الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيرازي، وأبو الفتح سليم الرازي، وأبو نصر بن الصباغ " من الفقهاء الشافعيين. قال " أبو نصر ":" ليس له أن يقول: حدثني، أو: أخبرني. وله أن يعملَ بما قُرِئ عليه، وإذا أراد روايتَه عنه قال: قرأتُ عليه، أو قُرِئ عليه وهو يسمع ".
وفي حكاية بعض ِ المصنفين للخلافِ في ذلك، أن بعضَ الظاهرية شرطَ إقرارَ الشيخ عند تمام ِ السماع، بأن يقول القارئ للشيخ: هو [38 / ظ] كما قرأتُه عليك؟ فيقول: نعم (1).
والصحيحُ أن ذلك غيرُ لازم، وأن سكوتَ الشيخ على الوجهِ المذكور نازلٌ منزلةَ تصريحِه بتصديق القارئ اكتفاءً بالقرائنِ الظاهرة. وهذا مذهبُ الجماهير من المحدِّثين والفقهاء وغيرهم. والله أعلم (2).
الثالث: فيما نرويه عن " الحاكم أبي عبدالله الحافظ " رحمه الله قال: " الذي أختاره في الرواية
- وعهِدتُ عليه أكثر مشايخي وأئمةَ عصري - أن يقولَ في الذي يأخذه من المحدِّث لفظا وليس معه أحد: حدثني فلان. وما يأخذه من المحدث لفظًا ومعه غيره: حدَّثنا فلان، وما قرأ على المحدِّث بنفسِه: أخبرني فلان، وما قرئ على المحدِّثِ وهو حاضر: أخبرنا فلان " (3).
وقد روينا نحوَ ما ذكره، عن " عبدِالله بن وهب، صاحبِ مالك " رضي الله عنهما (4) -، وهو حسَنٌ رائق.
فإن شَكَّ في شيءٍ عنده أنه من قَبيل ِ: حدَّثنا أو أخبرنا، أو من قبيل: حدثني، أو أخبرني؛ لتردُّدهِ في أنه كان عند التحمُّل ِ والسماع ِ وحدَه أو مع غيره؛ فيحتملُ أن نقول: ليقلْ: " حدثني، أو أخبرني " لأن عدمَ غيرِه هو الأصل. ولكنْ ذكَر " عليُّ بنُ عبدالله المديني الإِمامُ " عن شيخِه " يحيى بن سعيد القطان الإِمام ِ " فيما إذا شكَّ أن الشيخ قال: حدَّثني فلان، أو قال: حدثنا فلان. أنه يقول: حدثنا. وهذا يقتضي فيما إذا
(1 - 2) الكفاية: 281، 282، والإِلماع:78.
(3)
علوم الحديث للحاكم، في النوع الثاني والخمسين. وتمام قوله:" وما عُرِضَ على المحدِّث فأجاز له روايته شفاهًا يقول فيه: أنبأني فلان، وما كتب إليه المحدِّث من مدينة ولم يشافهه بالإِجازة؛ يقول: كتب إليَّ فلان ".
(4)
الإِلماع: 126 - 127، وانظر تقييد العراقي:172.
شكّ في سماع نفسِه في مثل ِ ذلك أن يقولَ: حدثنا (1).
وهو عندي يتوجَّهُ بأن " حدثني " أكملُ مرتبةً، و " حدثنا " أنقصُ مرتبةً، فليقتصر إذا شكَّ على الناقص ِ؛ لأن عدمَ الزائد هو الأصلُ، وهذا لطيفٌ.
ثم وجدت " الحافظَ أحمدَ البيهقي " قد اختار بعد حكايةِ (2) قول ِ القطان، ما قدَّمتُه.
ثم إن هذا التفصيلَ من أصلِه مستحَبٌّ ولسي بواجب، حكاه " الخطيبُ الحافظ " عن أهل ِ العلم كافةً. (3) فجائزٌ إذا سمع وحده [39 / ظ] أن يقول:" حدثنا " أو نحوه؛ لجواز ذلك للواحدِ في كلام العربِ. وجائزٌ إذا سمع في جماعةٍ أن يقول: " حدثني " لأن المحدِّث حدَّثه وحدَّث غيرَه. والله أعلم.
الرابع: روينا عن " أبي عبدِالله أحمدَ بنِ حنبل " رضي الله عنه أنه قال: اتبعْ لفظ الشيخ ِ في قولِه: حدثنا، وحدثني، وسمعت، وأخبرنا، ولا تَعْدُه (4).
