الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" مالك " رضي الله عنه. وقال " الحافظُ أبو عمر ": " الصحيحُ أنها لا تجوزُ إلا لماهرٍ بالصناعةِ، وفي شيء معيَّنٍ لا يشكل إسنادُه "(1). والله أعلم.
الثالث: ينبغي للمُجيز إذا كتَبَ إجازتَه أن يتلفظَ بها، فإن اقتصر على الكتابة كان ذلك إجازةً جائزةً إذا اقترن بقَصْدِ الإجازة، غير أنها أنقصُ مرتبةً من الإجازة الملفوظِ بها. وغيرُ مستبعَدٍ تصحيحُ ذلك بمجردِ هذه الكتابة في بابِ الروايةِ الذي جُعِلتْ فيه القراءةُ على الشيخ، مع أنه لم يلفظ بما قُرئ عليه؛ إخبارًا منهُ بما قرئ عليه، على ما تقَدم بيانُه. والله أعلم.
القسم الرابع من أقسام ِ طُرُقِ تحمُّل ِ الحديث وتلقيه:
المناولة، وهي على نوعين:
أحدُهما: المناولةُ المقرونةُ بالإجازة
، وهي أعلى أنواع الإجازةِ على الإِطلاق. ولهما صُوَرٌ:
منها: أن يدفع الشيخُ إلى الطالبِ أصلَ سماعه أو فرعًا مقابَلا به ويقولَ: " هذا سماعي، أو روايتي عن فلانٍ، فاروِه عني، أو: أجزتُ لك روايتَه عني ". ثم يُملكه إياه. أو يقول: " خُذْهُ وانسخْه وقابلْ به، ثم رُدَّه إليَّ " أو نحو هذا.
(1) أبو عمر ابن عبدالبر، في (جامع بيان العلم: 2/ 179 - 180).
ونقل الحافظ شمس الدسن السخاوي في (فتح المغيث: 2/ 96): قال ابن سيد الناس: " أصل الإجازة مختلف فيه، ومن أجازها فهي قاصرة عنده عن رتبة السماع. وحينئذ فينغي ألا تجوز من كل من يجوز منه السماع. وإن ترخص مرخص وجوزها من كل من يجوز منه السماع؛ فأقل مراتب المجيز أن يكون عالمًا بمعنى الإِجازة العلم الإجمالي من أنه روى شيئًا، وأن معنى إجازته لغيره إذنه لذلك الغير في رواية ذلك الشيء عنه بطريق الإجازة المعهودة من أهل هذا الشأن؛ لا العلم التفصيلي بما روى وبما يتعلق بأحكام الإجازة. وهذا العلم الإجمالي حاصل فيمن رأيناه من عوام الرواة. فإن انحط راوٍ في الفهم عن هذه الدرجة - ولا إخال أحدًا ينحط عن إدراك هذا إذا عرف به - فلا أحسبه أهلا لأن يُتحمَّلَ عنه بإجازة ولا سماع. قال: وهذا الذي أشرت إليه من التوسع في الإجازة هو طريق الجمهور ".
- قوبل على (أجوبة ابن سيد الناس) الحافظ أبي الفتح اليعمري، على مسائل تليمذه الحافظ ابن أبيك الدمياطي: ل 46 أ مصورة معهد المخطوطات بالقاهرة، من مخطوط الإسكوريال.
ومنها: أن يجيء الطالبُ إلى الشيخ بكتابٍ أو جزءٍ من حديثِه فيعرضَه عليه، فيتأمله الشيخُ وهو عارفٌ متيقظ، ثم يعيده إليه ويقول له:" وقفتُ على ما فيه، وهو حديثي عن فلانٍ، أو: روايتي عن شيوخي فيه، فاروِه عني، أو: أجزتُ لك روايتَه عني ". وهذا قد سماه غيرُ واحدٍ من أئمة الحديث: [46 / و] عَرْضًا. وقد سبقت حكايتُنا في (القراءةِ على الشيخ) أنها تُسمَّى عَرْضًا، فلنُسمِّ ذلك: عرضَ القراءةِ، وهذا: عرضَ المناولة.
