللغوي العلامة الفقيه الحنفي (533 - 610) في كتابه (المغرب في لغات الفقه: ص 116) حرف العين.
ذلك تُنَبه العارفَ بهذا الشأن على إرسال ٍ في الموصول أو وقف في المرفوع، أو دخول ِ حديثٍ في حديثٍ، أو وهم واهم لِغير ذلك؛ بحيث يغلب على ظنه فيحكم به، أو يترددُ فيتوقفُ فيه. وكلُّ ذلك مانعٌ من الحُكم بصحةِ ما وُجِدَ ذلك فيه.
وكثيرا ما يُعللون الموصولَ بالمرسَل، مثل أن يجيء الحديثُ بإسنادٍ موصول ٍ، ويجيءَ أيضًا بإسنادٍ منقطع أقوى من إسناد الموصول. ولهذا اشتملت كتبُ عِلَل ِ الحديثِ على جميع ِ طرقهِ. قال " الخطيب أبو بكر ": السبيلُ إلى معرفة علةِ الحديثِ أن يُجمع بين طُرقِه ويُنظرَ في اختلافِ رُوَاتِه ويُعتبر بمكانِهم من الحفظ ومنزلتِهم في الإِتقانِ والضبط. ورُوِي عن " عليِّ ابنِ المديني " قال: البابُ إذا لم تجمع طُرقُه، لم يتبينْ خطؤه (1).
ثم قد تقع العلةُ في إسنادِ الحديث، وهو الأكثر، وقد تقع في مَتْنِه. ثم ما يقع في الإِسناد قد يَقدحُ في صحةِ الإِسناد والمتنِ جميعًا، كما في التعليل بالإِرسال والوقف. وقد يقدح في صحةِ الإِسناد خاصةً من غير قدح في صحةِ المتن.
فمن أمثلة ما وقعت العِلةُ في إسنادِه من غير قدح ٍ في صحة المتْنِ، ما رواه الثقةُ يعلى ابنُ عبيد، عن سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " البيعانِ بالخيارِ
…
" الحديث. فهذا إسنادٌ متصلٌ بنقل ِ العدل ِ عن العدل ِ. وهُوَ معلَّلٌ غيرُ صحيح، والمتنُ على كلِّ حال صحيح. والعلةُ في قوله: " عن عمرو بنِ دينار "؛ إنما هو عن " عبدِالله بنِ دينار عن ابنِ عمر " هكذا رواه الأئمةُ من أصحابِ " سفيانَ " عنه. فَوَهِمَ " يَعلى بنُ عُبَيد " وعدَلَ عن عبدِالله بن دينار، إلى عمرو بن دينار. وكلاهما ثقة (2).
(1) وأسند ابن حبان عن عباس بن محمد - الدوري - قال: سمعت يحيى بن معين يقول: لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجهًا لم نعرف ما علته " مقدمة المجروحين 1/ 33.
(2)
قال العراقي: إنما المعروف من حديث سفيان - الثوري -: عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر. هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان: أبو نعيم الفضل بن دكين وعبيدالله بن موسى العبسي ومحمد بن يوسف الفريابي ومخلد بن يزيد وغيرهم. وهكذا رواه عن عبدالله بن دينار، شعبة وابن عيينة ويزيد بن عبدالله بن الهاد، ومالك من رواية ابن وهب عنه. والحديث المشهور لمالك وغيره، عن نافع عن ابن عمر. وأما رواية عمرو بن دينار؛ فوهم من يعلى بن عبيد (التبصرة 1/ 231).
رواية مالك عن نافع عن ابن عمر، في الموطأ: بيوع (ح79) وفي صحيح البخاري: بيوع، باب بيع الخيار (مع فتح الباري 4/ 225)، ومسلم في باب خيار المتبايعين (ح 43/ 1531) وبرواية الثوري عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر، في الباب من الصحيحين كذلك (فتح الباري 4/ 230، ومسلم ح 46/ 1531).
