الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول:
1 -
ابن الصلاح
تقي الدين أبو عمرو الشهرزوري (577 هـ - 643 هـ)
عثمان بن الصلاح عبد الرحمن بن موسى بن أبي النصر الشافعي
موجز سيرته، رحلاته وشيوخه *
من القرن السابع، وفي نصفه الأول عاش التقي ابن الصلاح أخصب مراحل عمره، بدأت كتبُ التراجم والتاريخ تترجم له وتنوه به، لا نعلم خلافًا بين مترجميه في علمه وإمامته وورعه ومهابته، ولا فيما دونوه من سيرته.
* مستخلص من:
- وفيات الأعيان لابن خلكان: 3/ 243 ط بيروت 1970.
- وفيات الشريف عز الدين: ل 29 مصورة الخزانة العامة بالرباط، من مصورة بغداد لمخطوط كوبريلي رقم 1101.
- ذيل الروضتين لأبي شامة المقدسي. 175 ط القاهرة 1366 هـ.
- تاريخ الإِسلام للذهبي، مخطوط دار الكتب القاهرة.
- تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1430 ط حيدراباد الدكن 1374 هـ والعبر ودول الإِسلام له: وفيات سنة 643 هـ. وسير أعلام النبلاء، له:
- طبقات الشافعية الكبرى للتاج السبكي: 5/ 137 ط أولى الحسينية بالقاهرة 1348.
ذيل التقييد للتقي الفاسي: 216 مخطوط دار الكتب 198 مصطلح.
وتراجم شيوخه، أكثرهم، من:
- التقييد لأبي بكر ابن نقطة، مصورة لميكروفلم معهد المخطوطات بالقاهرة.
- التكملة لوفيات النقلة، للزكي المنذري ط 2 بيروت 1401 هـ - 1981 م.
- تاريخ الإِسلام، وتذكرة الحفاظ والعبر، ودول الإِسلام وسير أعلام النبلاء للذهبي.
- طبقات الشافعية الكبرى للتاج السبكي.
ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة في بلدة شَرَخان قرب شهرزور من أعمال إربل. وغلب عليه لقب أبيه الصلاح عبد الرحمن. وينسب إلى جده الثالث أبي النصر فيقال: النصري، وإلى بلده: الشهرزوري الشرخاني.
حفظ القرآن في بلدته وجوَّده. وتفقه على والده الصلاح عبد الرحمن " وكان من مشايخ بلده المشار إليهم في الفقه والصلاح " ومن أكابر الشيوخ الشافعية الذين يتصل بهم سند شيخ الإِسلام أبي زكريا النووي، في فقه الشافعية " قراءة وتصحيحًا وسماعًا وشرحًا وتعليقًا. على طريقة العراقيين عن شيوخه الثلاثة: أبي إبراهيم المقدسي وأبي محمد ابن نوح وأبي حفص الربعي الإِربلي - يأتون في تلاميذ ابن الصلاح - عن تقي الدين أبي عمرو بن الصلاح. وتفقه هو على والده، وتفقه والده على أبي سعد بن أبي عصرون الموصلي، وتفقه أبو سعد على القاضي أبي علي الفارقي، وتفقه الفارقي على الشيخ أبي إسحاق الرازي، بسنده الفقهي المعروف عن الإمام الشافعي، تفقه على الإِمام مالك وتفقه مالك على ربيعة الرأي عن أنس، وعلى نافع عن ابن عمر: كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم " (1).
وكذلك تفقه ابن الصلاح على والده في فقه الشافعية على طريقة الخراسانيين. وتفقه والده على أبي القاسم ابن البزري الجزري، عن أبي الحسن الكيا الهراسي، عن أبي المعالي الجويني إمام الحرمين، عن أبي بكر المروزي الصغير، إمام طريقة خراسان بسنده (2).
في الموصل:
ظهرت نجابة تقي الدين عثمان. فنقله والده إلى الموصل، فسمع الحديث من:
" ابن السمين " أبي جعفر عبيد الله بن أحمد الوراق، نزيل الموصل (523 - 588 هـ)
(1 - 2) النووي: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 18، 19 ط بيروت. وتصحفت فيها كنية أبي سعد ابن أبي عصرون، بأبي سعيد. وانظر تراجم الشيوخ المذكورين في سند النووي الفقهي، في كتابه تهذيب الأسماء. وترجمة الصلاح عبد الرحمن في وفيات ابن خلكان 3/ 243، وطبقات الشافعية للتاج السبكي 5/ 65 ونبلاء الذهبي: ج 22 ويأتي فيما يلي من العرض، نزوحه مع ولده إلى الشام ووفاته بحلب في المدرسة الأسدية، سنة 816 هـ.