قال الشيخ - أبقاه الله -: ليسَ لكَ فيما تجدُه في الكتبِ المؤلَّفة من رواياتِ مَنْ تقدمكَ، أن تبدلَ في نفس ِ الكتابِ ما قيل فيه:" أخبرنا " بِـ " حدثنا " ونحوِ ذلك، وإن كان في إقامةِ أحدِهما مقامَ الآخر خلافٌ وتفصيلٌ سبقَ؛ لاحتمال ِ أن يكون مَنْ قال ذلك ممن لا يرى التسويةَ بينهما. ولو وجدتَ من ذلك إسنادًا عرفتَ من مذهبِ رجالِه التسويةَ بينهما، فإقامتُك أحدَهما مقامَ الآخِر من بابِ تجويزِ الرواية بالمعنى. وذلك وإن كان فيه خلافٌ معروفٌ؛ فالذي نراه الامتناعُ من إجراءِ مثلِه في إبدال ِ ما وُضِعَ في الكتبِ المصنَّفةِ والمجامع ِ المجموعةِ، على ما سنذكره إن شاء الله تعالى، وما ذكره " الخطيبُ أبو بكر " في (كفايته)(5)، من إجراء ذلك الخلاف في هذا؛ فحمولٌ عندنا على ما يسمعه الطالبُ من لفظِ المُحَدِّثِ غير موضوع ٍ في كتابٍ مؤلَّفٍ. والله أعلم.
(1) انظر تقييد العراقي: 172.
(2)
في (ص): [في بعض حكايته].
(3)
كفاية الخطيب: باب القول فيمن سمع حديثًا وحده؛ هل يجوز أن يقول في روايته: حدثنا؟ ومن سمع مع جماعة؛ هل يجوز أن يقول: حدثني؟ (294).
(4)
في متن (غ): [ولا تعدوه] وفوقها: ش صح، أي نسخة الشمس ابن جميل. ومثله على هامش ص، ومتن ابن الصلاح في التقييد والإِيضاح. والذي في متن ص، ز، وهامش غ:[ولا تَعْدُه].
(5)
في باب ذكر الرواية عمن قال: يجب البيان عن السماع كيف كان (ص 299) وباب ذكر الرواية عمن أجاز أن يقال في أحاديث العرض: حدثنا، ولا يفرق بين: سمعت، وحدثنا، وأخبرنا (305).
الخامس: اختلف أهلُ العلم في صحةِ سماع ِ مَنْ يَنسَخُ وقتَ القراءةِ؛ فوردَ عن " الإِمام إبراهيمَ الحربي، وأبي أحمدَ بنِ عدي الحافظِ (1)، والأستاذ أبي إسحاق الإِسْفَرَاييني الفقيهِ الأصولي " وغيرهم، نفيُ ذلك. وروينا عن " أبي بكر أحمد بنِ إسحاق الصِّبْغِي (2) أحدِ أئمة الشافعيِّين بخراسان أنه سُئل عمن يكتب في السماع، فقال: " يقول: حضرتُ، ولا يقل: حدثنا، ولا: أخبرنا ".
وورد عن " موسى بن هارونَ الحمَّال ِ " تجويز ذلك. وعن " أبي حاتم الرازي " قال: كتبتُ عند " عارم "(3) وهو يقرأ، [39 / ظ] وكتبتُ عند " عمرِو بن مرزوق " وهو يقرأ (4).
وعن " عبدِالله بن المبارك " أنه قرئ عليه وهو ينسخُ شيئًا آخرَ غيرَ ما يُقرأ. ولا فرق بين النسخ من السامع والنسخ ِ من المسمِّع.
قال الشيخ - أبقاه الله -: وخيرٌ من هذا الإطلاق، التفصيلُ؛ فنقول: لا يصحُّ السماعُ إذا كان النسخُ بحيث يمتنع معه فهمُ الناسخ لما يُقرأ، حتى يكون الواصلُ إلى سمعِه كانه صوتٌ غُفْلٌ، ويصحُّ إذا كان بحيث لا يمتنعُ معه الفهمُ، كمثل ِ ما روينا عن " الحافظِ العالم أبي الحسن الدارقطني " أنه " حضر في حداثته مجلسَ " إسماعيلَ الصفَّارِ " فجلس ينسخُ جزءًا وإسماعيلُ يملي، فقال له بعضُ الحاضرين: لا يصحُّ سماعُك وأنت
(1) في الكفاية، بإسناد الخطيب إلى الإِمام الحربي والحافظ ابن عدي (66 باب ما جاء في سماع من كان ينسخ وقت القراءة).