ومثالُ العِلةِ في المتْنِ، ما انفرد " مسلمٌ " 01) بإخراجِه في حديثِ " أَنَس ٍ " من اللفظ المصرِّح بنفيِ قراءةِ " بسم الله الرحمن الرحيم " فعلَّل قومٌ روايةَ اللفظ المذكور، لَمَّا رأوا الأكثرين إنما قالوا فيه:" فكانوا يستفتحون القراءةَ بالحمد لله رب العالمين " من غير تعرُّض لذِكرِ البسلمة، وهو الذي اتفق " البخاري ومسلم " على إخراجه في الصحيح. (2) ورأوا أن مَنْ رَواه باللفظ المذكور، رواه بالمعنى الذي وقع له؛ ففَهِمَ من قوله:" كانوا يستفتحون بالحمدُ الله " أنهم كانوا لا يُبَسْمِلون، فرواه على ما فهم، وأخطأ؛ لأن معناه أن السورةَ التي كانوا يفتتحون بها من السوَرِ هي الفاتحة، وليس فيه تعرض لذكر التسمِيةِ. وانضم إلى ذلك أمورٌ منها: أنه ثبت عن " أنس " أنه سُئِل عن الافتتاح بالتسمية، فَذَكَرَ أنه لا يحفظ فيه شيئًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، (3) *. والله أعلم.
(1) ك الصلاة، باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة (ح 52/ 399) رواية قتادة عن أنس، وفيه الزيادة:(لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، في أول قراءة ولا في آخرها).
(2)
صحيح البخاري: ك الأذان، باب ما يقول بعد التكبير (فتح الباري 2/ 145).
" مسلم: ك الصلاة، من قال لا يجهر بالبسملة (ح 50/ 399) ورواه الإِمام الشافعي من حديث قتادة عن أنس، بغير هذه الزيادة (المسند 3)، كما في البخاري، وكذلك الدارقطني عن عدد من أصحاب قتادة (السنن: ك الصلاة: باب ذكر اختلاف الرواية في الجهر بالبسملة ح 6) ورواه عدد من طرق عن أنس بلفظ: فكانوا لا يجهرون، أو: فلم أسمع أحدًا منهم يجهر بالبسملة "(ح 1 - 5) ورواه الإِمام مالك في الموطأ عن حميد الطويل عن أنس، موقوفا.
(3)
سنن الدارقطني (ح 10) من الباب، ومسند الشافعي:13.
_________
* المحاسن:
" فائدة: لا يقدح في ذلك قول " ابنِ طاهر " في كتابه (تصحيح العلل) بعد رواية ذلك عن " أنس ": هذا إسنادٌ صحيح متصل، لكنَّ هذه الزيادةَ في متنه مٌنْكَرَةٌ موضوعة. ولا قولُ " ابن عبدالبر ": عندي أن من حَفِظَ مُقَدَّم على من سأله في حال ِ كِبَرِهِ ونسيانِهِ. (1).
لأنا المقصودَ وجودُ مثال ٍ لعلةٍ في المتنِ، وقد وُجِدَ، وانضم إليه تأييد. انتهت " 33 / ظ.
_________
(1)
التمهيد 14/ 365.
قلت: جمع الدارقطني في الجهر بالبسملة أربعين حديثًا، وفي الاختلاف عليها أربعة وعشرين، مخرجة في التعليق المغني على سنن الدارقطني، بهامشه (3/ 302 - 313) وبسط ابن عبدالبر القول في المسألة، والنظر في مختلف الروايات فيها. بالتمهيد (2/ 228 - 231) والاستذكار (2/ 151 - 165) وإليهما آل الزين العراقي (التقييد 119 - 126، والتبصرة 1/ 231) مع تخريج مختلف الأحاديث فيها. وانظر أيضًا فتح الباري (2/ 154 - 155).
