الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الحادي والستون:
معرفة الثقاتِ والضعفاء من رواة الحديث
.
هذا من أجلِّ نوع ٍ وأفخمِه؛ فإنه المَرْقَاةُ (1) إلى معرفة صحة الحديث وسقمه.
ولأهل ِ المعرفة بالحديث فيه تصانيفُ كثيرة، منها ما أُفرِدَ في الضعفاء ككتاب: الضعفاء للبخاري، والضعفاء للنسائي، والضعفاء للعقيلي، وغيرها.
ومنها في الثقات فحسب، ككتاب:(الثقات، لابن حاتم بن حِبَّان).
ومنها ما جُمعَ فيه بين الثقاتِ والضعفاء: كتاريخ البخاري، وتاريخ ابن أبي خيثمة - وما أغزرَ فوائده - وكتابِ الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي *.
روينا عن " صالخ بن محمد الحافظ، جَزَرَة ": " أول من تكلم في الرجال: شعبةُ بن الحجاج، ثم تبعَه يحيى بنُ سعيد القطان، ثم بعده أحمدُ بن حنبل، ويحيى بنُ معين.
(1) ضبطها بفتح الميم وكسرها، في متن (غ) قلما. وبالكسر قلما كذلك، في (ص) وفي القاموس:" رَقِيَ إليه كرضي، يرقى رَقيا ورُقيًّا صعِد كارتقى وترقى. والمَرْقاة - ويكسر -: الدرجة ".
_________
* المحاسن:
" فائدة: لابن حبانَ كتابٌ في الضعفاء، ولابن الجَوْزي تصنيفٌ فيه.
ومن النافع في ذلك (الكاملُ لابن عدي، وتاريخُ بغداد للخطيب، وتاريخُ دمشق لابن عساكر)، و (الكمالُ) وما عليه، و (الميزان، للحافظ الذهبي). انتهت " 143 / ظ.
_________
- وانظر مزيدًا من المصنفات في الثقات، وفي الضعفاء، وفيما جمع فيه بين الثقات والضعفاء: في (فتح المغيث 3/ 315 - 322).
قلت: " وهؤلاء " * (1) يعني أنه أول من تصدى لذلك وعُنِيَ به. وإلا فالكلامُ فيهم جرحًا وتعديلا، متقدم ثابت عن رسول ِ الله صلى الله عليه وسلم. ثم عن كثير من الصحابة والتابعين فيمن بعدَهم. وجُوِّزَ ذلك صونًا للشريعة ونفيًا للخطأ والكذبِ عنها.
وكما جاز الجَرْحُ في الشهودِ جاز في الرواة. ورويتُ عن " أبي بكر بنِ خلاد " قال: " قلت لحيى بن سعيد: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركتَ حديثَهم، خُصَماءك عند الله يومَ القيامة؟ فقال: لأَنْ يكونوا خصمائي أحَبُّ إليَّ من أن يكون خَصمي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، يقول لي [115 / ظ]: لِمَ لَمْ تَذُبَّ الكذبَ عن حديثي؟ "(2). وروينا، أو بلغنا، أن " أبا تُراب النَّخْشَبي الزاهد (3) " سمع من " أحمد بنِ حنبل " شيئًا من ذلك، فقال له: يا شيخ لا تُغتابُ العلماء. فقال له: " ويحك، هذا نصيحة، ليس هذا غيبة "(4) **.
(1)[وهؤلاء] كذا موضعها في النسخ. وقد تؤنس فائدة البلقيني إلى أنها في سياق قول صالح جزرة، يعني نقاد عصره.
(2)
أسنده الخطيب في (الكفاية: 44) عن " أبي بكر بن خلاد " محمد بن خلاد بن كثير البصري، المتوفى سنة 219 (م د س ق).
(3)
على هامش (غ): [أبو تراب هذا، اسمه عسكر. توفي سنة خمس وأربعين ومائتين، قاله السلمي في طبقاته]. وانظره في العبر، وفيات سنة 245 (1/ 445) واللباب (3/ 303) وفيه: نسبة إلى [نخشب](ت. ع)" مدينة من بلاد ما وراء النهر. وعُرِّبت فقيل لها: نَسَف، ولهذه المدينة تاريخ كبير في نحو مجلدتين كبيرتين جمعه أبو العباس المستغفري " جعفر بن محمد النسفي، خطيبها (350 - 432 هـ).
