الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيان أقسام طرق نقل الحديث وتحمله
، ومجامعها ثمانية أقسام:
الأول: السماع من لفظ الشيخ
. وهو ينقسم إلى إملاء، وتحديث من غير إملاء، وسواء كان من حفظه أو من كتابه. وهذا القسم أرفع الأقسام عند الجماهير. وفيما نرويه عن " القاضي عياض بن موسى السبتي " أحد المتأخرين المطَّلعين، قوله: لا خلاف أنه يجوز في هذا أن يقول السامع منه: حدثنا وأخبرنا، وأنبأنا، وسمعت فلانًا يقول، وقال لنا فلان، وذكر لنا فلان " (1).
قال الشيخ - أبقاه الله -: في هذا نظر، وينبغي فيما شاع استعماله من هذه الألفاظ مخصوصًا بما سُمع من غير لفظ الشيخ - على ما نبينه إن شاء الله تعالى - ألا يُطلق فيما سُمِع من لفظ الشيخ لما فيه من الإِيهام والإِلباس. والله أعلم.
وذكر " الحافظ أبو بكر الخطيب "[36 / و] أن أرفع العبارات في ذلك: سمعت، ثم حدثنا وحدثني؛ فإنه لا يكاد أحدٌ يقول: سمعت، في أحاديث الإجازة والمكاتبة، ولا في تدليس ما لم يسمعه (2).
وكان بعض أهل العلم يقول فيما أجيز له: حدثنا. وروى عن " الحسن " أنه كان يقول: حدثنا أبو هريرة. ويتأول أنه حدَّث أهل المدينة. وكان " الحسن " إذ ذاك بها، إلا أنه لم يسمع منه شيئًا (3).
(1) الإِلماع للقاضي عياض: 69.
(2)
كفاية الخطيب: 284.
(3)
على هامش (غ): [قال المؤلف: قال " علي بن المديني " فيما روينا عنه: قول الحسن: خطبنا ابن عباس بالبصرة، إنما هو كقول ثابت: قدم علينا عمران بن حصين، ومثل قول مجاهد: خرج علينا علي. وقال علي ابن المديني: الحسن لم يسمع من ابن عباس وما رآه قط، كان بالمدينة أيام كان ابن عباس بالبصرة. والله أعلم ". وجدته بخطه - أعني شيخنا - فنقلته] وانظره في (علل ابن المديني: 51).
وعبارة الخطيب في الكفاية: " وروي عن الحسن أنه كان يقول: ثنا أبو هريرة، ويتأول أنه حدث أهل البصرة، والحسن منهم. وكان الحسن إذ ذاك بالمدينة فلم يسمع منه شيئًا. ولم يستعمل قول: سمعت، في شيئ من ذلك ". باب ما جاء في عبارة الرواية عما سمع من المحدث لفظًا: ص 284.
وأسند الطبري من طريق عمرو بن علي الفلَاّس عن عفان بن مسلم عن وهيب بن خالد الباهلي أبي بكر البصري، عن أيوب السختياني، قال:" لم يسمع الحسن من أبي هريرة ". ومن طريق عمرو بن علي أيضًا عن أبي قتيبة، سلم بن قتيبة، عن شعبة، قال: قلت ليونس بن أبي إسحاق السبيعي: أسمع الحسن من أبي هريرة؟ قال: لا، ولا حرفا ". (المنتخب من ذيل المذيل: 637).
قلت: ومنهم من أثبت له سماعًا من أبي هريرة *. والله أعلم.
ثم يتلو ذلك قول: أخبرنا. وهو كثير في الاستعمال، حتى إن جماعة من أهل العلم كانوا لا يكادون يخبرون عما سمعوه من لفظ من حدثهم إلا بقولهم: أخبرنا. منهم: حماد بن سلمة، وعبدالله بن المبارك، وهُشَيمُ بن بَشير، وعُبيدالله بن موسى، وعبدالرزاق بن همام، ويزيد بن هارون، وعمرو بن عون، ويحيى بن يحيى التميمي، وإسحاق بن راهويه، وأبو مسعود أحمد بن الفرات، ومحمد بن أيوب الرازيان، وغيرهم (1). وذكر " الخطيب " عن محمد بن رافع، قال:" كان عبدالرّزاق يقول: أخبرنا. حتى قدم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، فقالا له: قل: حدثنا؛ فكل ما سمعت مع هؤلاء قال: حدثنا، وما كان قبل ذلك؛ قال: أخبرنا "(2).
