الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنقل ما تعم به البلوى مع توفر الدواعي على نقله مما يقرب إلى احتمال كونه كذبًا فكان الأول أولى.
المسالة السادسة
في ترجيح الخبر بالأمور الخارجية
وهو من وجوه:
أحدها: أن يكون أحد الخبرين موافقا لدليل آخر من كتاب، أو سنة،
أو إجماع، أو قياس، أو عقل، أو حس، أو غيرها من المدارك، والأخر غير موافق لشيء منها،. فالموافق أولى وقد تقدم تقريره.
وثانيها: أن يترك بعض أئمة الصحابة العمل بأحد الخبرين، أو راوي
الخبر، أو أهل المدينة، أو أكثر الأمة، أو عملوا على خلافه، والخبر لا يجوز إخفاؤه عليهم، والآخر ليس كذلك، فالثاني راجح على الأول خلافا لبعضهم كالغزالي في غير أهل المدينة، فإن ما ليس بدليل لا تكون موافقته مرجحه عندهم.
والحق أنه يصلح أن يكون مرجحا وكميته ظاهرة هذا إذا لم يجعل ترك بعض الصحابة أو أهل المدينة الخبر دليلاً على نسخه، أو أنه لا أصل له وهو الحق، وكذا اتفاق الأكثر على مقتضى الخبر لا يجعل إجماعًا، فأما إذا جعل كذلك في الكل فليس هو من هذا القبيل بل هو من باب تقديم الدليل على ما ليس بدليل، وإذا اعتضد كل واحد من الدليلين بغير ما اعتضد به الأخر، لكن ما عضد أحدهما راجح على ما عضده الأخر، فما عضده الراجح راجح على ما ليس كذلك، فعلى هذا لو عملن بكل واحد من الخبرين بعض الأمة لكن أحد البعضين أعرف بمواقع الوحى والتنزيل، وبكيفية الدلالة والتأويل، فما وافقه البعض الذى شأنه ما ذكرنا أولى من الذى ليس كذلك، وكذلك إذا كان كل واحد من الخبرين مؤولا لكن أخد التأويلين بعيد، والآخر قريب، أو دليل تأويل أحدهما راجح على الأخر.
وثالثها: إذا دل أحد الخبرين على الحكم وعلته، والأخر على الحكم فقط
أو على العلة فقط، فما دله على الأمرين راجح على ما دل على أحلى هما، أما بالنسبة إلى الأول فلانه يوجب سرعة الانقياد وسهولة القبول فيحصل حينئذ مطلوب الشارع من تحصيل ذلك الفعل من المكلفين.
وأما بالنسبة إلى الثاني فقط، فلان اقتضاء العلة الحكم يوقف على وجود الشرائط وانتقاه الموانع فلا يحصل ظن الحكم إلا بعد الشرائط وانتفاء الموانع
بخلاف ما إذا كان كل واحد منهما مصرحا به فإنه لا يحتاج إلى هذا النظر فكان أولى.
وأما بالنسبة إليهما، فلان كل واحد من الحكم وعلته مذكور بصراحته في الأول بخلاف الصورتين الباقيتين فكان أولى، وأما إذا كان في أحد. الخبرين الحكم مذكورًا فقط وفى الأخر العلة فقط فالظاهر أن الذى ذكر فيه الحكم أولى أصول العلم بالمقصود وانتفاء وجوب " النظر المذكور فيه وإن كلان الآخر يترجح عليه باقتضاء سرعة الانقياد وسهولة القبول، وما دل على الحكم أو العلة: بجهتين فهو أولى من الذى دل عليه بجهة واحدة، وكذا ما دل على العلة بجهة أقوى من جهة دلالة الأخر عليها.
رابعها: الذى دل على الحكم بصيغة الإخبار أولى من الذي ليس كذلك، والذى دل بخطاب المشافهة راجح على الذى ليس كذلك، هذا بالنسبة إلى المخاطبين، وأما بالنسبة إلى غيرهم: فالذي ليس كذلك أولى، لأن خطاب المشافهة مختص بالحاضرين من وجهين:
أحدهما: من جهة الاسم.
وثانيهما: من جهة خطاب المشافهة وما ليس كذلك يختص بالموجودين من جهة الاسم لا غير فكان أولى.
وخامسها: أن يكون أحد الخبرين مما يجوز أن يتطرق إليه النسخ، أو قد اختلف في جواز تطرقه إليه، والآخر مما لا يجوز أن يتطرق إليه فالثاني أولى لقلة تطرق الاحتمالات المزيلة إليه.
