الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثامن: ينبغي للمحدِّث ألا يروي حديثه بقراءةِ لحَّانٍ أو مصحِّف
. روينا عن " النضر بن شُميل " رضي الله عنه، قال:" جاءت هذه الأحاديثُ عن الأصل معربة ". وأخبرنا " أبو بكر بن أبي المعالي الفراوي " قراءةً عليه قال: أنا الإمام أبو جَدِّي، (1) أبو عبدالله محمدِ بن الفضل الفراوي، قال: أنا أبو الحسين عبدالغافر بن محمد بن الفارسي، قال: أنا الإِمام أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي قال: حدثني محمد بن معاذ، قال: أنا بعضُ أصحابِنا عن أبي داودَ السِّنْجِي، (2) قال: سمعتُ الأصمعي يقول: إن أخوفَ ما أخاف على طالبِ العلم إذا لم يعرف النحوَ أن يدخل في جملة (3) قول ِ النبي صلى الله عليه وسلم: " من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعَده من النار "؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يلحن، فمهما رويتَ عنه حديثًا ولَحنتَ فيه؛ كذبتَ عليه (4).
قلت: فحقّ على طالبِ الحديث أن يتعلم من النحوِ واللغةِ ما يتخلصُ به من شَيْنِ اللحنِ والتحريفِ ومعرَّتها. روينا [63 / و] عن " شعبةَ " قال: " من طلب الحديثَ ولم يبصر العربيةَ فمثلُهُ مثلُ رجل ٍ عليه بُرنُسٌ ليس له رأس " - أو كما قال -. وعن " حماد بن سلمة " قال: " مثَلُ الذي يطلب الحديثَ ولا يعرفُ النحو، مَثَلُ الحمار عليه مخلاةٌ لا شعيرَ فيها ".
وأما التصحيف فسبيلُ السلامةِ منه، الأخذُ من أفواهِ أهل ِ العلم أو الضبطِ؛ فإن مَن حُرِمَ ذلك، وكان أخذُه وتعلمُه من بطونِ الكتُبِ؛ كان من شأنه التحريفُ، ولم يُفلِتْ من التبديل والتصحيف. والله أعلم.
التاسع: إذا وقع في روايتِه لحنٌ أو تحريف؛ فقد اختلفوا
؛ فمنهم من كان يرى أنه يَرويه على الخطأ كما سمعه، وذهب إلى ذلك من التابعين: " محمد بن سيرين، وأبو معمر
(1) أبو بكر " منصور بن أبي المعالي عبدالمنعم بن أبي البركات عبدالله بن أبي عبدالله محمد بن الفضل الفراوي. حدث عن أبيه، وجده، وجد أبيه (522 - 608 هـ) تقييد ابن نقطة ل 154 / أ.
(2)
على هامش (غ): [سنج: قرية من قرى مرو، ينسب إليها أبو علي السنجي الفقيه - الشافعي، الحسين بن شعيب -. والله أعلم] والضبط من اللباب: 2/ 147.
(3)
بهامش (غ): [أي عموم قوله]عليه الصلاة والسلام.
(4)
رواه ابن خلاد الرامهرمزي في (المحدث الفاصل: باب القول في تقويم اللحن بإصلاح الخطأ) من طريق الخطابي بسنده إلى الأصمعي. والقاضي عياض في (الإلماع 184) من طريق ابن خلاد.
عبدالله بن سخبرة ". وهذا غُلُوٌّ في مذهب اتباع (1) اللفظِ والمنع من الرواية بالمعنى. ومنهم من رأى تغييرَه وإصلاحَه وروايتَه على الصواب؛ روينا ذلك عن " الأوزاعي، وابنِ المبارك " وغيرهما. وهو مذهبُ المحصِّلين والعلماء من المحدِّثين. والقولُ به في اللحنِ الذي لا يختلفُ به المَعنى وأمثالِه، لازمٌ على مذهبِ تجويزِ روايةِ الحديثِ بالمعنى. (2) وقد سبق أنه قولُ الأكثرين *.
وأما إصلاحُ ذلك وتغييره في كتابِه وأصلِه؛ فالصوابُ تركُه، وتقريرُ ما وقع في الأصل ِ على ما هو عليه، مع التضبيبِ عليه، وبيانِ الصوابِ خارجًا في الحاشية؛ فإن ذلك أجمعُ للمصلحة وأنفى للمفسَدة. وقد روينا أن بعضَ أصحابِ الحديثِ رُئِيَ في المنام وكأنه قد مَرَّ من شفتِه أو لسانِه شيء، فقيل له في ذلك، فقال: لفظةٌ من حديثِ رسول ِ الله صلى الله عليه وسلم غيرتُها برأيي؛ ففُعِلَ بي هذا.
وكثيرا ما نرى ما يتوهمُه كثيرٌ من أهل العلم خطأً - وربما غيَّروه - صوابًا ذا وجهٍ
(1) ضبطه في (ص): [أتباع] مهموزا. وانظر الباب في (المحدث الفاصل) فقرات 662 - 673 و (جامع بيان العلم) 1/ 78، وأبوابه في (الكفاية: 239 فما بعدها).
