المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الرابعةيجوز التعليل بالحكمة عند قوم.وقال قوم لا يجوز - نهاية الوصول في دراية الأصول - جـ ٨

[الصفي الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابعفي الركن الثالثوهو العلة

- ‌القسم الأول:في الطرق الدالة على كون الوصف علة الحكم

- ‌الفصل الثانيفي إثبات العلية بالمناسبة والإخالةوهي من الطرق العقلية

- ‌المسألة الأولىفي تعريف المناسب:

- ‌المسألة الثانيةاعلم أن الحكم إذا شرع للمناسبة فلابد وأن يكون محصلًا للمصلحة أو دافعًا للمفسدة، أو محصلًا للمصلحة ودافعًا للمفسدة معًا

- ‌المسألة الثالثةفي تقسيم المناسب

- ‌المسألة الرابعةفي أن مناسبة المصلحة تبطل وتحرم بمناسبة مفسدة مساوية أو راجحة، وقال قوم لا تبطل وهو اختيار الإمام

- ‌المسألة الخامسةفي إقامة الدلالة على أن المناسبة دالة على كون الوصف علة الحكم

- ‌الفصل الثالثفي قياس الشبه

- ‌المسألة الأولىفي تعريف ماهيته

- ‌المسألة الثانيةفي إقامة الدلالة على أنه حجة إذا اقترن به الحكم

- ‌المسألة الثالثةذهب بعض أصحابنا أن الوصف الشبهي إذا لم يعرف تأثير عينه في عين الحكم بل عرف تأثير جنسه القريب في الجنس القريب للحكم لا يكون حجة. وخالفه الباقون وهو المختار

- ‌الفصل الرابعفي الدورانويسمى بالطرد والعكس

- ‌الفصل الخامسفي السبر والتقسيم

- ‌الفصل السادسفي الطرد

- ‌الفصل السابعفي تنقيح المناط

- ‌الفصل الثامنفيما ظن أنه من طرق إثبات العلة وليس كذلك

- ‌القسم الثانيمن الطرق الدالة على أن الوصف لا يجوز أن يكون علة الحكم

- ‌الفصل الأولفي النقض

- ‌المسألة الأولىاختلفوا في أن ذلك هل يقدح في علية الوصف أم لا

- ‌المسألة الثانيةالقائلون بأن تخلف الحكم عن الوصف لمانع أو لغير مانع لا يقدح في عليته اتفقوا على أن تخلفه كذلك عن حكمة الوصف لا يقدح في عليته.فأما القائلون بأن تخلفه عن الوصف يقدح في عليته اختلفوا في أن تخلفه عن حكمه المقصودة هل يقدح في عليته أم لا

- ‌المسألة الثالثةالقائلون بتخصيص العلة اختلفوا في أنه هل يجب على المستدل ابتداء التعرض لنفي المانع، أم لا

- ‌المسألة الرابعةالقائلون بعدم تخصيص العلة اختلفوا في النقض إذا كان واردًا على سبيل الاستثناء

- ‌المسألة الخامسةفي الكسروهو نقض يرد على بعض أوصاف العلة

- ‌المسألة السادسةفي كيفية دفع النقض

- ‌الفصل الثانيفي عدم التأثير والعكس

- ‌المسألة الأولىفي معناهما:

- ‌المسألة الثانيةفي أن عدم التأثير يقدح في العلية

- ‌المسألة الثالثةفي أن العكس غير واجب في العلة عقلية كانت أو شرعية

- ‌الفصل الثالثفي القلب

- ‌المسألة الأولىفي حقيقته

- ‌المسألة الثانية

- ‌المسألة الثالثةفي أقسام القلب:

- ‌الفصل الرابعفي القول بالموجب

- ‌الفصل الخامسفي الفرق

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانيةيجوز تعليل الحكم الواحد نوعًا المختلف شخصًا بعلل مختلفة وفاقًا

- ‌المسألة الثالثةالقائلون بكون الفرق يقدح في العلية اختلفوا في أنه هل هو من تمامه ولوازمه نفيه عن الفرع أم لا

- ‌المسألة الرابعة

- ‌القسم الثالثفي أمور ظنت أنها تفسد العلة مع أنها ليست

- ‌المسألة الأولىفي تقسيم العلة

- ‌المسألة الثانيةاختلفوا في جواز التعليل بمحل الحكم، أو جزئه الخاص:

