الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني والستون:
معرفةُ من خَلَّط في آخر عمرِه من الثقات
.
هذا فن عزيز مهم، لم أعلم أحدًا أفرده بالتصنيفِ واعتنى به، مع كونه حقيقًا بذلك جدًّا (1).
وهم منقسمون: فمنهم من خلط لاختلاطِه وخَرفه، ومنهم من خلط لذاهب بصرِه أو لغير ذلك. والحكم فيهم أنه يُقبَل حديثُ من أخذ عنهم قبلَ الاختلاط، ولا يُقبَلُ حديثُ من أخذ عنهم بعد الاختلاط، أو أشكل أمرُه فلم يدرِ هل أخذ عنه قبل الاختلاطِ أو بعده.
فمنهم: " عطاء بن السائب " اختلط في آخر عمره فاحتج أهلُ العلم برواية الأكابر عنه، مثل " سفيانَ الثوري، وشُعبة " لأن سماعهم منه كان في الصحة. وتركوا الاحتجاجَ برواية من سمع منه آخرا. وقال " يحيى بن سعيد القطان " في شعبة: إلا حديثين كان شعبة يقول: سمعتهما بأخَرَةَ عن زاذان (2).
" أبو إسحاق السبيعي " اختلط أيضًا، ويقال إن سماع " سفيان بن عيينة " منه، بعدما اختلط، ذكر ذلك " أبو يعلى الخليلي "(3).
" سعيد بن إياس الجُرَيري " اختلط وتغير حفظُه قبل موته. قال
(1) قال الشمس السخاوي: " أفرد الحافظ " أبو بكر الحازمي " للمختلطين كتاب (تحفة المستفيد) ولم يقف عليه ابن الصلاح مع كونه حقيقًا بذلك جدًّا. ومن المتأخرين " العلائي " مرتبًا لهم على حروف المعجم باختصار. وللبرهان الحلبي (الاغتباط بمن رمي بالاختلاط) فتح المغيث 3/ 232.
(2)
انظر إيضاح العراقي لأحوال الذين ذكر ابن الصلاح اختلاطهم، وبيان المعروف ممن سمع منهم قبل الاختلاط وبعده، والمروي عنهم في (الصحيحين) التقييد والإيضاح 442 - 465.
(3)
التقييد والإيضاح (442 - 445) مع (الإرشاد للخليلي).
أبو الوليد [116 / ظ] الباجي المالكي (1): " قال النسائي: أُنكِرَ أيامَ الطاعون، وهو أثبتُ عندنا من خالد الحذاء، كذا ما سُمِعَ منه قبل أيام الطاعون "(2).
" سعيد بن أبي عَروبة " قال يحيى بن معين: " خلط سعيد بن أبي عروبة بعد هزيمة إبراهيم بن عبدالله بن حسن بن حسن، سنةَ اثنتين وأربعين - يعني: ومائة - ومن سمع منه بعد ذلك فليس بشيء. ويزيد بن هارون صحيح السماع منه، سمع منه بواسط وهو يريد الكوفة. وأثبتُ الناس ِ سماعًا منه: عبدةُ بن سليمان ".
قلت: وممن عُرف أنه سَمِعَ منه بعد اختلاطه: " وكيع، والمعافى بنُ عمران الموصلي ": بلغنا عن ابن عمار الموصلي أحد الحفاظ أنه قال: " ليست روايتهما عنه بشيء؛ إنما سماعُهما بعد ما اختلط " وقد روينا عن " يحيى بن معين " أنه قال لوكيع: تُحَدِّث عن سعيد بن أبي عروبة، وإنما سمعتَ منه في الاختلاط؟ فقال: رأيتَني حدَّثتُ عنه إلا بحديث مستوٍ *؟ (2).
" المسعودي " ممن اختلط، وهو:" عبدالرحمن بن عبدالله بن عتبة بن عبدالله بن مسعود الهذلي " وهو أخو أبي العُمَيْس عتبةَ المسعودي. ذكر " الحاكم أبو عبدالله " في (كتاب المزكين للرواة) عن يحيى بن معين أنه قال: " من سمع من المسعودي في زمان أبي جعفر (3) فهو صحيح السماع، ومن سمع منه في أيام المهدي فليس سماعه بشيء ".
(1) على هامش (ص): [هو صاحب كتاب المنتقى في شرح الموطأ].
وانظر: التقييد والإيضاح (445).
(2)
التقييد والإيضاح: 448 - 451.
(3)
[توفي أبو جعفر المنصور عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس سنة 158 هـ، وكانت ولايته اثنتين وعشرين سنة إلا أياما] من هامش (غ).
ولي الخلافة بعد موت أخيه أبي العباس السفاح في ذي الحجة سنة 136 ومات في ذي الحجة سنة 158. وخلفه ابنه المهدي، أبو عبدالله محمد، إلى وفاته في المحرم سنة 169 هـ.
_________
* المحاسن:
" فائدة: من هذه الحكاية يوجد أنه إذا حدَّث بحديث مستوٍ كان جائزًا. انتهت " 146 / و.