ثم اعلم أنه قد يُطلَقُ اسمُ العِلَّةِ على غيرِ ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحةِ في الحديث، المُخرجةِ له من حال ِ الصحةِ إلى حال ِ الضعف، المانعةِ من العمل ِ به على ما هو مُقتضَى لفظِ العلةِ في الأصل. ولذلك تجدُ في كتبِ علل ِ الحديث الكثيرَ من الجرح ِ بالكذبِ، والغفلة، وسوءِ الحفظ. ونحو ذلك من أنواع الجرح. وسَمَّى " الترمذيُّ " النسخَ عِلةً من علل ِ الحديث. ثم إن بعضهم (1) أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف، نحو إرسال ِ مَن أرسلَ الحديثَ الذي أسنده الثقةُ الضابطُ [23 / و] حتى قال: من أقسام الصحيح ما هو صحيحٌ معلول. كما قال بعضُهم (2): من الصحيح ما هو صحيح شاذ. والله أعلم *.
(1) قال العراقي: أبهم المصنف قائل ذلك، وهو الحافظ أبو يعلى الخليلي، فقال في كتاب الإرشاد: إن الأحاديث على أقسام كثيرة، صحيح متفق عليه، وصحيح معلول، وصحيح مختلف فيه، إلى آخر كلامه (التقييد 124) وتوضيح التنقيح 2/ 34.
(2)
بلاغ المقابلة والسماع بقراءة ابن الفاسي، على هامش (غ).
_________
* المحاسن:
" فائدة وزيادة: قد تقدم ما في نحو ذلك من العمل فليُنظر ذلك في موضعه. وجعل " الحاكم " معرفةَ علل الحديث علمًا برأسِه؛ غير الصحيح والسقيم والجرح والتعديل. وأسنَدَ عن " ابن مهدي ": لأنْ أعرفَ علةَ حديثٍ أحَبُّ إليَّ من أكتب عشرين حديثًا ليس عندي. " قال " الحاكم ": وإنما يُعَلَّلُ الحديث من أوجهٍ ليس للجرح فيها مدخَلٌ؛ فإن حديثَ المجروح ساقط [واهٍ]. والحجة في التعليل عندنا الحفظُ والفهمُ والمعرفةُ لا غير. قال " ابنُ مهدي ": معرفةُ علة الحديث إلهامٌ، فلو قلتَ للعالم بعلل ِ الحديث: من أين قلتَ ها؟ لم يكن له حجةٌ. وأسند " الحاكمُ " إلى أبي زرعة، سأله رجل: ما الحجةُ في تعليلكم الحديث؟ قال: " الحجةُ أن تسألَني عن حديث له علةٌ، فأذكر عِلّتَه، ثم تقصد " ابنَ وارَه " فتسأله ولا تخبره، فيذكر علَّتَه، ثم تقصد " أبا حاتم " فيعلِّله، ثم تميز كلامنا (1) على =
_________
(1)
في (معرفة علل الحديث: 113): [ثم تميز كلام كل منا] وعلى هامشه: [بالأصل: كلامنا] وما حكاه عن أبي زرعة وابن واره وأبي حاتم، ذكر نحوه ابن أبي حاتم الرازي في ترجمته لأبيه، وأنه سمعه يقول: إن رجلا متن جلة أصحاب الرأي جاءه وعرض عليه دفترًا معه، فقال أبو حاتم في بعضه: هذا حديث خطأ، وفي بعضه: هذا باطل، وفي بعضه: هذا كذب. فسأله الدليلَ على ما يقول، فاقترح عليه أن يذهب إلى أبي زرعة فيسأله فيما عرضه عليه ولا يخبره بما قال. ففعل الرجل، وعجب من اتفاقهما دون تواطؤ بينهما (مقدمة الجرح والتعديل 1/ 248).
.............................................................................................................................
= ذلك الحديث، فإن اتفقا فاعلم حقيقة هذا العلم، وإن اختلفا فاعلم أن كلَّا يتكلم على مراد " ففعل الرجلُ فاتفقتْ كلمتُهم، فقال: " أشهد أن هذا العلم إلهام ".
