الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الحادي والعشرون:
معرفة الموضوع
.
وهو المُختَلَقُ الموضوع.
اعلم أن الحديثَ الموضوع شَرُّ الأحاديث الضعيفة (1) ولا تَحِلُّ روايته لأحدٍ عَلِمَ حالَه في أيِّ [24 / ظ] معنًى كان، إلا مقرونًا ببيان وضعِه. بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقُها في الباطن، حيث جاز روايتها في الترغيبِ والترهيب، على ما نبينُه قريبًا إن شاء الله تعالى.
وإنما يُعرف كونُ الحديثِ موضوعًا بإقرارِ واضعِه، أو ما يتنزلُ منزلةَ إقراره (2). وقد يَفهمون الوضعَ من قرينةِ حال ِ الراوي أو المروِيِّ، فقد وُضِعَتْ أحاديثُ طويلةٌ يشهدُ بوضعِها رَكاكةُ ألفاظِها ومعانيها. ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر (الموضوعاتِ) في نحو مُجلَّدين (3)، فأودع فيها كثيرًا مما لا دليل على وضعه، وإنما حقه أن يُذكَر في مُطلَقِ الأحاديثِ الضعيفة.
والواضعون للحديث أصنافٌ، وأعظمُهم ضررًا قومٌ من المنسوبين إلى الزهد وضعوا الأحاديثَ احتسابًا فيما زعموا، فتقبل الناسُ موضوعاتِهم ثقةً منهم بهم وركونًا إليهم. ثم
(1) اعتُرِض عليه بأن (الموضوع) ليس حديثًا. وقال الشيخ زكريا الأنصاري: إنه (أورده في أنواع الحديث مع أنه ليس بحديث؛ نظرًا إلى زعم واضعه. ولتعرف طرقه التي يتوصل بها إلى معرفته؛ لينفى عن القبول (فتح الباقي على تبصرة العراقي 1/ 261).
(2)
نقلوا فيه عن التقي ابن دقيق العيد في (الاقتراح) أنه استشكل الحكم على الموضوع بإقرار من واضعه فقال: " هذا كاف في رده، لكن ليس بقاطع في كونه موضوعًا لجواز أن يكذب في هذا الإقرار بعينه ". تقييد العراقي 131 وشرح النخبة 123، مع (الاقتراح لابن دقيق العيد: 234).
(3)
على هامش (غ): [قال النواوي: يعني أبا الفرج ابن الجوزي].
قاله في متن التقريب (1/ 278) وقال العراقي في ألفيته:
وأكثر الجامعُ فيه إذ خرج ....................................................................... لمطلق الضعف عَنَى أبا الفرجْ
نهضتْ جهابذةُ الحديثِ بكشفِ عَوارِها ومَحْوِ عارِها والحمد لله. وفيما روينا عن " الإمام أبي بكر السمعاني " أن بعضَ الكَرَّامِيَّة (1) ذهب إلى جوازِ وضع الحديث في باب الترغيب والترهيب (2).
(1) نسبة إلى محمد بن كرَّام، أبي عبدالله السجستاني (ت 255 هـ) وكان من عُباد المرجئة. انظر مع تقييد ابن نقطة، لسان الميزان 5/ 353 والعبر 2/ 10.
(2)
طرة على ورقة ملصقة بنسخة (غ):
[قال القاضي عياض في (إكماله): اعلم أن الكذابين على ضربين: ضرب عرفوا بذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم. وهم على أنواع: منهم من يضع عليه ما لم يقله أصلاً؛ إما تراقُعًا واستخفافًا كالزنادقة وأشباههم، ممن لم يرع للدين وقارًا، أو حسبة بزعمهم وتدينًا، كجهلة المتعبدة الذين وضعوا الأحاديث في الفضائل والرغائب، أو إغرابًا وسمعة، كفسقة المحدثين، أو تعصبًا واحتجاجًا كدعاة المبتدعة ومتعصبي المذاهب، أو اتباعًا لهوى أهل الدنيا فيما أرادوه، وطلبِ العذر لهم فيما أتوه. وقد تعين جماعة في كل طبقة من هذه الطبقات عند أهل الصنعة وعلم الرجال.