(4)
أسنده الخطيب في (الكفاية 45) عن عبد الله بن أحمد، وأبو بكر بن نقطة في (التقييد) ترجمة محمد بن ناصر من طريق الخطيب (43 / أ).
_________
* المحاسن:
" فائدة: بعد ذكرِ أحمد ويحيى بن معين " وهؤلاءِ: يعني كَـ " عليِّ ابن المديني، وعمرو بن علي الفلاس ".
وقبل هؤلاء، تكلم في ذلك: مالكٌ، وهشام بنُ عُروةَ. انتهت " 144 / و.
** " فائدة: هذا من المواضع التي يباح فيها الغيبة، وفيها آياتٌ وأحاديثُ. =
Q ( ت. ع) قلت: في الأصل: " تخشب "، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه؛ لأنه ما يقتضيه السياق. والله أعلم.
ثم إن على الآخِذِ في ذلك أن يتقي الله تبارك وتعالى، ويتثبت ويتوقى التساهلَ كيلا يجرحَ سليمًا ويَسِمَ بريئًا بسِمَةِ سوءٍ يبقى عليه الدهرَ عارُها. وأحسب " أبا محمد، عبدالرحمن بن أبي حاتم " - وقد قيل إنه كان يُعَدُّ من الأبدال - من مثل ِ ما ذكرناه خافَ، فيما رويناه أو بلغنا أن " يوسف بنَ الحسين الرازي " وهو الصوفي، دخل عليه وهو يقرأ كتابه في (الجرح والتعديل) فقال له:" كم من هؤلاء القوم قد حَطُّوا رواحلَهم في الجنةِ منذ مائةِ سنةٍ ومائتي سنة وأنت تذكرهم وتغتابهم؟ فبكى عبدُالرحمن "(2)، وبلغنا أيضًا أنه حُدِّثَ، وهو يقرأ كتابَه ذلك على الناس، عن " يحيى بن معين " أنه قال:" إنا لَنَطعنُ على أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنةِ منذ أكثرَ من مائتي سنة " فبكى عبدُالرحمن وارتعدت يداه حتى سقط الكتابُ من يده.
قلت: وقد أخطأ فيه غيرُ واحدٍ على غير واحدٍ، فجرحوهم بما لا صحة له. من ذلك جرحُ أبي عبدالرحمن النسائي لِـ " أحمدَ بن صالح "(3) وهو حافظ إمام ثقة لا يعلق به جرح، أخرج عنه البخاري في (صحيحه). وقد كان من أحمد إلى النسائي
(1) الأبدال: قوم بهم يقيم الله عز وجل الأرض
…
لا يموت أحدهم إلا قام مكانه آخر من سائر الناس.
(2)
أسنده الخطيب في (الكفاية 38) عن محمد بن الفضل العباس قال: " كنا عند عبدالرحمن بن أبي حاتم وهو إذًا يقرأ علينا كتاب الجرح والتعديل، فدخل عليه يوسف بن الحسين الرازي فقال له
…
" فذكره.
(3)
الضعفاء والمتروكون للنسائي: 22 رقم 69 وعلى هامش (غ): [أحمد بن صالح، أبو جعفر المصري، يعرف بابن الطبري: إمام ثقة روى عنه محمد بن يحيى الذهلي وابن واره والبخاري والترمذي وأبو زرعة الرازي وأبو داود وصالح جزرة، وأثنى عليه ابن حنبل وغيره. قيل: إن أحمد هذا طرد النسائي عن مجلسه] انظر فائدة المحاسن فيما يلي.
_________
= وقد يُحتَج في هذا بحديث: " اهتكوا الفاسقَ كي يحذرَه الناسُ "(1) وذلك كله مبسوط في كتابِ النكاح من كتاب (الينبوع المقرب، في إكمال المجموع على شرح المهذب). وهذا مما يجب صونًا للشريعة. انتهت " 144 / و.
_________
(1)
أسند الخطيب في (الكفاية 42) عن معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه، مرفوعًا. الحديث " أترعون عن ذكر الفاجر؟ اذكروه بما فيه حتى يحذره الناس " والحديث:" ليس لفاسق غيبة ". وانظر تخريجه في (كشف الخفا 2/ 223 ح 2151).
وانظر كذلك مقدمات ابن أبي حاتم للجرح والتعديل (1/ 2 / 17 - 23).