وذكر حنبل بن إسحاق عن " أحمد بن حنبل " أنه قال: " سماع عاصم - هو ابنُ عليٍّ - وأبي النضر، وهؤلاء، من المسعودي بعد ما اختلط "(1).
" ربيعة الرأي بن أبي عبدالرحمن، أستاذ مالك ": قيل إنه تغير في آخر عمرِه، وتُرِكَ الاعتماد عليه لذلك (2).
" صالح بن نبهان ". مولى التوأمة بنت أمية بن خلف: روى عنه ابنُ أبي ذئب والناسُ. قال [117 / و] أبو حاتم بن حبان: " تغير في سنة خمس وعشرين ومائة، واختلط حديثُه الأخير بحديثِه القديم ولم يتميز؛ فاستحق التركَ "(3).
" حُصَيْنُ بن عبدالرحمن الكوفي ": ممن اختلط وتغير. ذكره النسائي وغيره. والله أعلم (4).
" عبدالوهاب الثقفي ": ذكر ابنُ أبي حاتم الرازي عن يحيى بن معين أنه قال: اختلط بأخَرَة.
" سفيان بن عُيينة ": وجدتُ عن محمد بن عبدالله بن عمار الموصلي أنه سمع يحيى بن سعيد القطان يقول: " أشهد أن سفيان بن عيينة اختلط سنةَ سبع وتسعين، فمن سمع
(1) التقييد والإيضاح: 452 - 454 مع الجرح والتعديل 5/ 250 ترجمة 1197 وتهذيب التهذيب 6/ 212.
(2)
قال العراقي: " ما حكاه المصنف من تغير ربيعة الرأي في آخر عمره، لم أره لغيره ". انظر بيان ذلك في (التقييد والإيضاح: 455 - 456، مع التمهيد لابن عبدالبر: 3/ 501.
(3)
" اقتصر المصنف في صالح، على حكاية كلام ابن حبان فيه، فاقتضى ذلك ترك جمع حديثه. وليس كذلك؛ فقد ميز غير واحد من الأئمة بعض من سمع منه في صحته، ممن سمع منه بعد اختلاطه
…
" التقييد والإيضاح مع بيان ذلك: 456.
(4)
نبه العراقي على أن من اسمه " حصين بن عبدالرحمن الكوفي " أربعة، ذكرهم الخطيب في (المتفق والمفترق) والمزي في (التهذيب) والذهبي في (الميزان) فكان ينبغي تمييز هذا المذكور منهم بالاختلاط في آخر عمره، بنسبه: السُّلَمي، أو كنيته: أبي الهذيل وليس لغيره رواية في الكتب الستة (التقييد والإيضاح 456 - 458) مع بيان حاله والرواة عنه قبل الاختلاط وبعده.
منه في هذه السنة وبعد هذا، فسماعُه لا شيء " (1).
قلت: توفي بعد ذلك بنحو سنتين، سنة تسع وتسعين ومائة (2).
" عبدالرزاق بن همام ": ذكر أحمد بن حنبل أنه عمي في آخر عمره، فكان يُلَقَّن فيتلقَّن، فسماعُ من سمع منه بعد ما عمي، لا شيء. قال النسائي:" فيه نظرٌ لمن كتَبَ عنه بأخَرَة ".
قلت: وعلى هذا يُحملُ قولُ " عباس بن عبدالعظيم " لما رجع من صنعاء: " والله لقد تجشمتُ إلى عبدالرزاق، وإنه لكذاب، والواقدي أصدق منه ". قلت: وقد وجدتُ فيما رُوِي عن الطبراني عن إسحاق بن إبراهيم الدَبري عن عبدالرزاق، أحاديثَ استنكرتُها جدًّا، فأحلتُ أمرَها على ذلك، فإن سماعَ الدبري منه متأخر جدًّا. قال إبراهيم الحربي: مات عبدالرزاق وللدبَري ستُّ سنين أو سبع سنين (2) ز
ويحصل أيضًا في نظرٍ من كثيرٍ من العوالي الواقعة عمن تأخر سماعه من " سفيان بن عيينة " وأشباهه.
" عارم، محمد بن الفضل أبو النعمان ": اختلط بأخَرة. فما رواه عنه البخاري ومحمد بن يحيى الذهلي وغيرهما من الحفاظ، ينبغي أن يكون مأخوذًا عنه قبل اختلاطه (3).
" أبو قُلابة، عبدالملك بن محمد بن عبدالله الرقاشي ": روينا عن الإمام ابن خزيمة أنه قال: " حدثنا أبو قُلابة بالبصرة [117 ظ] قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد "(4).
(1) قول محمد بن عبدالله بن عمار الموصلي إنه سمع يحيى بن سعيد القطان يشهد باختلاط ابن عيينة سنة 177، استبعده الذهبي وغلّطه، بوفاة يحيى في مكة، في صفر سنة 178 هـ، ولم يذكر ابن الصلاح أن الأئمة سمعوا من سفيان قبل سنة سبع. وأما قول ابن الصلاح بوفاة سفيان بعد اختلاطه بسنتين. سنة 199، فوهّمه العراقي فيه، بأن المعروف أن سفيان توفي بمكة أول رجب، أو آخر جمادى الآخرة، سنة 198 هـ (التقييد والإيضاح: 459).