ومنهم من لا يضع متن الحديث، ولكن ربما وضع للمتن الضعيف إسنادًا صحيحًا مشهورًا.
ومنهم من يقلب الأسانيد أو يزيد فيها ويتعمد ذلك؛ إما للإغراب على غيره، أو لدفع الجهالة عن نفسه.
ومنهم من يكذب فيدعي سماع ما لم يسمع ولقاء من لم يلق، ويحدث بأحاديثهم الصحيحة عنهم.
ومنهم من يعمد إلى كلام الصحابة أو غيرهم وحِكَم ِ العراب والحكماء فينسبها للنبي صلى الله عليه وسلم.
فهؤلاء كلهم كذابون متروكو الحديث. وكذلك من تجاسر بالحديث بما لم يحققه ولم يضبطه أو هو شاك فيه.
فلا يُحدَّث عن هؤلاء ولا يُقبَل ما حدثوا به ولو لم يكن منهم مما جاءوا به من هذه الأمور إلا المرة الواحدة، كشاهدِ الزور إذا تعمد ذلك سقطت شهادته.
واختُلِفَ: هل تقبل في المستقبل إذا ظهرت توبته أو زادت في الخير حالته؟
والصنف الآخر من لا يستجيز شيئًا من هذا كله في الحديث ولكن يكذب في حديث الناس، قد عرف بذلك. فهذا أيضًا لا يقبل حديثه ولا شهادته، قاله " مالك " وغيره، وتنفعه التوبة، ويرجع إلى القبول.
فأما من يندر منه القليل من الكذب ولم يعرف به، فلا يقطع بتجريحه بمثله؛ إذ يتأول عليه الغلط أو الوهم، وإن اعترف متعمدًا بذلك، المرَّةَ الواحدة، مما لم يضرّ بها مسلمًا؛ فلا تلحق بمثله الجرحة وإن كان معصية؛ لندورها، ولأنها لا تلحق بالكبائر والموبقات، ولأن أكثر الناس قلما يسلمون من مواقعة بعض الهنات، ولهذا قال " مالك " رحمه الله فيمن ترد شهادته: أن يكون كاذبًا في غير شيء. وقال " سحنون " في الذي يقارف بعض الذنب كالزلة: تجوز شهادته لأن أحدًا لا يسلم من مثل هذا. فإذا تكرر هذا منه؛ سقطت به شهادته. وكذلك لا يسقطها كذبه فيما هو من باب التعريض أو الغلو في القول؛ إذ ليس بكذب في على الحقيقة، وإن كان في صورة الكذب؛ لأنه لا يدخل تحت حد الكذب، ولا يريد المتكلم به الإخبار عن ظاهر لفظه. وقد قال عليه السلام:" أما أبو جهم؛ فلا يضع عصاه عن عاتقه " وقال إبراهيم عليه السلام: " هذه أختي "، وقد أشار " مالك " رحمه الله لنحو ذلك. والله أعلم].
وانظر مقدمة النووي لشرح مسلم (1/ 129) وتبصرة العراقي (1/ 263 - 266) وشرح النخبة (123 - 130).
ثم إن الواضع ربما وضع كلامًا من عند نفسِه فرواه، وربما أخذ كلامًا لبعض الحكماء أو غيرِهم، فوضعَه على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وربما غَلط غالطٌ فوقع في شِبْهِ الوضع ِ من غير تعمُّدٍ، كما وقع لثابت بن موسى الزاهد، في حديثِ:" من كثُرت صلاتُه بالليل حَسُن وجهُه بالنهار "(1).
مثال: روينا عن أبي عصمةَ - نوح بن أبي مريم - أنه قيل له: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورةً سورةً؟ فقال: " إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآنِ واشتغلوا بفقهِ أبي حنيفةَ ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعتُ هذه الأحاديثَ حِسْبةً "(2).
