الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني من أنواع الإجازة:
أن يجيزَ لمعيَّنٍ في غير مُعيَّنٍ
، مثل أن يقول:" أجزتُ لك، أو لكم، جميعَ مسموعاتي، أو جميعَ مروياتي " وما أشبَه ذلك. فالخلافُ في هذا النوع أقوى وأكثر. والجمهورُ من العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم على تجويزِ الرواية بها أيضًا، وعلى إيجابِ العمل ِ بما رُوِيَ بها بشرطِه. والله أعلم.
النوع الثالث من أنواع الإجازة:
أن يجيزَ لغير مُعَيَّن بوصفِ العموم
، مثل أن يقولَ: أجزتُ للمسلمين، أو: أجزتُ لكلِّ أحدٍ، أو: أجزتُ لمن أدرك زماني، وما أشبهَ ذلك. فهذ نوعٌ تكلم فيه المتأخرون ممن جوَّز أصلَ الإجازة، واختلفوا في جوازه؛ فإن كان ذلك مقيَّدًا بوصفٍ حاصرٍ أو نحوِه؛ فهو إلى
* الأمانة، يعني المناولة: يعمل به ولا يحدّث به (1). وعن " الأوزاعي " في ذلك رواياتٌ ذكرها " الرامهرمزي " منها: أنه قال لِعَمرو بن أبي سلمة لما سأله عن المناولة: أقول فيها حدثنا؟ قال: إن كنتُ حدثتُك فقُلْ. قال: أقول فيها أخبرنا؟ قال: لا. قلت: فكيف أقول؟ قال: قل: قال أبو عمرو، وعن أبي عمرو (2).
وعلى هذا ينبغي أن يُحمَل قولُه فيما تقدم: ولا يحدثْ به، أي بصيغة التحديث. ويدل على هذا روايةٌ أخرى عن " الأوزاعي " قال عمر بن عبدالواحد: دفع إليَّ " الأوزاعي " كتابًا بعد ما نظر فيه، فقال: اروِه عني (3). وعن " الأوزاعي ": دفع إليَّ يحيى بنُ أبي كثير صحيفةً فقال: اروِها عني (4).
وفي بعض هذه السياقة ما له تعلقٌ بالقول في عبارة الراوي بطريق المناولة والإجازة، وسيأتي ذلك مُستوفىً، وإنما سقنا ذلك لما حكينا عنه:" يعمل به ولا يحدث به ". فاحتجنا إلى تأويله بما نقل عنه. انتهت " 51 / و ظ.
_________
(1 - 2) المحدث الفاصل: (437/ 503، 436/ 502) على التوالي.
(2)
أسنده الرامهرمزي عن عمر بن عبدالواحد (المحدث الفاصل 437/ 504) والخطيب في (الكفاية: 322) باب ذكر بعض أخبار من كان يقول بالإجازة ويستعملها.
(4)
أسنده الرامهرمزي عن أبي عمرو الأوزاعي، في (المحدث: 437 ف 505).
الجواز أقربُ. وممن جوَّز ذلك كلَّه " الخطيبُ الحافظ أبو بكر "(1). وروينا عن " أبي عبدالله ابنِ مَنْده الحافظِ " أنه قال: " أجزتُ لمن قال لا إله إلا الله ". وجوَّز " القاضي أبو الطيِّب الطبري " أحد الفقهاء المحققين - فيما حكاه عنه الخطيبُ (2) - الإجازةَ لجميع المسلمين مَنْ كان منهم موجودًا عند الإجازة. وأجاز " أبو محمد ابنُ سعيد " أحد الجِلَّةِ من شيوخ الأندلس، لكلِّ مَن دخل قرطبةَ من طلبة العلم (3). ووافقه على جوازِ ذلك جماعة منهم:" أبو عبدالله بنُ عتَّاب " رضي الله عنهم. وأنبأني مَن سأل " الحازميَّ أبا بكر " عن الإجازة العامة هذه، فكان من جوابه، أنه من أدركه من الحُفَّاظ، نحو " أبي العلاءِ الحافظ " وغيره، [42 / ظ] كانوا يميلون إلى الجواز. والله أعلم.
قال المُملي - أبقاه الله -: ولم نَرَ ولم نسمع عن أحدٍ ممن يُقتَدَى به، أنه استعمل هذه الإِجازة فروى بها، ولا عن الشرذمة المستأخرة (4) الذين سوَّغوها. والإِجازةُ في أصلِها ضعفٌ، وتزداد بهذا التوسع ِ والاسترسال ِ ضعفًا كثيرًا لا ينبغي احتمالُه *. والله أعلم.