وعن " محمد بن أبي الفوارس الحافظ " قال: هُشيم، ويزيد بن هارون، وعبدالرزاق لا يقولون إلا:" أخبرنا ". فإذا رأيت " حدثنا " فهو من خطأ الكاتب (3). والله أعلم (4).
قال الشيخ - أبقاه الله -: وكان هذا كلُّه قبل أن يشيع تخصيصُ " أخبرنا " بما قُرئ على الشيخ.
ثم يتلو قولَ: أخبرنا، قولُ: أنبأنا، وهو قليلٌ في الاستعمال.
قال الشيخ: " حدثنا، وأخبرنا " أرفع من " سمعت " من جهة أخرى، وهي أنه ليس في " سمعت " دلالةٌ على أن الشيخ روَّاه الحديث وخاطبه به، وفي " حدثنا، وأخبرنا " دلالةٌ على أنه خاطبه به [36 / ظ] ورواه له، أو هو ممن فُعِلَ به ذلك. سأل " الخطيبُ أبو بكر الحافظ " شيخه " أبا بكر البرقاني، الفقيهَ الحافظ " - رحمهما الله تعالى - عن السرِّ في كونه
(1) قاله الخطيب في الكفاية: 285.
(2)
الكفاية، بسند الخطيب إلى محمد بن رافع القشيري، مولاهم أبي عبدالله النيسابوري الحافظ الزاهد.
(3)
الكفاية، بسند الخطيب إلى ابن أبي الفوارس، محمد بن محمد بن فارس، أبي الفتح البغدادي.
(4)
على هامش ص: (26 أ) بلغ ناصرالدين ابن العديم قراءة بحث، وعمه زين الدين عبدالرحمن وشمس الدين الحلبي سماعًا. كتبه عبدالرحيم بن الحسين.
_________
* المحاسن:
" فائدة: قد كتبت جزءًا سميته (القول الحسن في ترجمة الحسن) بسطتُ القول فيه في ذلك وفي غيره، فلينظر منه. انتهت " 48 / و.
يقولُ فيما رواه لهم عن " أبي القاسم عبدالله بن إبراهيم الجرجاني الآبندوني "(1): سمعت، ولا يقول: حدثنا، ولا أخبرنا. فذكر له أن " أبا القاسم " كان مع ثقتِه وصلاحِه، عسيرًا] (2) في الروايةِ، فكان " البرقاني " يجلسُ بحيث لا يراه أبو القاسم ولا يعلم بحضورِه، فيسمع منه ما يُحدِّث به الشخصَ الداخلَ إليه، فلذلك يقول: سمعت، ولا يقول: حدثنا، ولا: أخبرنا؛ لأن قصده كان الرواية للداخل إليه وحده.
وأما قوله: قال لنا فلان، أو: ذكر لنا فلانٌ؛ فهو من قبيل قوله: حدثنا فلان، غير أنه لائقٌ بما سمعه منه في المذاكرة، وهو به أشبه من " حدَّثنا ".
وقد حكينا في فصل التعليق عقيب (النوع الحادي عشر) عن كثير من المحدِّثين استعمال ذلك، معبِّرين به عما جرى بينهم في المذاكرات والمناظرات. وأوضع (3) العبارات في ذلك أن يقول:" قال فلان " أو: " ذكر فلانٌ " من غير ذكر قوله: لي، ولنا، ونحو ذلك.
وقد قدَّمنا في (فصل الإِسناد المعنعن) أن ذلك وما أشبهه من الألفاظ، محمولٌ عندهم على السماع إذا عُرِفَ لقاؤه له وسماعه منه على الجملة، لا سيما إذا عُرِفَ من حاله أنه لا يقول:" قال فلان " إلا فيما سمعه منه.