وهكذا حالُ الحديثِ الطويل الذي يُروى عن " أُبَيِّ بن كعبٍ " عن النبي صلى الله عليه وسلم، في
(1) ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه، أنه سأل عبدالله بن نمير في هذا الحديث، فقال: هذا حديث منكر. فسأل ابن أبي حاتم أباه: ما تقول أنت فيه؟ قال: هو حديث موضوع " مقدمة الجرح والتعديل (1/ 327) ونقل العراقي فيه قول الحاكم: دخل ثابت بن موسى على شريك بن عبدالله القاضي، والمستملي بين يديه، وشريك يقول: حدثنا للأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر المتن فلما نظر إلى ثابت قال: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار. وإنما أراد ثابتًا لزهده وورعه. فظن ثابت أنه روى هذا الحديث مرفوعًا بهذا الإسناد، فكان ثابت يتحدث به عن شريك. وقال أبو حاتم بن حبان في تاريخ الضعفاء: هذ قول شريك؛ قاله عقيب حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر .. فأدرجه ثابت في الخبر وسرقه منه جماعة ضعفاء وحدثوا به عن شريك " فجعله ابن حبان من نوع المدرج .. (تقييد العراقي 132).
- وأخرجه ابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة من سننه، باب ما جاء في قيام الليل (ح 1333) عن إسماعيل بن محمد الطلحي، عن ثابت بن موسى، عن شريك، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، مرفوعًا. وعليه من حاشية السندي: معنى الحديث ثابت بموافقة القرآن وشهادة التجربة، لكن الحفاظ على أن أهل الحديث بهذا اللفظ غير ثابت " وأخرج البيهقي في (الشعب) عن محمد بن عبدالرحمن بن كامل قال: قلت لمحمد بن عبدالله بن نمير: ما تقول في ثابت بن موسى؟ قال: شيخ له فضل وإسلام ودين وصلاح وعبادة. قلت: ما تقول في هذا الحديث؟ قال: غلط من الشيخ، وأما غير ذلك فلا يتوهم عليه. وقد تواردت أقوال الأئمة على عد هذا الحديث في الموضوع على سبيل الغلط لا التعمد. وخالفهم القضاعي في مسند الشهاب؛ فمال في الحديث إلى ثبوته " اهـ.
وحديث ثابت بن موسى أدخله ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 109) واللآلئ (2/ 32) والشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة (ص 35 ح 78).
(2)
حكاه ابن حجر عن الحاكم، في ترجمة نوح بن أبي مريم، أبي عصمة المروزي، قاضي مرة (تهذيب التهذيب 10/ 488 ت 876) وانظر معه ترجمته في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (8/ 484 ت 2210).
فضل ِ القرآن سورةً سورة. بحث باحثٌ عن مخرَجه، حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعةً [26 / و] وضعوه (1). وإن أثَر الوضْع ِ لَبَيِّنٌ عليه. ولقد أخطأ " الواحديُّ المفسِّر " ومَنْ ذكره من المفسرين (2)، في إيداعهِ تفاسيرَهم. والله أعلم *.
(1) في تقييد العراقي (134): أبهم المصنف ذكر هذا الباحث الذي بحث عن هذا الحديث، وهو مؤمل بن إسماعيل. فروينا عن مؤمل أنه قال: حدثني شيخ بهذا الحديث فقلت: من حدثك به؟ فقال: حدثني رجل بالمدائن، وهو حي. فسرت إليه فقلت: من حدثك؟ فقال: شيخ بعبادان. فصرت إليه فأخذ بيدي فأدخلني بيتًا فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ، فقال: هذا الشيخ حدثني. فقلت: يا شيخ، من حدثك؟ فقال: لم يحدثني أحد، ولكننا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن ". وحكاها الخطيب في الكفاية، بسنده إلى محمود بن غيلان، أبي أحمد المروزي، عن مؤمل بن إسماعيل العدوي البصري. قابل على (الكفاية: 401).
