الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني عشر:
معرفة التدليس وحُكم المدلس
.
التدليس (1) قسمان:
أحدهما: تدليس الإِسناد: وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، موهمًا أنه سمعه
(1) على هامش (غ) بخط ابن الفاسي، في ورقة ملصقة:
[قال القاضي عياض رحمه الله: التدليس لقب وضعه أئمة هذه الصنعة على من أبهم بعض رواياته لمعان مختلفة وأغراض متباينة. وقد كان هذا من عصر التابعين. إلى هلم جُرًّا، وذكر ذلك عن جماعة من جلة الأئمة، ولم يضر ذلك حديثهم؛ لصحة أغراضهم وسلامتها، وأضر ذلك بغيرهم.
وهو على أمثلة: فمنه أن سفيان بن عيينة على جلالته، من كبار أصحاب الزهري، وسمع منه كثيرًا وأخذ عن أصحابه كثيرًا مما لم يسمعه من الزهري، فربما حدث فقال: قال الزهري، أو قال: قال الزهري عن فلان. وقد عرف بالتدليس فسئل؛ فمرة يقول: سمعته منه، ومرة يقول: حدثني به عنه فلان، أو فلان عن فلان، عنه.
ومن لا يدلس مثل مالك وشعبة لا يقول مثل هذا، بل يبين مَن حدث عنه، أو يقول: بلغني. قال شعبة: " لأن أزني أحب أليَّ من أن أدلس ". ولكن أمثال اولئك الجلة ممن استعمل التدليس إذا سئلوا أحالوا على الثقات؛ فحُمِلَ حديثهم وقام تدليسهم مقام المرسل. وحجة بعضهم أن يكونوا قد سمعوه من جماعة من الثقات عن هذا الرجل، فاستغنوا بذكره عن ذكر أحدهم أو ذكر جميعهم؛ لتحققهم صحة الحديث عنه، كما يفعل في المراسيل.
ومنهم من أراد أن ينزل حديثه وأن يعلو بذكر الشيخ دون من دونه؛ لصحة روايته عنه غير هذا، ولحقيقة أن الثقات حدثت عنه بذلك.
وطبقة أخرى جاءوا إلى رجال مشاهير ثقات أئمة سمعوا حديثهم، وجرت بينهم مباعدة حملتهم على اتهامهم وألا يصرحوا بأسمائهم المشهورة. ولم تحملهم ديانتهم على ترك التحدث عنهم، كما صنع " البخاري " في حديثه عن محمد بن يحيى الذهلي، لما جرى بينه وبينه، فمرة نجده يقول: ثنا محمد؛ لا يزيد، وثانية يقول: ثنا محمد بن خالد؛ ينسبه إلى جده الأعلى، ومرة يقول: ثنا محمد بن عبدالله، ينسبه إلى جده الأدنى. وطبقة أخرى رووا الحديث عن ضعيف أو مجهول، عن الشيخ، فسكتوا عنه واقتصروا على ذكر الشيخ إذ عرف سماعهم منه لغير هذا الحديث.
وطبقة أخرى رووا عن ضعفاء لهم أسماء أو كنى مشهورة عرفوا بها، فلو صرحوا بأسمائهم المشهورة أو كناهم لم يشتغل بحديثهم، فأتوا بالاسم الخامل مكان الكنية المشهورة، أو بالكنية المجهولة عوض الاسم المعلوم؛ ليبهموا الأمر ولئلا يعرف ذلك الراوي وضعفه فيُزهَدَ في حديثهم. =
منه؛ أو عمَّن عاصره ولم يلقه، موهمًا أنه قد لقيه وسمعه منه. ثم قد يكون بينهما واحدٌ وقد يكون أكثر. ومن شأنه ألا يقولَ في ذلك:" أخبرنا فلان " ولا " حدثنا " وما أشبههما، وإنما يقول:" قال فلان، أو: عن فلان " ونحو ذلك (1). مثال ذلك: ما روينا عن " علي بن خشرم " قال: كنا عند ابن عيينة، فقال:" قال (2) الزهري ". فقيل له: حدثكم الزهري؟ فسكت ثم قال: " قال (3) [17 / و] الزهري " فقيل له: سمعتَه من الزهري؟ فقال: " لا، لم أسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عبدالرزاق عن معمر عن الزهري (4) ".
= وطبقة أخرى رووا عن ضعيف له كنية يشاركه فيه رجل مقبول الحديث، وقد حدث منهما جميعًا، فيطلق الحديث بالكنية، يدخل الإِشكال ويقع على السامع اللبس، ويظن أن ذلك: القويُّ.