- ‌المسألة الثالثةالحق أنه لا يجوز أن تكون علة الحكم في الأصل بمعني الأمارة

- ‌المسألة الرابعةيجوز التعليل بالحكمة عند قوم.وقال قوم لا يجوز

- ‌المسألة الخامسةذهب جمع إلى جواز التعليل بالعدم ثبوتيا كان الحكم أو عدميا

- ‌المسألة السادسةاختلفوا في جواز تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي:

- ‌المسالة السابعةالتعليل بالأوصاف العرفية

- ‌المسألة الثامنةالتعليل بالوصف المركب جائز عند المعظم، وقال بعضهم لا يجوز

- ‌المسألة التاسعةأطبق الكل على أن العلة المنصوصة أو المجمع عليها يجوز أن تكون قاصرة، وأختلفوا في المستنبطة:

- ‌المسألة العاشرةاتفقوا على التعليل بمجرد الاسم غير جائز

- ‌المسألة الحادية عشرة

- ‌المسألة الثانية عشرةذهب الأكثرون إلى إنه لا يجوز التعليل بالصفات المقدرة، خلافا للأقلين من المتأخرين

- ‌المسألة الثالثة عشرةفي تقسيم العلة باعتبارات أخر غير ما تقدم

- ‌المسألة الرابعة عشرةاعلم أن الاستدلال قد يكون بذات العلة على الحكم، وقد يكون بعلية الحكم للحكم عليه

- ‌المسألة الخامسة عشرةاعلم أن تعليل الحكم العدمي بالوصف الوجودي يسمى تعليلا بالمانع

- ‌خاتمة لهذا القسم بمسائل في أحكام العلة لم يتقدم ذكرها

- ‌المسألة الثانيةالوصف الذي جعل علة الحكم بمعنى الباعث لا شتمالها على الحكمة يجب أن لا يمكن بمثابة يلزم منه إثبات الحكم، أو نفيه مع القطع

- ‌المسألة الثالثةقيل الوصف الذي جعل ضابطا لحكمته يجب أن يكون جامعا للحكمة

- ‌المسألة الرابعةالمشهور أنه لا يجوز تعليل الحكم بعلة متأخرة عنه في الوجود

- ‌المسألة الخامسة: (231/ أ)العلة المستنبطة من الحكم يجب أن لا ترجع إليه بالإبطال، ومعلوم أن ذلك لا يكون إلا في الأصل

- ‌الباب الخامسفي الركن الرابع وهو الفرع

- ‌النوع الخامس عشرفي الاعتراضات [وأجوبتها]

- ‌النوع السادس عشرالكلام في التعادل والتراجيح

- ‌ القسم الأول في التعادل

- ‌المسألة الأولىأطبق الكل على أن تعادل القاطعين المتنافيين عقليين كانا أو نقليين غير جائزة

- ‌المسألة الثانيةالقائلون بجواز هذا التعادل [قالوا: إن وقع هذا التعادل]، للإنسان في عمل نفسه كان حكمه فيه التخيير، أو التساقط والرجوع إلى غيرهما

- ‌المسألة الثالثةالمجتهد إذا نقل عنه قولان كالوجوب والتحريم مثلاً

- ‌القسم الثانيفي التراجيح

- ‌الفصل الأولفي مقدمات التراجيح

- ‌المسالة الأولى: في حد الترجيح

- ‌المسألة الثانيةذهب الأكثرون إلى وجوب العمل بالراجح سواء كان الترجيح معلومًا أو مظنونًا

- ‌المسألة الثالثةلا يتطرق الترجيح إلى الأدلة القطعية

- ‌المسألة الرابعةالمشهور أن العقليات لا يتطرق الترجيح إليها

- ‌المسالة الخامسةذهب الشافعي ومالك- رضي الله عنهما إلى أنه يجوز الترجيح بكثرة الأدلة، خلافًا للحنفية

- ‌المسألة السادسةإذا تعارض دليلان فإن لم يمكن العمل بكل واحد منهما بوجه دون وجه صير إلى الترجيح

- ‌المسألة السابعةإذا تعارض نصان فإما أن يكونا عامين، أو خاصين.أو أحدهما عامًا والآخر خاصًا