(2)
على هامش (غ): [قال الشعبي: لا بأس أن يعرب الحديث إذا كان فيه لحن، قوال ابن حنبل: يجب؛ لأنهم لم يكونوا يلحنون. وقال النسائي: لا يغير ما وجد في لغة، وما لم يوجد في كلام العرب يغير؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يلحن. ذكره كله " ابن بطال ".] وانظر الإلماع: 184.
_________
* المحاسن:
" زيادة: ذكر " ابنُ أبي خيثمة ": سئل " الشعبي وأبو جعفر محمد بن علي بن حسين وعطاء والقاسم " عن الرجل يحدِّث بالحديث فيلحن؛ أأحدث كما سمعتُ أو أعربه؟ فقالوا: لا، بل أعْربْه (1). انتهت " 73 / و.
_________
(1)
أسنده ابن عبدالبر عن أحمد بن زهير، ابن أبي خيثمة، بسنده إلى جابر، بن يزيد الجعفي الكوفي، قال: سألت عامرًا - يعني الشعبي -، وأبا جعفر - يعني محمد بن علي -، وعطاء - يعني ابنَ رَباح -، والقاسم - يعني ابن محمد -، عن الرجل يحدث بالحديث فيلحن .. " فذكره. (الجامع 1/ 78).
صحيح، وإن خَفِيَ واستُغرب، لا سيما فيما يعدونه خطأ من جهةِ العربية؛ وذلك لكثرةِ لغاتِ العربِ وتشعُّبِها.
[63 / ظ] وروينا عن " عبدالله بن أحمد بن حنبل " قال: " كان إذا مرَّ بأبي لحنٌ فاحشٌ غَيَّره، وإذا كان لحنًا سهلا تركه، وقال: كذا قال الشيخ "(1).
وأخبرني بعضُ أشياخِنا عمن أخبره عن " القاضي الحافظ عياض " بما معناه واختصارُه، أن الذي عليه استمر عملُ أكثرِ الأشياخ، أن ينقلوا الروايةَ كما وصلت إليهم ولا يغيروها في كُتبِهم، حتى في أحرف من القرآن، استمرت الروايةُ فيها في الكتب على خلافِ التلاوةِ المجمَع عليها، ومن غير أن يجيء ذلك في الشواذ. ومن ذلك ما وقع في (الصحيحين، والموطأ) وغيرها. لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على خطئها هذا عند السماع والقراءةِ، وفي حواشي الكتب مع تقريرِهم ما في الأصول على ما بلغهم. ومنهم من جَسُرَ على تغييرِ الكتبِ وإصلاحِها، منهم " أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني الوَقَشِي "(2) فإنه لكثرَةِ مطالعتِه وافتنانِه وثقوبِ فهمِه وحِدَّةِ ذهنِه، جَسُرَ على الإِصلاح كثيرًا، وغلط في أشياءَ من ذلك. وكذلك غيرُه ممن سلك مسلكَه. والأوْلَى سدُّ بابِ التغيير والإصلاح لئلا يجسُرَ على ذلك مَن لا يُحسَنُ، والطريقُ الأول أسلم (3) مع التبيين؛ فيذكر ذلك عند السماع كما وقع، ثم يذكر وجهَ صوابِه: إما من جهةِ العربية، وإما من جهة الرواية. وإن شاء قرأه أولا على الصوابِ ثم قال: وقع عند شيخِنا، أو: في روايتنا، أو: من طريق فلان، كذا وكذا
…
وهذا أولى من الأول ِ كيلا يُتَقَوَّلَ على رسول ِ الله صلى الله عليه وسلم، ما لم يَقُل. وأصلَحُ ما يعتمدُ عليه من الإِصلاح ِ، أن يكون ما يَصلُحُ به الفاسدُ قد ورد
(1) في الكفاية بإسناد الخطيب إلى عبدالله بن أحمد (باب ذكر الرواية عمن كان لا يرى تغيير لحن الحديث).
(2)
طرة على هامش (ص): [هو مغربي أندلسي، وهو صاحب كتاب (النجم من كلام سيد العرب والعجم) يناسب (الشهاب) للقضاعي. وله أيضا كتاب (الكوكب الدري) في الأحاديث النبوية أيضا].
وهو وهم؛ فمؤلف النجم والكوكب الدري، هو أبو العباس أحمد بن معد الإقليشي المتوفى سنة 549 هـ كما في (الذيل والتكملة) وذكرهما له حاجي خليفة في حرفي النون والكاف من الكشف.
وانظر بطاقة أبي الوليد الوقشي هشام بن أحمد في فهرس الأعلام.
(3)
من متن (غ) وبهامشه: [وهو أسلم، والأول أسلم: معا] وفي مطبوعة العراقية: وهو أسلم.