وقد كان " حجاج بن محمد الأعور " يروي عن " ابن جريج " كتبه، ويقول فيها:" قال ابن جريج " فحملها الناس عنه، واحتجوا برواياته، وكان قد عُرِفَ من حاله أنه لا يروي إلا ما سمعه. وقد خصَّص " الخطيب أبو بكر الحافظ " القولَ بحمل ذلك على السماع، بمن عُرِفَ من عادته مثلُ ذلك (4).
والمحفوظ المعروف ما قدمنا ذكره. والله أعلم.
القسم الثاني: من [37 / و] أقسام الأخذ والتحمُّل: القراءة على الشيخ. وأكثر المحدِّثين يسمونها: عرضًا، من حيث إن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرؤه، كما يَعرِضُ القرآن على المقرئ. وسواءٌ كنت أنت القارئ، أو قرأ غيرُك وأنت تسمع، وقرأت من
(1)[قال المؤلف: آبندون: قرية من قرى جرجان] من هامش (غ، ص) والضبط بفتح الألف الممدودة والباء الموحدة، وسكون النون وضم الدال المهملة وفي آخره نون، من (اللباب: 1/ 17).
(2)
في طبعة الهند من الكفاية: " عسرًا في الرواية "287.
(3)
من الوضع، بمعنى ما وضعوه في مصطلحهم.
(4)
كفاية الخطيب: 290 (باب ما جاء في عبارة الرواية عما سمع).
كتاب أو من حفظك، أو كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه، أو لا بحفظ لكن يمسك أصله، (1) هو أو ثِقةٌ غيره.
ولا خلاف أنها روايةٌ صحيحةٌ، إلا ما حُكي عن بعض من لا يُعتدُّ بخلافه *. والله أعلم.
(1) الإِلماع: 70.
_________
* المحاسن:
" فائدة: ذكر " الرامهرمزي " في كتابه (الفاصل) في باب القراءة على المحدِّث، بإسناد إلى " ابن ماجشون " قال: " حضرت مالكًا وأتاه رجل من الصوفية، فسأله عن ثلاثة أحاديث يحدثه بها، فقال " مالك ": اعرضْها إن كان لك حاجة. فقال: يا أبا عبدالله، إن العض لا يجوز عندنا، فقال له " مالك ": فأنت أعلم. فأتاه مرارًا، كل ذلك يقول: اعرضها إن كانت لك حاجة، فيقول: العرض لا يجوز ". وساق الحكاية (1) وأسند في أول الباب (2) عن " أبي عاصم النبيل " قال: " سمعت سفيان وأبا حنيفة ومالكًا وابن جريج، كل هؤلاء سمعتهم يقولون: لا بأس بها - يعني القراءة - وأنا لا أراه، وما حدثت بحديث عن أحد من الفقهاء قراءة ". وأسند إلى " عبدالرحمن بن سلَاّم " قال:" دخلت على مالك بن أنس وعلى بابه من يحجبه، فقال - وبين يديه " ابن أبي أُويس - وهو يقول: حدثك نافع؟ حدثك ابن شهاب؟ حدثك فلان وفلان؟ فيقول مالك: نعم، نعم. فلما فرغ قال: يا أبا عبدالله، عَوِّضني عما حدثته بثلاثة أحاديث تقرؤها عليَّ. قال: أعراقي؟ أعراقي؟ أخرجوه عني ". وما ذهب إليه العلماء إلا ما شذَّ منهم، مُستَندُه حديث " ضمام بن ثعلبة " وهو في الصحيح (3). " 48 / ظ 49 / و.
_________
(1)
الرامهرمزي، القاضي ابن خلاد: المحدث الفاصل 423 فقرة 469.
(2)
باب القراءة على المحدث، من كتاب المحدث الفاصل: 421 ف 459.
بإسناده إلى ابن الماجشون، عبدالملك بن عبدالعزيز بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون، أبي مروان المدني.