(1 - 2) الكفاية: 316، 325 من باب (الكلام في الإجازة وأحكامها وتصحيح العمل بها) والإِلماع:98.
(3)
القاضي عياض بسنده إلى أبي عبدالله بن عتاب، عن أبي محمد عبدالله بن سعيد الشنتجالي (الإلماع: 99) توفي أبو محمد ابن سعيد بقرطبة سنة 436 هـ (الصلة لابن بشكوال 1/ 263).
(4)
من (ع) ومتن (غ، ص) وعلى هامشها: [المتأخرة] خ.
_________
* المحاسن:
" فائدة: قال " النووي ": " الظاهرُ من كلام مَن صحَّحها، جوازُ الرواية بها، وهذا مقتضى صحتها، وأي فائدة لها غير الرواية؟ " (1) وما قاله " النووي " لا ينافي ما ذكره " ابنُ الصلاح ". ومرادُ ابنِ الصلاح أنه لم يجد وقوعَها، وقد وقعتْ ولم يبلغ ابنَ الصلاح. فقد حَكَى " ابنُ تامتيت " أن الحافظَ المنذري ندب الناس إلى قراءة البخاري على أبي العباس ابن تامتيت بالإِجازة العامة، (2) فسمعه عليه خلقٌ كبير. وحكى =
_________
(1)
في التقريب (2/ 33) بلفظ: وهذا يقتضي صحتها.
(2)
أبو العباس ابن تامتيت، أحمد بن محمد بن الحسن اللواتي الفاسي نزيل القاهرة (ت 657 هـ) روى البخاري بالإجازة العامة عن أبي الوقت السجزي عبدالأول بن عيسى الهروي، انتهت إليه رياسة الحديث وعلو الإِسناد (458 - 553 هـ).
النوع الرابع من أنواع الإجازة:
الإجازةُ للمجهول ِ أو بالمجهول.
وتتشبثُ بذيلِها الإجازةُ المعلقةُ بالشرط: وذلك مقل أن يقولَ: " أجزتُ لمحمدِ بن
= " ابنُ دِحْيَة " أن الحافظَ السلفي حدَّث عن " ابن خيرونَ " بها، وابنُ دحيةَ حدَّث بها في تصانيفه عن " أبي الوقت، والسلفي ". و " أبو الحسن الشيباني القفطي " حدّث في كتابه (تاريخ النحاة) عن السلفي بها. وقد جمع " أبو جعفر البغدادي "(1) كتابًا، فيه ذِكْرُ مَن جوَّزها وكتب بها، فمن جملته أن " أبا طاهر " كتَب بها، وحدَّث بها " ابنُ أبي المعمر " في كتابه (علوم الحديث) عن السلفي، ولعل جميع ذلك لم يبلغ " ابنَ الصلاح ".
واستعملها من المتأخرين: الحجَّارُ، والشيخ شرف الدين الدمياطي حدث بها عن المؤيد الطوسي، وحدَّث عبدُالباري الصعيدي بمشيخة الصفراوي عنه بها. وما قيل من أن أصل الإجازة العامة ما ذكره " ابنُ سعد " في (الطبقات) (2):" ثنا عفَّان، ثنا حماد، ثنا علي بن زيد بن جدعان عن أبي رافع، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما احتُضِر قال: مَنْ أدرك وفاتي من سَبْيِ العرب فهو حُرٌّ من مال ِ الله " ليس فيه دلالة؛ لأن العتق النافذ لا يحتاج إلى ضبطٍ وتحديثٍ وعمل، بخلافِ الإجازة، ففيها تحديثٌ وعمل وضبطٌ، فلا يصح أن يكون ذلك دليلا لهذا، ولو جُعِلَ دليلُه ما صح من قول النبي صلى الله عليه وسلم:" بَلِّغوا عني ". (3) الحديث؛ لكان له وجهٌ قوي. انتهت " 52 / و ظ.
_________
(1)
في تقييد العراقي: " أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي البدر، الكاتب البغدادي، في جزء كبير رتب أسماءهم فيه على حروف المعجم لكثرتهم "(183) وهو في كشف الظنون (1/ 10) كتاب (الإجازة العامة) لأبي جعفر البغدادي محمد بن الحسين بن أبي البدر.