- ‌الفصل الثانيفي تراجيح الأخبار

- ‌المسألة الأولىفي ترجيح الخبر بكيفية السند

- ‌المسألة الثانيةفي ترجيح الخبر بكيفية الرواية

- ‌المسألة الثالثةفي الترجيح بحال وروده

- ‌المسألة الرابعةفي ترجيح الخبر باعتبار اللفظ

- ‌المسألة الخامسةفي ترجيح الخبر باعتبار مدلوله وهو الحكم

- ‌المسالة السادسةفي ترجيح الخبر بالأمور الخارجية

- ‌الفصل الثالثفي ترجيح القياس بحسب علته

- ‌المسألة الأولىفي ترجيح القياس بحسب ماهية علته

- ‌المسألة الثانيةفي ترجيح القياس بحسب الدليل الدال على وجود علته

- ‌المسألة الثالثةفي ترجيح القياس بسبب الدليل الدال على علية الوصف في الأصل

- ‌المسألة الرابعةفي ترجيح القياس بسبب وصف العلة

- ‌النوع السابع عشر في الاجتهاد

- ‌ المقدمة:

- ‌الفصل الأولفي المجتهد

- ‌المسألة الأولىاختلفوا في أن الرسول- عليه السلام هل كان يجوز له الاجتهاد فيما لا نص فيه:

- ‌المسألة الثانيةاتفقوا على جواز الاجتهاد بعد الرسول- عليه السلام

- ‌المسأله الثالثةفي شرائط المجتهد

- ‌المسألة الرابعةاختلفوا في أن صفة الاجتهاد هل تحصل في فن دون فن أم لا

- ‌الفصل الثانيفي المجتهد فيه

- ‌المسألة الأولىذهب الجماهير إلى أنه ليس كل مجهد في الأصول مصيبًا

- ‌المسألة الثانيةفي تصويب المجتهدين في الأحكام الشرعية

- ‌النوع الثامن عشرالكلام في المفتي والمستفتي وما فيه الاستفتاء

- ‌الفصل الأول في المفتي

- ‌المسألة الأولىفي المفتي المجتهد إذا أفتى مرة بما أدى إليه اجتهاده، ثم سئل مرة أخرى عن تلك الحادثة بعينها:

- ‌المسألة الثانيةفي أن غير المجتهد هل يجوز له الفتوى بما يحكيه عن الغير من المجتهدين

- ‌المسألة الثالثةالمختار عند الأكثرين أنه يجوز خلو عصر من الأعصار عن الذي يمكن تفويض الفتوى إليه سواء كان مجتهدًا مطلقًا، أو كان مجتهدًا في مذهب المجتهد، ومنع منه الأقلون كالحنابلة

- ‌الفصل الثانيفي المستفتي

- ‌المسألة الأولىيجوز للعامي أن يقلد المجتهدين في مسائل الفروع اجتهادية كانت أو غير اجتهادية

- ‌المسألة الثانيةفي شرائط الاستفتاء

- ‌المسألة الثالثةالرجل الذي تنزل به الواقعة إن كان عاميًا صرفًا جاز له الاستفتاء

- ‌المسألة الرابعةالعامي إذا عمل بفتوى بعض المجتهدين في حكم حادثة وقلده فيه لم يجز له الرجوع عنه إلى حكم آخر في تلك الحادثة بعينها بفتوى غيره إجماعًا

- ‌النوع التاسع عشرالكلام في المدارك التي اختلف المجتهدون في أنها هل هي مدارك للأحكام أم لا

- ‌المسألة الأولىفي أن الأصل في المنافع الإذن، وفى المضار المنع خلافا لبعضهم

- ‌المسألة الثانيةفي استصحاب الحال

- ‌المسألة الثالثةفي أن النافي هل عليه دليل أم لا

- ‌المسألة الرابعةاختلفوا في أن مذهب الصحابي وقوله هل هو حجة على من بعدهم من التابعين أم لا

- ‌المسألة الخامسةفي المصالح المرسلة

- ‌المسألة السادسةفي الاستحسان

- ‌المسألة السابعةاختلفوا في أنه هل يجوز أن يقول الله تعالى لنبي أو لعام: احكم بما شئت، فإنك لا تحكم إلا بالصواب:

- ‌المسألة الثامنةذهب الشافعي رضي الله عنه وأصحابه إلى أنه يجوز الاعتماد في إثبات الأحكام على الأخذ بأقل ما قيل فيه خلافًا لبعضهم

- ‌المسألة التاسعةذهب بعضهم إلى أن الأخذ بأخف القولين واجب على المكلف

- ‌النوع العشرونالكلام في الاستدلال

- ‌المسألة الأولىفي معنى الاستدلال

- ‌المسألة الثانيةفيما يتعلق بالسبب والشرط والمانع

- ‌المسألة الثالثةفي الاستدلال بعدم ما يدل على الحكم على عدم الحكم

- ‌المسألة الرابعةمن جملة طرق الاستدلال والاستقراء

- ‌المسألة الخامسةفي الاستدلال على عدم الحكم

- ‌المسألة السادسةفي الاستدلال على ثبوت الحكم

الفصل: ‌المسألة الرابعةيجوز التعليل بالحكمة عند قوم.وقال قوم لا يجوز

‌المسألة الرابعة

يجوز التعليل بالحكمة عند قوم.