وهذه الطرق كلها، غير الأوليين، ردية قد أضرت بأصحابها وسببت الوقوف في كثير من حديثهم، إلا ما صرح به الثقات منهم بالسماع عن الثقات، ونصوا عليه وبينوه، ولهذا ما وقفوا فيما دلسه " الأعمش " لروايته عن الضعفاء، وفيما دلسه " بقية بن الوليد " لخلطه الأسماء والكنى، ولم يستريبوا فيما دلسه " ابن عيينة، والثوري " وضرباؤهما ممن لا يروي إلا عن ثقة.
واختلف أئمة الحديث في قبول من عرف بالتدليس إذا لم ينص على سماعه؛ فجمهورهم على قبول حديث من عرف منهم، بأنه لا يروي إلا عن ثقة؛ كما قالوا في حديث من علم أنه لا يرسل إلا عن ثقة، وعلى ترك حديث المتساهلين في الأخذ وترك الحجة به حتى ينص على سماعه. وقد ذكر " أبو عبدالله الحاكم " الاختلاف في ذلك كما قدمناه. والله أعلم].
(1)
على هامش (غ): [قال الشيخ: متى قال - أي الراوي - صيغة تقتضي سماعه منه؛ فهو كذب وليس تدليسا].
(2 - 3) سقطت [قال] من (غ)، وما هنا من (ع)، وعلى هامش (ص،ز) وهو السياق.
(4)
علوم الحاكم 105، والكفاية 359 من طريق الحاكم.
وعلى هامش (غ) في ورقة ملصقة: [قال الشيخ: قد يكون التدليس خفيًّا جدًّا، ولذلك مثالان: أحدهما: أنهم اختلفوا في سماع الحسن من أبي هريرة، فورد في بعض الروايات عن الحسن:" حدثنا أبو هريرة " فقيل إنه أراد: حدث أهل بلدنا. ولهذا إن لم يكن دليل قاطع على أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة؛ لم يجز أن يصار إليه.
الثاني: قول أبي إسحاق: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبدالعزيز أو عبدالرحمن بن الأسود عن أبيه؛ فظاهره أن المراد سماعه من عبدالرحمن بن الأسود عن أبيه؛ لعدوله عن أبي عبيدة. فقيل إنه تدليس كما لو ابتدأ بذكر عبدالرحمن بن الأسود عن أبيه، ولم يقل قبله: ليس أبو عبيدة ذكره.
وللتدليس مفسدة وفيه مصلحة؛ أما مفسدته: فإنه يخفى ويصير الراوي مجهولا؛ فيسقط العمل بالحديث لكون الراوي مجهولا عند السماع، مع كونه معروفًا في نفس الأمر، وهذه جناية عظمى ومفسدة كبرى. =
القسم الثاني: تدليسُ الشيوخ، وهو أن يروي عن شيخ حديثًا سمعه منه فيسميه، أو يكنيه أو يَنسُبه أو يصفه، بما لا يُعرَفُ به؛ كي لا يُعرفَ *. مثاله: ما رُوِي لنا عن " أبي بكر بن مجاهد، الإِمام المقرئ " أنه رَوى عن أبي بكر عبدالله بن أبي داود السجستاني فقال: " حدثنا عبدالله بن أبي عبدالله " ورَوى عن " أبي بكر محمد بن الحسن النقاش المفسر المقرئ " فقال: " حدثنا محمد بن سند " نَسَبَه إلى جَدٍّ له (1). والله أعلم **.
= فأما مصلحته؛ فامتحان الأذهان في استخراج التدليسات وإلقاء ذلك إلى من يراد اختبار حفظه ومعرفته بالرجال. ووراء ذلك مفسدة أخرى يراعيها أرباب الصلاح والقلوب، وهو ما في التدليس من التزين. وتنبه لذلك " ياقوتة العلماء، المعافى بن عمران الموصلي " وكان من أكابر العلماء والصلحاء].
يليه هامش (غ) طرة: [قال أبو زكريا: قال الخطيب: وربما لم يسقط شيخه لكن يسقط ممن بعده رجلا ضعيفًا أو صغير السن ليحسن الحديث بذلك، وكان " الأعمش، والثوري، وبقية " يفعلون هذا النوع - نقلته من خط شيخنا - أيده الله -].
وقوبل على كفاية الخطيب: ذكر شيء من أخبار المدلسين، ص 364.