وهذه الحكاية التي ذكرها " الحاكم " تدل على أن الجهابذة النقادَ يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه ومعوجِّه، كما يميز الصيرفي بين الجيد والرديء. وكم من شخص لذلك لا يهتدي. وجعل " الحاكمُ " أجناسَ العلل عشرةً، وطَوّلها فنَذكرها مختصرةً:
أولها: أن يكون السند ظاهرُه الصحة، وفيه من لا يُعرَف بالسماع ممن رَوى عنه. ومثلَّه بما أسنده عن موسى بن عقبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من جلس مجلسًا كثُر فيه لغطُه، فقال قبل أن يقوم: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك؛ إلا غُفِرَ له ما كان في مجلسه ذلك " ثم أسند إلى " مسلم " أنه جاء إلى " البخاري " فقبل بين عينيه وقال: دعني حتى أُقبِّلَ رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله، حدثك محمدُ بن سلام قال حدثنا مخلد بن يزيد الحراني، قال حدثنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، ما علتُه؟ قال " البخاري ": هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث، إلا أنه معلول؛ حدثنا به موسى بن إسماعيل، قال حدثنا وهيب، ثنا سهيل، عن عون بن عبدالله، قوله .. " قال محمد بن إسماعيل: هذا أولى؛ لا يذكر لموسى بن عقبة سماعٌ من " سهيل "(1). انتهى كلام " الحاكم " وهذه الطريقة التي ذكرها مسلم للبخاري معروفة. ورواه " الطبراني " في (معجمه الأوسط) عن حجاج بن محمد، عن سفيان عن ابن جريج، فقال: ثنا محمد بن جعفر بن أعين، ثنا يحيى بن المبارك الكوفي، ثنا حجاج بن محمد، عن سفيان عن ابن جريج، أخبرني موسى بن عقبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " فذكر الحديثَ وفي آخره:" كان كفَّارةً لما كان في ذلك المجلس " بدل =
_________
(1)
المقابلة على الحاكم في (المعرفة 113) بإسناده عن أبي حامد القصاد عن مسلم وكذلك الخطيب في (تاريخ بغداد 2/ 29 ترجمة البخاري) وأبو بكر ابن نقطة في (التقييد: ل 6 ترجمة البخاري) من طريق الخطيب، وتعقب العراقي هذه الحكاية، واتهم بها القصار، راويها عن مسلم (التقييد والإيضاح 118، والتبصرة 1/ 229) ثم ذكر من خرجوا حديث كفارة المجلس: الترمذي، وصححه، وابن حبان والحاكم.
.............................................................................................................................
= قوله: " إلا غُفِرَ له " قال " الطبراني ": لم يُدْخِل في إسناد هذا الحديث بين حجاج وابن جريج " سفيانَ " أحدٌ ممن رواه عن حجاج؛ إلا يحيى بن المبارك (1).
ولم يتعقب " الحاكم " كلام البخاري في قوله: " لا أعلم في الدنيا " إلى آخره. وفي البابِ: عن أبي برزة: رواه أبو داود (2) والنسائي، وجبير بنِ مطعلم ورافع بن خديج وعائشة: رواه النسائي في عمل اليوم والليلة. وفي الباب أيضًا: عن نافع بن صبرة، وققد أشار إلى حديثه ابنُ عبدالبر في (الاستيعاب) فقال:" نافع بن صَبرة، مخرج حديثه عن أهل المدينة، بمثل حديث أبي هريرة، في كَفَّارة ما يكون في المجلس من اللغَط "(3). وما أشار إليه " ابنُ عبدالبر " خرجه الترمذي (4). وفي الباب أيضًا عن أنس بن مالك: أسند " الطبراني " في (معجمه الأوسط) فقال: ثنا محمد بن محمد بن التمَّار البصري، ثنا أبو بكر بن حارث بن عياش الأحدب، وعيسى بن إبراهيم البَرْكي قالا: ثنا عثمان بن مطر الشيباني عن ثابت البناني عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كفارة المجلس، سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك " قا " الطبراني ": لا يُروَى هذا الحديثُ عن أنس ٍ إلا بهذا الإسناد؛ تفرد به عثمان بن مطر. وروى " الحاكم " في (مستدركِه)(5) من حديث عائشة، وقال: صحيح الإسناد.