وهذه المناولة المقرونةُ بالإجازةِ حالَّةٌ محلَّ السماع ِ عند " مالكٍ " وجماعةٍ من أئمةِ أصحابِ الحديث. وحَكَى " الحاكمُ أبو عبدِالله الحافظُ النيسابوري " في عَرْض ِ المناولة المذكور، عن كثير من المتقدمين، أنه سماع. (1) وهذا مُطَّرِدٌ في سائرِ ما يماثلُه من صُوَرِ المناولة المقرونةِ بالإِجازة. فمِمَّنْ حكى " الحاكمُ " ذلك عنهم:" ابنُ شهاب الزهري، وربيعةُ الرأي، ويحيى بنُ سعيد الأنصاري، ومالكُ بنُ أنس الإمامُ " في آخَرِينَ من المدنيين، و " مجاهدٌ، وأبو الزبير، وابنُ عُيَيْنَةَ " في جماعةٍ من المكيين، و " علقمةُ وإبراهيمُ النخَعِيَّانِ، والشعبيُّ " في جماعةٍ من الكوفيين، و " قتادةُ، وأبو العالية، وأبو المتوكِّل ِ (2) الناجي " في طائفةٍ من البصريينَ، و " ابن وهب، وابن القاسم، وأشهب "(3) في طائفة من المصريين، وآخرون من الشاميين والخراسانيين. ورأى " الحاكمُ " طائفةً من مشايخِه على ذلك * (4).
(1) في معرفة علوم الحديث، النوع 52 (معرفة من رخص في العرض على العالم ورآه سماعا). 257 - 260.
وانظر معه في كتاب العلم من صحيح البخاري (باب ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان) فتح الباري 1/ 114.
(2)
على هامش (غ): [أبو المتوكل، هو علي بن دُوَاد. ويقال: ابن داود، أيضًا. والله أعلم] وفي تهذيب التهذيب: بن داود، ويقال: بن دُوَاد (7/ 318)، وفي معرفة الحاكم: علي بن دُواد، ومثله في الإكمال (3/ 336).
(3)
[أشهب: لقب له، واسمه: مسكين] من هامش (غ).
(4)
قوبل على معرفة الحاكم: 256 - 268.
_________
* المحاسن:
" فائدة وزيادة: أحسنُ ما يُستدلُّ به على المناولة بغير قراءة، ما ذكر " الحاكم " مستدلا به مسنَدًا من حديثِ ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى =
.............................................................................................................................
= مع عبدالله بن حذافة، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، ويدفعَه عظيمُ البحرين إلى كسرى (1).
وأرفعُ من حكاه من المدنيين، أنها بمنزلة السماع: أبو بكر بن عبدالرحمن، أحدُ الفقهاء السبعة، وعكرمة مولى ابن عباس. ومن دونهم: العلاءُ بن عبدالرحمن، وهشام بن عروة، ومحمد بن عمرو بن علقمة، ومن دونهم: عبدُالعزيز بن محمد بن عبيد (2).
من جملة المكيينَ أيضًا: عبدُالله بن عثمان بن خُثَيم، ونافع الجمحي، وداودُ العطار، ومسلم الزنجي. (3).
ومن الكوفيين: أبو بردة الأشعري، وعلي بن ربيعة الأسدي، وحبيبُ بن أبي ثابت، ومنصورُ بن المعتمر، وإسرائيلُ، والحسنُ بن صالح، وزهير بن معاوية الجعفي، وجابر الجعفي.
ومن البصريين: حُمَيدُ الطويل، وسعيد بن أبي عروبةَ، وزياد بن فيروز، (4) وعلي بن زيد بن جدعان، وداود بن أبي هند، وكهمس، وجرير بن حازم، وسليمان بن المغيرة.