(1)
" سند " هو الجد الخامس لأبي بكر النقاش، في سياق نسبه بتاريخ بغداد 2/ 201 (635) وقد زاد العراقي صنفًا ثالثًا قال: هو شر الأقسام الثلاثة وهو تدليس التسوية. (التقييد 95 - 97 والتبصرة 1/ 190) وحكى السيوطي في (التدريب 1/ 226) أن شيخ الإِسلام ابن حجر زاد: تدليس العطف. وفي (توضيح التنقيح 1/ 275) زاد ابن الوزير الصنعاني وجوها أخرى للتدليس فبلغ بها عشرة. وانظر (علوم الحاكم 103 - 112، وكفاية الخطيب 1/ 358).
_________
* المحاسن:
" فائدة: يدخل في ذلك ما إذا لم يسقط شيخه وإنما أسقط غيره ضعيفًا أو صغيرًا؛ تحسينًا للحديث. انتهت " 23 / ظ.
** المحاسن:
" فائدة: لا يقال في الاعتراض على التقسيم: " قال " الحاكم ": التدليس ستة: الأول: قوم لم يميزوا بين ما سمعوه وما لم يسمعوه. الثاني: قوم يدلسون الحديث فإذا وقع لهم من يُنَقِّرُ عليهم ويلح في سماعاتهم ذكروا له. الثالث: قوم دلسوا عن أقوام مجهولين لا ندري من هم. الرابع: قوم دلسوا أحاديث رووها عن المجروحين فغيروا أنسابهم وكُناهم لئلا يعرفوا. الخامس: قوم دلسوا عن قوم سمعوا منهم الكثير وربما فاتهم الشيء =
أما القسم الأول فمكروه جدًّا، ذمه أكثرُ العلماء، وكان " شعبةُ " من أشدهم ذمًّا له. فروينا عن " الشافعي الإِمام " عنه، (1) أنه قال:" التدليس أخو الكذب ". وروينا عنه أنه
(1) الضمير في قوله: " عنه " يعود على " شعبة " وقد أشار إلى ذلك على هامش (غ) لكن يبدو أن الناسخ أضاف بعد قوله: " الإِمام "، كلمة [رضي الله] وَهْمًا، وما هنا من (ص، ع).
وقول شعبة: حكاه الخطيب في الكفاية 355 بسنده إلى الإِمام الشافعي، عن شعبة.
وعلى هامش (ز) [قال النووي في شرح مسلم بعد قوله: " وكان شعبة من أشدهم ذمًّا له ": وظاهر كلامه =
_________
عنهم فيدلسون. السادس: قوم رووا عن شيوخ لم يرووا عنهم قط، إنما قالوا: قال فلان؛ فحُمِل على ذلك عنهم على السماع، وليس عندهم سماع عنهم، عال ٍ ولا نازل " (1).
لأنا نقول: الأقسام الستة التي ذكرها " الحاكم " داخلة تحت القسمين السابقين، فالقسم الأول والثاني والثالث والخامس والسادس داخلة تحت القسم الأول، والرابع عَيْنُ القسم الثاني. وبيان ذلك أن من دلس فلم يميز بين ما سمع منه وما لم يسمع؛ فهو تدليس في الإِسناد. وأما من يدلس فإذا وقع له من ينقر عليه ويلح عليه ذكر له؛ فقد مثله " الحاكم " بأمثلة منها: ما رواه عن " علي بن خشرم " قال لنا ابن عيينة: " عن الزهري " .. فذكر ما تقدم. ومثَّل " الحاكم " الثالثَ بما رواه عن " علي ابن المديني " قال: " حدثني حسين الأشقر، ثنا شعيب بن عبدالله عن أبي عبدالله عن نَوْفٍ. قال: بتُّ عند عليٍّ؛ فذكر كلامًا. قال ابن المديني: فقلت لحسين: ممن سمعته؟ فقال: حدثنيه شعيب عن أبي عبدالله عن نوف. فقلت لشعيب: من حدثك بهذا؟ قال: أبو عبدالله الجصاص. قلت: عمن؟ قال: عن حماد القصار، فلقيت حمادًا فقلتُ: من حدثك بهذا؟ قال: بلغني عن فرقد السبخي عن نوف. فإذا قد دلَّس عن ثلاثة، والحديث بعدُ منقطع، و " أبو عبدالله " مجهول، و " حماد القصّار " لا ندري من هو، وبلغه عن " فرقد "، وفرقد لم يدرك " نوفًا " ولا رآه "(2). وهذا يدخل تحت القسم الأول أيضًا كما تقدم في الفائدة التي فيه. وأما السادس فهو صريح في القسم الأول، وأما الرابع فهو صريح في القسم الثاني؛ فآلت الأقسام الستة إلى القسمين المتقدمين .. ، وانتهت " 23 / ظ.