وقرأ عليه كتاب (المهذب لأبي إسحاق الشيرازي) في فقه الشافعية " وكرره وهو غض الصبا لم يطر شاربه ".
ومن شيوخ ابن الصلاح بالموصل:
" نصر الله بن سلامة " بن سالم، أبو المعالي الهيتي المقرئ المحدث (- 598 هـ) سمع ببغداد من أبي الفضل محمد بن ناصر المقدسي، وأبي الكرم الشهرزوري، وأبي الفتح الكروخي، وحدث ببغداد والموصل.
" عبد المحسن الطوسي، أبو القاسم " بن عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر خطيب الموصل (623 هـ) من بيت العدالة والخطابة والرواية. سمع بالموصل من أبيه أبي نصر عبد الله، ومن عمه أبي محمد عبد الرحمن، وببغداد من أبي الكرم الشهرزوري. وحدث ببغداد والموصل (1).
ثم لزم ابن الصلاح شيخه العلامة:
" العماد بن يونس " أبا حامد محمد بن يونس بن محمد بن منعة الإِربلي الموصلي الشافعي، إمام وقته في المذهب والأصول والخلاف، ومدرس النظامية، ومصنف (المحيط) في فروع الشافعية، جمع فيه بين (المهذب لأبي إِسحاق الشيرازي، والوسيط لأبي حامد الغزالي) ونجب عليه أئمة (535 - 608 هـ).
أقام ابن الصلاح بالموصل زمنًا يشتغل معيدًا لشيخه العماد أبي حامد، بالمدرسة النظامية (2). واتصل وقتئذ بأخي شيخه:
" الكمال بن يونس " موسى بن محمد بن يونس بن محمد بن منعة، أبي الفتح الموصلي الشافعي، الفقيه العلامة في العقليات والإِلهيات (511 - 639 هـ) بالغ ابن الصلاح في الثناء على فضائله وتعظيم شأنه. وفي ترجمته أن ابن الصلاح " سأله أن يقرأ عليه شيئًا من المنطق سِرًّا فأجابه إلى ذلك، وتردد إليه مدة يقرأ عليه فلم يُفتَح عليه بشيء. فقال له
(1) ابن خلكان والذهبي والسبكي، في ترجمة ابن الصلاح، وترجمة شيخه عبد المحسن ابن الطوسي من (تكملة المنذري: 3/ 2023) كتب له بالإِجازة من الموصل غير مرة إحداها في سنة 610.
(2)
ابن خلكان والذهبي والسبكي، في شيوخ ابن الصلاح. وترجمة العماد أبي حامد ابن يونس من تكملة المنذري 2/ 1198، وتاريخ الإِسلام والعبر للذهبي: وفيات سنة 608، وطبقات التاج السبكي 5/ 45.
الكمال: يا فقيه، المصلحة عندي أن تترك الاشتغال بهذا الفن. فسأله: ولم يا مولاي؟ فقال: لأن الناس يعتقدون فيك الخير، وهم ينسبون كل من يشتغل بهذا الفن إلى فساد الاعتقاد، فكأنك تفسد عقيدتهم فيك ولا يحصل لك من هذا الفن شيء .. فقبل إشارته وترك قراءته " (1).
ثم آثر ابن الصلاح الرحلة في طلب العلم والسماع. فاتجه شرقًا وطوف بالحواضر العلمية في خراسان ونيسابور ومرو وقزوين .. وأدرك جلة من علمائها ومسنديها الكبار، قبل أن يجتاحها التتار من سنة 616 هـ.
رحلته كانت قبل وفاة شيخه (العماد أبي حامد ابن يونس، سنة 608 هـ، وفيها توفي بنيسابور منصور بن عبد المنعم الفراوي وهو من شيوخ ابن الصلاح. لقيه بنيسابور وسمع منه وحدث عنه.
