الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الرابع والعشرون:
معرفة كيفية سماع الحديثِ وتحمُّلِه وصفة ضبطه
.
اعلم أَن طرقَ نقل ِ الحديثِ وتحمُّلهِ على أنواع ٍ متعددة، ولنقدِّمْ على بيانِها ببيانَ أُمورٍ:
أحدها: يَصحُّ التحمُّلُ قبلَ وجودِ الأهليَّة، فُتقبلُ روايةُ من تَحَمَّلَ قبلَ الإسلام وروَى بعدَه، وكذلك روايةُ مَن سمع قبل البلوغ وروَى بعده. ومنع من ذلك قومٌ، فأخطئوا؛ لأن الناسَ قَبِلوا روايةَ أحداثِ الصحابةِ كـ:" الحسنِ بن علي، وابنِ عباس، وابنِ الزُّبَيْر، والنعمانِ بنِ بَشير "(1)، وأشباهِهم، من غيرِ فرقٍ بين ما تحملوه قبل البلوغ وما بعده. ولم يزالوا قديمًا وحديثًا يُحضِرون الصبيانَ مجالسَ التحديثِ والسماع ِ. ويعتدون بروايتِهم لذلك *. والله أعلم.
الثاني: قال " أبو عبدالله الزبيري "(2): يُستَحَبُّ كَتْبُ الحديثِ في العشرين؛ لأنها مُجتَمع العقل، وأحِبُّ أن يشتغلَ دونَها بحفظِ القرآنِ والفرائض.
(1) ذكرهم الخطيب، وآخرين غيرهم، في الكفاية (باب ما جاء في صحة سماع الصغير):55.
(2)
بهامش (غ): [هو أبو عبدالله الزبير بن أحمد الشافعي البصري].
- انظر ترجمته في تاريخ بغداد (8/ 471) وتهذيب النووي (2/ 251 ف 381) وقوله هنا في سن السماع، حكاه ابن خلاد الرامهرمزي في (المحدث: 187 ف 51) والخطيب في الكفاية من طريقه (55) والقاضي عياض في الإِلماع (65) من طريق الرامهرمزي أيضًا.
_________
* المحاسن:
" فائدة: الاعتداد بتحملهم في حال الصِّبا، ليرووه بعد البلوغ، هو المعروف. وشذ قوم فجوَّزوا رواية الصبي قبل بلوغه، وهو وجهٌ عند الشافعية. والمشهور الأول. ولهم وجه آخر بالمنع من التحمل قبل البلوغ، وقد تقدمت حكايته عن قوم. انتهت " 47 / و.
وورد عن " سفيان الثوري " قال: كان الرجلُ إذا أراد أن يطلبَ الحديثَ تعبَّد قبل ذلك عشرينَ سنة. (1) وقيل لـ " موسى بن إسحاق ": كيف لم تكتب عن أبي نُعَيْم؟ فقال: كان أهلُ الكوفة لا يُخرِجون أولادَهم في طلبِ الحديثِ صغارًا، حتى يستكملوا عشرين (2) سنة. * وقال " مُوسى بن هارون ": أهلُ البصرة يكتبون لِعَشرِ سنينَ، وأهلُ الكوفة لعشرين، وأهلُ الشام لِثلاثين. (3). والله أعلم.
قال الشيخ - أبقاه الله -: [35 / و] وينبغي بعد أن صار الملحوظُ إبقاءَ سلسلةِ الإِسناد، أن يُبَكِّر بإسماع الصغيرِ في أول ِ زمانٍ يصحُّ فيه سماعه.
وأما الاشتغالُ بِكِتْبَةِ (4) الحديثِ وتحصيله وضبطِه وتقييده؛ فمن حين يتأهلُ لذلك ويستعد له. وذلك يختلف باختلافِ الأشخاص، وليس ينحصر في سِنٍّ مخصوص (5) كما سبق ذكره آنفًا عن قوم. والله أعلم.
(1) رواه الرامهرمزي في (المحدث الفاصل: 187) والخطيب في (الكفاية: 54).
(2 - 3)(بسندهما إلى أبي عاصم - النبيل، الضحاك بن مخلد - عن الثوري (المحدث الفاصل: 186 ف 48) والكفاية (54، 55) من طريق الرامهرمزي، والقاضي عياض، من طريقه كذلك، في الإلماع (64، 65).