_________
(1)
مستخلص من النوع السادس والعشرين: معرفة المدلسين الذين لا يميز من كتب عنهم بين ما سمعوه وما لم يسمعوه) معرفة الحاكم 103 - 112.
(2)
قوبل على علوم الحاكم 105.
قال: " لأَن أزني أحبُّ إليَّ من أن أدلس "(1). وهذا من " شعبةَ " إفراطٌ محمولٌ على المبالغة في الزجر عنه والتنفير *.
= أنه حرام وتحريمه ظاهر؛ فإنه يوهم الاحتجاج بما لا يجوز الاحتجاج به، ويؤدي أيضًا إلى إسقاط العمل برواية نفيسة، مع ما فيه من الغرر. ثم إن مفسدته دائمة. وبعض هذا يكفي في التحريم فكيف باجتماع هذه الأمور؟ ثم قال - النووي - بعد في سياق من احتج بروايته في الصحيحين من المدلسين: ودليل هذا أن التدليس ليس كذبًا. وإن لم يكن كذبًا - وقد قال الجماهير: إنه ليس محرمًا - والراوي عدل ضابط، وقد بين سماعه؛ وجب الحكم بصحته. والله أعلم]. قوبل على مقدمة النووي لشرح مسلم (1/ 33).
(1)
مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (باب ما ذكره من شدة قول شعبة في التدليس وكراهيته له: 1/ 173) والخطيب بسنده إلى المعافى - بن عمران، ياقوتة العلماء - عن شعبة (الكفاية 356) وابن حبان في مقدمة المجروحين (1/ 92).
_________
* المحاسن:
" فائدة: قد جاء عن شعبة: " التدليس في الحديث أشد من الزنَى، ولأَن أسقط من السماء أحَبُّ إليَّ من أدلس " وهذا الذي قاله " شعبة " ظاهر؛ فإن آفة التدليس لها ضرر كبير في الدين، وهي أضر من أكل الربا، وقد جاءت أحاديثُ محتَج بها تدل على أن أكل درهم من ربا أشد من الزنى، على وجوه مروية، وقد بسطنا القول فيها في: باب ما جاء في التغليظ في أكل الربا، في الكتاب الذي سميناه (العرف الشذي على جامع الترمذي) فلينظر منه. قال " الخطيب ": " فإن قيل: يجب ألا تقبلوا قول المدلس: أخبرني فلان؛ لأن ذلك يُستعمل في السماع و [في] غيره؛ فيُقال: " أخبرني "، على قصد المناولة والإجازة والمكاتبة، وأجاب بأن هذا لا يلزم، لأن هذه اللفظة ظاهرها السماع، والحمل على غير ذلك مَجاز، والحمل على الظاهر أولى. وما ذكره " الخطيب " حسن. وما ورد في حديث الرجل الذي هو آخر من يقتله الدجال أنه يقول له:" أنت الدجال الذي أخبرنا - وفي رواية: حدثنا - عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يخالف ما تقدم؛ لأن السماع حيث كان =
_________
- ما هنا عن شعبة، قوبل على (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، ولفظه بالسند إلى أبي الوليد الطيالسي: سمعت شعبة يقول: لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أقول: زعم فلان، ولم أسمع منه " 1/ 173 ومثله في (كتاب المجروحين لابن حبان: 1/ 92) بسنده إلى عفان بن مسلم عن شعبة.
- وما نقل البلقيني عن الخطيب، قوبل على أخبار المدلسين في (الكفاية 363).
ثم اختلفوا في قبول رواية من عُرِفَ بهذا التدليس، فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحًا بذلك، وقالوا: لا تُقبَل روايتُه بحال ٍ، بَيَّن السماع أو لم يُبَيِّنْ.
والصحيح التفصيلُ: وأن ما رواه المدلِّسُ بلفظٍ محتمل لم يبيِّن فيه السماعَ والاتصالَ، حُكمُه حُكْمُ المرسَل وأنواعِه، وما رواه بلفظ مُبيِّنٍ للاتصال نحو: سمعت، وحدثنا، وأخبرنا .. وأشباهِها؛ فهو مقبول مُحتَجٌّ به، وفي (الصحيحين) وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جدًّا، كَـ: قتادةَ، والأعمش، والسُّفيانَيْنِ، وهُشَيْم بن بَشِيرٍ، وغيرِهم. وهذا لأن التدليس ليس كذبًا وإنما هو ضرب من الإِيهام بلفظ محتمل. والحكم بأنه لا يُقْبَلُ من المدلِّس حتى يُبَيِّنَ، قد أجراه " الشافعيُّ " رضي الله عنه فيمن عرفناه دلَّس مرةً (1). والله أعلم.