والراجح أنه لقي بإربل، أو بنيسابور:
" أبا الخطاب ابن دحية الكلبي، عمر بن حسن بن علي البستي، نزيل القاهرة ".
وسمع منه (الموطأ) رواية يحيى بن يحيى الأندلسي. ففي ترجمة الحافظ ابن دحية، بتذكرة الحفاظ وذيل التقييد:" أنه حدث بالموطأ، رواية يحيى بن يحيى سنة ستمائة، سمعه منه تقي الدين ابن الصلاح ". وفي ترجمة ابن دحية بنفح الطيب: سنة نيف وستمائة. وذكر أنه في رحلته الواسعو إلى العراق وأصبهان وخراسان: " صنف التنوير في مولد السراج المنير، عند قدومه إلى إربل في سنة 604 هـ، وهو متوجه إلى خراسان، وبعدها سمع نيسابور من منصور بن عبد المنعم الفراوي والمؤيد الطوسي - وهما من كبار شيوخ ابن الصلاح النيسابوريين - .. وعاد أبو الخطاب ابن دحية إلى مصر، وولي مشيخة المدرسة الكاملية بالقاهرة، وفيها وفاته سنة (633 هـ)(2).
(1) ترجمة الكمال بن يونس في: وفيات ابن خلكان 4/ 253، والمختصر لأبي الفداء المؤيد إسماعيل (3/ 170 ط الحسينية بالقاهرة 1325 هـ) والطبقات للتاج السبكي 5/ 160 ومعها ترجمته في تكملة المنذري 3/ 1198، وتاريح الإِسلام ودول الإِسلام والعبر للذهبي: وفيات سنة 639 هـ.
(2)
تذكرة الحفاظ: 4/ 1421، وذيل التقييد للفاسي (239 / أ) ونفح الطيب للمقري: 1/ 371 ط أولى، الأزهرية بالقاهرة 1302 هـ.
في نيسابور:
سمع ابن الصلاح من
" المؤيد الطوسي " أبي الحسن محمد بن علي النيسابوري الشافعي ". الحافظ المسند الرحلة (524 - ظنا - 617 هـ) سمع منه ابن الصلاح صحيح البخاري بسماعه من أبي عبد الله الفراوي (440 - 530 هـ) وهو آخر من حدث عنه، بسماع الفراوي من سعيد بن أبي سعيد العيار النيسابوري (457 هـ) بسماعه من أبي عبد الله الشبوي المروزي، بسماعه في سنة 316 هـ من الفربري (231 - 320 هـ) بسماعه من الإِمام البخاري.
وحدث به المؤيد الطوسي أيضًا، عن وجيه بن طاهر الشجامي (455 - 541 هـ) وأبي الفتوح الشاذياخي (535 هـ) بسماعهما من أبي سهل الحفصي (466 هـ) عن أبي الهيثم الكشمهيني (389 هـ) عن الفربري.
وبصحيح مسلم عن أبي الحسين عبد الغافر الفارسي (353 - 466 هـ) عن أبي أحمد الجلودي النيسابوري (389 هـ) عن إبراهيم بن محمد بن سفيان النيسابوري (300 هـ) عن الإِمام مسلم (1). وهو سند الحافظ ابن حجر لرواية ابن شبويه عن البخاري من طريق أبي عمرو ابن الصلاح (أسانيد ابن حجر لروايات البخاري، في مقدمة فتح الباري).
" منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن الفضل الفَراوي، ذو الكُنى الثلاث: أبو الفتح وأبو بكر وأبو القاسم، بن أبي المعالي بن أبي البركات بن أبي عبد الله الفراوي ". الفقيه المفتي الحافظ المسند (522 - 608 هـ).
سمع منه أبو عمرو ابن الصلاح صحيح البخاري، عن جد أبيه " أبي عبد الله الفراوي، بسنده. وصحيح مسلم، عن جد أبيه عن عبد الغافر الفارسي، أبي الحسين. والأربعين لأبي البركات عبد الله الفراوي (547 هـ) بسماعه منه. والسنن الكبرى لأبي بكر البيهقي قراءة عليه، بسماع منصور الفراوي من أبي المعالي الفارسي
(1) تقييد ابن نقطة: ل 155، وتكملة المنذري وقال:" ولنا منه إجازة كتب بها إلينا من خراسان غير مرة إحداهن في جمادى الآخرة سنة 607 هـ "(3/ 1198) وتذكرة الحفاظ 4/ 1421.