وقد بسطتُ القول في ذلك في (العرف الشذي على جامع الترمذي) فلينظر منه.
ثاني الأجناس: أن يكون الحديثُ مرسَلا من وجهٍ رواه الثقاتُ الحُفَّاظ، ويسنده من وجهٍ ظاهره الصحةُ. ولكن له علةً تمنع من صحة السند. ومثلَّه بما أسنده عن قبيصة =
_________
(1)
قابل على مجمع الزوائج للنور الهيثمي، باب كفارة المجلس (10/ 141 - 142).
(2)
في كتاب الأدب، باب في كفارة المجلس من حديث أبي برزة الأسلمي (ح 4859).
(3)
الاستيعاب: ترجمة نافع بن صبرة (رقم 2588) 4/ 1490.
(4)
جامع الترمذي، باب ما يقول إذا قام من المجلس، من رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة. قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي برزة وعائشة .. قال: هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه. لا نعرفه من حديث سهيل إلا من هذا الوجه (12/ 314) عارضة.
(5)
المستدرك، ك الدعاء، باب دعاء كفارة المجلس (1/ 537).
.............................................................................................................................
* = ابن عقبة عن سفيان عن خالدٍ الحذَّاء وعاصم ٍ - وانظر في (معرفة الحاكم: 114) تحرير إسناده وعلة وهم من أسنده عن سفيان عن خالد الحذاء أو عاصم، عن أبي قلابة عن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أرحمُ أمَّتي أبو بكر، وأشدُّهم في دين الله عمرُ، وأصدقهم حياءً عثمانُ، وأقرؤهم أُبَيُّ بن كعب، وأعلمُهم بالحلال والحرام معاذُ بن جبَل، وإن لكل أمة أمينًا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة: فلو صح إسناده لأخرج في (الصحيح)؛ إنما روى خالدٌ الحذاء عن أبي قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أرحمُ أمتي
…
" مرسلا. لكن آخره: " إن لكل أمة أمينًا " رواه البصريون الحُفَّاظُ عن خالد وعاصم ٍ جميعًا، فأُسقِط المرسَلُ وخُرِّج المتصلُ بذكر أبي عبيدة في (الصحيحين)(1).
ثالث الأجناس: أن يكون الحديثُ محفوظًا عن صحابي، فيُروى عن غيره لاختلاف بلادِ رُواتِه، كرواية المدنيين عن الكوفيين. ومثَّله بما أسنده عن موسى بن عقبةَ عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائةَ مرة " وهذا إسنادٌ لا ينظر فيه حديثيٌّ إلا ظن أنه من شرط الصحيح. والمدنيون إذا رووا عن الكوفيين؛ زلَقوا. وإنما الحديث محفوظ من حديث أبي بردة عن الأغرِّ المُزَني وكانت له صحبة. أسنده " الحاكم " من جهةِ حماد بن زيد عن ثابت البناني، قال: سمعت أبا بردة يُحدِّث عن الأغرِّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه ليُغَان على قلبي فأستغفر الله في اليوم مائةَ مرة " ورواه مسلم في (صحيحيه)(2) ورواه الكوفيون أيضًا: مِسعر وشعبةُ وغيرُهما عن عمرو بن مرة عن أبي بردة، هكذا.