وسادسها: أن يكون أحد الخبرين عامًا قد عمل به في بعض الصور والآخر
عام لم يعمل به في صورة ما، فالعمل بالثاني أولى، لأنه لو لم يعمل به وعمل بالعام الأول لزم تعطيل هذا العام، ولو عمل بالعام الثاني لم يلزم منه تعطيل العام الأول فكان العمل بالعام الثاني أولى.
فإن قلت: العام الذى عمل به قد يغلب على الظن زيادة اعتباره فكان العمل به أولى.
قلت: المحافظة على صون الكلام عن التعطيل أولى من المحافظة على العمل بزيادة الاعتبار فكان العمل بالعام الذى لم يعمل به في صورة أولى. وسابعها: أن يكون أحد الخبرين قد قصد به بيان الحكم الذى وقع النزل فيه والأخر لم يقصد به ذلك ولكن يلزم منه الحكم، فالذي قصد به بيان الحكم أولى.
مثاله: قوله عليه السلام:" أيما إهاب دبغ فقد طهر" ولم يفرق فيه بين ما يؤكل لحمه، وبين ما لا يؤكل لحمه، فدلالة عمومه على طهارة جلد ما لا يؤكل لحمه أولى من دلالة نهيه- عليه السلام عن افتراش جلود السباع على نجاسته، لأنه ما سيق لبيان النجاسة والطهارة، وليس أيضًا من ضرورة النهى عن الافتراش الحكم بالنجاسة لجواز أن ينهى عنه للخيلاء أو لخاصية لا نعقلها.
ومن هذا النوع قوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف} في قوله تعالى: {أو ملكت أيمانكم} فإن دلالة الآية الأولى على تحريم
الجمع بينهما في الوطء سواء كان بملك النكاح أو بملك اليمن أولى من دلالة قوله تعالى "إلا ما ملكت أيمانكم" على جواز الجمع في الوطء بملك اليمين، لأن هذه الآية ما سيقت لبيان حكم الجمع.
وثامنها: إذا كان أحد الخبرين على وفق الاحتياط أو أقرب إليه دون الآخر فالأول أولى، لأنه أقرب إلى تحصيل المصلحة، ودفع المفسدة وهو قريب من الترجيح بكثرة الأدلة.
وتاسعها. إذا كان أحد الخبرين يوجب غضا من منصب الصحابة دون الآخر فالثاني أولى
مثاله: (ما روى من أمر الرسول- عليه السلام الصحابة بإعادة الوضوء عند القهقهة) وما روى الصحابة عنه- عليه السلام (أنه كان يأمرنا إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا إلا من جنابة لكن من بول أو غائط أو نوم " ولم يذكر فيه القهقهة، فكان هذا أولى، إذ ليس فيه ما يوجب غضًا من منصبهم بخلاف ما ذكر من الحديث، فان فيه تجهيلهم ونسبتهم إلى الضحك في الصلاة مع عدم الاستغراق بها.
وعاشرها: إذا تضمن أحد الخبرين إثبات ما ظهر تأثيره في الحكم دون الآخر فالأول أولى.
مثاله (ما روى أن بريرة اعتقت تحت عبد) وروى أنها (اعتقت تحت حر)
فالراوية الأولى أولى، لأن ضرر الرق في الخيار قد ظهر أثره وليس يعقل في الحر.
وحادي عشرها: ما إذا كان أحد الخبرين مقرنًا بتفسير الراوي قولاً كان أو فعلاً دون الأخر، فالمقترن أولى، لأن الراوي للخبر يكون أعرف وأعلم بما
وثاني عشرها: الخبر الذى تلقته الأمة بالقبول أولى من الذى ليس كذلك.
واعلم أن بعض هذه الترجيحات قد تورث ظنا قويا، وبعضها ظنا ضعيفا، فعند التساوي في الكمية ينبغي أن تعتبر الكيفية، فإن تساويا في ذلك أيضا فوجودهما كعدمهما فيطلب ترجيح آخر، وأن اختلفا في ذلك فيجب أن يعمل بالذي يفيد ظنا قويا، وعند الاختلاف فيهما ينبغي أن يقابل ما في أحد الجانبين بالكمية بما في الجانب الأخر من الكيفية فعند ذلك إن حصل ظن من أحد الجانبين أقوى من ظن جانب الأخر عمل به وإلا طلب ترجيح آخر.
الفصل الثالث
في ترجيح القياس بحسب علته
وفيه مسائل