(448 - 539 هـ) قراءة عليه. عن أبي بكر البيهقي (384 - 458 هـ) - وهو السند في مطبوعة السنن الكبرى المقروءة على ابن الصلاح - وبه حدث أبو عمرو ابن الصلاح بكتاب المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي، والأربعين حديثًا المخرجة من المجلد الأول منها، انتقاء أبي المعالي الفارسي.
وشيخه منصور من بيت العلم والرواية، عدَّ الزكي المنذري سبعة محدثين منهم نسقًا (1).
" زينب الشعرية النيسابورية، أم المؤيد بنت أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسين الشعري (2) المسندة المعمرة. تفردت بكثير من مسموعاتها، وانقطع بموتها إسناد عال (524 - 615 هـ).
حدثت بصحيح البخاري، عن وجيه الشحامي وأبي الفتوح الشاذياخي، عن أبي سهل الحفصي، عن الكشمهيني. وسمعته كذلك عن أبي المعالي الفارسي، عن سعيد العيار، عن ابن شبويه، عن الفربري. وممن أجاز لها أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي، وأبو القاسم الزمخشري (2).
" ابن الصفار: الشهاب أبي بكر النيسابوري، القاسم بن أبي سعد عبد الله بن أبي حفص عمر بن أحمد بن منصور الشافعي " الفقيه النبيل الحافظ المسند، شيخ خراسان،
(1) التقييد في معرفة رواة السنن والمسانيد، لأبي بكر ابن نقطة: ل 155 مصورة معهد المخطوطات 186/ 1 تاريخ، لمخطوط المتحف البريطاني 836. ومنصور من شيوخ ابن نقطة. وتكملة المنذري جـ 2 ت 1202، وكتب له بالإِجازة. والفراوي، ضبطه السمعاني في الأنساب، وابن الأثير في اللباب، عنه، بضم الفاء، نسبة إلى فُراو، بليدة مما يلي خوارزم.
وفي مستفاد الرحلة للتجيبي، عن شيخه أبي الفتح الشيباني الدمشقي، قال:" أخبرنا الإِمام تقي الدين أبو عمرو ابن الصلاح قراءة علية ونحن نسمع في جمادى الأولى سنة 638 هـ، قال: الفرواي نسبة إلى بليدة من ثغر خراسان مما يلي خوارزم، تسمى بالعجمية فُراووه. وذكر أبو سعد السمعاني فيما قرأته بخطه من كتاب الأنساب، الفُراوي، يضبطه بخطه مولعًا بذلك. وسألت حفيد الفراوي الشيخ أبا القاسم عن ذلك فقال: هو الفَراوي، بالفتح. قلت: ولا معدل عن هذا فإنه المعروف المتعالم، والسمعاني لم يذكر مستند الخلاف. انتهى كلام أبي عمرو رحمه الله " المستفاد 92.
(2)
تقييد ابن نقطة (ل 169) وفيه أنها كتبت له بالإِجازة من نيسابور غير مرة إحداهن في شهر رجب سنة 608 هـ. والتكملة للمنذري (2/ 1648) وفيها أنها تدعى أيضًا " حرة " وله إجازة كتبت عنها من نيسابور سنة 608 هـ. وابن خلكان (ت 237) وله إجازة منها كتبت في بعض شهور سنة 610 هـ، وذيل التقييد للفاسي وأرخ مولدها سنة 525 هـ.
الإِمام ابن الإِمام ابن الإِمام، روى عن جده أبي حفص، وأبي البركات عبد الله الفرواي ووجيه الشحامي، وأبي الأسعد القشيري. وروى عنه الأئمة: ابن الصلاح وأبو بكر ابن نقطة والزكي البرزالي والضياء المقدسي وأبو إسحاق الصريفيني. مولده سنة 533 هـ، واستشهد عندما دخل التتار نيسابور سنة (618 هـ).
وسمع ابن الصلاح بمرو، من:
" أبي المظفر السمعاني " الفخر عبد الكريم بن أبي سعد عبد الكريم بن محمد ابن أبي المظفر منصور بن محمد السمعاني. مسند خراسان (537 - 617 هـ) أسمعه أبوه مبكرًا من شيوخ خراسان، منهم أبو الوقت السجزي، سمع منه صحيح البخاري، ومسندي الهيثم بن كليب وأبي محمد الدارمي. وأبو البركات الفراوي: سمع منه صحيح أبي عوانة الإِسفرائيني. وأبو طاهر السنجي: سمع منه مسندي الشافعي وابن وهب (2).