جفاءٌ أفسد قلبه عليه. ورينا عن " أبي يعلى الخليلي الحافظِ " قال: " اتفق الحفاظ على أن كلامه فيه تحامل، ولا يقدح كلامُ أمثالِه فيه "(1).
قلت: " النسائي " إمام حجة في الجرح والتعديل، وإذا نُسب مِثلُه إلى مثل [116 / و] هذا؛ كان وجهُه أن عينَ السخط تبدي مساويَ لها في الباطن مخارجُ صحيحة تعمى عنها بحجاب السخط، لا أن ذلك يقع من مثلِه متعمدًا لِقدح ِ يعلم بطلانه *، فاعلم هذا فإنه من النكت النفيسة المهمة.
(1) الإرشاد لأبي يعلى الخليلي: ترجمة أحمد بن صالح المصري (84 مخطوط الخزانة العامة بالرباط).
_________
* المحاسن:
" فائدة: كان " أحمد بن صالح " منع النسائي حضورَ مجلسه، فلعل ذلك كان سببًا لما تقدم. ولكن في (كتاب ابن الجوزي) عن الدارقطني: أحمد بن صالح ضعيف. وفي (تاريخ ابن يونس): حدثنا معاوية بن صالح، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: أحمد بن صالح كذاب يتفلسف. وقال عبدالكريم بن النسائي عن أبيه: " أحمد بن صالح، ليس بثقة ولا مأمون، تركه محمد بن يحيى ورماه يحيى بن معين، بالكذبِ ".
وجواب هذا: أما كلام " الدارقطني " فلعله اتبع فيه النسائي. وأما كلام " ابن يونس " فله تتمة، قال ابن يونس:" ذكر النسائي أحمدَ بن صالح فرماه، وأساء الثناء عليه، وقال: حدثنا معاوية بن صالح، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: أحمد بن صالح كذاب يتفلسف. قال ابن يونس: ولم يكن عندنا - بحمد الله تعالى - كما قال النسائي، ولم يكن له آفة غير الكِبْرِ " انتهى.
وقال " ابنُ عَدِيّ ": " كان النسائي سيئ الرأي في أحمد بن صالح، وينكر عليه أحاديثَ، وأحمدُ بن صالح من حُفاظ الحديث وخاصةً حديث الحجاز، حدث عنه البخاري ومحمد بن يحيى، واعتمادُهما عليه في كثير من حديث الحجاز. وكلام ابنِ معين فيه تحاملٌ ". ولقد كنت قلتُ - قبل نظري كلامَ ابنِ عَدِيّ - ما ذكره ابنُ عدي، ثم وجدته كذلك. وما نُقِلَ عن " أبي طاهر أحمد بن محمد بن عثمان المدني " - وكان بمصر من أهل المعرفة بالحديث والرجال - من قوله في أحمدَ بن صالح:" إنه ليس يساوي شيئًا " فهذا محمول على أنه لا يساوي شيئًا بسبب كِبْرِه وشراسةِ خلقهِ. وأين تقع رتبةُ أبي طاهر من: =
وقد مضى الكلامُ في أحكام الجرح والتعديل في النوع الثالث والعشرين. والله أعلم.
= أبي زرعة، وأبي نُعيم، وأحمدَ بن حنبل، ويعقوب الفسوي، وابن نمير، وابن واره، والعجلي، والبخاري، وغيرهم؟
قال " أبو زُرْعَةَ الدمشقي ": " سألني أحمدُ بن حنبل: من خَلَّفتَ بمصرٍ؟ قلت: أحمد بن صالح. فَسُرَّ بذكرِه ودعا له الله ". وقال " أبو حاتم ": " كتبتُ عنه بمصر ودمشق وأنطاكية "(1). وقال " محمد بن عبدالله بن نمير ": " سمعت أبا نعيم يقول: ما قدم علينا رجلٌ أعلم بحديث أهل الحجاز من هذا الفتى " يريد " أحمد بن صالح ". وقال " علي بن محمود الهروي ": " قلت لأحمد بن حنبل: من أعرفُ الناس بأحاديث ابن شهاب؟ قال: أحمد بن صالح، ومحمد بن يحيى الذهلي ". وقال " عبدالله بن إسحاق النهاوندي ": " سمعت الفسوي يقول: كتبت عن ألف شيخ وكسر، كلهم ثقات، ما أحدٌ منهم أتخذه حجة عند الله إلا رجلين: أحمد بن صالح بمصر، وأحمد بن حنبل بالعراق ". وقال " علي بن الحسين بن الجنيد الرازي ": " سمعت ابن نمير يقول: حدثنا أحمد بن صالح، وإذا جاوزت الفرات فليس أحد مثلَه "(2). وروى " أحمد بن سلمة النيسابوري " عن " ابن واره " قال: " أحمد بن صالح بمصر، وأحمد بن حنبل ببغداد، وابن نمير بالكوفة، والنفيلي بحران. هؤلاء أركان الدين " وقال " العجلي ": " مصري ثقة، صاحب سنة ". وقال " البخاري ": أحمد بن صالح ثقة، ما رأيت أحدًا تكلم فيه بحجة، كان أحمد وعلي وابن نمير وغيرهم يثبتون أحمد بن صالح. " واعلمْ أن " النسائي " أنكر على أحمد بن صالح حديث:" الدين النصيحة "(3) وليس ينكر عليه؛ فقد رواه عن ابن وهب =
_________
(1)
ابن أبي حاتم عن أبيه، في ترجمة أحمد بن صالح المصري (الجرح والتعديل 2/ 56 / 73).