(3)
في صحيح البخاري، كتاب العلم (باب القراءة والعرض على المحدث) عن شريك بن عبدالله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يقول: بينا نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد دخل رجل على =
واختلفوا في أنها مثل السماع من لفظ الشيخ في المرتبة، أو دونه، أو فوقه؛ فنُقِلَ عن " أبي حنيفة وابن أبي ذئب " وغيرهما، ترجيح القراءة على الشيخ على السماع من لفظه، ورُوي ذلك عن " مالك "(1) أيضًا *. ورُوِي عن " مالك "(2) وغيره أنها سواءٌ. وقد قيل إن التسوية بينهما مذهب عظيم علماء الحجاز والكوفة، ومذهب مالك وأصحابه وأشياخه من علماء المدينة، ومذهب البخاري وغيرهم **.
والصحيح ترجيح السماع من لفظ الشيخ، والحكم بأن القراءة عليه مرتبةٌ ثانيةٌ. وقد
(1 - 2) المحدث الفاصل: ف 459 + 420 ف 457، وكفاية الخطيب: باب ذكر الرواية عمن أجاز أن يقال في أحاديث العرض: حدثنا، ولا يفرق بين: سمعت، وحدثنا وأخبرنا (305 - 310).
والإِلماع للقاضي عياض: 71 - 74.
وابن رشيد في المرحلة: ل 3/ 288 مصورة دار الكتب من أصل الاسكوريال.
_________
* المحاسن:
" زيادة: والحسن بن عُمارة وابن جريج. انتهت " 49 / و.
" زيادة: وممن سوى بينهما علي بن أبي طالب، فقال: القراءة =
_________
= جمل أناخه في المسجد ثم عقله ثم قال لهم: أيكم محمد؟ والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ. فقال له الرجل: ابن عبدالمطلب؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " قد أجبتك " فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد عليّ في نفسك. فقال: " سل عما بدا لك " فقال: أسألك بربك ورب من قبلك، آالله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال:" اللهم نعم " الحديث بطوله. وفي آخره قال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول مَن ورائي مِن قومي وأنا ضمام بن ثعلبة، أخو بني سعد بن بكر. (انظر: فتح الباري 1/ 111 - 113).
وانظر معه في حديث طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه: " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإِسلام ". رواه مالك في الموطأ (باب جامع الترغيب في الصلاة: ح 94) والشيخان في الصحيحين من طريق مالك: البخاري في ك الإيمان باب الزكاة من الإِيمان، ومسلم في ك الإِيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام. ولم يسم هذا الرجل. وأخرجه ابن عبدالبر في ترجمة ضمام بن ثعلبة السعدي رضي الله عنه (الاستيعاب: ت 1262) ونقل ابن حجر جزمَ ابنِ بطال بأنه ضمام وإن تعقبه القرطبي (فتح الباري 1/ 79).
وفي (المستفاد من مبهمات المتن والإِسناد، للولي أبي زرعة العراقي) أنه ضمام بن ثعلبة، عند ابن بشكوال وابن طاهر (3 / خطية دار الكتب المصرية).
قيل إن هذا مذهب جمهور أهل المشرق. والله أعلم.
وأما العبارة عنها عند الرواية به فهي على مراتب:
أجودها وأسلمها أن يقول: " قرأت على فلانٍ، أو: قرئ على فلانٍ وأنا أسمع فأقر به " فهذا سائغ من غير إشكال.
ويتلو ذلك ما يجوز من العبارات في السماع من لفظ الشيخ مطلقةً، إذا أتى بها ههنا مقيدةً بأن يقول: حدثنا فلانٌ قراءةً عليه، أو: أخبرنا قراءةً عليه، ونحو ذلك. وكذلك: أنشدنا قراءةً عليه، في الشعرِ.
وأما إطلاق " حدثنا، و أخبرنا " في القراءة على الشيخ؛ فقد اختلفوا فيه على مذاهب:
فمن أهل الحديث من مَنعَ منها جميعًا، قيل إنه قول " ابن المبارك، ويحيى بن يحيى التميمي "[37 / و] وأحمد بن حنبل، والنسائي " (1) وغيرهم.