ومن شيوخ العراقيين ابن الصلاح بقزوين:
الإِمام الرافعي " أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم القزويني (- 623 هـ) شيخ الشافعية الصدر الرئيس، صاحب (الشرح الكبير) إليه انتهت معرفة المذهب ودقائقه. نقل النووي والذهبي والتاج السبكي في ترجمته قول ابن الصلاح: " أظن أنني لم أر في بلاد العجم مثله. " (3) وعقب السبكي: " قلت: لا شك في ذلك ".
(1) طبقات التاج السبكي 5/ 3 وشيوخه ومسموعاته في تقييد ابن نقطة (ل 148) وهو من أصحابه.
وترجم له المنذري في (التكملة 3/ 1860) وله منه إجازة كتب بها إليه من نيسابور غير مرة إحداها في سنة 608، وتاريخ الإسلام والعبر للذهبي، وفيات سنة 618.
(2)
تقييد ابن نقطة (ل 1230) وفيه: " انقطعت عنا أخباره من سنة 617 هـ " وأرخه الذهبي في وفياتها وقال: عُدم في دخول التتار بمرو في آخر العام (العبر، وتاريخ الإِسلام).
(3)
تهذيب الأسماء واللغات للنووي (الكنى ت 405) وطبقات الشافعية الكبرى 5/ 119، وتاريخ الإِسلام، ودول الإِسلام، والعبر للذهبي: وفيات 623 هـ، وأعلام النبلاء، له (ج 22).
وسمع بهمدان من:
" أبي الفضل ابن المعزم، عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن صالح الهمداني إمام جامعها. وكان فيها قال ابن نقطة: " محدثًا مكثرا صحيح السماع، سمعت منه ثلاثيات البخاري " ولم يؤرخ وفاته، وأرخه الزكي المنذري والذهبي في وفيات سنة (609 هـ)(1).
ثم رحل أبو عمرو ابن الصلاح إلى بغداد، حاضرة الخلافة قبل أن يجتاحها التتار. فسمع من شيوخها الحفاظ ومسنديها المعمرين. وممن رى عنهم في كتابه علوم الحديث:
" الضياء ابن سكينة، أبو أحمد عبد الوهاب بن أبي منصور علي بن عبد الله البغدادي " شيخها الحافظ (519 - 607 هـ) سمع من أبيه وطبقته من أعلام المسندين. ورافق الإِمام أبا سعد السمعاني أكثر من أربعين سنة. وحدث بمكة وبغداد والشام ومصر بمسموعاته، ومنها: الغيلانيات وأحاديث المزني، من أبي القاسم هبة الله ابن الحصين. وجامع الترمذي، من أبي الفتح الكروخي، وصحيح مسلم بإجازته من أبي عبد الله الفراوي (2).
" ابن طبرزد، أبو حفص عمر بن محمد بن معمر الدارقزي البغدادي " المعمر المسند المؤدِّب (516 - 607 هـ) أسمعه أخوه البقاء محمد وسمع بنفسه من أكابر الشيوخ. وتفرد بالرواية عن عدد منهم. وحدث ببغداد وإربل والموصل وحلب ودمشق. قرأ عليه ابن الصلاح ببغداد (جزء الأنصاري) روايته عن أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري البغدادي (535 هـ) بسنده إلى محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري البصري صاحب الجزء (215 هـ) وحدث بسنن أبي داود، سماعه لبعضها من أبي البدر الكرخي ولبعضها من مفلح الدومي، بروايتهما عن أبي بكر الخطيب. وبجامع الترمذي، من أبي الفتح الكروخي (تقييد ابن نقطة) وبالغيلانيات. قرأها عليه الزكي المنذري بدمشق في ذي
(1) تقييد ابن نقطة (ل 118) وتكملة المنذري (2/ 1236) وله منه إجازة، كتب بها إليه من همدان في سنة 608 هـ، وتذكرة الحفاظ والعبر، وتاريخ الإِسلام: وفيات سنة 609 هـ، وخرج له أبو عبد الله ابن الدبيثي مشيخته في جزءين وبعض ثالث، شيوخه فيها ثلاثة وثمانون. واستُدرِك عليه. قاله المنذري.