(2)
ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين بن الجنيد (الجرح والتعديل 2/ 56 / 73).
(3)
رواه أحمد بن صالح عن ابن وهب عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا. وليس في الأحاديث العشرة التي للإمام مالك في (الموطأ) عن سهيل. (التقصي لابن عبدالبر: 66 - 68 ح 155 - 164) وأنكره النسائي، لا في متنه؛ فإن الحديث متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب الإيمان من صحيحه، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:" الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " وانظر (فتح الباري 1/ 102)، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، وأخرجه (الترمذي في كتاب البر، والنسائي في كتاب البيعة، والدارمي في الرقائق) في سننهم.
.............................................................................................................................
= يونسُ بن عبدالأعلى، وعن مالك: محمدُ بن خالد ".
قال " ابن عدِي " بعد ذكره هذا: " وأحمد بن صالح من جِلَّة الناس، ولولا أني شرطت في كتابي أن أذكر من تُكُلِّمَ فيه، لكنتُ أجِلُّ أحمدَ أن أذكره ". قال ابن عدي أيضًا: " وسمعت محمد بن هارون البرقي يقول: هذا الخراساني - يعني النسائي - تكلم في أحمد ابن صالح؟ حضر مجلس أحمد فطرده من مجلسه، فحمله ذلك على أن تكلم فيه "(1). انتهت " 144 / ظ - 145 / ظ.
_________
(1)
القضية، بتفصيل، في ترجمة أحمد بن صالح المصريِّ، في (تهذيب التهذيب 1/ 39 - 42 رقم 68) وفيه مما لم يأت في فائدة المحاسن:" وقال أبو حاتم بن حبان في في كتاب الثقات: " كان أحمد بن صالح في الحديث وحفظه عند أهل مصر، كأحمد بن حنبل عند أهل العراق، ولكنه كان صلفًا تياهًا. والذي يروي عن معاوية بن صالح عن يحيى بن معين أن أحمد بن صالح كذاب؛ فإن ذلك أحمد بن صالح الشمومي - وفي نسخة الشموني -، شيخ كان بمكة يضع الحديث، سأل معاوية عنه يحيى. فأما هذا فهو يقارن يحيى بن معين في الحفظ والإتقان " انتهى. ويقوّي ما قاله ابن حبان أن يحيى بن معين لم يرد صاحبَ الترجمة، ما تقدم عن البخاري أن يحيى بن معين ثبَّت أحمد بن صالح المصري صاحب الترجمة. وقال أبو جعفر العقيلي: كان أحمد بن صالح لا يحدث أحدًا حتى يسأل عنه، فجاءه النسائي وقد صحب قومًا من أصحاب الحديث ليسوا هناك، فأبى أحمد أن يأذنَ له، فكل شيء قدر عليه النسائي أنْ جمع أحاديث قد غلط فيها ابن صالح فشنع بها، ولم يضر ابنَ صالح شيئًا، هو إمام ثقة ". وانظره في التاريخ الكبير للبخاري 2/ 64 (69). وأما أحمد بن صالح الشمومي فليس له حديث عند الستة. وإنما يُذكر بعلامة (تمييز) في (الكمال) وما عليه.