وقال قوم لا يجوز

.

ص: 3494

ومنهم من فصل فقال: إن كانت الحكمة ظاهرة منضبطة بنفسها جاز التعليل بها، وإلا فلا، وهو المختار.

أما الأول فالدليل عليه من وجوه:

أحدها: أنا إذا ظننا أن الحكم في المحل الفلاني إنما ثبت لحكمة كذا، ثم ظننا حصول تلك الحكمة في محل آخر، فإنه يغلب على ظننا ثبوت ذلك الحكم في ذلك المحل الآخر، والعمل بالظن واجب لما سبق، ولا نعني بكون التعليل بالحكمة جائزًا سوي هذا.

ومعلوم أن هذا لا يتأتي إلا إذا كانت الحكمة مضبوطة يمكن معرفة مقاديرها، فإنها إذا كانت غير مضبوطة لا يمكن معرفة مقاديرها فيتعذر حصول الظن بالمقدمتين.

وثانيها: أنا أجمعنا على أن الوصف الحقيقي إنما يكون علة لاشتماله على الحكمة، وإن كانت تلك الحكمة خفية غير منضبطة، فإذن علية الوصف لعلية الحكمة، وهي علة العلة فأولي أن تكون علة الحكم، مقتضي هذا أن يجوز التعليل بالحكمة، وإن كانت خفية، ترك العمل به في الحكمة الخفية المضطربة لخفائها وعدم ضبطها، فوجب أن يجوز التعليل بالحكمة المضبوطة الظاهرة كما يجوز بالوصف الحقيقي بل أولي؛ لأن عليتها بالأصالة وعلية الوصف بالعرض.

وثالثها: أن التعليل بالحكمة جائز عرفًا؛ إذ يقال: إنما أعطي الأمير لدفع

ص: 3495

حاجة الفقير، وإنما فعل كذا لمصلحة كذا، أو لدفع مفسدة كذا فوجب أن يجوز شرعًا للحديث.

وأما الثاني فالدليل عليه من وجهين:

أحدهما: أنه لو جاز التعليل بالحكمة مطلقًا لما جاز التعليل بالوصف لكن ذلك جائز بالإجماع، فوجب أن لا يجوز التعليل بالحكمة مطلقًا، بيان الملازمة: أن العلة بمعني الداعي إلى الحكم، أو المؤثر فيه إما بجعل الشارع مؤثرًا فيه، أو بذاته على اختلاف فيه، أو بمعني المعرف، إنما هو الحكمة، لا الوصف، والعلم بذلك جلي غني عن البيان، فإنه وإن فسرت العلة بالمعرف فلا شك في أنه يعتبر فيها المناسبة وهي بالحكمة، إذ الوصف لا يكون مناسبًا ما لم يعرف اشتماله على الحكمة فالتعليل بالوصف إنما هو لكونه مشتملًا على الحكمة فعليته لعلية/ (216/ أ) الحكمة، فلو جاز التعليل بالحكمة مطلقًا لما جاز التعليل بالوصف، لأن كل ما يقدح في التعليل بالحكمة يقدح في التعليل بالوصف من غير عكس، ضرورة أن القادح في الأصل قادح في الفرع من غير عكس، فالتعليل بالوصف مع إمكان التعليل بالحكمة تكثير لإمكان الغلط من غير حاجة، وزيادة مشقة وحرج على المكلف من حيث أنه يجب عليه البحث عنه والنظر فيه، وكل ذلك ينافي مقتضي حكمة الشارع ونصوصه النافية للحرج والمشقة.