(2)
تقييد ابن نقطة (ل 129) وتكملة المنذري (2/ 1146) - وفيها: ولنا منه إجازة كتب بها إلينا من بغداد غير مرة. وخرج له صاحبنا أبو عبد الله النجار مشيخة في جزأين. وتاريخ الإِسلام والعبر ودول الإِسلام للذهبي، وفيات سنة 607 هـ والنبلاء: ج 22.
الحجة سنة 603 هـ)، وسمع منه كثيرًا من الكتب الكبار والأجزاء والفوائد (1).
بعدها كانت الرحلة إلى الشام، مستهلَّ مرحلة جديدة من حياته، ذكرها كل مؤرخيه في ترجمته، وإن لم يعينوا تاريخها، فيما قرأت، وهل كانت رحلة في طلب العلم والسماع، أو كانت نزوح هجرة؟
هنا أحتاج إلى استطراد يسير، نطل به على عصر ابن الصلاح:
قبل مولده بنحو من عشر سنين، في مستهل سنة 567 هـ، كان " الملك العادل نورالدين محمود بن زنكي " قد قطع الخطبة للفاطميين بالشام، وأمر " صلاح الدين بن نجم الدين أيوب " نائبه على مصر، أن يقطعها بها. وأعيدت الخطبة للعباسيين بمصر والشام.
في سنة 569 هـ توفي العادل نورالدين، وآلت الدولة إلى صلاح الدين الأيوبي فواصل جهاد الصليبيين، وفي شهر ربيع الثاني من سنة 583 هـ كانت وقعة حطين الظافرة، وأعقبها تحرير بيت المقدس من قبضتهم، يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر رجب، بعد مولد ابن الصلاح بنحو من خمس سنوات. وتوالت المعارك الباسلة في الجبهة الصليبية بمصر والشام إلى أن توفي الملك المظفر صلاح الدين، في صفر سنة 589 هـ، وتقاسم بنوه ملك مصر ودمشق وحلب، واستقل أخوه أبو بكر الأيوبي بالكرج والجزيرة وديار بكر وميافارقين، واستقل أخوهما سيف الإِسلام ضغتكين باليمين من زبيد إلى حضرموت. ونشبت فيهم فتن شرسة، وعاد الصليبيون يعربدون على ساحة الشام ويهددون ثغور مصر، حتى آلت الدولة الصلاحية إلى الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب، أخي صلاح الدين، فحمل لواء الجهاد إلى وفاته سنة (615 هـ).
بعد سنة واحدة - أي سنة 616 هـ - تحركت جيوش التتار مما وراء النهر، فاجتاحوا خوارزم وبخارى، فقتلوا وخربوا وما أبقوا. وأخذوا خراسان إلى حدود العراق، ثم عطفوا على قزوين وأذربيجان فاستباحوهما، وكرُّوا على إربل ودخلوا مرو آخر سنة 617 فوطئوهما وطأة ساحقة.
(1) تقييد ابن نقطة (ل 137) وتكملة المنذري (2/ 1158) والعبر، ودول الإِسلام للذهبي، وفيات 607 هـ.
" واستهلت سنة 618 هـ والدنيا تغلي بالتتار " بلفظ مؤرخ الإِسلام الحافظ الذهبي في (العبر).
وقتئذ كان ابن الصلاح وأبوه في ديار الشام، ويتعين أن الرحلة إليها كانت قبل سنة 612 هـ إذ توفي فيها " الحافظ عبد القادر الرهاوي " أول شيوخه الشاميين وفاة. فلئن كان ابن الصلاح رحل مع أبيه في طلب السماع ولقاء الشيوخ، لقد سُدَّت عليها كل سبل العودة إلى إربل، والتتار يطئون بلاد الشام مما وراء النهر إلى حدود العراق، لم يبقوا على شيء في إربل وسائر الحواضر الإِسلامية التي كانت عامرة بشيوخ ابن الصلاح.
ومن أكابر شيوخه الشاميين الذين لقيهم وسمع منهم بدمشق:
" أبو القاسم ابن الحرستاني " جمال الدين عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الدمشقي الشافعي. قاضي القضاة.