(4)
الضبط من الأصول بكسر الكاف. وفي (القاموس): والكتبة: بالضم: السير يخرز به، وبالكسر: اكتتابك كتابًا تنسخه.
(5)
كذا في الأصول، ومتن ابن الصلاح في مطبوعة التقييد والإيضاح 164، وتضمينه في (تدريب الراوي 2/ 4) والذي في القاموس: السن .. مؤنثة، وأسنَّ كبرت سنه. وانظرها في (الأساس).
_________
* المحاسن:
" فائدة: لا ينافي ذلك ما ذُكر من أن أبا نعيم، الفضل بن دكين الكوفي، مَرَّ [بمحمد بن عبدالله بن سليمان] الملقب بمُطَّين - صغيرًا، وقد تلطخ بالطين، فقال له: يا مطين، قد آن لك أن تحضر مجلسنا للسماع (1)؛
لأنا نقول: لعل أبا نعيم ظهر له منه النجابةُ، فخالف به العادة. انتهت " 47 / ظ.
_________
(1)
الحاكم في علوم الحديث، بسنده إلى أبي جعفر الحضرمي - مطين - (212) ووقع في اسمه هنا بالمحاسن:[مر بعبدالرحمن الملقب بمطين]. والصحيح: محمد بن عبدالله بن سليمان، أبو جعفر الحضرمي الكوفي الحافظ (تذكرة الحفاظ 2/ 662، والعبر، وفيات سنة 297 هـ، وطبقات الحفاظ 288 ت. 660).
وانظره فيما يلي في النوع الثاني والخمسين (معرفة ألقاب المحدثين)، واسمه فيها على صواب.
الثالث: اختلفوا في أول ِ زمان يصحُّ فيه سماعُ الصغير. فروينا عن " موسى بن هارون الحمَّال " أحدِ الحُفَّاظِ النُقَّاد: أنه سئل: متى يسمع الصبيُّ الحديثَ؟ فقال: إذا فرَّق بين البقرةِ والدابة - وفي رواية: بين البقرة والحمار (1).
وعن " أحمدَ بنِ حنبل " رضي الله عنه أنه سئل: متى يجوزُ سماعُ الصبيِّ للحديثِ؟ فقال: إذا عَقَلَ وضبط. فُذكِرَ له عن رجل أنه قال: لا يجوز سماعُه حتى يكون له خمسَ عشرة سنة. فأنكر قولَه وقال: بئس القولُ (2).
وأخبرني الشيخ أبو محمد عبدُالرحمن بنُ عبدِالله الأسدي، عن أبي محمد عبدِالله بنِ محمد الأشيري، عن القاضي الحافظ عياض بن موسى السَّبْتي اليَحْصُبي، قال: قد حدَّد أهلُ الصنعةِ في ذلك أن أقلَّه سِنُّ محمود بن الربيع. وذكَر روايةَ البخاري في (صحيحه) بعد أن ترجم (متى يصح سماعُ الصغير) بإسنادِه عن " محمود بن الربيع " قال: " عقلتُ من النبيّ صلى الله عليه وسلم مَجَّةً مجَّها في وجهي وأنا ابنُ خمس ِ سنينَ، من دَلْو ". وفي رواية أخرى أنه كان ابن أربع سنين (3).
(1) الروايتان في الكفاية (65) بسند الخطيب إلى يزيد بن هارون الحمال، أبي عمران البغدادي.
(2)
أسنده الخطيب إلى عبدالله بن أحمد عن أبيه (الكفاية: 64).