ومن المصريين: عبدُالله بن عبدالحكم، وسعيدُ بن عفير، ويحيى بنُ عبدالله ابن بكير، ويوسفُ بن عمرو. قال " الحاكم ": وجماعةٌ من المالكيين بعدهم.
وممن ذكر " الرامهرمزي " عنه أن كان يرى المناولة [سماعًا]: " الحسنُ البصري " كان لا يرى بأسًا أن يدفع المحدِّثُ كتابَه ويقولَ: " اروِ عني جميعَ ما فيه؛ يسعه =
_________
(1)
علوم الحاكم (258) والحديث أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب العلم، باب ما يذكر في المناولة، وكتاب الجهاد، باب دعوة اليهود والنصارى، والمغازي، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر. وفي (فتح الباري 1/ 115) أن كسرى هو أبرويز بن هرمز بن أن شروان، وعظيم البحرين: المنذر بن ساوي العبدي رضي الله عنه.
(2)
نسبه في مطبوعة المعرفة (257): الأندراوردي. وهو في (طبقات ابن سعد): عبدالعزيز بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي، أبو محمد، من أهل المدينة (5/ 423) ومثله في تهذيب التهذيب، وذكر في نسبه أيضًا: الأندراوردي (6/ 353) وانظره في اللباب (1/ 496).
(3)
المعرفة للحاكم: 257.
(4)
هو " أبو العالية " البصري في متن ابن الصلاح، وفي علوم الحاكم: وأبو العالية زياد بن فيروز: (257).
وفي كلامه بعضُ التخليطِ: من حيث كونُه خَلط بعضَ ما ورد في عرض ِ القراءةِ، بما ورد في عَرْض ِ المناولة. وساق الجميعَ مَساقًا واحدًا. والصحيحُ أن ذلك غيرُ حالٍّ محلَّ السماع، وأنه مُنْحَطٌّ عن درجةِ التحديثِ لفظًا والإخبارِ قراءةً * (1).
وقد قال " الحاكم " في هذا العرض: أما فقهاء الإِسلام الذين أفتَوا في الحلال ِ والحرام فإنهم لم يروه سماعًا، وبه قال " الشافعي، والأوزاعي، والبويطي، والمزني، وأبو حنيفة، وسفيانُ الثورِي، وأحمدُ بن حنبل، وابنُ المبارك، ويحيى بن يحيى، وإسحاق بن [46 / ظ]
(1) انظر تقييد العراقي: 195.
_________
= أن يقول: حدثني فلان عن فلان ". (1) وذكر أيضًا عن " يحيى بن أبي كثير " أنه كان يرى المناولة (2). انتهت " 56 / و.
* المحاسن:
" فائدة: أسند " الرامهرمزي " عن إسماعيلَ بن أبي أُوَيس قال: " سألتُ مالكًا عن أصَحِّ السماع؛ فقال: قراءتك على العالم - أو قال: المحدث - ثم قراءة المحدِّث عليك، ثم أن يدفع إليك كتابَه فيقول: اروِ هذا عني " (3).
فهذا تصريحٌ من " الإمام مالك " بانحطاطِ درجةِ المناولة عن القراءة على الشيخ وقراءةِ الشيخ على الطالب. وهذا خلافُ ما يقتضيه ظاهرُ كلام " الحاكم " في النقل عن " مالك " وغيره. وقد روى " الحاكم " عن ابن أبي أويس، قال:" سُئل مالكٌ عن حديثِه، أسمَاعٌ هو؟ فقال: منه سماع ومنه وعرض، وليس العرضُ عندنا بأدنى من السماع. (4) وهذا يمكن حملُه على عرض ِ القراءة. وفي رواية " الرامهرمزي " ما يقتضي تسميةَ عرض ِ المناولةِ سماعًا؛ لأن الترتيب جوابٌ عن: أصحِّ السماع عندك. وكأن هؤلاء الأئمة المحكِيَّ عنهم جوَّزوا الروايةَ بها، لا أنهم يُنزلونها منزلةَ السماع سواءً بسواء. انتهت " 56 / ظ.
_________
(1 - 2) الرامهرمزي في (المحدث الفاصل: 435 ف 498، 437/ 505).
(2)
زاد الرامهرمزي عن إسماعيل، قال: فقلت لمالكٍ: أقرأ عليك وأقول: حدثني؟ قال مالك: أو لم يقل ابن عباس: أقرأني أبيُّ بن كعب، وإنما قرأ على أُبيَّ؟ (المحدث 438 ف 506).
(4)
قوبل على الحاكم في (المعرفة: 259).
راهويه " قال: " وعليه عهِدنا أئمتنا، وإليه ذهبوا وإليه نذهب ". (1) والله أعلم *.
ومنها: أن يُناوِلَ الشيخُ الطالبَ كتابَه ويُجيزَ له روايتَه عنه، ثم يمسكه الشيخُ عنده ولا يُمكِّنه منه. فهذا يتقاعدُ عما سبق؛ لعدم احتواءِ الطالبِ على ما تحمَّله، وغيبتِه عنه. وجائزٌ له روايةُ ذلك عنه، إذا ظفر بالكتاب أو بما هو مقابَلٌ به، على وجهٍ يثقُ معه بموافقتِه لما تناولتْه الإجازةُ، مع ما هو مُعتبَرٌ في الإجازات المجردةِ عن المناولة.
ثم إن المناولةَ في مثل ِ هذا، لا يكادُ يظهر حصولُ مزيةٍ بها على الإجازة الواقعة في مُعيَّنٍ كذلك من غير مناولة، وقد صار غيرُ واحدٍ من الفقهاء والأصوليين إلى أنه لا تأثيرَ لها ولا فائدة. غيرَ أن شيوخَ أهل ِ الحديث في القديم والحديث، أو من حُكِي ذلك عنه منهم، يَرون لذلك مزيَّةً مُعتَبَرةً. والعلمُ عند الله تعالى.
(1) الحاكم في المعرفة (259 - 260) نظر الحاكم فيهم إلى كونهم علماء الأمصار.
_________
* المحاسن:
" فائدة: احتج " الحاكم " لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: " نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها حتى يؤديها إلى من لم يسمعها " (1) وبقوله صلى الله عليه وسلم: " تسمعون ويُسمَعُ منكم " (2).
وما احتج به " الحاكم " لا يقتضي امتناعَ تنزيل المناولة على ما تقدم، منزلةَ السماع في القوة. على أني لم أجد من تصريح كلامهم ما يقتضي ذلك. انتهت " 57 / و.
_________
(1)
أخرجه الحاكم في المعرفة (260) والرامهرمزي في (باب فضل الناقل لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) من عدة طرق، بأسانيده، والخطيب في شرف أصحاب الحديث (17 - 19) وابن عبدالبر في (جامع بيان العلم) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمستمع العلم وحافظه ومبلغه:(1/ 38) وأخرجه قبلهم أبو داود في سننه، والترمذي في جامعه، وحسَّنه، والنسائي، وابن ماجه في سننهما. وضبط الرامهرمزي: نضر بالتخفيف، وقال: وأكثر المحدثين يقولونه بالتثقيل إلا من ضبط منهم (المحدث 168 ف 10) وقال الخطابي في (معالم السنن 4/ 187): يقال بتخفيف الضاد وتثقيلها، والتخفيف أجود. وقال عياض في المشارق (2/ 16):" بتخفيف الضاد وتشديدها، وأكثر الشيوخ يشددون، وأكثر أهل الأدب يخففون. قال ابن خلاد: وهو الصحيح ".
(2)
الحاكم في المعرفة وأخرجه (260) وفي المستدرك (1/ 95) وابن خلاد الرامهرمزي في المحدث الفاصل، والخطيب في الشرف باب 13 (37 - 38) وابن عبدالبر في جامع بيان العلم (1/ 43).