وأما القسم الثاني فأمرُه أخَفُّ، وفيه تضييع للمرويِّ عنه وتوعيرٌ لطريق معرفته على من يطلب الوقوفَ على حاله وأهليته *. ويختلف الحالُ في كراهة ذلك بحسب الغرض الحامل عليه، فقد يحمله على ذلك كون [17 / ظ] شيخه الذي غَيَّرَ سِمَتَه غير ثقة، أو كونُه متأخرَ الوفاة قد شاركه في السماع منه جماعةٌ دونه، أو كونُه أصغرَ سنًّا من الراوي
(1)" فقد أبان لنا عورته بروايته ": الرسالة للإِمام الشافعي: 164 وعلى هامش (غ): [زاد النووي ههنا في (مختصره) زيادة حسنة فقال: وما كان في (الصحيحين) وشبههما عن المدلسين بـ: " عن " محمول على ثبوت السماع من جهة أخرى. والله أعلم]- التقريب 1/ 230 وانظر تقييد العراقي 99.
_________
= السماع ممكنًا، وحينئذ تعين الحملُ على المجاز بالقرينة، نحو قول أبي طلحة: إني سمعت الله يقول: " لن تنالوا البر حتى تُنْفقوا مما تحبون " الحديث. والمراد: سمعت كلام الله، ونحو ذلك. وجواب آخر: وهو أن ذلك الرجل يقال إنه " الخضر " كما نقل عن " أبي إسحاق السبيعي " فإن صح؛ كانت اللفْظَةُ على بابها. انتهت " 24 / ظ.
* المحاسن:
" فائدة: توعير الطريق قد يكون لامتحان الأذهان في استخراج المدلسات واختبار الحفظ، وقد يكون لغير ذلك فتحصل المفسدة. انتهت " 25 / و.
عنه، أو كونُه كثيرَ الرواية عنه، فلا يُحبُّ الإكثارَ من ذكرِ شخص ٍ واحد على صورة واحدَة (1). وتَسمح بذلك جماعةٌ من الرواة المصنفين، منهم " الخطيبُ أبو بكر " فقد كان لهِجًا به في تصانيفه. والله أعلم (2).
(1) على هامش (غ): [قال الشيخ: " بعض هذه الأغراض مذموم قادح فيمن فعله لذلك الغرض عالمًا به. وهو أن يترك ذكر الراوي لأنه لو صرح به لَعُلِمَ ضعفه ولم يقبل حديثه. وإنما قلنا إنه قادح؛ لما فيه من عدم النصح وترويج الباطل، وأكثر مقصود المتأخرين في التدليس طلب العلو أو إيهام كثرة المشايخ " - وهذه أمثلة ذكرها الشيخ فاختصر عن نقلها - ثم قال بعد ذلك: فهذا كله إذا كان تدليسًا في نفس الأمر؛ فليس بكذب، وإنما المقصود منه الإِغراب].
وقال العراقي: " المصنف بيَّن الحكم فيمن عُرِفَ بالقسم الأول من التدليس، ولم يبين الحكم في القسم الثاني، وإنما قال: " إن أمره أخف " فأردت بيان الحكم فيه للفائدة: وقد جزم " أبو نصر ابن الصباغ " في كتاب العدة أن من فعل ذلك لكون من روى عنه غير ثقة عند الناس وإنما أراد أن يغير اسمه ليقبلوا خبره، يجب ألا يقبل خبره، وإن كان هو يعتقد فيه الثقة فقد غلط؛ لجواز أن يعرف غيره من جرحه ما لا يعرفه هو. وإن كان لصغر سنه، فيكون ذلك رواية عن مجهول لا يجب قبول خبره حتى يعرف من روى عنه. والله أعلم "(التقييد والإِيضاح 100).
(2)
على هامش (ص): [بلغ ناصر الدين محمد ولد قاضي القضاة كمال الدين ابن العديم، قراءة بحث علي، وعمه زين الدين عبدالرحمن، وشمس الدين محمد بن خليل الحلبي سماعًا. كتبه عبدالرحيم بن الحسين.