رابع الأجناس: أن يكون الحديثُ محفوظًا عن صحابي، فيُروَى عن تابعي يقع الوهمُ بالتصريح بما يقتضي صُحبتَه، بل ولا يكون معروفًا من جهته، وربما وقع وهم آخرُ في إسناده. مثاله: ما أسندَ عن زهير بن محمد، عن عثمان بن سليمان، عن أبيه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطورِ. وقد خرَّج " العسكريُّ " وغيره هذا الحديثَ في (الوحدان). وهو معلول؛ أبو عثمان لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وعثمانُ إنما رواه =
_________
(1)
البخاري في ك المناقب، أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه (فتح الباري 7/ 65 - 66) ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبي عبيدة رضي الله عنه (ح 53/ 2419). ولفظه في الصحيحين: (
…
وإن أميننا أيتها الأمة: أبو عبيدة بن الجراح).
(2)
ك الذكر والدعاء، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه (ح 41، 42) 2702، 2703.
.............................................................................................................................
= عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه. وإنما هو " عثمان بن أبي سليمان "(1).
خامس الأجناس: أن يكون الحديثُ رُوِيَ بعنعنةٍ سقط منها رجلٌ دلَّ عليه طريقةٌ أخرى محفوظةٌ. مثاله: ما أسنَد عن يونس [بن يزيد] عن ابن شهاب عن علي بن الحسين، عن رجال ٍ من الأنصار:" أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلة فَرُمِيَ بنجم فاستتار " الحديث، بطُولِه. وعليه: أن " يونسَ " مع جلالته قَصَّر به، وإنما هو " عن ابن عباس، قال: حدثني رجال من الأنصار
…
" هكذا رواه ابنُ عيينة وشعيب وصالح والأوزاعي وغيرُهم عن الزهري، وهو مُخرجٌ في (الصحيح)(3).
سادس الأجناس: أن يُختَلفَ على رجل بالإسناد وغيره، ويكون المحفوظ عنه ما قابل الإسنادَ، فيكون ذلك علة في المسنَد. مثاله: ما أسنَدَ عن علي بن الحسين بن واقد، [قال]: حدثني أبي، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، ما لكَ أفصحُنا، ولم تخرج من بين أظهرنا؟ قال:" كانت لغةُ إسماعيلَ قد درَستْ، فجاء جبريلُ عليه السلام فحفظنيها " وعِلَّتُه: ما أسنَد عن علي بن خشرم، ثنا علي بن الحسين بنِ واقد: بلغني أن عمر بن الخطاب
…
، فذكره (3).
ومن غريب ما وقع لي في هذا الحديث، ما ذكره " أبو نعيم الأصبهاني " في (تاريخ أصبهان) في ترجمة أحمد بن يحيى بن الحجاج الجُرْوَاءاني فقال: ومن مناكير حديثه، روايتُه عن عمرو بن علي: ثنا عبدُالرحمن بن مهدي، عن مالك بن أنس، عن نَافع، عن ابن عمر، قال: قال عمر: " يا نبي الله، ما لك أفصَحُنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: جاءني جبريل فلقنني لغة أبي إسماعيل ". (4).
_________
(1)
عبارة الحاكم أوضح، قال بعد أن ذكر تخريج العسكري للحديث في الوحدان: " وهو معلول بثلاثة أوجه: أحدها أن عثمان هو ابن أبي سليمان، والآخر أن عثمان إنما رواه عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه، والثالث قوله: سمع النبي صلى الله عليه وسلم؛ وأيوب لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره (المعرفة 115: رابع أجناس العلل).
(2)
صحيح مسلم، ك السلام، باب تحريم الكهانة (ج 124/ 2229) وقابل على رواية يونس عن الزهري، فيه.
(3)
الحاكم في المعرفة (علل الحديث: 116).
(4)
أبو نعيم: (ذكر أصبهان: 1/ 117) ط بريل. والجرواءاني، نسبة إلى جرواآن " محلة كبيرة بأصفهان، يقال لها بالعجمية: كرواآن "(اللباب 1/ 274).
.............................................................................................................................