(2)
على هامش ص: [قال المؤلف: الصبغي بكسر الصاد المهملة والغين المعجمة. والله أعلم]. وعلى هامش (غ): [الصبغي بكسر الصاد، نُسِبَ إلى بيع الصبغ، وهو أبو بكر محمد بن عبدالله بن محمد بن الحسين، الفقيه النيسابوري الصبغي، بالصاد المهملة والغين المعجمة. وجدته بخط شيخنا].
قلت: الذي في متن ابن الصلاح " أبو بكر احمد بن إسحاق الصبغي " وكذلك هو في كفاية الخطيب (96) قال النووي: أحد أئمة أصحابنا الوجوه البارعين الجامعين بين الحديث والفقه " توفي سنة 343 هـ (تهذيب الأسماء 1/ 193 ت 293) وقال الذهبي: شيخ الشافعية بخراسان. (دول الإِسلام 1/ 212 والعبر وفيات 342 هـ) ومثله في اللباب (2/ 234) ومعه في (الصبغي): أبو بكر محمد بن عبدالله بن محمد بن الحسين النيسابوري - 344 هـ -.
(3)
على هامش (غ) حاشية من النسخة الأصل: [قال الشيخ المؤلف رضي الله عنه: اسمه محمد بن الفضل، وعارم لقب سوء وقع على رجل صالح]. ونحوه على هامش (ص) ويأتي " عارم " في النوع الثاني والخمسين (معرفة ألقاب المحدثين).
(4)
أسنده الخطيب عن أبي حاتم الرازي، في (الكفاية: 67).
تنسخ. فقال: فَهمِي خلافُ فهمِك. ثم قال: تحفظ كم أملى الشيخُ من حديثٍ إلى الآن؟ فقال: لا، فقال الدارقطنيّ: أملى ثمانيةَ عشرَ حديثًا، فعُدَّت الأحاديثُ فوُجِدتْ كما قال. ثم قال أبو الحسن: الحديثُ الأول منها عن فلانٍ عن فلان، ومَتْنُه كذا، والحديثُ الثاني عن فلان عن فلان، ومَتْنُه كذا .. ولم يزل يذكر أسانيدَ الأحاديث ومتونَها على ترتيبها في الإِملاءِ حتى أتى على آخرِها، فتعجب الناسُ منه " (1). والله أعلم.
السادس: ما ذكرناه في النسْخ ِ من التفصيل، يجري مثلُه فيما إذا كان الشيخُ أو السامعُ يتحدث، أو كان القارئ خفيفَ القراءة يُفْرِطُ في الإِسراع، أو كان يُهَيْنِمُ (2) بحيث يخفى بعضُ الكلام، أو كان السامعُ بعيدًا عن القارئ، وما أشبه ذلك.
ثم، الظاهرُ أنه يُعفَى في كلِّ ذلك عن القدرِ اليسيرِ، نحو الكلمةِ والكلمتين.
ويُستَحبُّ للشيخ أن يجيزَ لجميع السامعين روايةَ جميع الجزء أو الكتاب الذي سمعوه وإن جرى على كلِّه اسمُ السماع، وإذا بذَل لأحدٍ منهم خطَّه بذلك كتب: أنه " سمع مني هذا الكتابَ، وأجَزْتُ له روايتَه عني " أو نحو هذا، كما كان بعضُ [40 / و] الشيوخ يفعل. وفيما نرويه عن الفقيهِ " أبي محمد بن أبي عبدالله بن عتاب، الفقيهِ الأندلسي " عن أبيه - رحمهما الله - أنه قال: " لا غِنى في السماع عن الإجازة؛ لأنه قد يغلط القارئ ويغفل الشيخ، أو يغلط الشيخُ إن كان القارئَ ويغفل السامعُ، فينجبرُ له ما فاته بالإجازة "(3).
وقد روينا عن " صالح بنِ أحمدَ بن حنبل " رضي الله عنه، قال:" قلت لأبي: الشيخُ يدغم الحرفَ يُعرَفُ أنه كذا وكذا، ولا يُفهَمُ عنه، ترى أن يُروَى ذلك عنه؟ قال: أرجو ألا يضيقَ هذا "(4).
(1) بنصه في رواية الخطيب عن شيخه الأزهري (تاريخ بغداد، ترجمة الدارقطني).
(2)
الضبط من (غ) وعلى هامشه: [أفرط في الأمر أي جاوز في الحد، وفرَّط: قصر. (الصحاح). والهينمة: إخفاء الصوت].
وانظر (ما جاء فيمن سمع حديثًا فخفي عليه في وقت السماع حرف منه لإدغام المحدث إياه) في الكفاية: 68 - 69.