سمع من شيوخ الوقت، وله إجازات عالية من الشيوخ الشاميين والعراقيين والأصبهانيين، وانتهى إليه علو الإِسناد وتفرد (1).
(520 - 614 هـ)
" الفخر ابن عساكر " أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله الدمشقي، شيخ الشافعية بالشام ومن بيت العلم والرواية بها (2).
(550 طنا - 620 هـ)
" الشيخ الموفق " أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الصالحي (541 - 620 هـ) شيخ الحنابلة الإِمام الصدر القدوة، نقل الحافظ الذهبي في ترجمته قول الحافظ الضياء أبي عبد الله المقدسي:" سمعت أبا عمرو ابن الصلاح يقول: " ما رأيت مثل الشيخ الموفق " (3).
(1) تقييد ابن نقطة (ل 131) تكملة المنذري (2/ 1568) لقيه بدمشق وسمع منه. تاريخ الإِسلام والعبر ودول الإِسلام: وفيات سنة 614 هـ، وطبقات الشافعية الكبرى للتاج السبكي: 5/ 74.
(2)
تكملة المنذري (3/ 1935) وله منه إجازة كتب بها إليه من دمشق غير مرة. تاريخ الإِسلام والعبر ودول الإِسلام للذهبي: وفيات سنة 620 هـ، طبقات الشافعية الكبرى للتاج السبكي 5/ 66.
(3)
العبر (5/ 80) وسير أعلام النبلاء ج 22، والضياء المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي، محمد بن عبد الواحد، من أقران ابن الصلاح ويشاركه في كثير من شيوخه (569 - 643 هـ).
وسمع بحران من حافظها ومفتيها:
" أبي محمد عبد القادر بن عبد الله بن عبد الرحمن الرُهَاوي الحنبلي " المسند الرحال. طوف بالبلاد، وسمع من أكابر شيوخ الوقت. ومن مسموعاته جامع الترمذي، سمعه بهراة من نصر بن سيار، أبي الفتح الهروي، عن أبي عامر الأزدي (536 - 612 هـ)(4).
وسمع بحلب من:
" ابن الأستاذ، أبي محمد عبد الرحمن بن الأستاذ عبد الله بن علوان الأسدي الحلبي " من شيوخها الصاحين. سمع بحلب من نزيلها أبي محمد عبد الله بن محمد الصنهاجي الأشيري (- 561 هـ) وطبقته. وسمع ببغداد وأجاز له جماعة من شيوخ خراسان وأصبهان ودمشق ومصر والإِسكندرية وحدث (2). وفاته بحلب سنة 623 هـ.
وابن الصلاح، في (سنن السماع بالمقدمة) يروي عن أبي محمد عبد الرحمن بن عبد الله الأسدي، عن أبي محمد ابن الأشيري، عن القاضي عياض (3).
في الشام كانت الحياة العاملة الخصبة للتقي أبي عمرو ابن الصلاح:
" أقام في بيت المقدس مدرسًا بالمدرسة الصلاحية، إلى أن هدم سلطان الشام الملك المعظم - شرف الدين عيسى بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر الأيوبي صاحب دمشق - سُور البلد عجزًا عن حمايته وخوفًا من الفرنجة أن تسيطر عليه. واتجه إلى
(1) تكلمة المنذري (2/ 1399) إجازة من حران، كتابة، غير مرة، إحداها في ذي الحجة سنة 605 هـ، تذكرة الحفاظ ودول الإِسلام والعبر للذهبي: وفيات سنة 612 هـ، وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 82، وذيل التقييد للتقي الفارسي (ل 121، 158).
(2)
تكملة المنذري (3/ 2105) وله منه إجازة كتب بها إليه من حلب غير مرة، إحداها في صفر سنة 610، وتاريخ الإِسلام والعبر للذهبي: وفيات سنة 623 هـ، ويشاركه في اسم الشهرة والكنية، ولده: ابن الأستاذ أبو محمد زين الدين عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الشافعي، قاضي القضاة ومن سَرَوات الرؤساء (578 - 635 هـ).
وابنه الكمال أحمد بن الزين عبد الله بن أبي محمد عبد الرحمن الحلبي الشافعي، قاضيها، ابن الأستاذ (- 662 هـ).
