الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على ما تقدم من الرأي الأظهر فإنه إذا تغير اجتهاد المجتهد وعلم المستفتى بذلك فإنه يجب عليه الامتناع من ذلك الفعل فأما إذا لم يقل بذلك فلا حاجة إلى الإعلام.
ومنهم من أوجب عليه الاجتهاد في المرة الثانية مطلقًا سواء كان ذاكرًا لطريق اجتهاده الأول أو لم يذكره، محتجا: بانه يحتمل أن يتغير اجتهاده ويطلع على ما لم يكن قد اطلع عليه في المرة الأولى.
ومنهم من لم يوجب ذلك عليه مطلقا، أما إذا كان ذاكرًا لطريق الاجتهاد الاول فظاهر، وأما إذا لم يكن ذاكرًا له، فلان الغالب على ظنه أن الطريق الذى تمسك به أولاً كان طريقا قويا وحينئذ يحصل له الآن أن ذلك الفتوى حق فجار له الفتوى به من غير استئناف الاجتهاد لأن العمل بالظن واجب،
المسألة الثانية
في أن غير المجتهد هل يجوز له الفتوى بما يحكيه عن الغير من المجتهدين
؟
فنقول: ذلك الغير إما ميت، أو حي.
أما الأول فهو أن يحكي عن المجتهدين المنقرضين إلى رحمة الله تعالى كما
هو المعتاد في زماننا فهذا مما اختلف فيه:
فذهب جماهير الأصوليين نحو أبى الحسين البصرى وغيره إلى عدم جواز ذلك مطلقًا.
وذهب بعضهم إلى جوازه مطلقًا.
وسهم من فصل فقال: إن عدم المجتهد كما هو في زماننا جاز وإلا فلا. ومنهم من قال: إن كلان الحاكي أهلاً للنظر والمناظرة ومجتهدًا في ذلك المذهب الذى يحكى عنه جار وإلا فلا.
احتج الأولون.
بأنه لا قول للميت؛ بدليل أن الاجماع منعقد على خلافه، ولو كان له قول لما انعقد الاجماع على خلافه كما لو كان حيًا فإنه لا ينعقد الإجماع على خلافه إذ ذاك وفاقًا، وإذا لم يكن له قول لم يجز الافتاء به ولأنه لو جار ذلك لجاز للعامي أيضًا ذلك وهو محال خلات الإجماع.
فإن قلت: فعلى هذا لم صنفت الكتب الفقهية مع فناء أربابها؟
قلت: الفائدة استفادة طريق الاجتهاد من تصرفهم في الحوادث، وكيفية بناء بعضها عنى البعض الأخر.
ومعرفة المتفق عليه من المختلف فيه.
واعترض على الأول: بمنع أن لا قول للميت، ولا نسلم أن الإجماع ينعقد على خلافه، وقد تقدم الخلاف فيه/ (318/ أ) في الإجماع.
وعلى الثاني بالفرق وهو ظاهر، وأيضًا فإن الدليل الذى يدل على جواز ذلك في العالم كما سيأتي غير حاصل في حق العامي فلا يلزم من جوازه في حقه جوازه في حق العامي.
واحتج من جوز ذلك: بأن الثقة إذا نقل أحاديث الرسول فهي حجة في حق المجتهدين لا يجوز مخالفتها، فكذا إذا نقل الثقة قول المجتهد للعامي إذ قوله بالنسبة إليه كقول الرسول بالنسبة إلى المجتهد.
واحتج من قال بالقول الثالث: بأنه يجوز عند عدم المجتهد للضرورة، ولا ضرورة عند وجوده فلا يجوز.
وأجيب: بأنه يقتضى جوازه من العامي وهو خلاف الاجماع.
واحتج من قال بالقول الرابع وهو الأظهر بوجهين:
أحدهما: الاجماع على ذلك بعد انقراض عصر المجتهدين فإن الأئمة في الأمصار في جميع الأعمار يفتون بذلك من غير نكير من أحد من الأمة فكاد إجماعًا.
وهذا فيه نظر، لأن الإجماع إنما يعتبر من أهل الحل والعقد وهم المجتهدون، والمجمعون ليسوا بمجتهدين فلا يعتبر إجماعهم، أو نقول بعبارة أخرى: إنما يعتبر اتفاقهم على جواز إفتاء غير المجتهد أن لو كان إفتاء غير المجتهد جائزًا فلو أثبت جواز إفتاء غير المجتهد بهذا لزم الدور.
وثانيهما: أن الراوي إذا كان عدلاً ثقة متمكنًا من فهم كلام المجتهد الذى مات، وعارفا بمقاصده من كلامه، وبأصوله وفروعه ثم روى للعامي قوله حصل للعامي ظن صدقه، ثم كون المجتهد عدلا ثقه عالمًا مستجمعا لشرائط الاجتهاد يوجب ظن صدقه في تلك الفتوى، وحينئذ يتولد من هذين الظنين للعامي ظن أن حكم الله تعالى ما روى له هذا الراوي الحى عن ذلك المجتهد الميت، والعمل بالظن واجب، فوجب أن يجب على العامي العمل بذلك.
وفيه أيضًا نظرة لأن حصول الظن مطلقا كيف ما كان غير معتبر بل المعتبر الظن الحاصل من طريق معتبر شرعًا، فلم قلتم إن هذا طريق معتبر شرعا، فلابد لهذا من دليل، وإذا حصل ذلك الدليل استقل بإفادة المطلوب فيكون التعويض لهذا مستدركًا.
والأولى في ذلك التمسك بالضرورة والحاجة، فإنا لو لم نجوز هذا لأدى ذلك إلى أن الشريعة غير وافية ببيان أكثر الوقائع الحادثة ومعلوم أن ذلك يؤدى إلى التهارج وفساد أحوال الناس.
وأما الثاني: وهو أن يحكى غير المجتهد عن غير المجتهد الحى، فإن كان سمعه منه مشافهة جاز له أن يعمل به وجار أن يعمل الغير أيضا بقوله؛ ولهذا يجوز للمرأة أن تعمل في حكم حيضها بحكاية زوجها عن المجتهدين.
ورجع علي- رضي الله عنه إلى حكاية المقداد عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم في أمر المذى وفى الاستدلال بهذا على هذا الحكم نظر، من حيث إنه يجوز أن يكون ذلك بطريق رواية الخبر لا بطريق الإفتاء، وعلى هذا لا يعتبر في