(2)
في طبقات ابن سعد، وذكر استخلاف عمر رحمه الله:" أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي رافع .. " فذكره (3/ 342 ط بيروت).
(3)
" بلغوا عني " الحديث بطوله، أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما ذكر عن بني إسرائيل. وانظر (فتح الباري 6/ 1319) وتمام الحديث:" بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بن إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار " وأخرجه الترمذي في جامعه 2/ 111 وقال: حسن صحيح، والخطيب في (شرف أصحاب الحديث (13 - 15) من حديث عبدالله بن عمرو، من عدة طرق، ومن حديث أبي هريرة. وهما في مسند أحمد. وأخرج ابن عبدالبر طرفه الأول في (جامع بيان العلم 2/ 40) من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهم جميعا -.
خالد الدمشقي "، وفي وقتِه ذلك جماعةٌ مشتركون في هذا الاسم والنسبِ، ثم لا يعين المجازَ له منهم. أو يقول: " أجزتُ لفلانٍ أن يرويَ عني كتابَ السُّنَنِ " وهو يروي جماعةً من كتبِ السننِ المعروفةِ بذلك، لا يُعَيِّنُ. فهذه إجازةٌ فاسدةٌ لا فائدةَ لها. وليس من هذا القبيل ِ ما إذا أجاز لجماعةٍ مُسمَّين معيَّنين بأنسابِهم، والمجيزُ جاهلٌ بأعيانِهم غيرُ عارفٍ بهم، فهذا غيرُ قادح ٍ. كما لا يقدحُ عدمُ معرفتِه به إذا حضر شخصُه في السماع منه. والله أعلم.
وإن أجاز للمسمَّين المنتسبين في الاستجازة، ولم يَعرفهم بأعيانهم ولا بأنسابهم، ولم يعرف عدَدَهم ولم يتصفح أسماءهم واحدًا فواحدًا، فينبغي أن يَصِحَّ ذلك أيضًا، كما يصحُّ سماعُ مَن حضر مجلسَه للسماع ِ منه، وإن لم يعرفْهم أصلا ولم يعرف عددَهم، ولا تصفَّح أشخاصَهم واحدًا واحداً.
وإذا قال: " أجزتُ لمن يشاء فلانٌ " أو نحو ذلك، فهذا فيه جهالةٌ وتعليقٌ بشرطٍ، فالظاهرُ أنه لا يصح. وبذلك أفتى " القاضي أبو الطيب الطبري الشافعي " إذ سأله " الخطيبُ الحافظ " عن ذلك، وعلَّل بأنه إجازةٌ لمجهول، فهو كقولِه:" أجزتُ لبعض ِ الناس " من غير تعيينٍ. وقد يُعلِّل ذلك أيضًا بما فيها من التعليق بالشرطِ، فإن ما يُفَسَّر بالجهالة يُفَسَّر بالتعليق، [43 / و] على ما عُرِفَ عند قوم. وحكى " الخطيبُ " عن أبي يعلى ابن الفراء الحنبلي، وأبي الفضل بن عمروس المالكي: أنهما أجازا ذلك. وهؤلاء الثلاثةُ، كانوا مشايخَ مذاهبِهم ببغداد إذ ذاك. وهذه الجهالةُ ترتفع في ثاني الحال ِ عند وجودِ المشيئة، بخلافِ الجهالة الواقعة فيما إذا أجاز لبعض ِ الناس. وإذا قال:" أجزتُ لم نشاء " فهو كما لو قال: " أجزتُ لمن شاء فلانٌ ". والله أعلم. بلة هذه أكثرُ جهالةً وانتشارًا، من حيث إنها معلقةٌ بمشيئةِ مَنْ لا يُحصَرُ عددُهم، بخلافِ تلك.
ثم هذا فيما إذا أجاز لمن شاء الإجازةَ منه له. فإن أجاز لمن شاء الروايةَ عنه فهذا أوْلَى بالجواز، من حيث أن مقتضى كلِّ إجازةٍ تفويضُ الرواية بها إلى مشيئةِ المُجازِ له. فكان هذا، مع كونه بصيغةِ التعليق، تصريحًا بما يقتضيه الإطلاقُ وحكايةً للحَال ِ، لا تعليقًا في الحقيقة. ولهذا أجاز بعضُ أئمة الشافعيينَ في البيع أن يقول: " بعتُكَ هذا بكذا إن