(2)
بيان أحوال عبدالرزاق في الصحة وبعد الاختلاط، والرواة عنه، ومن أخرج له من الأئمة، في (التقييد والإيضاح: 460 - 461).
وفي (سؤالات الحاكم للدارقطني): " وسألته عن إسحاق الدبَري فقال: صدوق، ما رأيت فيه خلافا، إنما قيل: لم يكن من رجال هذا الشأن. قلت: ويدخل في الصحيح؟ قال: إي والله " السؤال رقم 62 ط الرياض.
وانظر توثيق رواية الدبري لمصنف عبدالرزاق في (فهرسة ابن خير: 130) ط مدريد.
(3)
بيان ابتداء اختلاط عارم ومدته والرواة عنه، في (التقييد والإيضاح 461).
(4)
بيان من سمع من أبي قلابة الرقاشي بالبصرة، وبغداد في (التقييد 462).
وممن بلغنا عنه ذلك من المتأخرين:
" أبو أحمد الغطريفي (1) الجرجاني، وأبو طاهر (2) حفيد الإمام ابن خزيمة ": ذكر الحافظ أبو علي البرذعي، ثم السمرقندي، في (معجمه) أنه بلغه أنهما اختلطا في آخرِ عمرهما.
و " أبو بكر بن مالك القَطِيعي " راوي (مسند أحمد) وغيره: اختل في آخر عمره وخرف حتى كان لا يعرف شيئًا مما يقرأ عليه (3).
واعلم أن من كان من هذا القبيل محتجًّا بروايته في (الصحيحين) أو أحدهما؛ فإنا نعرف على الجملة، أن ذلك مما تميز وكان مأخوذًا قبل الاختلاط. والله أعلم.
(1) أبو أحمد الغطريفي، محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن الغطريف الجرجاني (277 هـ) قال عنه العراقي: ترجم له الحافظ حمزة السهمي في تاريخ جرجان، فلم يذكر عنه شيئًا من تخليط، وهو أعرف به فإنه أحد شيوخه. وثم آخر يوافقه في اسمه واسم أبيه وبلده، وهما متعاصران، ذكر الحاكم في تاريخ نيسابور اختلاطه بأخرة، وكان صاحبه في الحضر والسفر نيفًا وأربعين سنة وتوفي سنة 387 هـ، فعله اشتبه بأبي أحمد الغطريفي سميِّه (التقييد 463) وانظر ترجمة أبي أحمد الغطريفي - مصنف (المسند الصحيح على البخاري) -، في (تاريخ جرجان) رقم 799 ط 3 بيروت.
(2)
اختلط أبو طاهر، محمد بن الفضل بن إسحاق بن خزيمة في ذي الحجة 384 وتوفي في جمادى الأولى 387 هـ.
(3)
قال العراقي: " في ثبوت هذا عن القطيعي نظر. وهذا القول تبع فيه المصنف مقالة حُكيت عن أبي الحسن ابن الفرات لم يثبت إسنادها إليه، ذكرها الخطيب في التاريخ .. وقد أنكر صاحب الميزان هذا على ابن الفرات وقال: هذا غلو وإسراف. وقال أبو عبدالرحمن السُّلمي إنه سأل الدارقطني عنه فقال: ثقة زاهد، سمعت أنه مجاب الدعوة " وقال الحاكم: ثقة مأمون. وسئل عنه البرقاني فقال: كان شيخًا صالحًا، غرقت قطعة من كتبه فنسخها من كتاب ذكروا أنه لم يكن سماعه [فيه] فغمزوه لأجل ذلك، وإلا فهو ثقة. قال البرقاني: وكنت شديد التنقير عن حاله حتى ثبت عندي أنه صدوق لا شك في سماعه
…
ولما اجتمعت مع الحاكم أبي عبدالله بنيسابور ذكرت ابن مالك وليَّنته فأنكر عليّ [وقال: ذاك شيخي، وحسَّنَ حاله] وقال الخطيب: " لم [نر] أحدًا امتنع من الرواية عنه ولا ترك الاحتجاج به " وقال أبو بكر بن نقطة: " كان ثقة وتوفي لسبع بقين من ذي الحجة سنة 368 " وعلى تقدير ثبوت ما ذكره أبو الحسن ابن الفرات من التغير، وتبعه فيه المصنف، فمن سمع منه في الصحة الدارقطني وأبو حفص بن شاهين، وأبو عبدالله الحاكم، وأبو بكر البرقاني، وأبو نعيم الأصبهاني، وأبو علي ابن المذهب، راوي مسند أحمد عنه؛ فإنه سمعه عليه سنة ست وستين. والله أعلم ".
(التقييد والإيضاح: 465) مع: (تاريخ بغداد، ترجمة ابن مالك القطيعي أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك: 4/ 73 / 1693) والمقابلة عليه، وعلى (تقييد ابن نقطة: ل 48 أ).