ومنهم من ذهب إلى تجويز ذلك وأنه كالسماع من لفظ الشيخ في جواز إطلاق: حدثنا، وأخبرنا، وأنبأنا. وقد قيل إن هذا مذهبُ معظم الحجازيين، والكوفيين، وقول " الزهري، ومالك، (2) وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد القطان "(3). في آخرين من الأئمة
(1) المحدث الفاصل: 426 - 425. ف 434، 497. وقال أبو داود: " سمعت أحمد يقول: أرجو أن يكون العرض لا بأس به. فقيل لأحمد: كيف يعجبك أن يقول؟ قال: يعجبني أن يقول كما فعل؛ إن قرأ قال: قرأت. قيل لأحمد وأنا أسمع: كأن " أخبرنا " أسهل من: حدثنا؟ قال: نعم؛ " أخبرنا " شديد "(مسائل أحمد: 282) والكفاية.
(2)
طُرة على هامش (غ):
[قال شيخنا نجم الدين: رويت بسند يرفع
…
إلى محمد بن سعد، عن إسماعيل بن أبي أويس، قال: سئل " مالك " عن حديثه، أسماع هو؟ قال: منه سماع، ومنه عرض، وليس العرض عندنا بأدنى من السماع، وبه عن " مطرف بن عبدالله " قال: سمعت مالكًا يقول: لبعض من يحتج عليه في العرض أنه لا يجزئه إلا المشافهة، فيأبى " مالك " ذلك واحتج بأن المقرئ يقرأ عليه فيقول: أقرأني فلان، وهو لم يقرأ عليه. وعنه قال: صحبت مالكا نحو عشرين سنة، فلم أر أحدًا أقرأ مالكا عليه. وقال " مالك ": عجبًا لمن يريد المحدث يحدثه مشافهة، وذلك إنما أخذ حديثه عرضًا.] وانظر الإِلماع: 72 - 75، والكفاية:308.
(3)
قابل على المحدث الفاصل: 432 ف 490، 433 ف 393.
_________
على العالم بمنزلة السماع منه. وابن عباس، قال: اقرءوا عليَّ فإن قراءتكم عليّ كقراءتي عليكم. ذكر ذلك كله الرامهرمزي (1). 49 / و.
_________
(1)
في المحدث الفاصل: 428، 429 ف 478.
المتقدمين، وهو مذهب " البخاري " - صاحب الصحيح - في جماعة من المحدِّثين، ومن هؤلاء من أجاز فيها أيضًا أن يقول: سمعت فلانًا *.
والمذهبُ الثالثُ: الفرقُ بينهما في ذلك، والمنعُ من إطلاقِ: حدثنا، وتجويزُ إطلاقِ: أخبرنا. وهو مذهبُ " الشافعي " وأصحابِه، وهو منقولٌ عن " مسلم " - صاحبِ الصحيح -، وجمهورِ أهل المشرق (1).
وذكر صاحبُ (كتابِ الإِنصاف): " محمدُ بن الحسن التميمي الجوهري المصري " أن هذا مذهبُ الأكثر من أصحاب الحديثِ الذين لا يُحصيهم أحدٌ، وأنهم جعلوا " أخبرنا " عَلَمًا يقومُ مقامَ قول ِ قائلِه: أنا قرأتُه عليه، لا أنه لَفَظَ به لي. قال: وممن كان يقول به من أهل زماننا: " أبو عبدالرحمنِ النسائي " في آخرينَ من الأئمةِ في جماعةٍ مثلِه من محدِّثينا (2).
قلتُ: وقد قيل إن أول من أحدث الفرقَ بين هذين اللفظين " ابنُ وهبٍ " بمصرَ، وهذا يدفعه أن ذلك مروِيٌّ عن " ابن جريج، والأوزاعي " حكاه عنها " الخطيبُ أبو بكر ". إلا أن يعني أنه أولُ من فَعَلَ ذلك بمصر (3). والله أعلم
(1) المحدث الفاصل، بأسانيد الرامهرمزي: 425، 431 - 433 ف 470، 481، والكفاية (296 - 297).
(2)
انظر معه، الباب في كفاية الخطيب.
