الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع التاسع والستون:
معرفة أسباب الحديث
.
قال " الشيخ أبو الفتح القشيري، المشهور بابن دقيق العيد " رحمه الله، في (شرح العمدة) (1) في الكلام على حديث " إنما الأعمال بالنيات " في البحث التاسع: شرع بعض المتأخرين من أهل الحديث في تصنيف أسباب الحديث، كما صُنِّف في أسباب النزول للكتاب العزيز، فوقفتُ من ذلك على شيء يسير له، وحديث:" إنما الأعمال بالنيات " يدخل في هذا القبيل، وينضم إلى ذلك نظائرُ كثيرة لمن قصد تتبعَه (2).
هذا كلام الشيخ. وذكر قبل ذلك أنهم " نقلوا أن رجلا هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة، وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس، فسُمِّي: مهاجِرَ أم قيس؛ ولهذا خصَّ في الحديث ذكر المرأة دون سائر ما يُنوَى به الهجرةُ من أفراد الأغراض الدنيوية، ثم أُتْبع بالدنيا "(3).
وقوله: " ثم أُتْبع بالدنيا " وهمٌ سبق القلمُ إليه، وصابه: ذَكَر ذلك بعد ذِكْرِ الدنيا؛ إذ الكلام على الرواية التي ساقها صاحب (العمدة) والموجود منها ما قررناه (4).
واعلم أن السبب قد يُنقَل في الحديث، كما في حديث سؤال " جبريل " عن الإيمان (5) والإسلام والإحسان وغيرها، وحديث القُلَّتين: " سئل عن الماء [156 / ظ] يكون بالفلاة
(1) إحكام الأحكام في شرح (عمدة الأحكام في حديث سيد الأنام)، لعبدالغني المقدسي، تقي الدين.
(2 - 3) الوجه التاسع 1/ 11، والوجه السابع 1/ 10. ط بيروت / العلمية.
(4)
الرواية فيه لحديث عمر رضي الله عنه: " إنما الأعمال بالنيات - وفي رواية: بالنية - وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه " الأحكام 1/ 7.
بتقديم " دنيا " على " امرأة " وهي رواية البخاري حيث جاءت في مواضع الحديث من صحيحه، وأولها مفتتحه، ك بدء الوحي. ثم في كتب (الإيمان، والعتق، ومناقب الأنصار، والنكاح، والأيمان والنذور، .... ) ومثلها الرواية في صحيح مسلم، ك الإمارة، باب إنما الأعمال بالنية " وانظر (فتح الباري 1/ 1406).
(5)
حديث سؤال جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام، متفق عليه، أخرجه الشيخان في كتاب الإيمان:(اللؤلؤ والمرجان: 1/ 2 ح 5).
وما ينوبه من السباع والدواب (1)". وحديث الشفاعة: سببه قوله صلى الله عليه وسلم: " أنا سيدُ ولد آدم ولا فخر " (2). وحديث سؤال النجدي (3). وحديث " صَلِّ فإنك لم تُصلِّ " (4). وحديث " خذي فِرصةً من مِسك " (5). وحديث السؤال عن دم الحيض يصيب الثوب (6). وحديث السائل: " أي الأعمال أفضل " (7). وحديث سؤال: " أي الذنب أكبر " (8). وذلك كثير.
وقد لا ينقل السبب في الحديث، أو ينقل في بعض طرقه، فهو الذي ينبغي الاعتناء به. ومن ذلك:
(1) حديث القلتين، مع السؤال: في كتاب الطهارة من السنن الأربعة، وفي سنن الدارمي. وجمع الدارقطني طرقه في أول كتاب الطهارة من سننه. وأخرجه الحاكم في الطهارة من (المستدرك) وقال: صحيح على شرطهما، احتجا بجميع رجاله. وانظر (مشكل الآثار للطحاوي: 2/ 266).
(2)
حديث الشفاعة مع سببه، بلفظ هذا، رواه أحمد في مسند أبي سعيد الخدري، والترمذي وابن ماجه. ويأتي مع الأوائل في النوع السبعين. وانظر (فتح الباري 8/ 276).
(3)
متفق عليه من حديث طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه. أخرجه الشيخان في كتاب الإيمان: البخاري في باب الزكاة من الإسلام (فتح الباري 1/ 78) ومسلم في بيان الصلوات الخمس التي هي أحد أركان الدين: ح (2/ 11).
(4)
" ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ ": متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه البخاري في الأذان، باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم، الذي لا يتم ركوعه بالإعادة. ومسلم في الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، كلاهما من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيدالله العُمري، عن سعيد بن أبي سعيد المقبُري عن أبيه عن أبي هريرة. سئل فيه الدارقطني (في العلل 3/ 176) فذكر رواية يحيى القطان عن عبيدالله عن سعيد عن أبيه، ورواية آخرين من الحفاظ عن عبيدالله عن سعيد عن أبي هريرة. ويحيى القطان حافظ، فيشبه أن يكون عبيدالله حدث به على الوجهين. نقله ابن حجر وعقَّب:" قلت: لكل من الروايتين وجه مرجح " بيانه في (فتح الباري 1/ 187 - 188).
(5 - 6) الحديثان متفق عليهما، أخرجاهما في (كتاب الحيض من الصحيحين) أولهما من حديث عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض. والآخر من حديث أختها أسماء رضي الله عنها، قالت: جاءت امرأة النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ (اللؤلؤ والمرجان: 1/ 77، 1/ 71).
(7)
متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ ومن حديث أبي ذر رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ أخرجهما البخاري في ك الإيمان، وكتاب العتق. ومسلم في كتاب الإيمان.
(8)
حديث " أي الذنب أكبر / أعظم " سبق تخريجه في أحاديث (النوع العشرين: معرفة المدرج).
حديث " أفضل صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة " رواه " البخاري، ومسلم "(1) وغيرُهما من حديث " زيد بن ثابت " رضي الله عنه. وقد ورد في بعض الأحاديث على سؤال سائل، وهو ما أسنده ابن ماجه في (سُنَنه) و " الترمذي " في (الشمائل) من حديث " عبدالله بن سعد " قال:" سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما أفضل، الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ قال: " ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد؟ فَلأنْ أصلي في بيتي أحبُّ إلى من أصلي في المسجد، إلا أن تكون صلاة مكتوبة ".
أخرجه " ابنُ ماجه "(2) - وهذا لفظه - من حديث شيخه بكر بن خلف فقال: " ثنا أبو بشر بكر بن خلف، قال: عبدالرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن حرام بن معاوية، عن عمه عبدالله بن سعد " فذكره.
وأخرجه " الترمذي " في (الشمائل)(3) عن عباس العنبرس، عن عبدالرحمن بن مهدي، بسنده، إلا أنه قال:" عن حرام بن حكيم " وحرام هذا بالراء المهملة - وقد اختلفوا في اسم أبيه كما ترى - وهو بالراء اتفاقًا، والذي بالزاي قرشي (4). ووالد حكيم هذا: خالد بن سد، فعبدالله [157 / و] الصحابي، بن سعد: عم أبيه. وإنما نبهت على ذلك لما يقع فيه من الالتباس (5).
ومن ذلك حديث: " من صلى قاعدًأ فله نصفُ أجرِ القائم " رواه عمران بن حصين وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم. وحديث عمران في (صحيح البخاري)(6). وهذا الحديث له سبب رواه " عبدالرزاق " في مصنفه عن معمر عن الزهري، أن عبدالله بن عمرو - رضي الله
(1) البخاري في أبواب الأذان، باب صلاة الليل. ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد (ح: 208/ 777) وانظر (التمهيد 6/ 319).
(2)
سنن ابن ماجه، ك إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في التطوع في البيت: ح (1378).
(3)
من جامع الترمذي: 2/ 239.
(4)
يعني القرشي الذي بالزاي: " حزام بن خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي القرشي الأسدي " والد الصحابي حكيم بن حزام، وأخو السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها.
(5)
في الصحابة: عبدالله بن سعد: الأزدي، والأسلمي، والأنصاري، وابن خيثمة الأوسي وابن أبي السرح القرشي العامري
…
والذي في الإسناد هو " عبدالله بن سعد الأنصاري " عم " حرام بن حكيم " وحديث عبدالله عند أهل الشام: يقال إنه شهد القادسية وكان يومئذ على مقدمة الجيش. روى عنه حرام بن حكيم، وخالد بن معدان (الاستيعاب: 1551 والتهذيب) وانظر حزام بن خويلد القرشي الأسدي، وحرام بن حكيم، بن خالد بن سعد الأنصاري، في (الإكمال 2/ 415، 411).
(6)
كتاب الوتر (باب صلاة القاعد، فتح الباري 2/ 394).
عنهما قال: قدمنا المدينة فباء لنا وبأ من وعك المدينة شديد، وكان الناس يكثرون أن يصلوا في سُبَحِهم جلوسًا، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم عند الهاجرة وهم يصلون في سُبَحِهم جلوسًا، فقال:" صلاة الجالس نصف صلاة القائم " قال: فطفق الناس حينئذ يتجشمون القيام (1). قال " عبدالرزاق ": عقيب هذا: أخبرنا ابن جُريج، قال: قال ابن شهاب: أخبرني أنس بن مالك، قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهي مُحِمَّة فَحُمَّ الناسُ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون - قعودًا - فقال:" صلاة القاعد نصفُ صلاةِ القائم " فتجشم الناس الصلاةَ قيامًا " (2).
والطريق الثاني أجودُ؛ فإن الزهري لم يسمع عبدالله بن عمرو، وأيضًا فقد صح عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما ما قد يخالف ظاهر ذلك، وهو ما رواه " مسلم " وغيره من حديث هلال بن يَسَافٍ عن أبي يحيى عن عبدالله بن عمرو قال: حُدِّثتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:" صلاة الرجل قاعدًا نصف الصلاة ". قال: فأتيته فوجدتُه يصلي جالسًا، فوضعتُ يدي على رأسي فقال: ما لكَ يا عبدالله بن عمرو؟ قلت: حُدِّثتُ يا رسول الله أنك قلت: " صلاة الرجل قاعدًا على نصف الصلاة " وأنت تصلي قاعدًا؟ [157 / ظ] قال: " أجل ولكني لستُ كأحدِكم "(3).
فظهر من هذا الحديث أن " عبدالله بن عمرو " لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا، بخلاف ما يُشعر به ظاهرُ حديث عبدالرزاق، ولعله سمعه من بعض الصحابة أولا، فلا تنافي. وقد روى " عبدالرزاق " في (مصنفه) عن ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" إن للقاعد في الصلاة نصفَ أجرِ القائم " ولم يتعرض في هذا الحديث لذكر السبب. وما سبق من السبب يستفاد منه أن هذا النصف لمن صلى وبه بعضُ مرض ٍ لا يلحقه حَرجٌ بالقيام، ويظهر من هذا السبب أن الصلاة كانت في المسجد، وذلك لأحد أمرين: إما لأن الظاهر من حال
(1) مصنف عبدالرزاق: 2/ 471 ح (4120) وفي طبعته: " قدمنا بالمدينة فنالنا وباء " وعلى هامشه: الكلمة مشتبهة في الأصل. وفيها: " وهم يصلون في سبحتهم ".
السبحة، بالضم، واحدة السبح: صلاة التطوع والذكر والنافلة (النهاية) ومنه سبحة الضحى صلاتها ونافلتها (المشارق).
(2)
المصنف: 2/ 471، ح (4121) وفيه:" فتجشموا الناس قيامًا ".
(3)
صحيح مسلم، ك صلاة المسافرين، وقَصْرها. ولفظه فيه:" فوضعت يدي على رأسه "
…
" ولكني لست كأحد منكم "(ح 120/ 725).
المهاجرين إذ ذاك أنهم لا بيوت لهم بالمدينة، وهذا إنما يستفاد بذكر المسيب المذكور، والثاني أن تقريرهم على ذلك لبيان الجواز. وحديث " عبدالله بن سعد " السابق، نصٌّ في تفضيل صلاة النافلة في بيوت المدينة، على صلاة النفل بمسجد المدينة.
ومن ذلك حديثُ: " لا تصومُ المرأةُ وبعلُها شاهدٌ إلا بإذنه " - وفي رواية: غيرَ رمضانَ - رواه " أبو هريرةَ " وحديثه في (الصحيحين (1)، والسنن) ولهذا سببٌ رواه " أبو سعيد الخُدْري " رضي الله عنه، قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن عنده، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي صفوان بن المعطل السلمي يضربني إذا صليتُ، ويُفطرني إذا صُمت، ولا يصلي صلاةَ الفجر حتى تطلع الشمس - قال: وصفوانُ عنده - فسأله عما قالت، قال: يا رسول الله، أما قولها: يضربني إذا صليت؛ فإنها تقرأ بسورتين وقد نهيتها. قال [158 / و] فقال: " لو كانت سورة واحدة لكفت الناسَ. " قال: وأما قولها: يفطرني؛ فإنها تنطلق فتصوم وأنا رجل شاب فلا أصبر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: " لا تصم امرأة إلا بإذن زوجها " وأما قولها: إني لا أصلي حتى تطلع الشمس؛ فإنا أهلُ بيت عُرِفَ لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس. قال: " فإذا استيقظتَ فصلِّ ". أخرجه أبو داود في (سننه)(2)، والحاكم في (مستدركه) وقال: هذا حديث صحيح على شرطِ الشيخين، ولم يخرجاه (3).
وفي اللفظ المخرج في (سنن أبي داود، والحاكم) وغيرهما: " فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ " وفيه دلالة تشعر بأن مبدأ هذا الحكم وسماعهم له، كان ذلك اليوم على هذا السبب، وإلا فلا فائدة في قوله:" يومئذ ".
ومن ذلك حديث: " إذا أتيتم الصلاةَ فلا تأتوها وأنتم تسعون، ولكن ائتوها وعليكم
(1) صحيح: البخاري، ك النكاح، باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعًا - فتح الباري 9/ 236 - ومسلم: ك الزكاة، باب أجر الخازن الأمين والمرأة إذا تصدقت من بيت زوجها غير مفسدة، بإذنه الصريح أو العرفي. (ح 84/ 1026) بلفظ:" لا تَصُمْ ".
(2)
ك الصوم، باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها (2459). واللفظ منه.
(3)
المستدرك: ك الصيام: " لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها "(1/ 436).
السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا - وفي رواية: فاقضوا " - (1) تدل على أن المسبوق يدخل مع الإمام على أي حالِه وجده. ثم إذا سلم الإمام، أتى المسبوق بما بقي. وقد جاء ذلك مصرحًا به في حديث " علي، ومعاذ " رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا أتى أحدُكم الصلاةَ والإمام على حال ٍ، فليصنع كما صنع " رواه " الترمذي " واستغربه (2) ورواه غيره أيضًا.