(2)
" لكن، من أبرز إسناده في ذلك كالثعلبي والواحدي؛ فهو أبسط لعذره إذ أحال ناظهر على الكشف عن سنده، وإن كان لا يجوز له السكوت عليه. وأما من لم يسند، فخطؤه فاحش ". العراقي في التبصرة (1/ 271).
_________
* المحاسن:
" فائدة وزيادة:
لا يقال: الإقرار بأنه كذب لا يعرفنا أنه موضوع؛ لأنه إذا اعترف الإنسان بالكذب على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - الذي ليس الكذبُ عليه كالكذب على غيره - فجائز أن بكذبَ على نفسِه؛ إما للتغير عن ذلك الحديث المروي، أو لنوع آخر؛ ليحصل لغيره الريبةُ والشك فيه؛ لأنا نقول: إذا كان الحديث لا يعرف إلا من طريق ذلك الشخص، كان إقراره بذلك مسقطًا لروايته، وقد حكم الشرع على المقر بمقتضى إقراره، وإن كان يحتمل أن يكون في نفس الأمر خلافه. فلا نظر إلى ذلك، ويحكم على الحديث بأنه موضوع، ولا يصح إنكار وقوع الوضع.
ومنهم من قرر وقوعه بأن قد ورد في الحديث: " أنه سيُكذَبُ عليَّ " فإن كان هذا صحيحًا وقع الكذب، وإلا فقد حصل المقصود. =
..............................................................................................................................
= وفيه نظر بالنسبة إلى الأحاديث الموجودة الآن؛ لأن استقبال في: سَيُكْذَبُ، لا يعين زمنها، وقد بقيت أزمان.
وكل هذا الكلام عند أئمة الحديث ضعيف ولهم طرق في معرفة ذلك، وملكة يعرفون بها الموضوع. وشاهده: أن إنسانًا لو خدم إنسانًا سنينَ، وعرف ما يحب وما يكره، فجاء إنسان ادعى أنه يكره شيئًا يعلم ذلك أنه يحبه؛ فبمجرد سماعه يبادر إلى تكذيب من قال إنه يكرهه.
وجعل بعضهم من ذلك ما خالف الكتابَ وصحيح السنة، وقال بعض هؤلاء الجهلة في الحديث الصحيح المشهور الذي رواه خلق كثير من الصحابة " من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار " (1): نحن ما كذبنا عليه، إنما كذبنا له. وهذا من عظيم جهلهم وعدم عقلهم وكثرة افترائهم؛ فإن شريعته مكملة، لا تحتاج إلى غيره.
وما سبق من الذي " أكثر من جمع الموضوعات " كأنه " ابن الجوزي ". والاعتراضُ عليه متوجه كما سبق، ومن جهة أنه ذكر أشياء فيها حسنٌ بل وصحيحٌ أيضًا. والحديث الذي رواه ثابت بن موسى، رواه ابن جميع في (معجمه) من غير طريق ابن موسى فقال: ثنا أحمد بن محمد بن سعيد الرقي، ثنا أبو الحسين محمد بن هشام بن الوليد، ثنا جُبَارة بن المُغَلِّس، عن كثير بن سليم عن أنس
…
مرفوعا (2). انتهى " 39 / ظ.
(1) حديث " من كذب عليَّ " يأتي تخريجه في النوع الثلاثين (المشهور) وانظر (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان) ح 1 - 4 وباب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب العلم من صحيح البخاري، ومقدمة مسلم، ومقدمة السنن لابن ماجة.
وانظر فيه (فتح الباري 1/ 143).
(2)
أورده العراقي في الباب، وقال ردًّا على من اعترضوا به على ابن الصلاح: وهذا الاعتراض عجيب فإن المصنف لم يقل إنه لم يُرْوَ إلا من طريق ثابت بن موسى، ومع ذلك فهذا الطريق، في سند ابن جميع أضعف من طريق ثابت؛ لضعف كثير بن سليم وجبارة. (التقييد: 133).