الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللام من أظلم الليل، وقال الفراءُ: ظلم الليل وأظلم بمعنى، وضاءت النار وأضاءت مثله؛ وأضاءته النار يتعدى ولا يتعدى، وقال الزمخشري: بمعنى نوَّر متعدٍّ، وبمعنى لمع غير متعدٍّ، وأما أظلم فيحتمل التعدِّي وعدمه (1).
(بين أيديهما) أي: قدامهما، وهو مفعول فيه إن كان فعل الإضاءة لازمًا، ومفعول به إن كان متعديًا، وحصول ذلك لهم؛ إكرامًا لهما ببركة نبيهما، وإنما ذكر هذا الحديث في أحكام المساجد؛ لأنَّ الرجلين كانا معه في المسجد فأكرمهما الله بالنور في الدنيا ببركته، وفضل مسجده، وذلك آية له صلى الله عليه وسلم؛ حيث خصَّ أصحابه بمثل هذه الكرامة عند حاجتهم للنور.
80 - بَابُ الخَوْخَةِ وَالمَمَرِّ فِي المَسْجِدِ
(باب: الخوخة والممر في المسجد) أي: جواز كونهما فيه.
466 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ"، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ؟ إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ
(1) اختلف الزمخشري وأبو حيان في كون الفعل (أظلم) لازمًا أو متعديًا، وذلك في تفسيرهما قوله تعالى:{وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} [البقرة: 20] فذهب الزمخشري إلى أن (أظلم) يكون متعديًا بنفسه إلى المفعول، وذهب أبو حيان إلى أنه متعدٍّ بحرف الجر لا بنفسه. واستشهد الزمخشري يقول أبي تمام:
هما أظْلَمَا حاليَّ ثُمَّتَ أجْلَيَا
…
شعر ظلاميها عن وَجْهِ أَمْردَ أشْيَبَ
عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ العَبْدَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا، قَالَ:"يَا أَبَا بَكْرٍ لَا تَبْكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بَابٌ إلا سُدَّ، إلا بَابُ أَبِي بَكْرٍ".
[3654، 3904 - مسلم: 2382 - فتح: 1/ 558]
(عن بسر بن سعيد) بضم الموحدة، وسكون المهملة، وهذا ساقط من نسخة، وثابت في أخرى مع واو قبل (عن) إذ كلٌّ من (عبيد بن حنين) و (بسر) يروي عن أبي سعيد.
(فاختار ما عند الله) ساقط من نسخة. (فبكى أبو بكر) زاد في نسخة: "الصِّديق". (يبكي) بضمِّ أوله. (إن يكن الله خير عبدًا) في نسخة: "إن يكن لله عبدٌ خير" بجعل (خير) صفة و (عبد). (وإن) بالكسر فيهما، وجواب الشرط قال الكرماني: محذوف يدلُّ عليه السياق (1)، أي: فلم يبكي هذا الشيخ؟ وقال بعضهم: مذكور، وهو (فاختار ما عند الله) وفي نسخة:"أن" بالفتح؛ أي: لأجل أن يكن، وسكن (يكن) مع الناصب للوقف، كما قيل به في حديث:"لن تُرعْ"(2) حيث سكن العين فيه للوقف، ثم شبه بسكون المجزوم فحذفت الألف قبله، كما تحذف قبل سكون المجزوم.
(هو العبد) أي: المخير. (وكان أبو بكرٍ أعلمنا) أي: حيث فهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفارق الدنيا؛ فبكى حزنًا على فراقه. (فقال) في
(1) انظر: "البُخاريّ بشرح الكرماني" 4/ 127.
(2)
سيأتي برقم (1121) كتاب التهجد، باب: فضل قيام الليل.
نسخة: "قال". (إنَّ أَمَنَّ النَّاسِ) بفتح الميم وتشديد النون: أي: أكثرهم جودًا بنفسه وماله بلا استثابة على ذلك، كما في:{وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)} [المدثر: 6] أي: لا تعط لتأخذ أكثر مما أعطيت، فليس هو من المن الذي يفسد الصنيعة، فإنّه لا مِنَّةَ عليه صلى الله عليه وسلم لأحد، بل منته على جميع الخلق، وفي نسخة:"إن من أمنّ النَّاسِ" وعليها فيؤول؛ لأجل رفع (أبو بكر). بأنَّ "من أمنِّ" صفة لمحذوف؛ أي: إن رجلًا (من أمنِّ) أو يجعل اسم (إن) ضمير الشأن، كما قيل به في حديث:"إن من أشدِّ النَّاسِ عذابًا يوم القيامة المصورون"(1)(2).
