الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفريعات:
أحدُها: الإِسناد المعنعَنُ، وهو الذي يقالُ فيه: فلان عن فلان. عَدَّه بعضُ الناس من قبيل المرسَل والمنقطِع
، حتى يبينَ اتصالُه، بغيرِه.
والصحيحُ والذي عليه العملُ، أنه من قبيل ِ الإِسنادِ المتصل. وإلى هذا ذهب الجماهيرُ من أئمة الحديث وغيرهم، وأودعه المشترطون للصحيح في تصانيفهم فيه وقَبلوه. وكاد (1)" أبو عمر ابن عبدالبر الحافظ " يَدَّعي إجماع أئمة الحديث على ذلك. وادّعى " أبو عمرو الداني (2) المقرئ الحافظُ " إجماع أهل النقل ِ (3) على ذلك. وهذا بشرط أن يكونَ الذين أضيفت العنعنة إليهم قد ثبتتْ ملاقاةُ بعضهم بعضا مع براءتهم من وصمة التدليس، فحينئذ يُحمَلُ على ظاهر الاتصال، إلا أن يظهر فيه خلافُ ذلك.
وكثُر في عصرِنا وما قاربه، بين المنتسبين إلى الحديث استعمالُ " عن " في الإجازة، فإذا قال أحدهم: قرأتُ على فلان عن فلان، أو نحو ذلك، فَظُنَّ به أنه رواه عنه بالإِجازة (3)، ولا يُخرجه ذلك من قبيل ِ الاتصال على ما لا يخفى. والله أعلم.
الثاني: اختلفوا في قول الراوي: أن فلانًا قال كذا وكذا؛ هل هو بمنزلة " عن
" في الحَمْل ِ على الاتصال إذا ثبت التلاقي بينهما، حتى يتبين فيه الانقطاعُ؟
مثالُه: " مالك، عن الزهري: أن سعيد بن المسيب قال كذا ". فروينا عن " مالك - رضي
(1) في التقييد 84: " لا حاجة إلى: كاد؛ فقد ادعاه فقال في مقدمة التمهيد: .. فوجدتهم أجمعوا على قبول الإِسناد المعنعن، لا خلاف بينهم في ذلك، إذا جمع شروطًا ثلاثة وهي عدالة المحدثين، ولقاء بعضهم بعضًا مجالسة ومشاهدة، وأن يكونوا برءاء من التدليس " ثم قال: وهو قول مالك وعامة أهل العلم ".
(قوبل على التمهيد 1/ 12 وانظر التبصرة 1/ 193).
(2)
[الداني] من هامش (غ) لحقًا والمتن في العراقية.
وانظر فائدة البلقيني، في ثالث هذه التفريعات.
(3)
على هامش (غ، ص، ز)[قوله: فظُن - هنا - أمر بالظن، وليس بإخبار].
الله عنه - " أنه كان يرى " عن فلان " و " أن فلانًا " سواء (1). وعن " أحمد بن حنبل " رضي الله عنه أنهما ليسا سواءً (2).
وحكى " ابنُ عبدالبر " عن جمهور أهل العلم، أن (عن) و (أنَّ) سواء. وأنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ، وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة. - يعني مع السلامة من التدليس - فإذا كان سماعُ بعضِهم من بعض صحيحًا؛ كان حديثُ بعضِهم عن بعض بأيِّ لفظٍ وَرَدَ، محمولا على الاتصال حتى يتبين فيه الانقطاعُ (3).
وحكى " ابنُ عبدالبر " عن " أبي بكر البردِيجي " أن حرف " أنَّ، محمولٌ على الاتقطاع حتى يتبين السماعُ في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى "(4).
وقال: عندي لا معنى لهذا؛ لإجماعهم على أن الإِسنادَ المتصل بالصحابي سواءٌ فيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال، أو: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) -. والله أعلم.
قال الشيخ - أبقاه الله -: ووجدت مثل ما حكاه عن " البرديجي، أبي بكر الحافظ (6) ".
(1) انظره في الكفاية: باب في ذكر الفرق بين قول الراوي: عن فلان، وأن فلانًا قال، فيما يوجب الاتصال والإِرسال (406 - 407).
وضبط " سواءٌ " من (غ): بالنصب مفعولا ثانيًا لـ: يرى. وضبطه في (ص) بالضم قلمًا، وليس السياق.
(2)
على هامش (غ): [قال النواوي في (مختصره لهذا الكتاب): وقال أحمد بن حنبل وجماعة: لا تلتحق " أن " وشبهها بـ: عن؛ بل يكون منقطعًا حتى يتبين السماع. ففسر النواوي مذهب ابن حنبل، وأبهمه ابن الصلاح. قال القاضي عياض ما معناه: أن البرديجي موافق لقول ابن حنبل].
انظر متن التقريب للنووي، مع (تدريب الراوي 1/ 220).
(3)
ابن عبدالبر في (التمهيد: 1/ 26).
(4)
ابن عبدالبر، في التمهيد: 1/ 26 من قول البرديجي، وتمام عبارته:" حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من طريق آخر، أو يأتي ما يدل على أنه قد شهده وسمعه ".
وانظر (جامع التحصيل في أحكام المراسيل " للعلائي: 141.
(5)
" كل ذلك سواء عند العلماء ". ابن عبدالبر في (التمهيد 1/ 26).
(6)
في الطرة على هامش (غ): [برديج: مثل فعليل؛ بفتح أوله: بليدة، بينها وبين برذعة نحو أربعة عشر فرسخًا، إليها نسب هذا الحافظ " أحمد بن هارون، أبو بكر البرديجي البرذعي " ومن نحا بها نحو أوزان كلام العرب، كسر أولها نظرًا إلى أنه ليس في كلامهم فعليل بفتح الفاء. والله أعلم].
ومثلها على هامش (ز) مع اختلاف يسير في العبارة. وضبطها في (اللباب) عن الأنساب للسمعاني بفتح الباء الموحدة (1/ 136) بليدة بأقصى أذريبجان.
للحافظ الفحل " يعقوبَ بنِ شيبةَ " في (مسنده) الفحل ِ، فإنه ذكر ما رواه أبو الزبير عن ابن الحنفية عن عمار، قال:" أتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه، فردَّ عليَّ السلامَ .. " وجعله مسندًا موصولا. وذكر رواية قيس بن سعد لذلك، عن عطاء بن أبي رباح عن ابن الحنفية:" أن عمارًا مرَّ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي .. " فجعله مرسلا من حيث كونه قال: إن عمارًا فعل، ولم يقل: عن عمار (1). والله أعلم.
ثم إن " الخطيبَ " مَثَّلَ هذه المسألةَ بحديث نافع عن ابن عمر عن عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: " أينام أحدُنا وهو جُنُب؟ .. " الحديث. وفي رواية أخرى، عن نافع عن ابن عمر، أن عمر قال:" يا رسول الله .. " الحديث (2).
ثم قال: ظاهرُ الرواية الأولى، يوجب أن يكون من مسندِ عُمَرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، والثانيةُ ظاهرُها يوجب أن يكونَ من مسنَدِ ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ - أبقاه الله -: ليس هذا المثالُ مماثلا لما نحن بِصددِه؛ لأن الاعتمادَ فيه في الحكم بالاتصال على مذهب الجمهور؛ إنما هو على اللقاءِ والإِدراك، وذلك في هذا الحديث مشتَرَكٌ متردِّد؛ لتعلقه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبعمر رضي الله عنه، وصحبةِ الراوي ابن عمر لهما، فاقتضى ذلك من جهةٍ، كونَه (3) رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن جهةٍ أخرى، كونَه رواه عن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) -. والله أعلم *.
(1) حديث عمار، بروايتيه: في (الاعتبار للحازمي: باب ما نسخ من الكلام في الصلاة: 143. وانظر: تقييد العراقي 85).
(2)
كفاية الخطيب 407.
وحديث نافع عن ابن عمر أنه قال: استفتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟. في الصحيحين: البخاري، ك الغسل (فتح الباري 1/ 271) ومسلم، ك الحيض (ح 24)، ورواية نافع عن ابن عمر أن عمر قال .. في ك الحيض من صحيح مسلم (ح 23).
(3)
هكذا ضبطه بهامش (غ) ومتن (ص، ز) وهو السياق. والضمير في (رواه)؛ لابن عمر رضي الله عنهما. وضبطه في متن (غ): من جهة كونِه / بالجر، والإضافة.
(4)
على هامش (ص) بلاغ القراءة على العراقي.
_________
* المحاسن:
" فائدة: صحة التمثيل لما نحن بصدده؛ تظهر من وجه آخر؛ وذلك أن مقتضى =