= سابع الأجناس: الاختلافُ على رجل في تسميةِ شيخِه أو تجهيله. مثالُه: ما أسنَد عن ابن شهاب عن سفيان الثوري، عن حجاج بن فُرافِصةَ، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" المؤمن غِرٌّ كريم، والفاجر خَبٌّ لئيم "، وهكذا رواه عيسى بن يونس ويحيى بن الضريس، عن الثوري، وعلته: ما أسند عن محمد بن كثير، ثنا سفيانُ الثوري، عن الحجاج بن فرافصة، عن رجل ٍ، عن أبي سلمة - قال سفيان: أراه ذكر أبا هريرة - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره (1).
ثامن الأجناس: أن يكون الراوي عن شخس ٍ أدركه وسمع منه، لكنْ لم يسمع منه أحاديثَ معينةً، فإذا رواها عنه من غير ذكر واسطة تبينت عِلتُها ببيان أنه لم يسمعها منه. مثالُه: ما أسنَد عن يحيى بن أبي كثير عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر عند أهل بيت قال:" أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامَكم الأبرارُ، ونزلت عليكم السكينة. " فيحيى بن أبي كثير رأى أَنَسًا، وظهر ذلك من غيرِ وجهٍ، إلا أنه لم يسمع منه هذا الحديثَ. ثم أسنَد عن يحيى قال: حُدِّثتُ عن أنَس أن النَبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر عند أهل بيتٍ قال: " أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرارُ، وصلَّت عليكم الملائكة "(2).
تاسع الأجناس: أن يكون طريقه معروفة، يروى أحدُ رجالها حديثًا من غيرِ تلك الطريقة؛ فيقع من رواه من تلك الطريقة " ثنا " على الجادة، في الوهم. مثالُه: عن عبدالله بن دينار، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة قال:" سبحانك اللهم تبارك اسمُك وتعالى جَدُّك " الحديث، بطولِه. أخذ فيه " المنذرُ " طريق المجرة فيه، وإنما هو من حديث عبدالعزيز بن أبي سلمة:" حدثنا عبدُالله بن الفضل، عن الأعرج، عن عبيدالله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وسلم " فذكر [الحديث بغير هذا اللفظ] وهكذا أخرجه " مسلم " في (صحيحه)(2).
_________
(1)
الحاكم: علل الحديث 117 (المعرفة).
(2)
الحاكم في المعرفة (علل الحديث 117 - 118) والنسائي في الوليمة.
(3)
الحاكم: 118 وصحيح مسلم: ك صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (ح 201/ 771).
.............................................................................................................................
= عاشر الأجناس: أن يُروَى الحديثُ مرفوعًا من وجهٍ آخر. مثالُه: ما أسنَدَ عن أبي فروة يزيد بن محمد، [بن يزيد بن سنان الرهاوي]: ثنا أبي عن أبيه عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم:" من ضحك في صلاةٍ؛ يعيد الصلاةَ ولا يعيد الوضوءَ ". وعِلته: ما أسند عن وكيع، عن الأعمش، عن أبي سفيان، قال: سئل جابر عن الرجل يضحك في الصلاة؛ قال: يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء (1).
قال " الحاكم ": وبقيتْ أجناس لم نذكرها، وإنما جعلنا هذه مثالاً لأحاديثَ كثيرة (2)، وما أشار إليه " الحاكم " من الأجناس يدخل تحت القسمين السابقين. وإنما ذكرتُ كلامه في ذلك ملَخصًا؛ ليكونَ مدخلا إلى العلل، وإن كان عليه في بعضه كلامٌ يُفهَم بعضُه مما تقدم.
وأجلُّ كتابٍ في العلل، كتاب " الحافظ ابن المديني " وكذلك كتاب " ابن أبي حاتم " وكتاب (العلل للخلَاّل) وأجمعُها كتابُ الحافظِ الدارقطني. انتهت " 33 / ظ - 36 و.
_________
(1 - 2) الحاكم في المعرفة: (علل الحديث 119).