"ولو كنت متخذًا خليلًا" في نسخة: "ولو كنت متخذًا من أُمَّتِي خليلًا" والخليل فعيل بمعنى مفعول، وهو كما قال الزمخشريُّ: الخالُّ الذي يخالك؛ أي: يوافقك في خِلالك ويسايرك في طريقتك، من الخلِّ: وهو الطريق في الرملِ، ويسدُّ خللك، كما تسدَّ خلله، وقيل: أصله: الخلة: الانقطاع، فخليل الله: المنقطع إليه، والمعنى هنا: لو كنت منقطعًا إلى غير الله لانقطعت إلى أبي بكر، ولو اتسع قلبي لغير الله لاتسع له، وأما قول بعض الصحابة: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم. فانقطاعٌ إلى النَّبيِّ، وذلك انقطاعٌ إلى الله، مع أن البعض هو الذي اتخذ النبيَّ خليلًا، لا أن النبيَّ اتخذه خليلًا. (لاتخذت أبا بكر خليلًا) لفظ:(خليلًا) ساقط من نسخة، وفي أخرى: بدله "يعني: خليلًا".
(1) سيأتي برقم (5950) كتاب: اللباس، باب: عذاب المصورين يوم القيامة.
(2)
وقيل إن (من) زائدة في هذا الحديث في الإيجاب على رأي الأخفش والفارسي.
(ولكن أخوة الإسلام ومودته) أي: أفضل، كما صرح به بعدُ "ولكن خُوَّة الإسلام" بحذف الهمزة مع ضمِّ نون (لكن) وسكونها، والمودة معنى: الخلة؛ أي في الجملة، فنفي الخلة أولًا، وإثبات المودة ثانيًا باعتبار أن الخلة أخصُّ وأعلى مرتبة، فالنفي من حيث خصوصها، والإثبات من حيث العموم، قيل: الصحابة كلُّهم مشتركون مع أبي بكر في أخوة الإسلام، والسياق لبيان أفضليته، وأجيب: بأن المودة الإسلامية معه أفضل منها مع غيره، رُتَبُها متفاوتة بحسب التفاوت في إعلاءِ كلمة الله، وتحصيل كثرة الثواب، فكان أفضل من هذه الحيثية.
(لا يبقين في المسجد بابٌ) بالبناء للفاعل، أو بالبناء للمفعول، والنون مشددة للتوكيد، والنهي راجعٌ للمكلفين لا إلى الباب، فكنَّى بعدم البقاء عن عدم الإبقاء؛ لأنَّه لازم له كأنَّه قال: لا تبقوه فلا يبقى، كما في: لا أرينك هاهنا؛ أي: لا تقعد هاهنا فلا أراك.
(إلَّا سُدَّ) أي: إلَّا بابًا سُدَّ، فالمحذوف هو المستثنى والفعل صفته، ثم استثنى ثانيًا من هذا قوله (إلا باب أبي بكر) بنصبه على الاستثناء، وبرفعه بدلًا، ولا يعارض ذلك خبر:"سدوا الأبواب إلَّا باب عليٍّ رضي الله عنه" لأنه غريب، كما قاله التِّرمذيُّ، بل وهمٌ، كما قاله ابن عساكر (1).
وفي الحديث: خصوصيةٌ لأبي بكر، حيث تُسدُّ الأبواب إلَّا بابه، وأن المساجد تمنع من التطرق إليها من خوخة، ونحوها إلَّا لحاجة
(1)"سنن التِّرمذيِّ"(3732) كتاب: المناقب، جاب: مناقب عليّ بن أبي طالب.
مهمة، وأن أبا بكرٍ أعلم الصحابة، والحضُّ على اختيار ما عند الله، والزهدُ في الدنيا، وأن على الإمام شكر مَنْ أحسن صحبته ومعونته بنفسه وماله، وأن الخليل فوق الصِّديق والأخ.
467 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، عَاصِبٌ رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا المَسْجِدِ، غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ".
[3656، 3657، 6738 - فتح: 1/ 558]
(خرج رسول الله) في نسخة: "خرج النبيُّ". (عاصبًا) في نسخة: "عاصب"[أي: وهو عاصبٌ](1). (فحمد الله) أي: على وجود الكمال. (وأثنى عليه) أي: على عدم النقصان. (ثُمَّ قال: إنه) أي: الشأن. (ابن أبي قحافة) بضمِّ القاف، وبحاءٍ مهملة، واسمه: عثمان. (ولكن خلة الإسلام أفضل) أي: فاضلة أو المقصود: أن الخلة بالمعنى السابق أعلى مرتبة وأفضل من كلِّ خلة حتَّى من المحبة، كما عليه الجمهور؛ تمسُّكًا بهذا الحديث، وقيل: المحبة أفضل؛ لأنها صفة نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل من الخليل، وقيل: هما سواءٌ.
وفي الحديث: جواز الخطبة لغير الجمعة قاعدًا.
(1) من (م).