ولهذا الحديث سبب وهو ما رواه " أبو نعيم " قال: ثنا سليمانُ بن أحمد قال: أنا أبو زرعة، أنا يحيى بن صالح الوُحَاظي، أنا فليح بن سليمان عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنا نأتي الصلاةَ فإذا جاء رجل وقد سُبِق بشيءٍ من الصلاة أشار [158 / ظ] إليه الذي يليه: قد سُبِقتَ بكذا، فيقضي. قال: وكنا بين راكع وساجد وقائم وقاعد، فجئتُ يومًا وقد سُبِقتُ ببعض ِ الصلاة، وأُشِير إليَّ بالذي سُبِقتُ به. فقلت: لا أجده على حال ٍ إلا كنت عليها. فكنتُ بحالهم التي وجدتهم عليها. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قمت فصليت، واستقبل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الناسَ وقال:" من القائل كذا وكذا؟ " قالوا: معاذ بن جبل. فقال: " قد سَنَّ لكم معاذ فاقتدوا به، إذا جاء أحدكم وقد سُبِقَ بشيء من الصلاة فليُصَلِّ مع الإمام بصلاته، فإذا فرغ الإمامُ فليقض ِ ما سبقه به "(3).
وروى " أبو نعيم " عن سليمان بن أحمد قال: أنا محمد بن محمد بن التمَّار البصري، ثنا حرمي بن حفص العتَكي، أنا عبدالعزيز بن مسلم، عن حصين، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل، قال: " كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُبق أحدهم بشيء من الصلاة سألهم فأشاروا إليه بالذي سُبِقَ به فيصلي ما سُبِقَ به، ثم يدخل معهم
(1) انظر ألفاظ الروايات فيه، في: صحيح البخاري، الأذان، باب لا يسعى إلى الصلاة وليأتها بوقار. وكتاب الجمعو، باب المشي إلى الجمعة (فتح الباري: 2/ 26579) وصحيح مسلم، ك المساجد، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، والنهي عن إتيانها سعيًا (ح: 151، 153، 155).
(2)
الترمذي: أبواب الصلاة، ما ذكر في الرجل يدرك الإمام وهو ساجد؛ كيف يصنع (3/ 73) مع العارضة.
(3)
مجمع الزوائد للهيثمي: 2/ 81 (باب في الكلام والإشارة في الصلاة) وانظره في (الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار) للحازمي: باب ما نسخ من الكلام في الصلاة، وذكر حديثٍ يدل على أن جواز ذلك كان قبل الهجرة (142 - 144).
في صلاتهم، فجاء معاذٌ والقومُ قعود في صلاتهم فقعد معهم، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام فقضى ما سبق به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اصنعوا ما صنع معاذ "(1).
يستفاد من ذكر هذا النسب أن المسبوق كان يبتدئ بعد أن يكون منفردًا. وقد أجاز ذلك جمع من أهل العلم ومنهم " الشافعي " في أرجح قوليه، وقال في موضع آخر: ولا يجوز أن يبتدئ الصلاةَ لنفسه ثم يأتم بغيره. وهذا منسوخ (2)، وقد كان المسلمون يصنعون ذلك حتى جاء عبدالله بن مسعود - أو معاذ بن جبل - وقد سبقه النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من الصلاة، فدخل معه ثم قام يقضي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن ابن مسعود - أو معاذًا - قد سَنَّ لكم سُنةً فاتبعوها " قال المزني: [159 / و] قوله عليه الصلاة والسلام: " إن معاذًا قد سن لكم " يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يُسْتَنَّ بهذه السنة فوافق ذلك فعل معاذ، وذلك أن بالناس حاجة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يُسَنُّ، وليس بها حاجة إلى غيره.
وما قاله " المزني " يشير به إلى أن معاذا أقدم على ذلك بأمرٍ ظهر له من شريعة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك حديثُ: " ما حدثكم أهلُ الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وكتبه ورسله ". هذا الحديث بهذا اللفظ مشهور. وله سبب، وهو ما رواه الإمام أحمد في (مسنده) وأبو داود في (سننه) من حديث " أبي نملة الأنصاري " رضي الله عنه أنه قال: بينما هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل من اليهود، مُرَّ بجنازة فقال: يا محمد، هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" الله أعلم ". فقال اليهودي: إنها تتكلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما حدثكم أهلُ الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله ورسله، فإن كان باطلا لم تصدقوه، وإن كان حقًّا لم تكذبوه " أخرجه أبو داود في كتاب العلم، في الباب الثاني منه (3).
(1) أخبار أصبهان، وانظر رواية سليمان بن أحمد، الطبراني لحديث معاذ رضي الله عنه في (مجمع الزوائد 2/ 82) باب في الكلام في الصلاة والإشارة.
(2)
الاعتبار للحازمي، باب في المسبوق بصلي ما فاته ثم يدخل مع الإمام في الصلاة:(204).
(3)
من السنن: باب رواية حديث أهل الكتاب (ح 3644).
ومن ذلك حديثُ: " الخراج بالضمان " رواه " الإمامان الشافعي وأحمد " رضي الله عنهما وأصحابُ السنن الأربعة، من حديث عائشة رضي الله عنها (1)، وحسَّنه " الترمذي " من طريق مخلد بن خُفاف، عن عروة عن عائشة، وصححه " ابنُ حبان " من هذا الطريق. ورواه " الترمذي " من حديث عُمَرَ بنِ علي المُقَدَّمي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وقال:" هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث هشام "(2) واستغربه " البخاري " من حديث عُمَرَ بن علي (3). وللحديث طرق أخرى، وفي بعضها ذكر السبب، ذكره الإمام " الشافعي " من رواية مسلم بن خالد الزنجي فقال: ولا أحسب، بل لا أشك - إن شاء الله -، أن مسلمًا (4) نصَّ الحديثَ، فذكر أن رجلا ابتاع عبدا فاستعمله، ثم ظهر منه على عيب. فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعيب، فقال المقضيُّ عليه: قد استعمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الخراج بالضمان ".
وما ذكره " الشافعي " قد أسنده " أبو داود " من حديث مسلم بن خالد، على الجزم، فقال: ثنا إبراهيم بن مروان، قال: ثنا أبي، ثنا مسلم بن خالد الزنجي، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، أن رجلا ابتاع عبدًا، فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم، ثم وجد به عيبًا فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فردَّه عليه، فقال الرجل: يا رسول الله قد استغل غلامي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الخراج بالضمان "(5).
ورواه " ابن ماجه " من حديث شيخه هشام بن عمار، قال:" ثنا مسلم بن خالد، ثنا هشام " فذكره (6).
(1) مسند الشافعي: (بيوع: 65، 84).
من طريق مخلد بن خفاف عن عروة، والإمام أحمد في مسند عائشة: حديث عروة رضي الله عنهما. والنسائي في البيوع، باب الخراج بالضمان (7/ 254) وتأتي في رواية أبي داود والترمذي وابن ماجه.
(2)
جامع الترمذي: بيوع، الخراج بالضمان (6/ 27) مع العارضة.
(3)
تاريخ البخاري الكبير: عمر بن علي بن عطاء بن مُقدم - كمحمد - أبو حفص البصري - 192 هـ: 7/ 260 (1097).
(4)
مسلم، شيخ الإمام الشافعي، هو ابن خالد الزنجي، الفقيه المكي. ونصَّ الحديث رفعه. والخراج ما يخرج من غَلَّة العين المبتاعة، وهو مستحق بالضمان (النهاية).
وقابل على الرواية في (مسند الشافعي: 84) بيوع.
(5)
سنن أبي داود: البيوع، باب الخراج بالضمان / ح (3510).
(6)
سنن ابن ماجه: التجارات / ح (2243).
قال " أبو داود " عقب روايته الحديث: هذا إسناد ليس بذاك (1).
وإنما قال " أبو داود " هذا من أجل " مسلم بن خالد الزنجي ". ومسلم بن خالد قد وثقه يحيى بن معين في رواية عباس الدوري والدارمي (2)، ولم ينفرد برواية الحديث عن هشام؛ فقد رواه عمر بن علي المقدمي عن هشام - كما سبق - وتابعه على ذلك جريرٌ، وإن كان جرير قد نُسِبَ فيه إلى التدليس. ولم ينفرد " مسلم بن خالد " بذكر السبب؛ فقد جاء ذكر السبب من غير رواية مسلم بن خالد، قال الشافعي رضي الله عنه: أخبرني من لا أتهم من أهل المدينة عن ابن أبي ذئب عن مخلد بن خفاف قال: ابتعت غلامًأ فاستغللتُه ثم ظهرتُ فيه على عيب، فخاصمته فيه إلى عمر بن عبدالعزيز فقضَى له بردِّه وقضى عليَّ بردِّ غلَّتِه. فأتيتُ [160 / و] عروةَ بن الزبير فأخبرته، فقال: أروحُ إليه العشيةَ فأخبره أن عائشة أخبرتْني " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان " فعجلتُ إلى عمر رحمه الله، فأخبرتُه ما أخبرني عروةُ عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عمرُ بن عبدالعزيز: فما أيسر عليَّ من قضاء قضيتُه - والله يعلم أني لم أرِدْ فيه إلا الحقَّ - فبلغني سنةُ النبي صلى الله عليه وسلم فأردَّ قضاءَ عمر، وأنفذ سنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فراح إليه عروةُ فقضى لي أن آخذ الخراج من الذي قضى به له " (3).
وقد رواه " أبو داود الطيالسي " عن ابن أبي ذئب بمعنى رواية " الشافعي "(4) ورواية الشافعي أتَمُّ. وذكر السبب يتبين به الفقهُ في المسألة.
وقد جاء في (سنن أبي داود) أمرٌ آخرُ يفهم منه تعدي ذلك إلى الغاضب. قال " أبو داود ": ثنا محمود بن خالد، ثنا الفريابي، عن سفيان عن محمد بن عبدالرحمن عن مخلد الغفاري، قال: كان بيني وبين أناس ٍ شركةٌ في عبد فاقتويته وبعضنا غائب، فأغلَّ عليَّ غَلَّةً خاصمني في نصيبه إلى بعض القضاة، فأمرني أن أرد الغلة، فأتيتُ عروةَ بن
(1) سنن أبي داود: البيوع، باب الخراج بالضمان / ح (3510).
(2)
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 8/ 183 (800).
(3)
مسند الشافعي: 84 ط 1327 هـ.
(4)
مسند أبي داود الطيالسي: 206 / ح (64).
الزبير فحدثتُه، فأتاه عروةُ فحدثه عن عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" الخراج بالضمان "(1).
وقد أخذ بهذا العموم جماعةٌ من العلماء من المدنيين والكوفيين، والأخذُ بالسبب المرفوع أقوى؛ لأمورٍ ليس هذا موضع بَسْطِها.
ومن ذلك الإرخاصُ في العَرايا، رواه " البخاري، ومسلم " من حديث ابن عمر عن زيد بن ثابت رضي الله عنهم، ومن حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما (2). وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة، تقييدُ الرخصة بما دون خمسة أوْسُق، أو خمسة أوسُق. شَكَّ داودُ [160 / ظ] بن الحصين أحد رواة الحديث (3).
ولذلك سببٌ ذكره " الشافعي " وغيره. قال الشافعي رضي الله عنه في (كتابِ البيوع)(4): " وقال محمود بن لبيد لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - إما زيد وإما غيره - ما عَراياكم هذه؟ قال: فلان وفلان - وسمى رجالا محتاجين من الأنصار - شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبًا يأكلونه مع الناس،
(1) سنن أبي داود، بيوع، باب فيمن اشترى عبدا فاستعمله ثم وجد فيه عيبا ح (3509) ووقع في طبعة دار صادر بيروت:[حدثنا محمود بن خالد الفريابي] فاختل السند. وإنما يروي أبو داود عن محمود بن خالد بن يزيد الدمشقي السلمي إمام مسجد سلمية، توفي سنة 249 هـ. ومحمود بن خالد يروي عن الفريابي، أبي عبدالله محمد بن يوسف بن واقد، نزيل قيسارية الشام (ع) توفي سنة 212 هـ.
(2)
حديث ابن عمر عن زيد بن ثابت، وحديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهم، في الإرخاص في بيع العرايا، في (اللؤلؤ والمرجان)، بيوع / ح (982، 985، 983) وروجع على الصحيحين.
(3)
أخرجه الشيخان من طريق مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان - مولى ابن أبي أحمد بن جحش - عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بِخُرْصها، في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق. ولم يذكر البخاري في باب بيع الثمر على رؤوس النخل ممن الشك. وأخرجه في (كتاب المساقاة) من طريق مالك عن داود، وفي آخره:" شك داود في ذلك "(فتح الباري 5/ 33) وذكره مسلم، آخر الحديث:" يشك داود، قال: خمسة، أو دون خمسة ". بيوع، باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا: ح (71/ 1541).
ورواه مالك في الموطأ (بيوع: ح 14) وفي التقصي لابن عبدالبر (ح: 51) وبسط القول في شرحه وفقهياته في (التمهيد 3/ 333) وانظر معه (فتح الباري: 4/ 265).
(4)
من كتاب الأم، وانظر مسند الشافعي: بيوع (50).
وعندهم فضول من قوتهم من التمر؛ فرخَّص لهم أن يبتاعوا العرايا بِخُرْصها، من التمر الذي في أيديهم يأكلونها رطبًا ".
وقال الشافعي رضي الله عنه في (كتاب اختلاف الحديث): " والعرايا التي أرخص رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيها، ما ذكره محمود بن لبيد قال: سألت زيد بن ثابت فقلت: ما عراياكم هذه التي تحلونها؟ " فذكر معنى ما ذكره في البيوع. قال الشافعي رحمه الله: وحديث سفيان يدل على مثل هذا الحديث. وهو ما رواه الشافعي رحمه الله عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن بُشير بن يسار، قال: سمعت سهلَ بن أبي حَثْمَة يقول: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر بالتمر، إلا أنه رخص في العرايا أن تباع بخرصها تمرًا يأكلها أهلها رطبًا "(1).
وأراد الشافعي بذلك قوله: " يأكلها أهلها رطبًا " وليس يدل على تتمة السبب.
ومن ذلك حديثُ النهي عن كراء الأرض - وفي لفظٍ: كراء المزارع، وهو المراد بالأول - ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة، منهم " رافع بن خَدِيج " ولحديثه طرق، منها ما رواه نافع: أن ابن عمر كان يكري مزارعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي إمارة أبي بكر وعثمان، وصدرًا من خلافة معاوية، حتى بلغه [161 / و] في آخر خلافته أن رافع بن خديج يحدث فيها بِنَهْي ٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدخل عليه وأنا معه، وسأله فقال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كراء المزارع " فتركها ابن عمر بعد ذلك، فكان إذا سُئِلَ عنها بعدُ، قال:" زعم ابنُ خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها " رواه " مسلم " بهذا اللفظ (3)، وفي (البخاري) نحوُه إلى قوله: ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع، فقال ابن عمر: قد علمتُ أنا كنا نكري مزارعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما على الأربعاء بشيء من التبن " (3).
(1) مسند الشافعي، بيوع (50) وفيه:" رخّص في العرِيَّة " واحد العرايا. وهي رواية حديث سهل بن أبي حثمة الأنصاري رضي الله عنه في الصحيحين. وانظره في اللؤلؤ والمرجان: 2/ 158 (986) ومع (فتح الباري 4/ 266).
(2)
صحيح مسلم. بيوع، باب كراء الأرض / ح (109/ 1547).