(3)
القاضي عياض في الإلماع (باب متى يستحب سماع الطالب ومتى يصح سماع الصغير) وأخرج الحديث من رواية الزبيدي - أبي الهذيل الحمصي محمد بن الوليد - عن الزهري عن محمود بن الربيع، وزاد: وفي رواية أخرى أنه كان ابن أربع سنين (63) وأخرجه الخطيب في باب ما جاء في صحة سماع الصغير، من طريق يعقوب بن سفيان عن عبدالرحمن بن نمر عن الزهري عن محمود، وفيه قال:" وأنا ابن خمس سنين "(الكفاية). وأخرجه البخاري في كتاب العلم، باب متى يصح سماع الصغير، من رواية الزبيدي عن الزهري. قال ابن حجر:" قوله: وأنا ابن خمس سنين: لم أر التقيد بالسن عند تحمله في شيء من طرقه، لا في الصحيحين ولا في غيرهما من الجوامع والمسانيد، إلا في طريق الزبيدي هذه. والزبيدي من كبار الحفاظ المتقنين عن الزهري .. وقد تابعه عبدالرحمن بن نمر عن الزهري ومن لفظه، عند الطبراني والخطيب في الكفاية. وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس سنين. وقد ذكر ابن حبان وغيره أن الربيع مات سنة تسع وتسعين وهو ابن أربع وتسعين، وهو مطابق لهذه الرواية. وذكر القاضي عياض في الإِلماع وغيره أن في بعض الروايات أنه كان ابن أربع، ولم أقف على هذا النص صريحًا في شيء من الروايات مع التتبع التام، إلا إن كان ذلك مأخوذًا من قول صاحب الاستيعاب أنه عقل المجة وهو ابن أربع سنين أو خمس. وكان الحامل له على هذا التردد قول الواقدي إنه كان ابن ثلاث وتسعين لما مات. والأول أولى بالاعتماد لصحة إسناده. على أن قول الواقدي يمكن حمله على أنه ألغى الكسر، وجَبَره غيره. والله أعلم "(فتح الباري 1/ 126) مع ترجمة محمود بن الربيع، الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه في (الاستيعاب) والإِصابة.
قال الشيخ - أبقاه الله -: التحديدُ بخمس ٍ هو الذي استقر عليه عملُ أهل ِ الحديث المتأخرين، فيكتبون لابنِ خمس ٍ فصاعدًا: سمع، ولمن لم يبلغ خَمْسًا: حضَر، أو: أُحضِر. والذي ينبغي في ذلك أن نعتبرَ في كلِّ صغيرٍ حاله على الخصوص، فإن وجدناه مرتفعا عن حال ِ مَن لا يَعقل فهمًا للخطاب وردًّا للجواب ونحو ذلك؛ صحَّحنا سماعَه وإن كان دونَ خمس ٍ، وإن لم يكن كذلك؛ لم نُصححْ سماعَه وإن كان ابن خمس ٍ، بل ابنَ خمسين (1).
وقد بلغنا عن " إبراهيم بن سعيد الجوهري " قال: " رأيتُ صبِيًّا ابن أربع سنين قد حُمِلَ إلى " المأمون " قد قرأ القرآن، ونظر في الرأي، غير أنه إذا جاع يبكي "(2). وعن " القاضي أبي محمد عبدالله بن محمد الأصبهاني " قال: " حفظتُ القرآن ولي خمسُ سنين، وحُمِلتُ إلى " أبي بكر (3) بن المقرئ " لأسمع منه، ولي أربع سنين، فقال بعض الحاضرين: لا تسمعوا له فيما قُرئ فإنه صغير. فقال لي ابن المقرئ: اقرأ (سورة الكافرون) فقرأتها، فقال: اقرأ (سورة التكوير) فقرأتها، فقال لي غيره: اقرأ (سورة المرسلات) فقرأتها ولم أغلط فيها. قال ابن المقرئ: سَمَّعوا له والعُهْدةُ عليَّ "(4).
وأما حديث " محمود بن الربيع " فيدلُّ على صحة ذلك من ابن خمس ٍ مثل محمود، ولا يدلُّ على انتفاء الصحة فيمن لم يكن ابن خمس ٍ، ولا على الصحة فيمن كان ابن خمس ٍ ولم يميز تمييز محمود رضي الله عنه. والله أعلم.
(1) مضمونه في طرة على هامش (غ).
(2)
حكاها الخطيب، بإسناده إلى الصاغاني عن إبراهيم بن سعيد الجوهري. (الكفاية: 64).
(3)
في (ص): إلى [أبي بكر المقرئ].
(4)
بنصه في (الكفاية: 64) سماع الخطيب من شيخه القاضي أبي محمد عبدالله بن محمد الأَصبهاني، المعروف بابن اللبان. وحكاها كذلك، في ترجمة شيخه سماعًا منه. في (تاريخ بغداد: 1/ 144 ت 529).
وما حكاه الخطيب عن الصبي الذي حمل إلى المأمون، وما سمعه من شيخه القاضي أبي محمد ابن اللبان، من مسموعات التاج السبكي من شيخه علم الدين أبي محمد البرزالي، حدثه بها من طريق الخطيب أبي بكر (معجم شيوخ السبكي: 1/ 290) مخطوط دار الكتب بالقاهرة.