(3)
بنصه في (الإلماع: 92) سماع القاضي من شيخه أبي محمد عبدالرحمن بن أبي عبدالله محمد بن عتاب القرطبي، عن أبيه.
(4)
أسنده الخطيب في (الكفاية: 68 - 69) عن صالح بن أحمد بن حنبل.
وبلغنا عن " خلف بن سالم (1) المُخَرِّمي " قال: سمعتُ ابنَ عُيينةَ يقول: " نا عمرو بن دينار "(2) يريد: حدثنا عمرو بن دينار؛ لكن اقتصر من " حدثنا " على النون والألف. فإذا قيل له: قل: " حدثنا عمرو " قال: لا أقول؛ لأني لم أسمع من قوله " حدثنا " ثلاثة أحرف وهي: حدَّث؛ لكثرة الزحام (3).
قال الشيخُ - أبقاه الله -: قد كان كثير من أكابر المحدِّثين يَعظُمُ الجمعُ في مجالِسهم جدًّا، حتى ربما بلغ ألوفًا مؤلفة، ويُبَلِّغهم عنهم المستَملون، فيكتبون عنهم بواسطة تبليغ المسْتملينَ، فأجاز غيرُ واحدٍ لهم روايةَ ذلك عن المُمْلي. روينا عن " الأعمش " رضي الله عنه قال:" كنا نجلس إلى إبراهيمَ فتَتَّسِعُ الحلقةُ، فربما يُحدِّثُ بالحديث فلا يسمعه مَنْ تنحَّى عنه، فيسأل بعضُهم بعضًا عما قال، ثم يروونه وما سمعوه منه ". (4) وعن " حماد بن زيد " أنه سأله رجلٌ في مثل ِ ذلك، فقال: " يا أبا إسماعيل كيف قلتَ؟ فقال: استفهمْ مَنْ
(1) على هامش (غ) من نسخة: [ابن صالح] والصحيح: ابن سالم كما في المتن وسائر النسخ. والمخرمي: نسبة إلى المخرم، محلة ببغداد نسب إليها أبو محمد خلف بن سالم (اللباب 3/ 178) والضبط منه.
(2)
حكاه الخطيب في الكفاية (69) ووقع في طبعة الهند [ثنا عمرو بن دينار] وليس السياق. وعلى هامش (غ) حاشية، من النسخة الأصل عن المؤلف:
[ولقد تسامح الناس في هذه الأعصار؛ فيستعجل القراء استعجالا يمنع من إدراك حروف كثيرة. وهذا عندنا شديد؛ لأن عمدة الرواية الصدق ومطابقة ما يخبر به للواقع. وإذا قال السامع على هذا الوجه: قرأه عليَّ فلان وأنا أسمع، أو: أنا فلان قراءة عليه وأنا أسمع؛ فهذا إخبار غير مطابق؛ فيكون كذبا. وما قيل في هذا أنه يدخل في الإجازة المقرونة بالسماع ويكون ذلك رواية لبعض الألفاظ بالإجازة من غير بيان؛ هذا تسامح لا أرضاه؛ لما أشرنا إليه من بُعْدِ الإجازة عن معنى الإخبار، بل ها هنا أمر آخر، وهو دلالة اللفظ على أنه سمع جميع ما يرويه من الشيخ. ولم يكن المتقدمون على مثل هذا التساهل. هذا " أبو عبدالرحمن النسائي " يقول فيما لا يحصى من المواضع في كتابه:" وذكر كلمة معناها كذا وكذا " والذي أراه في مثل هذا أن يستقري الشيخ برواية جميع الجزء. فإذا وقع مثل هذا في السماع أطلق الراوي الإخبار قائلا: أنا فلان، من غير أن يقول: قرأه عليه؛ لأنا قد بينا أن الإخبار الجملي في هذا، كاف لمطابقة الواقع، وكونه على قانون الصدق. غاية ما في الباب أن يكون بعض تلك الألفاظ التي لم يسمعها داخلة في هذا الإخبار الجملي، وذلك صدق، وإنما كرهنا ذلك فيما إذا لم يسمع الجزء أصلا؛ لمخالفته العادة، أو لكونه قد يوقع تهمة إذا عُلم أنه لم يسمع الجزء من الشيخ.
وهذا معدوم في هذه الصورة، لا سيما إذا أثبت السماع بغير خطه. وانتفت الريبة من كل وجه].
(3 - 4) أسندها الخطيب في الكفاية: عن الأعمش (ص 72) وحماد بن زيد (71) وابن عيينة (72) باب ما جاء في استفهام الكلمة من غير الراوي كالمستملي ونحوه.