(3)
كتاب المزارعة من صحيح البخاري، باب من كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضًا في الزراعة والثمرة:(فتح الباري 5/ 16) قال " القسطلاني " على هامشه: " قوله: الأربعاء بفتح الهمزة =
وفي روايةٍ لنافع أن ابن عمر كان [يأجر]- بلفظ مسلم - الأرض قال: " فَنُبئ حديثًا عن رافع، قال: فانطلق بي معه إليه. قال فذكر عن بعض عمومته ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن كراء الأرض، قال: فتركه ابن عمر فلم يأجُرْه ". ورواه " مسلم " بهذا اللفظ (1).
ومنها روايةُ سالم بن عبدالله: " أن عبدالله بن عمر كان يكري أرضه، حتى بلغه أن رافع بن خديج الأنصاري كان ينهى عن كراء الأرض، فلقيه عبدالله فقال: يا ابن خديج، ماذا تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم في كراء الأرض؟ قال رافع بن خديج لعبدالله: " سمعت عمَّيَّ - وكانا قد شهدا بدرًا - يحدثان أهلَ الدار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض. قال عبدالله: لقد كنت أعلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأرض تُكرى. ثم خشي عبدالله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث في ذلك شيئًا لم يكن يعلمه، فترك كراء الأرض " رواه " مسلم " (2). وأخرج " البخاري " قولَ عبدالله بن عمر الذي في آخره (3).
ومنها رواية أبي النجاشي مولى رافع بن خديج، عن رافع، أن ظهير [61 / ظ] بن رافع - وهو عمه - قال ظهير: لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمرٍ كان بنا رافقًا، فقلت: وما ذاك؟ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق. قال: سألتني: كيف تصنعون بمحاقلكم؟ فقلت: تؤاجرها يا رسول الله على الرُّبع والأوسُقِ من التمر والشعير، قال:" فلا تفعلوا، ازرعوها أو أزرِعوها أو أمسكوها ".
رواه البخاري، وفي روايته: قال رافع: قلت سمعًا وطاعة (4). ورواه " مسلم " وهذا لفظه (5).
= وسكون الراء وكسر الموحدة، ممدودًا: جميع ربيع وهو النهر الصغير. وقوله: من التبن؛ بالموحدة الساكنة. وحاصل حديث ابن عمر هذا، أنه ينكر على رافع إطلاقه في النهي عن كراء الأراضي، ويقول: الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم، هو الذي كانوا يدخلون فيه الشرط الفاسد، وهو أنهم يشترطون ما على الأربعاء، وطائفة من التبن، وهو مجهول " اهـ. 2/ 32 - 35.
(1)
في البيوع، باب كراء الأرض: ح (111).
(2)
في البيوع، باب كرءا الأرض: ح (112).
(3)
المزارعة، باب ما كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضا في الزراعة والثمرة (فتح الباري 5/ 16).
(4)
المزارعة، باب ما كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضًا (فتح الباري 5/ 15).
(5)
صحيح مسلم، بيوع، باب كراء الأرض بالطعام: ح (114، 113).
ومنها رواية سليمان بن يسار عن رافع بن خَدِيج قال: كنا نحاقل الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكريها بالثلث والربع والطعام المسمَّى، فجاءنا ذاتَ يوم رجل من عمومتي قفال:" نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمرٍ كان لنا نافعًا، وطواعيةُ الله ورسوله أنفعُ لنا: نهانا أن نحاقل الأرض فنكريها على الثلث والربع والطعام المسمَّى، وأمرَ رَبَّ الأرض ِ أن يَزْرَعها [أو يُزرعَها] وكره كراءها وما سوى ذلك " رواه " مسلم " بهذا اللفظ (1)، وله طرق. وممن رواه من الصحابة:" جابر بن عبدالله " وله ألفاظ كلها في (الصحيح) منها عن جابر قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض " ومنها، عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت له أرض فليَزْرَعها، فإن لم يزرعها فلْيُزْرِعها أخاه ". ومنها، قال [جابر]: كان لرجال ٍ فضولُ أرضِين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من كانت [162 / و] له فضلُ أرض ٍ فليَزْرعْها أو ليمنحْها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضَه ". ومنها، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت له أرض فليزرعها أو ليُزْرِعْها أخاه، ولا يَكْرِها ".
والكلُّ من رواية " عطاء " عنه (2).
ومنها رواية " سعيد بن ميناء " عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من كان له فضل أرض ٍ فليَزْرَعْها أو ليُزْرِعْها أخاه. وقال: ولا تبيعوها " قال الراوي عن ابن ميناء: ما " ولا تبيعوها "؟ يعني الكراء؟ قال: نعم (3).
وممن روى ذلك من الصحابة: " أبو هريرة " رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه، فإن أبى فليُمسكْ أرضه " رواه " مسلم " مسندًا (4)،
(1) في صحيحه: بيوع، باب كراء الأرض بالطعام:113.
(2)
عطاء بن يسار، عن جابر رضي الله عنه. والأحاديث الأربعة، له، هنا في صحيح مسلم: ك البيوع، باب كراء الأرض بالطعام: ح (87، 88، 89، 92) والثالث في البخاري أيضًا، ك المزارعة باب ما كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضا (فتح الباري 5/ 15) وفي كتاب الهبة: فضل المنيحة.
(3)
عن جابر رضي الله عنه. أخرجه مسلم في البيوع، باب كراء الأرض، من رواية سليم بن حبان عن سعيد بن ميناء عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: / فذكره. قال سليم: فقلت لسعيد: ما قوله: لا تبيعوها؟ يعني الكراء؟ قال: نعم. ح (94).
(4)
أسنده مسلم عن شيخه حسن بن علي الحلواني: حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية - هو ابن سلام - عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة، يرفعه (باب كراء الأرض: ح 102/ 1544).
وذكره " البخاري " تعليقًا.
ولذلك سبب، وهو ما جاء عن " رافع بن خَدِيج " قال:" كنا أكثر أهل ِ المدينة مزرعًا، كنا نكري الأرض بالناحية منها على مسمى، فممّا يصاب ذلك وتسلم الأرض، ومما تصاب الأرض ويسلم ذلك، فنهينا. فأما الذهب والورِق فلم يكن يومئذ " رواه البخاري (2).
وعن رافع بن خَدِيج قال: " كنا أكثر الأنصار حقلا، كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه، قال: فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه، فنهانا عن ذلك. فأما الورق فلم يَنْهَنَا " رواه " مسلم " وهذا لفظه (3). وروى " البخاري " عنه قال: " كنا أكثر أهل المدينة حقلا، وكان أحدُنا يكري أرضه فيقول: هذه القطعة لي وهذه لك، فربما أخرجت ذه ولم تخرج ذه. فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم - وفي لفظ له أيضًا: فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه -، فنُهينا عن ذلك، ولم نُنْه عن الورق "(4).
ولـ " مسلم " عن حنظلة بن قيس الأنصاري، أنه سأل رافع بن خَدِيج عن كراء الأرض فقال:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض، قال: فقلت: أبِالذهب والوَرِق؟ قال: [162 / ظ] أما الذهب والورق فلا بأس به "(5). وفي رواية لمسلم عن حنظلة، قال:" سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق، فقال: لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم على الماذيانات وأقبال ِ الجداول وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا. فلم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر الناس عنه، فأما شيء معلوم مضمون؛ فلا بأس به "(6).
(1) في كتاب المزارعة، تعليقا:" وقال الربيع بن نافع أبو توبة: حدثنا معاوية عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة " فذكره. وقال الحافظ ابن حجر: " وأبو توبة ثقة، ليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وآخر في الطلاق. وقد وصل مسلم حديث الباب عن الحسن الحلواني عن أبي توبة .. وقد أطنب النسائي في جمع طرقه (فتح الباري 5/ 16) مع سنن النسائي، بيوع. والدارقطني كذلك في (كتاب البيوع من سننه).
(2)
في المزارعة .. فتح الباري 5/ 7.
(3)
البيوع (باب كراء الأرض بالذهب والورق) الفضة / ح 117/ 1547.
(4)
البخاري: المزارعة، باب ما يكره من الشروط (فتح الباري 5/ 10).
(5 - 6) ح 115، 116 من (باب كراء الأرض بالذهب والورق، كتاب البيوع، صحيح مسلم) الماذيانات: بذال معجمة مكسورة ثم ياء مثناة ثم ألف ثم نون ثم ألف تاء مثناة - وحكي عن بعضهم فتح الذال المعجمة - وهي مسايل الماء، جمع مسيل، وقيل: هي ما ينبت على حافتي مسيل الماء، وقيل: ما ينبت حول =
فقد صرحت هذه الرواياتُ بالسبب المقتضي للنهي. وأما ما سبق من رواية سليمان بن يسار عن رافع عن رجل من عمومته التي فيها النهي عن كراء الأرض بالطعام المسمَّى - وقد رواها " مسلم " من طريق أبي الطاهر عن رافع، من غير ذكر: بعض عمومته (1) - فهو محمول على الطعام المسمَّى من تلك الأرض، لا على المضمون في الذمة. ولهذا السببِ طرق أخرى من رواية نافع.
وأما رواية جابر، يرفعه، قال: كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من القِصْرَى ومن كذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من كانت له أرض فليزرعها أو فَلْيُحْرِثْها أخاه، وإلا فليدعْها " رواه " مسلم "(2) وله عنه، قال: كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نأخذ الأرض بالثلث أو الربع، بالماذيانات، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" من كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه، فإن لم يمنحها أخاه فليمسكْها "(3).
فظهر بذلك أن النهي عن كراء الأرض في حديث جابر، إنما كان لهذا السبب، لا أنه نهى عن الإجارة مطلقًا. ويكون نهى عن كراء الأرض بما كان يُعتاد من الأمور التي فيها [162 / و] الغرَرُ والجهل، ويؤدي إلى النزاع. ويشهد له ما جاء عن " سعد بن أبي وقاص ": أن أصحاب المزارع في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانو يُكْرون مزارعَهم بما يكون على السواقي من الزروع، وما سُقي بالماء مما حول البئر، فجاءوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فاختصموا في ذلك، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُكْرُوا بذلك، وقال:" اكروا بالذهب والفضة " رواه الإمام أحمد - وهذا لفظُه - وأبو داود، والنسائي (4).
= السواقي، وهي لفظة معربة، وقال الخطابي: هي الأنهار وهي من كلام العجم صارت دخيلا في كلامهم (القاموس: مذي، ومشارق الأنوار 1/ 376).
وأقبال الجداول: أي أوائلها ورءوسها، جمع جدول، المجرى الصغير من الماء.
(1)
ح: 114 من الباب: عن شيخه أبي الطاهر المصري أحمد بن عمرو بن السرح الحافظ.
(2)
بيوع، باب كراء الأرض (ح: 95) والقصري، ما يصاب من بقايا السنبل. انظر الخلاف في ضبطها في فصل الاختلاف والوهم من حرف القاف، في (مشارق الأنوار 2/ 189).
(3)
الحديث رقم 95 من (باب كراء الأرض: كتاب البيوع، في صحيح مسلم) والمخابرة: المزارعة على نصيب معين، كالثالث والربع وغيرهما (النهاية: الخاء مع الباء).
(4)
المسند: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وأبو داود في البيوع، باب في المزارعة، بلفظ مقارب ح (3391) والنسائي في البيوع.
والغرر، ما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول (النهاية). ونهى عن بيع الغرر، وهو الجهل بالمبيع أو ثمنه أو سلامته أو أجَلِه (المشارق 2/ 131).
وللعلماء في هذه الأحاديث مقالات ليس هذا موضع بسطها، وما ذُكر في هذا النوع من الأسباب: قد يكون ما ذكر عقبَ ذلك السبب من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم أوَّلَ ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت، وقد يكون تكلم به قبلَ ذلك لنحو ذلك السبب أوْ لا لسببٍ، وقد يتعين أن يكون ما تكلم به في ذلك الوقت لأمورٍ تظهر للعارفِ بهذا الشأن.
وفي أبواب الشريعة والقَصَص ِ وغيرها، أحاديثُ لها أسباب يطول شرحُها. وما ذكرنا أنموذج لمن يريد تَعَرُّفَ ذلك، ومَدخَل لمن يريد أن يضيف مبسوطًا في ذلك، والمرجو من الله سبحانه وتعالى الإعانة على مبسوطٍ فيه، بفضله وكرمه.
النوع الموفي سبعين:
التاريخ المتعلِّق بالمتون (*).
هذا النوع فوائدُه كثيرة، وله نفع كبير في معرفة الناسخ والمنسوخ، ويُعرف به اعتداءُ مشروعية ذلك الشيء، فيظهر بذلك خلوُّ الزمان الذي قبلَه عن مشروعية ذلك الشيء، إما لأن الحكم إلى ذلك الوقت لم يكن محتاجًا إليه، أو يم يُطلَبْ إلا ذلك الوقتَ، وإما لأنه كان قبله حكم [163 / ظ] آخرُ ارتفع بهذا، فيكون من قسم الناسخ والمنسوخ، أو لم يرتفع بالكلية بل اقتضى الحالُ التخييرَ، وفي عَدِّ ذلك من النسخ بحث ليس هذا موضعَه.
والتاريخ قد يكون بمجرد أولَ ما كان كذا، وبالقَبْلية، والبَعْدِيَّة، وبآخرِ الأمريْنِ. ويكون: بذكرِ السنة أو بذكر الشهر، أو بغير ذلك مما يُعرف به التاريخ. وهذا نظيرُ ما تكلم عليه جمع من العلماء في النازل من القرآن قبلُ، وما نزل بعدُ. والمكيُّ والمدنيُّ فيه تبيين لذلك. وربما تكلموا على صيفيِّه وشتائيه، وليليِّه ونهاريه، وإن لم يكن من هذا القبيل إلا بتبيُّن التاريخ.
فمن الأوائل:
" أول ما بدئ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقةُ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاءُ " الحديث بطوله ثابت في (الصحيحين)(1).
وقد صَنف العلماء في (الأوائل)، وفي (مصنف ابن أبي شيبة)(2) في أواخره (كتابُ
* ذكره للسراج البلقيني: الشمس السخاوي في (تواريخ الرواة والوفيات من فتح المغيث 3/ 284) والجلال السيوطي في النوع التسعين من تدريب الراوي (2/ 395).
(1)
البخاري في كتاب بدء الوحي، مفتتح الصحيح، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بدء الوحي، من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها.
(2)
الطبعة الأولى الكاملة: الدار السلفية، بومباي 1403 هـ - 1983 م في خمسة عشر مجلدا. وكتاب الأوائل في المجلد الرابع عشر: ص 68 - 149 الأحاديث (17582 - 17897) ومنها أرقام الأحاديث فيما ننقل هنا من (المصنف) والمقابلة عليها. وهو بتحقيق السيد، مختار أحمد الندوي.
الأوائل) وتكلم الناس في أول ما خلق الله جل جلاله، وقد تعرض لذلك المؤرخون وغيرُهم. ولسنا بصدد البسط لذلك وإنما نذكر أمورًا تتعلق بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، وبشريعتنا، وقد يكون ذلك مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو جاء بإسنادٍ حسن أو ضعيف، أو لم يكن مرفوعًا بل كان موقوفًا أو مقطوعًا. فمن ذلك:
" أول الأنبياء آدم " رواه أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأسنده ابن أبي شيبة في (مصنفه) فقال: حدثنا يزيد عن المسعودي، عن أبي عمرو، عن عبيد بن الحسحاس، عن أبي ذر، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، قلت: أي الأنبياء أول؟ قال: " آدم "[164 / و] قلت: وهل كان نبيًّا؟ قال: نبي مُكَلَّم ".