والفقرات 486 - 497 من المحدث الفاصل للرامهرمزي.
(3)
الكفاية: باب ما جاء في عبارة الراوي عما سمع من المحدث لفظًا (288 - 289) والمحدث الفاصل، بإِسناد الرامهرمزي إلى ابن جريج (433 - 492) وإلى الأوزاعي (431 - 432 ف 487 - 489).
_________
* المحاسن:
" زيادة: وممن جوَّز إطلاقَ " حدثنا " في ذلك " عطاءٌ، والحسنُ، وأبو حنيفة وصاحباه، وزُفَر، ومنصور " قال " الثوري " لما سئل عن ذلك: أتقول سمعت فلانًا؟ قال: نعم. ذكره الرامهرمزي (1). انتهت " 50 / و.
_________
(1)
في المحدث الفاصل: 422 ف 465 (عطاء)، 426/ 473، 474 (الحسن)، 425/ 471 (أبو حنيفة وصاحباه)، 428/ 478 (زفر)، 422/ 463 (منصور)، 422/ 464 (الثوري).
قال الشيخ - أبقاه الله -: الفرقُ بينهما صار هو الشائع الغالب على أهل ِ الحديث، والاحتجاجُ لذلك من حيث اللغةُ عناءٌ وتكلف. وخيرُ ما يقال فيه أن اصطلاحٌ منهم؛ أرادوا به التمييزَ بين النوعين، ثم خُصِّص النوعُ الأول بقول ِ:" حدثنا " لقوةِ إشعارِه بالنطقِ والمشافهة (1).
ومن أحسن ما يُحكَى عمن يذهبُ هذا المذهبَ، ما حكاه " الحافظُ أبو بكر البرقاني " عن أبي حاتم محمد بن يعقوب الهَروي، أحدِ رؤساء أهل ِ الحديث بخراسان، أنه قرأ على بعض ِ الشيوخ عن " الفَرَبْري " (صحيحَ البخاري) [38 / و] وكان يقول له في كل حديث:" حدَّثكم الفَرَبْري " فلما فرغ من الكتاب، سمع الشيخَ يذكر أنه سمع الكتابَ من " الفربري " قراءةً عليه، فأعاد " أبو حاتم " قراءةَ الكتابِ كلِّه، وقال له في جميعِهِ:" أخبركم الفربري "(2) *. والله أعلم.
(1) طرة على هامش (غ):
[من المتأخرين من يتسامح ويقول: سمعت فلانًا يقول، فيما قرئ عليه أو سمعه من القارئ عليه. وهذا تسامح خارج عن الوضع، ليس له وجه إلا أن يكون يتغير اصطلاح، وهو أن يقع الاصطلاح عامًّا. فقد يقرب الأمر فيه، وإن وضعه هذا الراوي بنفسه فلا أرى ذلك جائزًا. وربما قربه بعضهم بأن يقول: سمعت فلانًا قراءة عليه، وفلانًا
…
بسماعه من لفظه. نعم. وقع الاصطلاح العام من أرباب التواريخ أن يقولوا عمن يترجمون باسمه: سمع فلانًا وفلانًا. ولا يريدون بذلك السماع من لفظه، بل ما هو أعم من ذلك.].
_________
* المحاسن:
" زيادة: هذه الحكاية مباينة لما حَكَى " أبو جعفر بنُ النحاس " في كتابه (الناسخ والمنسوخ) وهي أن " حبيب بن أبي ثابت " - على محله في العلم - لا يقوم بحديثِه حجة، لأمرٍ كان يذهب إليه، وكان مذهبه ما قال: " إذا حدثني رجل عنك بحديث، ثم حدثتُ به عنك، كنتُ صادقًا ". (1) فانظر إلى حكاية " أبي حاتم الهروي " وتشديده. وحكاية " حبيب " وتساهله. ومع ذلك فقد خُرِّجَ لحبيب بن أبي ثابت في (الصحيح) فكأن هذه الحكاية لم تصح.
_________
(1)
أبو جعفر ابن النحاس: الناسخ والمنسوخ (58) في آية البقرة 219 " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ ".