الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع التاسع والعشرون:
معرفةُ الإسنادِ العالي والنازل ِ
.
أصلُ الإسناد أولا خصيصةٌ فاضلة من خصائص هذه الأمة، وسُنَّةٌ بالِغةٌ من السنَنِ المؤكدة. روينا من غير وجهٍ عن " عبدالله بن المبارك " رضي الله عنه أنه قال (1):" الإسناد من الدِّين، لولا الإسنادُ لقال من شاء ما شاء " *.
(1) أسنده مسلم في مقدمة الصحيح (1/ 15) والترمذي في العلل (الجامع 13/ 307) عن عبدان بن عثمان عن ابن المبارك. وأسنده الحاكم أيضًا عن عبدان، عنه (معرفة علوم الحديث 6) والسمعاني في أدب الإملاء 7) عن عبدان عنه أيضًا.
_________
* المحاسن:
" زيادة في (علوم الحاكم) بسنده إلى عُتبةَ بن أبي حكيم، أنه كان عند إسحاق بن أبي فروةَ وعنده الزهريُّ، فجعل ابنُ أبي فروةَ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم] فقال له الزهري: قاتلك الله يا ابنَ أبي فروة، ما أجرأكَ على الله! ألا تُسنِد حديثَك؟ تُحدِّثنا بأحاديثَ ليس لها خُطُمٌ ولا أزِمَّة؟ (1).
وفي (مقدمة مسلم) أن أبا إسحاق إبراهيمَ بن عيسى الطالقاني قال: [قلت] لعبدالله بن المبارك: يا أبا عبدالرحمن، الحديث الذي جاء " إن من البِر بعد البرِّ أن تصليَ لأبويكَ مع صلاتك، وتصومَ لهما مع صيامك
…
؛ فقال عبدُالله: يا أبا إسحاق، عمن هذا؟ قلت: هذا من حديثِ شهابِ بن خِراش. قال: ثقة، قال عمن؟ قلت: عن الحجاج بن دينار. =
_________
(1)
المقابلة على (علوم الحاكم: النوع الأول، معرفة عالي الإسناد، وفي طلب الإسناد العالي سنة صحيحة). وأخرجه الترمذي في العلل، من طريق علي بن حجر عن بقية بن الوليد عن عقبة بن أبي حكيم (الجامع، العلل 13/ 328) وعلته إرساله. ومعه (أدب الإملاء للسمعاني: 7).
وطلَبُ العُلُوِّ فيه، سُنَّةٌ أيضًا (1). ولذلك استُحِبَّت الرحلة فيه، على ما سبق ذكره *. قال " أحمدُ بن حنبل " رضي الله عنه: طلبُ الإسنادِ العالي سُنَّةٌ عمن سلف (2). وقد
(1) الحاكم: وفي طلب الإسناد العالي سنة صحيحة (علوم: 6).
(2)
أسند الخطيب عن عبدالله بن أحمد، قال: سمعت أبي يقول: " طلب علو الإسناد من السنن ". (الرحلة: 98).
_________
= قال: ثقة، عمن؟ قلت: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا إسحاق، إن بين الحجاج [بن دينار] وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوزَ تنقطع فيها أعناقُ المطِيِّ. ولكن ليس في الصدقة اختلافٌ " (1).
وكلام السلفِ في ذلك كثير. انتهت " 84 / ظ.
* المحاسن:
" فائدة: احتج له " الحاكم " بحديث أنس، في حديث الرجل الذي أتي النبي صلى الله عليه وسلم، الذي فيه: " زعم رسولك " قال " الحاكم ": " هذا حديث مخرج في (مسلم) وفيه دليل على علو الإسناد (2). قال: " وقد رحل في طلب الإسناد، غيرُ واحدٍ من الصحابة " وساق حديثَ خروج " أبي أيوب " إلى " عُقبَة بن عامر " يسأله عن حديث سمعه من رسول الله - لم يبقَ أحد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم غيره وغير عقبةَ - في ستر المؤمن. وساق القصة، وفيه قال " عقبة ": نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من ستر مؤمنًا على خزية ستره الله يوم القيامة ". فقال له " أبو أيوب ": صدقتَ. ثم انصرف أبو أيوبَ إلى راحلتهِ فركبها راجعًا إلى " المدينة فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر "(3). =
_________
(1)
المقابلة على مقدمة مسلم للصحيح (1/ 16) وفي علل الترمذي عن ابن المديني، قال:" سألت يحيى بن سعيد عن حكيم بن جُبير، فقال: تركه شعبة من أجل حديث الصدقة ". وذكره (الجامع: 5/ 757).
(2)
علوم الحاكم: 5، وحديث أنس رضي الله عنه في ك الإيمان من صحيح مسلم، باب السؤال عن أركان الإسلام. وانظر (فتح الباري 1/ 110) على باب القراءة والعرض على المحدث، من ك الإيمان من صحيح البخاري.
(3)
المقابلة على (علوم الحاكم: 7) وأخرجه ابن عبدالبر في (الجامع 1/ 94) والخطيب في (الرحلة 118) بلفظ: " من ستر على مؤمن خزية. " وانظر تخريج حديث الستر في (فتح الباري 1/ 128).
روينا أن " يحيى بنَ معين " رضي الله عنه، قيل له في مرضِه الذي مات فيه: ما تشتهي؟ قال: بيت خالي وإسناد عالي (1).
(1) كذا رسمه في الأصول، بإثبات ياء المنقوص من [خالي .. عالي].
_________
= وأسند إلى " عَمْرِو بن أبي سلمة " قال: قلت للأوزاعي: يا أبا عمرو، أنا ألزمك منذ أربعة أيام ولم أسمع منك إلا ثلاثين حديثًا. قال: وتستقِلُّ ثلاثين حديثًا في أربعة أيام؟ لقد سار " جابرُ بن عبدالله " إلى مصر، واشترى راحلةً فركبها، حتى سأل " عقبة بنَ عامر " عن حديث واحدٍ، ثم انصرف إلى المدينة [وأنت مستقل ثلاثين حديثًا في أربعة أيام](1).
وأسند عن " ابن عمر ": قُلْ لطالبِ الحديث يتخذ نَعْلَين من حديد " (2) وأسند عن " سعيد بن المسيّب ": إنْ كنتُ لأسافرُ مسيرةَ الأيام ِ والليالي في الحديثِ الواحد "(3). وذكر حديثَ الشعبي عن أبي بُردةَ عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: " مَن كانت له وليدة فأدَّبَها .. " وساقه. ثم قال الشعبي [لمن سأله فيها]: " إني أعطيتكها بغير أجر، فلقد كان الراكب يركب فيما هو أدنى من هذا، إلى المدينة "(4) والحديث في (الصحيحين)(5) ولذلك شواهدٌ يطولُ ذكرُها. انتهت " 84 ظ - 85 و.
_________
(1)
المقابلة على (علوم الحاكم: 8) وأخرجه ابن خلاد بسنده إلى جابر رضي الله عنه في (المحدث الفاصل 223 ف 114) والخطيب في (الرحلة 125). ورحلة جابر رضي الله عنه إلى مصر كانت في طلب حديث في القصاص بلغه أن صاحبه في مصر. انظر تخريجه في (فتح الباري 1/ 127) مع حديث جابر في رحلته إلى عبدالله بن أنيس مسيرة شهر، في قوله صلى الله عليه وسلم:" يحشر الله الناس يوم القيامة عراة " الحديث: ك العلم، باب الخروج في طلب العلم، بالبخاري، مع ترجمة عبدالله بن أُنيس رضي الله عنه في (الإصابة، وتهذيب التهذيب).
(2)
علوم الحاكم: 9.
(3)
علوم الحاكم: 8 بسنده إلى يحي بن سعيد عن ابن المسيب، وأسنده ابن خلاد عن الزهري عن سعيد في (المحدث الفاصل: 332 ف 111) وابن عبدالبر في الجامع 1/ 94 بلفظ: إن كنت لأسير .. وخرّجه. وبهذا اللفظ أيضًا في رواية الخطيب (الرحلة 123) وفي رواية عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب، بلفظ:" إن كنت لأرحل " في (فتح الباري 1/ 128).
(4)
علوم الحاكم (7). وابن عبدالبر في (الجامع 1/ 93) والخطيب في (الرحلة في طلب الحديث: 140).
(5)
الحديث أخرجه البخاري، من رواية الشعبي عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه، يرفعه، في ثلاثة مواضع من الصحيح: ك العلم، باب تعليم الرجل جاريته وأمته (مع فتح الباري 1/ 138): ك العتق =
قلت: العُلوُّ يبعد الإسنادَ من الخلل؛ لأن كلَّ رجل من رجاله يحتمل أن يقع الخللُ من جهتِه سهوا أو عمدا. ففي قِلَّتِهم قلة جهاتِ الخلل، وفي كثرتهم كثرة جهاتِ الخلل، وهذا جليٌّ واضح (1).
ثم إن العُلو المطلوبَ في رواية الحديث على أقسام خمسة:
أولها: القربُ [76 / و] من رسول ِ الله صلى الله عليه وسلم بإسنادٍ نظيف غير ضعيف، وذلك من أجلِّ أنواع العلو، وقد روينا عن " محمد بن أسلم الطوسي " الزاهد العالم رضي الله عنه، أنه
(1) حاشية ملصقة على (غ): [قال عياض: النزول في الرواية، كالرواية عن الأقران وطبقة المحدث، أو بسند يوجد أعلى منه وأقل رجالا. والصعود: الرواية بالسند العالي والقرب فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلة عدد رجاله، أو من إمام مشهور حدث به. هذا هو طريق أهل الصنعة ومذهبهم، وهو غاية جهدهم
…
وبمقدار علو حديث الواحد منهم تكثر الرحلة إليه والأخذ عنه، مع أن له في طريق التحقيق والنظر وجهًا وهو أن أخبار الآحاد ورواية الأفراد لا توجب كما قدمنا علمًا ولا يُقطَع على مغيب صدقها؛ لجواز الغفلات والأوهام والكذب، على آحاد الرواة. لكن لمعرفتهم بالصدق ظاهرًا وشهرتهم بالعدالة والستر، غلب على الظن صحة حديثهم وصدق خبرهم، فكلفنا العمل به، وقامت الحجة بذلك بظاهر الأوامر الشرعية، ومعلوم إجماع سلف هذه الأمة، ومغيب أمر ذلك كله لله تعالى. وتجويز الوهم والغلط، غير مستحيل في كل راوٍ ممن سمّي في الخبر، فإذا كثروا وطال السند كثرت مظان التجويز، وكلما قل العدد قلت، حتى أن من سمع الحديث من التابعي المشهور عن الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم كان اقوى طمأنينة بصحة حديثه، ثم من سمعه من الصحابي كان أعلى درجة في قوة الطمأنينة وإن كان الوهم والنسيان جائزًا على البشر، حتى إذا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ارتفعت أسباب التجويز، وانسدت أبواب احتمالات الوهم وغير ذلك؛ للقطع أنه عليه السلام لا يجوز عليه شيء من ذلك في باب التبليغ والخبر، وأن جميع ما يخبر به حق وصدق. والله أعلم].
_________
= باب فضل من أدب جاريته وعلمها. ثم في: ك الجهاد، باب فضل من أسلم من أهل الكتابين (فتح 6/ 88). وأخرجه مسلم مع خبر الخراساني في ك الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته. وفيه أن رجلا من أهل خراسان سأل الشعبي: يا أبا عمرو، إن من قِبَلنا من أهل خراسان يقولون في الرجل إذا أعتق أمته ثم تزوجها فهو كالراكب بَدنتَه؟ فقال الشعبي: حدثني أبو بردة بن أبي موسى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدقه، فله أجران. وعبد مملوك أدى حق الله تعالى وحق سيده فله أجران، ورجل كانت له أَمَة فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدبها فأحسن أدبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ".
ثم قال الشعبي: " خذ هذا الحديث بغير شيء فقد كان الرجل يرحل فيما دونَ هذا إلى المدينة ".
ثم أخرج مسلم طرف هذا الحديث، عن الشعبي عن أبي بردة عن أبيه، في كتاب النكاح باب فضيلة عتاقه أمَته ثم يتزوجها (2/ 1043 ح 1428).