إسنادُ الحديث حسن، وعبيد بن الحسحاس روى له النسائي - ويقال بالحاء والسين المهملتين المكررتين. وبالخاء والشين المعجمتين المكررتين، وهو أشهر (1) -.
ولـ " آدمَ " صلى الله عليه وسلم أوائلُ مخصوص بها معلومة، ولمن بعده أوائلُ: فمن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: " لا تُقتَل نفس [ظلمًا] إلا كان على ابنِ آدمَ الأول ِ منها كِفْلٌ؛ فإنه أولُ من سَنَّ القتلَ "(2).
ولـ " نوح " صلى الله عليه وسلم أوائلُ، وثابت في (حديثِ الشفاعة) أنه أول رسول ٍ بُعِثَ إلى أهل الأرض (3). وله أوائلُ معروفة في اتخاذِ السفينة وركوبها، وغير ذلك. ومن
(1) المصنف: ك الأوائل ح (17782) وإسناده في الأصل: " حدثنا يزيد عن المسعودي عن أبي عمرو " - عدل عنها المحقق إلى [أبي عمر] كما في طبقات ابن سعد - رجال الإسناد: يزيد بن هارون، أبو خالد الواسطي الحافظ (ع) عن المسعودي عبدالرحمن بن عبدالله بن عتبة بن مسعود الكوفي (خت 4) عن أبي عمر، ويقال أبو عمرو أيضًا، الشامي الدمشقي (س) عن عبيد بن الحسحاس، بمهملات وبمعجمات، التابعي (س). وهو السند في سنن النسائي لحديث أبي ذر رضي الله عنه، مرفوعًا.
(2)
المصنف (17825) بلفظ " إلا كان على ابن آدم الأول ِ كفل من دمها " وهي الرواية لحديث ابن مسعود في الصحيحين: البخاري في كتاب الأنبياء، ومسلم في القسامة باب إثم من سَنَّ القتل. وانظره في (اللؤلؤ والمرجان 2/ 209).
(3)
اقتصر المصنف في أولية نوح عليه السلام، نبيًّا، على حديث الشفاعة عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا (17788) ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا (17789) وحديثهما كاملا في الصحيحين: عن أنس رضي الله عنه في البخاري، ك التوحيد، ومسلم، ك الإيمان. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في البخاري، ك التفسير، سورة الإسراء. ومسلم في الإيمان، وبلفظ مسلم في (اللؤلؤ 1/ 52، 54 ح 119، 120).
أغربها أنه أولُ من اتخذ الكلبَ للحراسة. روى " القاسم بن مسلمة " بإسناده عن علقمة عن عبدالله رضي الله عنه أنه قال: " أول من اتخذ الكلب نوح صلى الله عليه وسلم، قال: يا ربِّ، أمرتَني أن أصنع الفُلْك (1) فأنا في صناعته أصنع أيامًا، فيجيئونني بالليل فيفسدون، كل ما عملت أفسدوه، فمتى يلتئم لي ما أمرتني به فقد طال عليَّ أمري؟ فأوحى الله تعالى إليه: " يا نوحُ اتخذْ كلبًا يحرسك " فاتخذ نوح كلبًا، فكان يعمل بالنهار وينام بالليل فإذا جاء قومُه ليفسدوا ما عمل بالليل نبحهم بالكلب، فينتبه نوح فيأخذ الهراوة لهم ويثب إليهم فيهربون منه، فالتأم له ما أراد "(2).
ولـ " إبراهيم " صلى الله عليه وسلم أوائلُ: فمن ذلك أنه " أولُ من شابَ، وأول من خطبَ على المنابر، وأولُ الناس أضاف الضيفَ، وأول الناس ِ اختتنَ، وأول الناس قلَّم أظفاره وجزَّ شاربه واستحدَّ، وأولُ من عقد الألويةَ، وأولُ من يُكسى يومَ القيامة ". يُروَى بعضُ ذلك مرفوعا، وبعض [164 / ظ] موقوفا (3).
(1) لم أقف في طبعة المصنف على أولية نوح عليه السلام في اتخاذ السفينة وركوبها. وحديثه في صحيح البخاري، ك التفسير، باب " ذرية من حملنا مع نوح " فتح الباري 6/ 234.
(2)
المصنف: ح (17895) وسنده في المطبوعة: أخبرنا مسلمة، حدثنا محمد بن عبدالله بن يوسف المكي البغدادي بالقلزم، قال: حدثني أبي رحمه الله قال حدثنا أبي محمد بن يوسف قال حدثنا أبو داود سليمان بن عمرو النخعي، حدثنا سعيد بن إياس - هو الجريري - - 144 هـ - عن علقمة عن عبدالله بن عباس.
وهذا الحديث يقع في سبعة عشر حديثًا أواخر كتاب الأوائل (17881 - 17897) تالية لقوله: بعد الحديث 17880، آخر كتاب الأوائل والحمد لله. قال المحقق على هامشه: إنه مما يدل على انتهاء أوائل ابن أبي شيبة هنا، وأما بعده فهو إضافة، استمرارا لما هنا (ص 14/ 139).
وتبدأ هذه المجموعة المضافة بهذا الإسناد: حدثنا أبو القاسم مسلمة بن القاسم حدثنا أبو الحسن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد بن حجر القرشي العسقلاني بعسقلان، حدثنا أبو الفضل صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل
…
" وصالح من طبقة تلاميذ أبي بكر بن أبي شيبة المتوفى سنة 234، ثم يتكرر الإسناد عن مسلمة في عشرة أحاديث من هذه المجموعة المزيدة. ومسلمة بن القاسم من أعلام القرن الرابع وهو راوي الحديث الأول من كتاب الأوائل في المصنف (17582) قراءة على محمد بن أحمد بن الجهم، ابن الوراق المالكي ببغداد سنة 234 هـ. قال: قرئ على أبي أحمد محمد بن عبدوس بن كامل السراج وأنا أسمع سنة تسعين ومائتين. قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة الكوفي.
(3)
موزعة في المصنف: أول من شاب (17588 - 17784) وأول من خطب على المنابر (17586) =
ومن الأوائل لِـ " إسماعيلَ بن إبراهيم " - صلى الله عليهما وسلم -: ما رواه الواقدي عن عبدالله بن يزيد الهلالي عن مسلم بن جندب، قال:" أول من ركب الخيلَ إسماعيلُ بن إبراهيم - صلى الله عليهما وسلم -، وإنما كان وحشًا لا يطاق حتى سُخِّرتْ له " وروى " الزُّبَير بن بَكَّار " في أول كتابه في (أنساب قريش) من حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كانت الخيل وحوشا لا تركب، فأولُ من ركبها إسماعيلُ، وبذلك سُمِّيت العِراب ".
ولنقتصر على ذكر بعض أوائلَ بآبائنا الأربعة - صلى الله عليهم وسلم - فإن " آدم " أبو البشر.
و " نوح " أبو مَن بقي بعد الطوفان، قال الله - تعالى -:" وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ "(1).
وقال تعالى في حق إبراهيم: " مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ "(2).
و " إسماعيل " أبو العرب، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا " رواه البخاري (4).
ولنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين أوائلُ في الدنيا والآخرة ليست لغيره. فمن ذلك: أن رؤيةَ الله لم تحصل لأحَدٍ من البشر في الدنيا إلا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأنبياء يرون الله تعالى في الدار الآخرة، وكذلك المؤمنون من أتباعِهم، فيحسن أن يقالَ إن نبينا صلى الله عليه وسلم أول من رأى اللهَ من البشر (4).
= وأول من أضاف واختتن وقلم أظافره وجز شاربه واستحد (17587) - أحاديث منها موقوف، ومرسل، ومنقطع - وأول من يُكسى يوم القيامة: من رواية عبدالله بن الحارث بن نوفل، عن علي رضي الله عنه، موقوفا (17785) وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا (17786، 17797) وعن مجاهد مرسلا (17848).
سئل الدارقطني عن حديث عبدالله بن الحارث بن نوفل عن علي رضي الله عنه، فذكر من رواه عن ابن الحارث مرفوعًا، ومن رواه عنه موقوفا وقال: وهو الصواب (العلل 1/ 109) في حديث علي رضي الله عنه.
(1)
الآية رقم 77 من سورة الصافات. وسياقها: " وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ".
(2)
من الآية 78 سورة الحج، والخطاب فيها للذين آمنوا.
(3)
في الجهاد، باب التحريض على الرمي، وفي المناقب: باب نسبة اليمن إلى إسماعيل عليه السلام.
(4)
أحاديث الرؤية، في البخاري: التفسير، الإسراء، والنجم، والرحمن. وفي التوحيد: باب " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ " والآذان: باب فضل السجود، وصحيح مسلم: ك الإيمان: أبواب: معنى قوله عز وجل: " وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى "، وإثبات رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة، ومعرفة طريق الرؤية.
وفي الآخرة: " أول شافع، وأولُ مُشَفَّع، وأولُ من تنشق عنه الأرضُ، وأول من يقرع باب الجنة " وفي ذلك أحاديثُ معروفة (1).
وأما ما يتعلق بأوائل الشريعة؛ فمن ذلك:
أولُ ما نهاه الله عنه: ما أسنده " ابن أبي شيبة " فقال [165 / و]: ثنا ابن المبارك عن الأوزاعي عن عروة بن رُوَيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول ما نهاني ربي عن عبادة الأوثان، وعن شرب الخمر، وعن ملاحاة الرجال "(2)، ثم أسند من حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها أنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنْ كان أول ما نهاني الله عنه إليّ وعهِد، بعد عبادة الأوثان، شرب الخمر وملاحاة الرجال "(3).
وأولُ ما خاطب به جبريلُ النبي صلى الله عليه وسلم: " اقْرَأْ "، كما يقتضيه الحديثُ الثابت في بدء الوحي. وكان سِنُّه إذ ذاك أربعين سنةً، وقيل: أربعين ويومًا.
ثم أُمِرَ بعد ذلك بالقيام والإنذار في: " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ " ولذلك قال بعضُ العلماء: أولُ ما وجب، الإنذارُ والدعاء إلى التوحيد.
ثم فرض الله تعالى من قيام الليل ما ذكره في أول (سورة المزمل) ثم نسخه في آخرها، ثم نسخه بإيجاب الصلواتِ الخمس ِ ليلة الإسراء بمكة (4)، بعد البعثة بعشر سنين وثلاثة أشهر، ليلةَ سبع ٍ وعشرين من شهر رجب - وقيل قبل الهجرة بعام، وقيل بعد البعثة بتسعة أعوام، وقيل بخمسة. وقد قيل في الشهر إنه ربيع الأول وقيل شهر ربيع
(1) المصنف (17659، 17694، 17698) وانظر معه: صحيح البخاري، التفسير " ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ " الإسراء. وصحيح مسلم: الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلةً، وباب إثبات الشفاعة، وجامع الترمذي في التفسير والمناقب، وابن ماجه في الزهد: باب ذكر الشفاعة.
(2)
المصنف: أوائل (17730) وفي الأشربة 8/ 192 - 4118 بلفظ مقارب.
(3)
المصنف: ح (17810).
(4)
البخاري: ك الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء. ومسلم في ك الإيمان، باب الإسراء وفرض الصلوات الخمس. مع ابن إسحاق في الهشامية (2/ 37، 46) وابن سعد (1/ 213).
الآخر، وقيل شهر رمضان - والمحقَّقُ أن ذلك كان بعد شقِّ الصحيفة وقبل بيعة العقبة (1).
ووقع لشَريك بن أبي نَمِرٍ في روايته في (الصحيح) أن ذلك كان قبل أن يوحى إليه، وهو وهم من شريك عند المحدثين. وليلة المعراج هي ليلة الإسراء، وقيل غيرها (2).
وكانت إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة ثلاثَ عشرةَ سنة على المشهور، وقيل خمسَ عشرة، وقيل عشرا. ثم هاجر إلى المدينة.
ومن الهجرة ابتدءوا التاريخ الإسلامي. وإقامته [صلى الله عليه وسلم] بالمدينة: عشر سنين اتفاقًا.
وفي السنة الأولى: بنى [165 / ظ] صلى الله عليه وسلم مسجده ومساكنه. وآخَى بين المهاجرين والأنصار، وشرع الأذان (3).
وتتعلق بالمساجد أوليةٌ حسنةٌ رواها " ابن أبي شيبة " في (مصنفه)(4) فقال: " ثنا أبو معاوية عن عاصم عن عباس بن عبدالله الهاشمي، قال: أول ما خُلِّقت المساجدُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في القبلة نخامة فحكَّها. ثم أمر بالخلوق فلطخ به مكانها، فخلَّق الناسُ المساجد ".
وفي السنة الثانية من الهجرة: حُولت القبلة إلى الكعبة. قال " محمد بن حبيب الهاشمي ": " حُوِّلت في الظهر يومَ الثلاثاء نصفَ شعبان، كان صلى الله عليه وسلم في أصحابه فحانت صلاة الظهر في منازل بني سلمة فصلى بهم ركعتين من الظهر في مسجدهم إلى القدس، ثم
(1 - 2) الحصار وشق صحيفته، في: الهشامية (1/ 375، 2/ 14) وابن سعد 1/ 208 والدرر 58. والعقبة الأولى في (الهشامية 2/ 70، وابن سعد والدرر 70).
وتقصي مختلف الأقوال في وقت ليلة الإسراء، والمعراج أبو الفتح اليعمري في (عيون الأثر 1/ 148) وابن حجر في (فتح الباري 7/ 136 - 140) والسمهودي في (وفاء الوفا 1/ 170).
(3)
قابل على: صحيح البخاري: المغازي: باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، وباب مرضه صلى الله عليه وسلم ووفاته. ومعه (فتح الباري 7/ 163) ومسلم في الفضائل، باب كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة.
- فيما يلي من تأريخ الأحداث بعد الهجرة، ما فيه خلاف يرجع فيه إلى كتب السيرة والحديث والتاريخ، الأمهات.
(4)
المصنف: ح (17814) ورجال إسناده: أبو معاوية، هو الضرير محمد بن خازم، وعاصم هو الأحول، عن عباس بن عبدالله بن معبد بن عباس بن عبدالمطلب، الهاشمي. والحديث في (المصنف) أيضًا: ك الصلوات، باب تخليق المساجد (2/ 362).
أمِرَ في الصلاة باستقبال الكعبة، وهو راكع في الركعة الثانية، فاستدار واستدارت الصفوفُ خلفَه صلى الله عليه وسلم فأتم الصلاةَ، فسُمِّي مسجد القبلتين ".
وأما ما جاء في حديث " البراء " ما يقتضي أن أول صلاةٍ صلاها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة صلاةُ العصر (1)؛ فمحمول على الصلاة من أولها إلى آخرها. وكان قبل ذلك مأمورًا بالصلاة إلى بيت المقدس مدةَ مقامه بمكة، وبعد الهجرة ستةَ عشرَ شهرًا أو سبعةَ عشرَ. هذا هو الصحيح، وقيل غيره، وقيل: كان بمكة يستقبل الكعبة أولا، ثم أمِرَ ببيت المقدس.
وفي شعبان من السنة الثانية، فُرِضَ صومُ رمضان.
وفيها: فُرِضَتْ صدقةُ الفِطْر، وشُرعت الأضحية، وفيها غزوةُ بدر الكبرى في رمضان (2).
وفي السنة الثالثة: غزواتٌ منها: " غزاة أحُدٍ " يوم السبت [166 / و] السابع من شوال. ثم " غزاة بدر الكبرى " في هلال ذي القعدة. وفيها " غزاة بني النضير " وحُرمت الخمر بعد غزاة أُحُد، هذا هو المعروف. وقد سبق في حديث " أم سلمة " وغيرِها في أول ما نُهِيَ عنه، ما قد يخالف هذا (3).
وفي السنة الرابعة: " غزاة الخندق " على الصحيح، وذكرها جماعة في الخامسة، ويقال
(1) حديث البراء رضي الله عنه في الصحيحين (اللؤلؤ 1/ 116 ح 302) ومعه (فتح الباري 1/ 340) وانظر الموطأ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، (ك القبلة، ح 6) ومسند الشافعي، من طريق الإمام مالك (صلاة: 8، والرسالة فقرة 365) ومجمع الزوائد (2/ 198) وانظر تحويل القبلة في (الهشامية 2/ 198، وابن سعد 1/ 241) والاعتبار للحازمي (125 - 128) وسنن الدارقطني (1/ 273).
(2)
صدقة الفطر، وتشريع الأضحية، فيها، في طبقات ابن سعد (1/ 248) وعيون الأثر، من طريقه (1/ 238) وبدر الكبرى في (الهشامية 2/ 263) وعيون الأثر من طريق ابن إسحاق 1/ 249، وابن سعد 2/ 12، والدرر 110).
(3)
" أحد ": في الهشامية 3/ 106، وابن سعد 2/ 36 والدرر 153.
وبدر الصغرى: بدر الموعد، لميعاد أبي سفيان، في طبقات ابن سعد 2/ 59، وبدر الأخيرة في عيون الأثر 2/ 52. وتحريم الخمر في غزاة بني النضير في الهشامية 3/ 200، وابن سعد 2/ 57، والدرر 174، وعيون الأثر 2/ 48 عن ابن إسحاق وابن سعد.
لها " الأحزاب " أيضًا. وكان حصار الأحزاب بالمدينة خمسةَ عشرَ يومًا. ثم هزمهم الله تعالى (1).
وفيها: قُصرت الصلاةُ، ونزلت آية التيمم. وقد قيل في التيمم إنه شُرعَ في الخامسة، وقيل في السادسة (2).
الخامسة: فيها " غزاة ذات الرقاع " في أول المحرم، وفيها صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم، صلاةَ الخوف وهي أولُ صلوات الخوف. ثم " غزاة دومة الجندل " و " غزوة بني قريظة "(3).
وفيها: فُرض الحجُّ عند قوم، وقيل فَرْضهُ في سنة ستٍّ، وقيل في تسع، وقيل غير ذلك.
وفيها: قدوم " ضمام بن ثعلبة " على ما قاله ابن حبيب وغيره. وفي حديث " ضمام " ذكر زكاة المال. وفي حديثٍ رواه " النسائي (4) " وغيره بإسناد صحيح من حديث قيس بن سعد، قال:" أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا " وقد تقدم أن زكاة الفطر فُرِضت في السنة الثانية، فدلَّ على تأخر فرض ِ زكاةِ المال عن السنة الثانية، وأنها قبل الخامسة.
وفي السنة السادسة: قضيةُ الحديبية، وبيعةُ الرضوان، وغزوة بني المصطلق. وقد قيل في غزوة بني المصطلق أنها كانت في الرابعة، وقيل الخامسة. وهي التي تسمى بالمريسيع.
(1) أرخها البخاري في الرابعة، في (المغازي: الخندق)، عن موسى بن عقبة.
وفي (فتح الباري 7/ 275) مختلف الأقوال في وقتها.
(2)
انظر في نزول آية التيمم، والأقوال فيها (فتح الباري على حديث البخاري في تفسير آية النساء 8/ 174) وعلى الحديث في ك الطهارة، التيمم (1/ 294).
(3)
نزلت صلاة الخوف في غزاة بني الرقاع، باتفاق. في الصحيحين (اللؤلؤ: 1 / ح 481 - 484) مع الهشامية 3/ 215، وابن سعد 2/ 61، والدرر 176، والعيون 2/ 52 من طريق ابن إسحاق وابن سعد، وغزاة بني قريظة في (فتح الباري 7/ 286) مع الهشامية (3/ 244، وابن سعد 74) والأقوال في سنة فرض الحج، في (فتح الباري 3/ 243).
(4)
سنن النسائي (زكاة 5/ 49) وفي ترجمة ضمام بالاستيعاب والإصابة، وفي سنة الوفود بالهشامية 4/ 219، والدرر 271، وتاريخ الطبري وعيون الأثر (2/ 233) من طريق ابن إسحاق، حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث في الصحيحين المتفق عليه لأبي هريرة رضي الله عنه، في كتاب الإيمان.
ولم يذكر في اسم ضمام (في البخاري: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مسلم: (من أهل نجد) ومثله في الموطأ، وأفاد " أبو زرعة، ولي الدين العراقي " في (المستفاد من مبهمات المتن والإسناد) أنه ضمام بن ثعلبة. في مبهمات ابن طاهر المقدسي وابن بشكوال: (ح 1 ص 3) مخطوط دار الكتب بالقاهرة.
وكُسِفت الشمسُ، ونزلت آية الظهار. وفي (مصنف ابن أبي شيبة): حدثنا يزيد عن هشام بن محمد، قال: كان أول من ظاهر في الإسلام [زوج][166 / ظ] خُويلةَ فظاهر منها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأرسل إليه، ونزل القرآن:" قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا "(1).
السابعة: فيها غَزاة خيبر، وإسلام أبي هريرة، وعُمرةُ القضاء.
الثامنة: فيها غزاة مؤتة، وذات السلاسل، وفتح مكة في رمضان، ونَسْخُ " إنما الماء من الماء " في فتح مكة - وسيأتي ذلك في آخر الأمرين -.
وفيها: غزوةُ حُنَين والطائف، وفيها غلا السعرُ فقالوا:" سَعِّرْ لنا "(2).
وفي التاسعة: غزوة تبوك، وحَجُّ أبي بكر بالناس، وتتابعت الوفودُ، " ودخل الناس في دين الله أفواجًا " أفواجًا.
العاشرة: فيها حجةُ الوداع، وإسلام جرير (3)، ونزل:
" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ".
وأما ما يتعلق بالأوائل في زوجاته [رضي الله عنهن]:
(1) المصنف (1876) ويزيد هو ابن هارون، وهشام هو الدستوائي أبو بكر البصري.
وكلمة [زوج] سقطت من المحاسن ونبه على سقوطها فكتب فوقها: كذا. وهي أيضًا ساقطة من أصل (المصنف) وزادها المحقق من سند الحديث في الدر النثير، وهو من طريق عبد بن حميد. وزوج خويلة - وهي خولة بنت ثعلبة - أوس بن الصامت الخزرجي، في ترجمتها بالاستيعاب والإصابة. وفي فتح الباري (9/ 350) على حديث الظهار في الصحيح. وأخرجه أبو داود من حديثها في باب الظهار من كتاب النكاح (ح 2214).
(2)
بلفظه في معجم الطبراني الصغير 2/ 7. وهو في سنن أبي داود، في البيوع: تسعير (ح 3451) وابن ماجه، بيوع، باب من كره التسعير (ح 2200) غير مؤرخ فيها.
(3)
في السنة العاشرة شهد " جرير بن عبدالله الأنصاري البجلي " رضي الله عنهما حجة الوداع وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " استنصت الناس " أخرجه البخاري في حجة الوداع من المغازي (فتح الباري 8/ 76) وفي مناقبه رضي الله عنه. قال الحافظ ابن حجر: " واختُلِف في وقت إسلامه. والصحيح من قال إنه أسلم سنة الوفود - سنة تسع - ووهِمَ من قال إنه أسلم قبل موته صلى الله عليه وسلم بأربعين يومًا؛ لما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " استنصت الناس " في حجة الوداع، وذلك قبل موته صلى الله عليه وسلم بأكثر من ثمانين يومًا (فتح الباري 7/ 89) وانظر الخلاف، في النوع التاسع والثلاثين، من المقدمة والمحاسن. مع (مشكل الآثار: 3/ 193).
فأولُ من تزوج " خديجةُ " وخديجةُ أولُ من أسلم من النساء (1). وماتت قبل أن تُفْرَض الصلاةُ كما سبق في نوع الصحابة.
ثم نكح " سودةَ بنت زمعة ".
ثم نكح " عائشة بنت أبي بكر " بمكة، وبنى بها بالمدينة.
ثم نكح بالمدينة " زينب بنت خزيمة الهلالية ".
ثم نكح " أم سلمة بنت أبي أمية ".
ثم نكح " جويرية بنت الحارث " من بني المصطلق، وكانت مما أفاء الله عليه.
ثم نكح " ميمونةَ بنت الحارث " خالة ابن عباس [وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم].
ثم نكح " صفية بنت حُيَيّ ".
ثم نكح " زينب بنت جحش ". وكانت امرأة زيد بن حارثة.
توفيت زينب بنت خزيمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم. ونكح حفصة بنت عمر، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، والكندية، وامرأة من كلب.
وكان جميع من تزوج أربع عشرة امرأة. وروى ذلك: معمر، عن يحيى بن أبي كثير (2).
ولِـ " أبي بكر " رضي الله عنه " أوائل:
منها ما سبق أنه أولُ من أسلم من الرجال، وأولُ من جمع بين اللوحين (3)، وهو أولُ الخلفاء.
وأما أول أمير أمِّرَ في الإسلام؛ فهو " عبدُالله بن جحش " قال ابن أبي شيبة: " ثنا
(1) بالمصنف لأبي بكر بن أبي شيبة (17609) ورواه أيضًا في الجهاد (15022).
وقابل ما هنا، عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، على رواية ابن إسحاق في الهشامية 4/ 293 - 298 وطبقات ابن سعد 1/ 499، والمحبَّر لابن حبيب 77 - 91 وعيون الأثر 2/ 300 - 309.
(2)
ما بين المعكوفتين، من رواية أبي بكر بن أبي شيبة في الأوائل من مصنفه (ح 17884 - والمقابلة عليه) بإسناده:" حدثني أبي، حدثنا عبدالرزاق، حدثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير، قال: " فذكره بطوله.
قابل على رواية عبدالرزاق: كتاب النكاح: باب الظهار في مصنفه (7/ 290) من طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير.
(3)
المصنف (17759، 17600، 17601).
أبو أسامة عن مجالد عن زياد بن علاقة عن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّر عبدالله بن جحش، وكان أولَ أمير أمِّرَ في الإسلام " (1).
وأول لواء عقده [167 / و] النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى الشام: لزيد بن حارثة (2)، وهذا لا يعارِض ما قبله.
ومن الأوائل:
أن أول جمعة جُمعت: جمعة بالمدينة، ثم جمعةٌ بالبحرين. رواه " ابن أبي شيبة " بهذا اللفظ عن ابن عباس، فقال: " ثنا أبو أسامة عن محمد بن أبي حفصة عن أبي جمرة عن ابن عباس رضي الله عنه
…
" (3).
والذي رواه " البخاري " في (صحيحه) عن ابن عباس، قال:" إن أول جمعة بعد جمعة في مسجد رسول لله صلى الله عليه وسلم، في مسجد عبدالقيس بُجوَاثا من البحرين " قال " البخاري ": " ثنا محمد بن المثنى، أنا أبو عامر العَقَدِي، أنا إبراهيم بن طهمان عن أبي جمرة الضبعي عن ابن عباس " فذكره (4).
ومقتضى ما رواه " البخاري " عن ابن عباس، أن الأولية للجمعة التي بجواثا من البحرين، بعد الجمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقتضي هذا أن تكون الجمعة السابقة التي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الأولى؛ فإن الجمعة أقيمت بالمدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم. روى " عبدالرزاق " في مصنفه في (ترجمة أول من جمع) عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: جمَّع أهلُ المدينة قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقبل أن تنزل الجمعة. وهم الذين سموها بالجمعة، فقال الأنصار: لليهود يومٌ يجمعون فيه كلَّ ستة أيام،
(1) المصنف (17816) وأبو أسامة، هو حماد بن أسامة، ومجالد بن سعيد الهمداني، أبو عمرو الكوفي التابعي (م 4) عن زياد بن علاقة، أرسل عن سعد، هو ابن أبي وقاص.
(2)
غزوة مؤتة، من أرض الشام. وقال صلى الله عليه وسلم:" إن قُتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبدالله بن رواحة " أخرجه البخاري في المغازي: مؤتة. واستشهد الأمراء الثلاثة رضي الله عنهم (فتح الباري 2/ 259).
(3)
المصنف: (الأوائل 17815).
(4)
كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن. (فتح الباري 2/ 259).
- وجواثا: بالضم، وبين الألفين ثاء مثلثة، يمد ويقصر
…
، ورواه بعضهم: جُؤاثا، بالهمزة، قالوا: وجؤاثا أول موضع جمعت فيه الجمعة بعد المدينة.
وللنصارى أيضًا مثلُ ذلك، فهَلُمَّ فلنجعلْ يومًا نجتمع فيه ونذكر الله، ونصلي ونشكر - أو كما قالوا - وقالوا: يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى، فاجعلوه يوم العروبة - وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة - فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة [167 / ظ] فصلى بهم وذكَّرهم، فسموه يوم الجمعة حين اجتمعوا إليه. فذبح أسعد بن زرارة لهم شاة فتغدوا وتعشوا من شاة واحدة لقلتهم. فأُنزِل بعد ذلك:" إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ "(1).
وعن " عبدالرحمن بن كعب بن مالك " - وكان قائد أبيه، رحمه الله، بُعَيْدَ ما ذهب بصره - عن أبيه كعب بن مالك: أنه " كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لأسعد بن زرارة. فقلت له: إذا سمعتَ النداء ترحمت لأسعد بن زرارة. قال: لأنه كان أول من جمَّع بنا في هَزْم ِ النَبِيت من حَرَّةِ بَياضة، في نقيع يقال له نقيعُ الخَضِمات. قلت: كم كنتم يومئذ؟ قال: أربعون " أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وفي إسناده " محمد بن إسحاق " بالعنعنة. وفيه مقال. وقد رواه " الدارقطني " وصححه. وصححه أيضا غيرُه (2).
وفي (مصنف عبدالرزاق) عن " ابن جريج " قال: " قلت لعطاء: من أول من جمع؟ قال: رجل من بني عبدالدار، زعموا. قلت: بأمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: قِفْ (3).
ومن طريق عبدالرزاق: أنا معمر عن الزهري، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن
(1) مصنف عبدالرزاق: صلاة، أول من جمع: 2/ 159 (ح 1544) والآية من سورة الجمعة.