(3)
مقدمة ابن الصلاح، النوع الرابع والعشرون.
دمياط فكان مع أخيه الكامل في كشف الصليبيين عنها " وقد أرخ ابن الأثير وأبو الفدا المؤيد إسماعيل والذهبي كائنة هدم سور المقدس في أول سنة 616 هـ، " وانجفل الناس وتشتَّتُوا (1).
ونزح أبو عمرو إلى دمشق.
وأما والده " الصلاح عبد الرحمن " فسكن حلب مدرسًا في المدرسة الأسدية، إلى وفاته بها في سنة 618 هـ (2).
وفي حاضرة الشام، أخذ التقي أبو عمرو ابن الصلاح مكانه المرموق " يعيد زمان السالفين ورعًا وعلمًا " ولي التدريس في " المدرسة الرواحية " مفوضًا في أمرها من قبل منشئها الزكي ابن رواحة (3).
وعهد إليه الملك الأشرف، موسى بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر الأيوبي " في النظر في " مدرسة سِتِّ الشام " وفوض إليه أمرها، واكن أول من ولي التدريس به (4). ثم لما عمر الملك الأشرف " المدرسة الأشرفية " بدمشق، ولي أبا عمرو ابن الصلاح أمرها، وفوض إليه مهام التدريس بها (5).
فكان فيما قال تلميذه وصاحبه شمس الدين ابن خلكان: " يقوم بوظائف الجهات الثلاث من غير إخلال بشيء منها إلا بعذر ضروري لا بد منه، مع اشتغاله بالفتوى تأتيه
(1) الكامل، والمختصر في أخبار البشر، وتاريخ الإِسلام.
والعبر: سنة 616 هـ وتوفي الملك المعظم شرف الدين عيسى سنة 624 هـ وفي سنة 626 هـ، تفاوض أخواه الملك الكامل والملك الأشرف مع الفرنج على تسليم بيت المقدس إليهم، " واستعظم المسلمون ذلك وأكبروه، ووجدوا له من الوهن والألم ما لم يمكن وصفه "(ابن الأثير في الكامل 12/ 187).
(2)
وفيات الأعيان (3/ 243 ت 108) وطبقات الشافعية الكبرى (5/ 65). وأعلام النبلاء ج 22.
(3)
أنشأها الزكي ابن رواحة الدمشقي، فضل الله بن محمد الأنصاري، بدمشق في سنة 620 هـ (مختصر تنبيه الطالب وإرشاد الدارس في أخبار المدارس لأبي المفاخر النعيمي) ص 12 مخطوط دار الكتب.
(4)
هي المدرسة الشامية البرانية، أنشأتها ست الشام ربيعة خاتون بنت نجم الدين أيوب بن شادي، بدمشق، قبل وفاتها في سنة 616 هـ (مختصر النعيمي: 12، والعبر للذهبي 5/ 61).
(5)
المدرسة الأشرفية، عمرها الأشرف بن موسى بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر، بدمشق في سنة 628 وفتحت ليلة النصف من شعبان لسنة 630 هـ قبل وفاة الملك الأشرف في سنة 635 هـ (مختصر النعيمي: ص 3) مع تاريخ الإِسلام ودول الإِسلام والعبر للذهبي.
من الأقطار، والتأليف والتدريس " ورحل إليه طلاب العلم من الآفاق " شهد له مؤرخوه من أصحابه وتلاميذه، على أنه " كان وافر الجلالة والعقل حسن السمت نبيلاً متبحرًا في العلم مضرب المثل في الطلب مجتهدًا في العبادة والطاعة، مشهودًا له بالورع والتقوى والصلاح والسداد، مجمعًا على إمامته وجلالته ".
إلى أن توفي - نضر الله وجهه - سحَرَ الأربعاء الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة " فازدحم عليه الناس وصُلِّي علي مرتين، ثم شيعوه إلى مثواه في مقابر الصوفية، وقبره ظاهر يزار ويتبرك به، وقيل: والدعاء عنده مستجاب " فيما حكى الحافظ أبو عبد الله الذهبي - المتوفى سنة 748 هـ - في أعلام نبلائه، والتاج السبكي المتوفى سنة 771 هـ، بعد وفاة التقي ابن الصلاح بنحو من مائةٍ وثمانٍ وعشرين سنة.