(2)
أسنده ابن أبي شيبة في الأوائل (17595) من طريق ابن عُلَيَّةَ عن محمد بن إسحاق عن رجل، عن عبدالرحمن بن كعب. وهو في سنن أبي داود: صلاة، باب الجمعة في القرى (ح 1069) وسنن ابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1082) وفي إسنادهما محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي أمامة بن سهل، بن حنيف، عن أبيه. وأخرجه الدارقطني في كتاب الجمعة من السنن، من ثلاث طرق، من رواية جرير بن حازم، ويونس بن بكير كلاهما عن ابن إسحاق عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن عبدالرحمن (ح 6 - 8: جمعة). بألفاظ متقاربة. وهو سند محمد بن إسحاق في السيرة النبوية قال: وحدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن أبي أمامة عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك، قال: " فذكره بطوله، في (أول جمعة أقيمت بالمدينة: السيرة الهشامية 2/ 77) ط أولى حلبي. وانظر فتح الباري (3/ 229) باب فرض الجمعة.
(3)
مصنف عبدالرزاق: (3/ 160 ح 5145) وفي المطبوعة آخر متنه، بلفظ:[قال: فَمَهُ] مصححة عن: [فيه]. كأنها: فوهُ، أي فَمَهُ. ولا يظهر لها وجه ولعلها [فَمَهْ] بهاء السكت، اسم فعل أمر بمعنى قف.
عمير بن هاشم إلى المدينة ليقرئهم. فاستأذن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بهم، فأذِنَ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم " (1).
وهذا كله قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. ولهذا قال الشيخ " أبو حامد "(2) في (تعليقه): " إن الجمعة فُرِضتْ قبل الهجرة ". وفيما قال " أبو حامد " نظر؛ لحديثٍ سنذكره من طريق جابر.
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أقام الجمعة في بني سالم بن عوف، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في بني عمرو بن عوف الاثنين [168 / و] والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأسس مسجدهم. ثم خرج من بين أظهرهم يوم الجمعة. وبنو عمرو بن عوف يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث عندهم أكثر من ذلك. وفي (البخاري) من طريق أنس:" أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام فيهم أربع عشرة ليلة "(3).
والمشهورُ عند أهل المغازي الأوَّل (4). وعليه؛ لما أدركتْه الجمعة في بني سالم بن عوف، صلاها بالمسجد الذي ببطن الوادي، فكانت تلك أولَ جمعة صلاها بالمدينة. ولم يُحْفَظ في خبرٍ إقامةُ الجمعة بمكة.
وعن " جابر بن عبدالله " رضي الله عنهما، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلُوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكرِكم له وكثرةِ الصدقة في السر والعلانية؛ تُرْزَقوا وتُنصَروا وتُجبَروا. واعلموا أن الله تعالى قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا، في يومي هذا، في شهري هذا، في عامي هذا، إلى يوم القيامة، فمن تركها في حياتي أو بعدي، وله إمام عادل أو جائر، استخفافًا بها أو جحودًا لها؛ فلا جمع له شملَه ولا بارك له في أمره.
(1) مصنف عبدالرزاق 3/ 160 (5146) والحديث في الطبراني الأوسط عن ابن مسعود رضي الله عنه (مجمع الزوائد 2/ 176) باب في أول من صلى الجمعة بالمدينة.
(2)
" الشيخ أبو حامد " الإسفراييني أحمد بن محمد بن أحمد الشافعي إمام طريقة العراقيين وشيخ المذهب، عدَّه ابن الصلاح مجدد المائة الرابعة - 466 هـ - وله (التعليقة الكبرى في الفروع) في نحو خمسين مجلدا. (تهذيب الأسماء للنووي 1/ 2 / 318).
(3)
أبواب الهجرة: باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة (فتح الباري 7/ 184).
(4)
ابن إسحاق: (الهشامية 2/ 139) وأبو الفتح اليعمري من طريقه (عيون الأثر 1/ 194) وابن سعد 1/ 236.
ألا ولا صلاة له ولا زكاة له ولا حجَّ له ولا صومَ له ولا بِرَّ له حتى يتوب، فمن تاب تاب الله عليه. ألا لا تَؤُمَّنَ امرأة رجلا، ولا أعرابيٌّ مهاجرًا، ألا ولا يَؤمَنَّ فاجر مؤمنًا إلا أن يقهره بسلطان يخاف سوطَه أو سيفه ".
رواه " ابن ماجه " من رواية عبدالله بن محمد [العدوي](1) عن علي بن زيد بن جدعان، وكلاهما قد نُسِبَ إلى الضعف.
وهذا الحديث يدل على أن الجمعة إنما فُرضت بالمدينة؛ لأن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما يقول: " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " والظاهر أن ذلك [168 / ظ] إنما كان بالمدينة؛ لأن جابرًا رضي الله عنه شهد العقبة الثانية مع أبيه وهو صغير، ولا يُحْفَظُ إقامةُ الجمعة بمكة. وأيضًا فلِقوله صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة:" ولا أعرابي مهاجرًا " فإن ذلك يدل على أنه بعد الهجرة. وهذا، على هذا التقرير، ينافي ما سبق من قول " الشيخ أبي حامد " أن فرض الجمعة كان قبل الهجرة. لكن الحديث ضعيف، وقد سبق في الروايات تجميعُهم قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يبعد أن يقال: كانت أولا غير فرض، ثم صارت فرضًا في اليوم المذكور من رواية جابر. ولا يبعد أن يقال إن هذه الخطبة كانت في أول جمة جمعها صلى الله عليه وسلم في بني سالم بن عوف.
ولم يتحقق لنا من ذلك متى فُرِضت الجمعة، والمتحققُ إقامتُها في المدينة وأطرافها، قبلَ قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد قدومه، وأما بمكة فلا.
(1) تقرأ في خط الأصل: [العدني] والتصحيح من (سنن ابن ماجه) ومن (الخلاصة 181) والتقريب 1/ 448 (617).
انظر الحديث رقم 1081 من (باب في فرض الجمعة) في كتاب إقامة الصلاة من (سنن ابن ماجه) والمقابلة عليه. وتمام سنده: " حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير، ثنا الوليد بن بكير، أبو جناب - جباب؟ - حدثني عبدالله بن محمد العدوي، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن جابر بن عبدالله قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكر الحديث بطوله.
وفي (الزوائد): إسناده ضعيف؛ لضعف علي بن زيد بن جدعان، وعبدالله بن محمد العدوي.
- " عبدالله بن محمد العدوي " حديثه عند ابن ماجه وحده.
وأما علي بن زيد، بن عبدالله بن زهير بن عبدالله بن جدعان التيمي - ينسب أبوه إلى جد جده - فوثقه يعقوب بن شيبة، وقال الترمذي: صدوق إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره. وقال أحمد وأبو زرعة: ليس بالقوي. وقال ابن خزيمة: سيء الحفظ اختلط بِأخَرة. أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم مقرونا بغيره، والأربعة أصحاب السنن.
وظهر من ذلك أن أول من جمع " أسعدُ بن زرارة " ولا ينافي ذلك استئذان " مصعب بن عمير " لجوازِ أن يكون هو المجيز لهم بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث " عطاء " فليس بمشهور.
وحينئذ فيكون " لـ " أسعد بن زرارة " في " الأوليات " أنه أول من جمع، وأول من بايع ليلة العقبة (1)، وأول من دُفِنَ بالبقيع، عند قوم، وقال آخرون: أول من دفن بالبقيع " عثمان بن مظعون " (2).
ومن الأوائل المنثورة:
ما رواه " ابن أبي شيبة " عن القاسم بن عبدالرحمن، قال: أولُ من أفشى القرآن بمكة من في رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ابنُ مسعود "(3).
وأول من قُتِلَ من المسلمين: " مِهْجَعُ، مولى عمر "(4).
وأول من عدا به فرسُه في سبيل الله: " المقداد "(5).
(1) في العقبة الأولى " فكان رضي الله عنه أول من أسلم من الأنصار "(ابن إسحاق في الهشامية 2/ 70 وابن حجر من طريقه في فتح الباري 7/ 156، وابن سعد في الطبقات 1/ 218 لَيْدن) وشهد رضي الله عنه البيعة الثانية، ثم العقبة الكبرى، وفي رواية أنه أول من بايع بها أيضًا، وكان أحد النقباء الاثني عشر فيها. (ابن إسحاق وابن سعد في العقبة الكبرى، وفتح الباري 7/ 156).
(2)
مصنف ابن أبي شيبة، الأوائل (17872) أسنده عن الإمام علي - كرم الله وجهه -.
(3)
المصنف، أوائل (17632) وتمام إسناده: حدثنا عبدالرحيم عن عبدالرحمن بن عتبة - يعني المسعودي -، عن القاسم بن عبدالرحمن، قال: فذكره. عبدالرحيم، شيخه، هو ابن سليمان الكناني، أبو علي المروزي الأشل الحافظ - 187 هـ - (ع) وعبدالرحمن، بن عبدالله بن عتبة المسعودي 160 هـ (خت 4) والقاسم بن عبدالرحمن، بن عبدالله بن مسعود الهذلي، أبو عبدالرحمن الكوفي قاضيها التابعي - 110 هـ - (خ 4). وفي " أول من جهر بالقرآن " بالسيرة النبوية، رواه ابن إسحاق بسنده: وحدثني يحيى بن عروة الزبيري عن أبيه " عروة بن الزبير بن العوام (الهشامية 1/ 336).
(4)
بهذا اللفظ في المصنف، أوائل (17632) بسنده عن القاسم بن عبدالرحمن. وبلفظ:" أول من استشهد من المسلمين يوم بدر، مهجع مولى عمر " من طريق وكيع عن المسعودي عن القاسم (17620) ومثله في ترجمة مهجع بالإصابة عن موسى بن عقبة، وابن إسحاق في السيرة: شهداء بدر (2/ 279).
(5)
المصنف، أوائل (17632) والمقداد - بن عمرو الكندي حليف الأسود بن عبديغوث الزهري، وله كان يُدعى حتى نزلت آية الأحزاب:" ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ " - ذو هجرتين، وشهد بدرا فارسا:" لم يثبت أنه كان فيها على فرس غيره، فكان أول من قاتل على فرس في سبيل الله "(الإصابة، الميم أول - 8179).
وأول حَيٍّ أدوا الصدقة من قِبَل ِ أنفسهم: بنو عذرة (1).
وأول حَيٍّ ألفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: جهينة (2).
وروى " ابن [169 / و] أبي شيبة " عن مجاهد: أولُ شهيد استشهد في سبيل الله في الإسلام: " سميةُ أم عمار " طعنها أبو جهل بحربة في [قبُلِها](3).
وروى " ابن [169 / و] أبي شيبة " عن الشعبي: أول من بايع تحت الشجرة: " أبو سنان ابن وهب الأسدي " فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " على مَ تبايع؟ قال: على ما في نفسك "(4).
وما رواه " ابن أبي شيبة " هو المشهور. وقال " الواقدي ": " أول من بايع تحت الشجرة: " سنان بن أبي سنان " ثم بايع أبوه (5).
وأول مولود ولِد في الإسلام: " عبدُالله بن الزبير "(6).
وأولُ من أشار بصنعة النعش أن يُرفَع: " أسماء بنت عميس " حين جاءت من أرض
(1) المصنف: أوائل (17632) من طريق عبدالرحيم عن المسعودي عن القاسم بن عبدالرحمن.
(2)
المصنف: أوائل (17632) مع ما قبله. ومن طريق عبدالرحيم عن سليمان عن زكريا (17617) ومن طريق علي بن مسهر عن الشعبي (17646).
(3)
المصنف: أوائل (17619) في ترجمة سمية، والدة عمار بن ياسر، بالإصابة (نساء: ت 282) وانظر مناقب آل عمار رضي الله عنهم، في الصحيحين. مع (فتح الباري 7/ 64).
(4)
المصنف (17618) من طريق وكيع عن إسماعيل عن الشعبي، ورقم (17633) من طريق أبي أسامة عن إسماعيل عن عامر، هو الشعبي.
(5)
أسند ابن إسحاق عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي، أن أول من بايع تحت الشجرة أبو سنان الأسدي (السيرة 3/ 330) ومثله في طبقات ابن سعد من طريق إسماعيل عن الشعبي، وقال ابن سعد " فذكرت هذا الحديث لمحمد بن عمر - هو الواقدي - فقال: هذا [وهم]؛ أبو سنان الأسدي قتل في حصار بني قريظة قبل الحديبية، والذي بايعه صلى الله عليه وسلم سنان بن أبي سنان الأسدي (طبقات ابن سعد 2/ 73 ليدن) وعيون الأثر، من طريقه (2/ 76) وفيه نظر، حرره ابن حجر في ترجمة أبي سنان بن وهب الأسدي بالإصابة (7/ 92 / 568).
(6)
المصنف: أوائل (17631) والتاريخ: ج 13 (15791). والأولية هنا تحتاج إلى قيد، بما بعد الهجرة. وروى ابن إسحاق في (السيرة) وابن عبدالبر في (الاستيعاب) - واللفظ له:" هاجرت أمه أسماء بنت أبي بكر من مكة وهي حامل بابنها عبدالله بن الزبير، بن العوام بن خويلد الأسدي القرشي، فولدته في المدينة، وهو أول مولود في الإسلام من المهاجرين بالمدينة "(1535).
الحبشة، رأتهم يفعلون ذلك بأرضهم. رواه ابن أبي شيبة فقال:" ثنا أبو أسامة، أنا إسرائيل عن عامر " - يعني الشعبي - فذكره (1).
ولكن " فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم " ذكرتْ له شيئًا نبهتْ أسماء على ذلك، فإنها قالت لها: " يا أسماء، إني قد استقبحت ما يُصنَع بالنساء: إنه يطرح على المرأة الثوبُ فيصفها، فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا أريكِ شيئًا رأيتُه بأرض الحبشة؟ فدعت بجدائلَ رطبة فحنتْها، ثم طرحت عليها ثوبا. فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله! تُعْرَفُ به المرأةُ من الرجل. فإذا أنا متُّ فاغسليني أنتِ وعليٌّ، ولا تُدخِلي عليَّ أحدًا. فلما توفيت جاءت عائشة تدخل، فقالت أسماء: لا تدخلي. فشَكَتْ إلى أبي بكر قالت: إن هذه الخثعمية (2) تحو بيننا وبين بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جعلتْ لها مثلَ هودج رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخلن على بنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلت لها مثل هودج العروس؟ فقالت: أمرتْني [169 / ظ] ألا يدخل عليها أحدٌ، وأرَيْتُها [هذا](ت. ع) الذي صنعتُه وهي حية، فأمرتْني أن أصنع ذلك لها. قال أبو بكر رضي الله عنه: فاصنعي ما أَمَرتْ (3) به. ثم انصرف، وغَسَّلها عليٌّ وأسماءُ رضي الله عنهم.
وذكر " ابن عبد البرِّ " ذلك بسنده في (ترجمة فاطمة عليها السلام)(4). وقال: " فاطمة رضي الله عنها، أول من غُطِّي نعشُها من النساء في الإسلام على الصفة المذكورة في هذا الخبر، ثم بعدها: زينب بنت جحش، صُنع ذلك بها أيضًا ".
(1) مصنف ابن أبي شيبة، أوائل (17634) ورواه في الجنائز: باب كيف يصنع بالسرير يرفع له شيء أوْ لا؟ وما يصنع بسرير المرأة (3/ 270).
(2)
الخثعمية: أسماء بنت عميس. وهي أخت ميمونة أم المؤمنين، ولبابة أم الفضل زوج العباس. وأسماء ذات هجرتين: هاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب، فولدت له هناك محمدًا وعبد الله، وعونا - في طبعة نهضة مصر من الاستيعاب: محمدًا أو عبد الله، وعونا. تصحيف - ثم هاجرت إلى المدينة، ولما استشهد زوجها جعفر في مؤتة، تزوجها أبو بكر الصديق فولدت له محمدًا، ولما مات عنها تزوجها علي بن أبي طالب، فولدت له يحيى. (الاستيعاب 3230) وانظر نسبها في بني خثعم بن أنمار بجمهرة الأنساب (367) وانظر معه بني جعفر، منها، في (نسب قريش 80).
(3)
في (الاستيعاب): [فاصنعي ما أمرتْكِ به] 4/ 1898.
(4)
الاستيعاب من طريق: " قتيبة بن سعيد، عن محمد بن موسى، عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب، عن أمه أم جعفر بنت محمد بن جعفر، وعن عمار بن المهاجر، عن أم جعفر ": رقم 4057.
Q ( ت. ع) قلت: في الأصل: " هذ " وهو تحريف، والصواب ما أثبتناه. والله أعلم.
وما سبق عن " فاطمة " له عُلْقَة بالنوع الذي قبله بذكرِ السبب، وفي مصنف ابن أبي شيبة): ثنا أبو أسامة، ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال:" قدمت أم أيمن من الحبشة، وهي التي أمرت بالنعش للنساء "(1).
والجمع بينهما، أنهما رأَتا ذلك، ولكن المخبرة لفاطمة عليها السلام هي " أسماءُ بنت عميس ".
والكلام على الأوائل يطول.
ومن أحسن ما جاء في مدحها، ما رواه " ابن أبي شيبة " في مصنفه، فقال:" ثنا حفص عن الأعمش عن حبيب عن أبي عبدالرحمن قال: قال عبدالله: إذا رأيتم الحديث فعليكم بالأمر الأول ". وروى " ابن أبي شيبة " في (مصنفه) فقال: " ثنا حفص [بن] غياث عن عاصم [عن أبي عثمان] قال: عليكم بالسماع الأول "(2).
وهذا محمول على ما لم يُنْسخ، فأما ما نُسِخَ فالمعتبَرُ فيه آخِرُ الأمرين.
فمن ذلك - وفيه إشارة إلى القَبْلية والبعْدية - ما رواه الحسين بن عمران عن الزهري، قال: " سألت عروة في الذي يُجامِعُ ولا ينزل. قال: على الناس أن يأخذوا
(1) المصنف: أوائل (17698) من طريق أبي أسامة عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب. وبالإسناد في الجنائز، ما يصنع بسرير المرأة (3/ 270) ووقع في إسناده بالطبعة: عن قيس بن [سالم] عن طارق، وقيس بن مسلم الجدلي، أبو عمرو الكوفي، من أعيان الرواة عن طارق بن شهاب البجلي أبي عبدالله الكوفي، كما في ترجمتهما بتهذيب التهذيب. وحديثهما مخرج في الكتب الستة.
و " أم أيمن " المذكورة في حديثة نعش النساء، هي بركة مولاة أم حبيبة بنت أبي سفيان، ترجم لها ابن عبدالبر في حرف الباء، وذكر هجرتها مع مولاتها أم حبيبة إلى الحبشة، ونبه على الخلط بينها وبين " أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم أسامة بن زيد " رضي الله عنهم. (الاستيعاب 8/ 26 / 165).
(2)
المصنف: أوائل (17752) وأبو عثمان فيه هو: النهدي، عبدالرحمن بن مل، وعبدالله: بن مسعود. وفي السند بالمحاسن ترميج وطمس.
وحفص بن غياث، بن طلق التميمي النخعي، أبو عمرو الكوفي قاضيها وقاضي بغداد - توفي سنة 194 هـ على الأصح -. من أعيان الرواة عن " عاصم بن سليمان الأحول، أبي عبدالرحمن البصري، التابعي الحافظ - توفي سنة 141 هـ على الأصح -. روى عن أبي عثمان، النهدي، عبدالرحمن بن مل الكوفي الحافظ من كبار التابعين أصحاب عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، - 95 هـ أو بعدها (ع).
بالآخِر، فالآخِر من أمرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: حدثتني عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ولا يغتسل، وذلك قبل فتح مكة، ثم اغتسل [170 / و] بعد ذلك وأمر الناس بالغسل " (1).
وهذا الحديث حكم " أبو حاتم بن حبان " بصِحَّتِه، وأخرجه في (صحيحه) غير أن الحسين بن عمران قد يأتي عن الزهري بالمناكير، وقد ضعَّفه غيرُ واحد من أصحاب الحديث. وعلى الجملة؛ الحديثُ بهذا السياق، فيه ما فيه، لكنه حسنٌ جيد في الاستشهاد. ذكر ذلك " الحازميُّ " في (الناسخ والمنسوخ) له، وقد بسطنا القول في أحاديث ذلك في (العَرف الشذي على جامع الترمذي)(2).
ومن التأريخ بالقَبْلية والسَّنَةِ، ما رواه " جابر بن عبدالله ":" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القِبلةَ بِبَوْل ٍ، فرأيته قبلَ أن يُقْبضَ بعام ٍ، يستقبلها "(3) وفي روايةٍ له: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا أهرقنا الماء. ثم رأيته قبل موته بعام يستقبل القبلة " والحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه (4).
وعن " جابر بن عبدالله " رضي الله عنهما، قال:" كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترك الوضوء مما مست النار " رواه: أبو داود، والنسائي، وأخرجه ابن حبان في (صحيحه)(5).
وفي الكلام على الأحاديث الواردة في هذا الباب بسط ليس هذا موضعه.
وروى قريش بن حَيَّانَ، عن يونس بن أبي خلدة، عن محمد بن مسلمة: " أن النبي
(1، 2) الحازمي، في الاعتبار: ك الطهارة (2/ 70 - 72) من طريق عاصم بن سليمان الأحول. والترمذي في جامعه: طهارة (1/ 166) مع عارضة الأحوذي.
(3، 4) مسند أحمد: حديث جابر رضي الله عنه، باللفظ الثاني، وأبو داود في الطهارة، باب الرخصة في ذلك، ح (13) والترمذي، في الباب (1/ 25) مع عارضة الأحوذي، وابن ماجه في الطهارة ح (325) وانظر مجمع الزوائد (1/ 25).
(5)
أبو داود في الطهارة، الباب، ح (192) والنسائي في ترك الوضوء مما غير النار (طهارة 1/ 105، 107) وانظر الحازمي في الاعتبار (95 - 98) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 67) والهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 250).
- صلى الله عليه وسلم أكل آخِرَ أمرِه لحمًا، ثم صلى ولم يتوضأ " (1).
وعن " [سليمان بن] بريدة " عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوءٍ واحد. فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فعلتَ شيئًا لم تكن تفعله؟ قال: عمدًا فعلتُه يا عمر ".
أخرجه " مسلم " وغيره (2).
فهذا من المؤرخ بالفتح.
[170 / ظ] ومن الأحاديث المؤرخة: حديثُ عبدالله بن عُكَيْم الجُهَني - وليست له صحبة ولا سماع، قاله الرازيان وابن حِبَّان - قال عبدالله بن عكيم:" أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بشهر - وفي رواية: بشهر أو شهرين: (3) - ألَاّ تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ".
رواه " الإمام أحمد " وقال: " ما أصلح إسناده ". ورواه أصحاب السنن الأربعة، قال " الترمذي ":" حديث حسن "(4). ولكن قد جاء عن أحمد وغيره ما يخالف ما تقدم. فحكى " الخلَاّل " أن الإمام أحمد، توقف في حديث ابن عكيم لما رأى من تزلزل الرواة فيه. وقال
(1) انظره في (الاعتبار للحازمي: الأضاحي 105).
(2)
وقع في الأصل: [وعن بريدة عن أبيه] والحديث في (صحيح مسلم، ك الطهارة، باب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد، عن سليمان بن بريدة رضي الله عنه، ولفظه: صنعتَ شيئا لم تكن تصنعه. قال: " عمدًا صنعته يا عمر ".
(3)
" يشهر " في: مسند أحمد، وسنن أبي داود (لباس، ح 4127) ورواية في مشكل الآثار 4/ 260، والاستيعاب، والاعتبار (للحازمي 116، والإلماع 87) وغير مؤرخ في رواياتٍ بالمشكل، وابن ماجه: لباس (3613).
وعبدالله بن عكيم الجهني: أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعرف له سماع عنه (الجرح والتعديل 5/ 121 / 556) وترجم له أبو عمر في الاستيعاب وقال: اختلف في سماعه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم روى حديثه في إهاب الميتة وعصبها (3/ 949 / 1610) وفي تهذيب التهذيب: له إدراك وقال: قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض جهينة (5/ 334 / 554).
(4)
المسند 4/ 310، وجامع الترمذي: لباس (2/ 1193) مع العارضة.
بعضهم: رجع عنه. وضعفه " ابن معين " وقال: ليس بشيء. وقال " الترمذي ": اضطربوا في إسناده (1).
وما سبق من الرواية هو المحفوظ، ورواه " الطبراني " في (معجمه الأوسط) ولفظه: قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في أرض جهينة: " إني كنت رخصت لكم في جلود الميتة، فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عصب " وهو من رواية " فَضَالة بن المفضل بن فَضَالَة المصري "(2). قال أبو حاتم الرازي: " لم يكن بأهل ٍ أن يُكتَبَ عنه العلم "(3).
ومن الأحاديث المؤرخة: حديث ابن مسعود: " كنا نسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم فيرد علينا السلام، حتى قدمنا من أرض الحبشة فسلمتُ عليه فلم يرد عليَّ، فأخذني ما قَرُبَ وما بَعُدَ، فجلستُ حتى قَضَى الصلاةَ، قال: إن الله عز وجل يُحدِثُ من أمره ما يشاء، وإنه عز وجل قد أحدث من أمره ألا تتكلموا في الصلاة ".
هذه رواية الحسين بن حُرَيث (4) عن سفيان، عن عاصم، عن أبي وائل.
وروى القاسم بن يزيد الجرمي، عن سفيان عن الزبير بن عدي عن كلثوم الخزاعي قال: سمعت عبدالله بن مسعود يقول: كنت آتي النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فأسلم عليه فيرد [171 / و] عليَّ السلام. فأتيتُه بعد ذلك فسلمتُ عليه فلم يرد عليَّ السلامَ، فلما صلى صلاةً
(1) ما حكاه الخلال، أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون البغدادي الحنبلي، عن الإمام أحمد، وقول الترمذي في اضطراب الرواة في إسناد الحديث، مبين في (الاعتبار للحازمي) مع علل الاضطراب. وقال باحتمال أن يراد بالإهاب الجلدُ قبل دباغه (118) وقال أبو داود في حديث عبدالله بن عكيم: " فإذا دُبغ لا يقال له إهاب
…
قال النضر بن شميل: يسمى إهابا ما لم يدبغ " 4/ 67 وانظر التعليق المغني على سنن الدارقطني (1/ 43).
(2)
الطبراني، في معجمه الأوسط (مجمع الزوائد: 1/ 218) باب الوضوء من جلود الميتة والانتفاع بها إذا دُبغت.
(3)
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي: 7/ 79 (447).
(4)
الاسم غير واضح في الأصل، وروجع على النسائي، باب الكلام في الصلاة (3/ 9) والحازمي، من طريقه. في (الاعتبار 144).
ورجال الإسناد: النسائي 303 هـ، عن الحسين بن حريث أبي عمار المروزي 242 هـ، عن سفيان بن عيينة 198، عن عاصم الأحول 142 هـ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود رضي الله عنه.
كان أعظمَ عليَّ منها. فلما سلم أشار بيده إلى القوم فقال: إن الله أحدث في الصلاة ألا تتكلموا فيها إلا بذكرِ الله، وأن تقوموا لله قانتين " (1).
والحديث الأول يدل على أن جواز الكلام في الصلاة كان قبل الهجرة إلى المدينة، وأن تحريم الكلام كان بمكة، وبذلك تتبين الرواية الثانية، وما رواه " البخاري، ومسلم " عن عبدالله بن مسعود، قال:" كنا نسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمتُ عليه فلم يرد عليَّ، فقلنا: يا رسول الله، كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا. فقال: إن في الصلاة شغلا "(2).
وبالتاريخ الذي سقناه يتبين الردُّ على من قال: إن (حديث ابن مسعود) ناسخ لحديث أبي هريرة في الكلام، في (حديث ذي اليدين) (3). ووجه الرد: تبين تقدمُ حديث ابن مسعود، وتأخرُ حديث أبي هريرة، ومن روى نحو رواية أبي هريرة. ومجيءُ عبدالله بن مسعود من أرض الحبشة إلى مكة، قبل الهجرة؛ رواه " أبو داود الطيالسي (4) " ورواه غيرُ واحد من أصحاب السِّيَر، وإسلام أبي هريرة إنما كان عامَ خيبر. روى " البخاري " من رواية أبي هريرة: عن عنبسة بن سعيد بن العاص عن أبي هريرة قال: " قدمت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بخيبرَ لما افتتحوها "(5). وقد روى " عمران بن حصين " حديثَ السهو ومنه قصةُ ذي اليدين - وسماه الخرباق - (6) نحو رواية أبي هريرة. وعمران بن الحصين كان إسلامه بعد بدر.
وروى " معاوية بن حُدَيْج ": " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يومًا فسلَّم وقد بقيتْ من الصلاة ركعةٌ، فأدركه رجل فقال: نسيتَ من الصلاة ركعة. فرجع فدخل المسجد
(1) الاعتبار للحازمي، باب ما نسخ من الكلام في الصلاة:143.
(2)
البخاري في الصلاة، باب ما ينهى من الكلام في الصلاة، وفي الهجرة إلى الحبشة (فتح الباري 3/ 47، 7/ 132) ومسلم في المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته: ح 97، 99 (573).
(3)
ذو اليدين، خرباق السلمي: روى أبو هريرة حديثه في مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رآه سها في صلاته. انظره في (الاستيعاب: 724) والحديث متفق عليه (اللؤلؤ والمرجان 1/ 126 ح 337) في سجود السهو. وانظر (فتح الباري 3/ 62).
(4)
مسند الطيالسي: 308 (2353).
(5)
البخاري، ك المغازي، خيبر (فتح الباري 7/ 344).
(6)
مسلم، المساجد، باب السهو في الصلاة، ح (101/ 573).
[171 / ظ] وأمر بلالا فأقام الصلاةَ وصلى بالناس ركعة، فأخبرتُ بذلك الناس فقالوا لي: أتعرف الرجل؟ فقلت: لا، إلا أن أراه. فمَرَّ بي فقلتُ: هذا هو. فقيل: طلحة بن عبيدالله " رواه " الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي " وإسلامُ معاوية بن حديج كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بشهرين "(1).
وأما (حديث زيد بن أرقم) أنه قال: " إنْ كنا نتكلم في الصلاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، يكلم أحدنا صاحبه بحاجته، حتى نزلت: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " فأمرنا بالسكوت " رواه " البخاري، ومسلم " وفي حديث مسلم: " ونهانا عن الكلام ". وفي رواية " الترمذي ": " كنا نتكلم خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة "(2).
فهذا من مشكلات التاريخ بما تقدم؛ فإن " زيد بن أرقم " من الأنصار من أهل المدينة، والآية مدنية، وتحريم الكلام كان بمكة قبل الهجرة. فقال بعضهم: يحتمل أن يكون حديث زيد بن أرقم، ومن كان يتكلم في الصلاة، لم يبلغهم نهيُ النبي صلى الله عليه وسلم، ولما نزلت الآية انتهوا وأُعلموا بذلك. قال: ويحتمل أن يكون نهى عنه متقدمًا بمكة، ثم أذن فيه، ثم نهى عنه بالمدينة لما نزلت الآية. قال " الشافعي " رضي الله عنه:" أما نهيُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلام في الصلاة فهو بمكة، وحديث ذي اليدين بالمدينة فهو ناسخ " وقال في رواية " الربيع " بعد ذكر أبي هريرة وعمران بن حصين وعمر ومعاوية بن حُدَيْج في كلام النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته ساهيًا: " وبهذا كله نأخذ. وليس بخلافِ حديث ابن مسعود حديثُ ذي اليدين؛ وحديثُ ابن مسعود في الكلام جملةً، ودلَّ حديثُ ذي اليدين على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرَّق بين [172 / و] كلام العامد والناسي. فخالفنا بعضُ الناس: وقال: حديث ذي اليدين ثابت، ولكنه منسوخ، فقلت: وما نسخه؟ قال: حديث ابن مسعود. فقلت له: والناسخُ إذا اختلف الحديثان، الآخرُ منهما؟ قال: نعم. وقلت له: أليس يُحفَظ في حديث ابن مسعود هذا: أن ابن مسعود مر على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قال: " فوجدته يصلي في فناء
(1) المسند، حديث معاوية بن حديج الكندي، وأبو داود ح (1023) والترمذي في الجامع: السهو في الصلاة (2 / مع العارضة) والنسائي، في الباب (3/ 16) وانظر معاوية بن حديج رضي الله عنه، في (الإصابة ق أول 6/ 111 / 8057).
(2)
البخاري، في باب ما ينهى من الكلام في الصلاة، سورة البقرة، باب:" وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " الآية (فتح الباري 3/ 48، 8/ 138) ومسلم في كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته، ح (35/ 539) والترمذي: ما جاء في نسخ الكلام في الصلاة 2/ 196 مع العارضة.
الكعبة " وأن ابن مسعود هاجر إلى أرض الحبشة ثم رجع إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرًا؟ فقال: بلى. فقلت له: فإذا كان مقدم ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، ثم كان عمران بن حُصَيْن يروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى جذعًا في مؤخر مسجده، ألست تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُصَلِّ في مسجده إلا بعد هجرته من مكة؟ قال: بلى. قلت: فحديث عمران يدلك على أن حديث ابن مسعود ليس بناسخ لحديث ذي اليدين، وأبو هريرة يقول: " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ". قال: فلا أدري ما صحبة أبي هريرة؟ قلت له: قد بدأنا بما فيه الكفاية من حديث عمران الذي لا يشكل عليك، وأبو هريرة إنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وقال أبو هريرة: " صحبتُ النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثَ سنينَ أو أربعًا " وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة سنين سوى ما أقام بمكة بعد مقدم ابن مسعود وقبل صحبة أبي هريرة. قال: ذو اليدين الذي رويتم عنه، المقتول ببدر؟ قلت: لا، عمران يسميه الخرباق، ويقول: قصير اليدين أو مديد اليدين، والمقتول ببدر ذو الشمالين، ولو كان كلاهما ذا اليدين كان اسمًا يشبه أن يكون وافق اسمًا، كما تتفق الأسماء "(1).
وأما حديث " معاوية بن الحكم " في الصلاة أنه تكلم [172 / و] في الصلاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيءٌ من كلام بني آدم " فلم يبين " الشافعي " تاريخه بل قال: " إن كان أمر معاوية قبل أمر ذي اليدين فهو منسوخ، وإن كان معه أو بعد فقد تكلم وهو جاهلٌ أن الكلام محرم في الصلاة، ولم يحك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعادة؛ فهو في مثل حديث ذي اليدين أو أكثر ".
وما أشار إليه " الشافعي " من حديث معاوية بن الحكم، لفظه: " بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجلٌ من القوم، فقلت: يرحمك الله؛ فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثُكلَ أمَيَّاه! ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يُصمتونني سكتُّ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي وهو وأمي، ما رأيتُ معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كَهَرَني ولا ضربني ولا شتمني، قال: إن هذه
(1) قول الإمام الشافعي: " والمقتول ببدر ذو الشماليين
…
" ينبه ما يقع من لبس بين ذي اليدين الخرباق السلمي، وذي الشمالين: عمير بن عمرو بن نضلة، الخزاعي، حليف بني زهرة كان يعمل بيديه جميعًا، يوم بدر (الاستيعاب 716) وقد نبه " ابن عبدالبر " في ترجمة ذي اليدين (724) على أنه ليس ذا الشمالين الخزاعي حليف بني زهرة. وكلام الإمام الشافعي في حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه، أسنده إليه الحازمي في (الاعتبار 148 - 149) وانظر معه (فتح الباري 3/ 47).
الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " رواه مسلم وأبو داود والنسائي. ومن سماه " عمرو بن الحكم السلمي (1) " فقد وَهَمَ.
ومن الأحاديث المؤرخات:
حديث " أبي قتادة ": خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عامَ حُنين، وفيه قال:" من قتل قتيلا له عليه بَيِّنةٌ فله سلبُه "(2) وأما حديث " سعد بن أبي وقاص " قال: " لما كان يوم بدر قتلتُ سعيدَ بن العاص - وقيل العاص بن سعيد، قال أبو عبيد: هذا عندنا المحفوظ (3) - قال: وأخذت سيفَه وكان يسمى ذا الكنيفة، فأتيتُ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم وقد قُتل أخي عُميرٌ قبلَ ذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اذهبْ به فألقِه في القبر. فرجعتُ وبي [173 / و] ما لا يعلمه إلا الله، من قتل ِ أخي وأخذِ سلبي، فما جاوزت قريبًا حتى نزلت سورة الانفال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فخذْ سيفَك " (4).
(1)" معاوية بن الحكم السلمي " رضي الله عنه، روى عنه ابنه كثير بن معاوية، وعطاء بن يسار (الاستيعاب 2433) وأما " عمرو بن الحكم " القضاعي رضي الله عنه فلا تعرف له رواية، وإنما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم عاملاً على بني القين (الاستيعاب).
وحديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه، أخرجه مسلم - والمقابلة عليه - في المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته (33/ 537) وأبو داود في تشميت العاطس في الصلاة، (ح 930) والنسائي في الكلام في الصلاة (3/ 16) والقهر: النهر. وانظر الباب في (شرح معاني الآثار: 1/ 449 - 453، والاعتبار للحازمي: 142 - 144).
(2)
في كتاب الجهاد من الموطأ: ما جاء في السلب من القتل (ح 18) والصحيحين: (البخاري) في باب من لم يخمس ومن قتل قتيلا فله سلبه. و (مسلم) في استحقاق القاتل سلب القتيل.
(3)
حكاه السهيلي عن أبي عبيد، القاسم بن سلام - في كتابه الأموال - (الروض الأنف 3/ 65، 79، 124) وابن إسحاق في قتلى قريش يوم بدر، بالسيرة (الهشامية 3/ 366) وإنما اختلفوا في قاتل العاص بن سعيد الأموي: سعد بن أبي وقاص، أو علي بن أبي طالب، أو كعب بن عمرو؟ (الروض 3/ 124) وأما ابنه " سعيد بن العاص بن سعيد، أبو عثمان الأموي " فمعدود في الصحابة عند كثير، وله رؤية بإجماع، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسعيد تسع سنين، وروى عنه مرسلا، وعن كبار الصحابة، وكان ممن ندب لكتابة المصحف العثماني " وكان أشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وغزا طبرستان ففتحها، وولي الكوفة لعثمان والمدينة لمعاوية رضي الله عنهم. وتوفي قبل سنة ستين (الإصابة، وتهذيب التهذيب).
(4)
انظر تخريجه في (فتح الباري: 6/ 154 - 155) مع (الحازمي في الاعتبار (الغنائم 398 - 400) وشرح معاني الآثار (1/ 226 - 232).
ومن الأحاديث المؤرخة:
حديثُ ابن عباس قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ خيبر عن لحوم الحُمُرِ الأهلية، وعن أكل كلِّ ذي نابٍ من السبع "(1).
وحديث عليٍّ رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الأهلية "(2).
وحديث سلمة بن الأكوع، قال:" أصابتنا مخمصة يوم خيبر، فأوقد الناس النيران، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذه النيران؟ قالوا: على الحُمُر الأهلية. قال: أهريقوا ما فيها واكسروا القدور. فقال رجل: يا رسول الله، أوَ لا نهريق ما فيها ونغسلها؟. قال: أو ذاك "(3).
وحديث جابر: " أطْعَمَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومَ خيبر لحومَ الخيل ونهى عن لحوم الحُمُر " وفي رواية، له:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحُمُر، وأذِن في الخيل "(4).
ومما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته: صلاتُه قاعدًا، وصلاةُ الناس خلفه قيامًا (5).
(1) في ك الصيد والذبائح من صحيح مسلم، بلفظ " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي ناب من الطير (16/ 1934).
(2)
متفق عليه - وفي رواية: " الحمر الإنسية " -: البخاري في المغازي خيبر. مع (فتح الباري 7/ 338) وفي ك الصيد. و (مسلم) من طريق الإمام مالك، والموطأ: نكاح، المتعة: ح (41).
(3)
البخاري في المظَالم: باب هل تُكسَر التي فيها الخمر أو تخرق الزِّقاق. وفي المغازي: خيبر، باب آنية المجوس (فتح الباري 7/ 327) و (مسلم) في الصيد والذبائح، باب تحريم أكل الحمُر الإنسية.
(4)
حديث جابر رضي الله عنه بلفظ " أكلنا زمنَ خيبرَ الخيل " في ك الصيد والذبائح من صحيح مسلم (ح 37/ 1941) وبالرواية الأخرى، فيه (36/ 1941) وفي البخاري: المغازي، خيبر مع (فتح الباري: 7/ 338) وانظر الباب في شرح معاني الآثار للطحاوي (4/ 203 - 210) وفي الاعتبار للحازمي (302 - 304).
(5)
متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها في مرض موته صلى الله عليه وسلم: الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم (فتح الباري 2/ 140) ومسلم في الصلاة، باب: استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، من يصلي بالناس (ح 90، 95/ 418). مع الموطأ: صلاة الجماعة، صلاة الإمام وهو جالس (ح 16).
وهو متأخر عن حديث " أنس ": " سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فجُحِشَ شقُّه الأيمن. فدخلنا عليه، فحضرت الصلاةُ فصلى بنا قاعدًا فصلينا قعودًا. فلما قضى الصلاة قال: إنما جُعل الإمام ليؤتَم به: إذا كبَّر فكبروا وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قاعدًأ فصلوا قعودًا أجمعون " الحديث ثابت في (الصحيحين (1)) ولكن [173 / ظ] حديثَ مرض الموت آخرُ الأمرين، بمقتضى ما ظهر من النظر في القصتين.
وآخر لواء عقده النبي صلى الله عليه وسلم بيده، لـ " أسامةَ بن زيد بن حارثة " رضي الله عنهما (2).
وكان من آخر كلامه في مرض وفاته صلى الله عليه وسلم: " اتقوا الله، والوصية بملك اليمين "(3). وآخره: " في الرفيق الأعلى "(4).
جعلنا الله من المتقين الذين كتابُهم في علِّيِّين.
وقد ذكرنا هذا الأنموذج لينسجَ على منواله. جعلنا الله ممن أصلح له في حاله وماله وكثر الخير في أعماله، وسدده في أقواله وأفعاله. آمين.
(1) متفق عليه، وهذا لفظ مسلم في الصلاة: باب ائتمام المأموم بالإمام (77/ 411) وبلفظ: " وإذا صلَّى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون " في كتاب الأذان من صحيح البخاري، ونقل بعده:" قال الحميدي - أبو بكر - قوله: " إذا صلى جالسا فصلُّوا جلوسًا " هو في مرضه القديم، ثم صلى بعد ذلك، النبي صلى الله عليه وسلم جالسا والناس خلفه قيامًا لم يأمرهم بالقعود، وأنما يؤخذ بالآخرِ فالآخِر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم "(فتح الباري 2/ 124).
(2)
صحيح البخاري: المغازي، باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد رضي الله عنهما، في مرضه الذي توفي فيه (مع فتح الباري 8/ 107) والسيرة النبوية لابن إسحاق:(الهشامية 4/ 291) وطبقات ابن سعد (2/ 136 ط ليدن).
(3)
صحيح البخاري، في (مرضه صلى الله عليه وسلم ووفاته، مع فتح الباري 8/ 95).
(4)
من حديث عائشة رضي الله عنها: " لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم جعل يقول: في الرفيق الأعلى " أخرجه البخاري من عدة طرق، في: المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ثم في باب آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم، بلفظ " فكان آخر كلمة تكلم بها: اللهم الرفيق الأعلى " (فتح الباري: 8/ 91 - 105، 8/ 106) وانظر الهشامية (4/ 305).
والحمد لله رب العالمين، والصلاة على نبينا وآله القانتين، صلاة إلى يوم الدين، وحَسبنا الله ونعم الوكيل.
بعد الخاتمة، تقييد بتصحيح القراءة والسماع، بقلم كاتب النسخة ومداده هذه صورته: تم (كتاب محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح) تصنيف العلامة شيخ الإسلام حافظ مصر والشام:
سراج الدين عمر البلقيني الشافعي، أبقاه الله تعالى. آمين.
[174 / و]" أنهاه قراءً على مؤلفه، مولانا وسيدنا وشيخِنا شيخ الإسلام سراج ِ الدنيا والدين، أمتع الله المسلملين بطول بقائه في خير وعافية، وذلك ليلةَ السب عشرين شهر ذي القعدة سنة تسعين وسبعمائة، بمدرسته التي أنشأها بحارة بهاء الدين، تقبل الله تعالى منه: محمدُ بن محمد بن سالم الحنبلي ".
يليه، بخط المصنف، الإمام البلقيني، ما صورته:
(صدق وبَرَّ من وضع خطَّه أعلاه، بأنه لهذا الكتاب أنهاه، فقرأه عليَّ وحقَّقه لديَّ، وهو الشيخ العالم مفتي المسلمين صدر المدرسين، مفيد الطالبين، جمال المعتبرين " صلاح الدين الحنبلي " - نفع الله بعلومه، وما يبديه من منطوقه ومفهومه -. وأذنتُ له أن يرويَ عني هذا الكتابَ وما يجوز لي وعني روايتُه، بشرطه. وكتب عمر البلقيني، حامدا ومصليا ومسلمًا).
تمت بعون الله تعالى ومَنِّه وكرمه هذه الطبعة من مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الاصطلاح وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
مصر الجديدة.
في ذي الحجة 1410 هـ.
يونيه 1990 م.
بياض بالأصل.
الفهارس:
* دليل الأعلام: الرجال.
* دليل الأعلام: النساء.
* دليل الكتب في متني المقدمة والمحاسن.
* فهرس موضوعي.
* المستدرك.