وثانيهما: أن الحكمة إذا كانت خفية مضطربة مختلفة باختلاف الصور والأشخاص، والأزمان، والأحوال، فإنه لا يمكن معرفة ما هو مناط الحكم إلا بالبحث الشديد، والنظر الدقيق، ونحن نعلم بالاستقراء من ذات الشارع رد الناس في مثل هذا إلى المظان الظاهرة الجلية دفعًا للتخبيط، وإزالة

ص: 3496

التغليظ، ونفيًا للحرج والمشقة والعسر والضرر، ألا تري أن المشقة لما لم تنضبط ويختلف الناس باختلاف الأشخاص والأحوال رد الشارع في جواز القصر والفطر بسببها إلى مظنتها في الغالب وهو السفر الطويل، وكذا وجوب الاعتداد لبراءة الرحم منوط بالوطء الذي هو مظنة شغل الرحم بالماء لا بحقيقة الشغل؛ لأن ذلك مما يعسر الاطلاع عليه وأمثاله كثيرة في الشرع.

فإن قلت: لا نزاع في أنه إذا حصل ظن أن الحكم في الأصل معلل بحكمة كذا، وحصل ظن حصول تلك الحكمة في صورة أخري حصل ظن حصول ذلك الحكم في تلك الصورة، لكن لا نسلم إمكان حصول الظنين، وما الدليل عليه؟

ثم الذي يدل على امتناع حصول ذلك هو أن حاصل التعليل بالحكمة راجع إلى التعليل بحاجة تحصيل المصلحة ودفع المفسدة، فالحكم لو كان معللًا بها، فإما أن يكون معللًا بمطلق الحاجة المحصلة، أو الدافعة، أو بالحاجة المخصوصة منها.

والأول باطل وإلا لكان حيث تحقق منه الحاجة تحقق الحكم وهو خلاف الإجماع والاستقراء.

والثاني أيضاً باطل؛ لأن الحاجة أمر باطن خفي فلا يمكن الوقوف على مقاديرها، وامتياز كل واحدة من مراتبها التي لا نهاية لها عن المرتبة الأخرى، وحينئذ يتعذر التعليل بها؛ إذ التعليل بالحاجة المخصوصة يستدعي تعقلها وتميزها عما عداها؛ ضرورة أن التصديق بالشيء مسبوق بتصوره.

ولو سلمنا إمكان حصول الظنين لكن بعسر وحرج أو بدونه، والأول مسلم لكن التكليف بطلب مثله مدفوع بالنصوص النافية للعسر والحرج فلا يجوز التعليل به والثاني ممنوع.

ص: 3497

سلمنا دلالة ما ذكرتم على المطلوب لكنه معارض بوجوه:

أحدها: لو جاز التعليل بالحكمة لوجب طلبها؛ لأن القياس مأمور به على ما عرفت ذلك من قبل، وهو لا يتم بدون وجدان العلة ووجدانها متوقف على الطلب، وما يتوقف عليه المأمور به المطلق وكان مقدورًا للمكلف فهو مأمور به، فيكون طلبها مأمورًا به فيكون طلب الحكمة مأمورًا به، لكن طلبها غير مأمور به؛ لأن الحكمة راجعة إلى الحاجة إلى تحصيل المصالح ودفع المفاسد وهي مما يخفي ويزيد وينقص فلا تكون ظاهرة ولا منضبطة، وما هذا شأنه [لا يعلم] إلا بمشقة شديدة وكلفة كلفة، وما يكون كذلك وجب أن لا يكون مأمورًا به بالنصوص النافية للحرج والمشقة.

وثانيها: أن استقراء أحكام الشرع يدل: على أن الحكم غير معلل بالحكم، بل بالأوصاف المشتملة عليها، بدليل أنا لو فرضنا حصول تلك الحكم بدون تلك الأوصاف [لم تترتب تلك الأحكام عليها، ولو فرضنا حصول تلك الأوصاف] بدون الحكم ترتبت تلك الأحكام عليها، وذلك يدل ظاهرًا على أن الحكم غير معلل بالحكمة.

وثالثها: أن مقتضي الدليل عدم جواز التمسك بالعلة المظنونة؛ لما تقدم آنفًا، ترك ذلك في الأوصاف الجلية المضبوطة لمسيس الحاجة وظهورها، فوجب أن يبقي ما عداها على الأصل.

ورابعها: أن الحكمة متأخرة الحصول عن الحكم ولا شيء من العلة بمتأخر عنه فلا شيء من الحكمة بعلة.

ص: 3498

قلت: قوله: ما الدليل على إمكان حصول الظنين.

قلنا: من الظاهر أن الحكمة إذا كانت ظاهرة مضبوطة كان الظن بحصولها كالظن بحصول الوصف إذا لم يزد الوصف عليها حينئذ بما يوجب سهولة حصول الظن أو العلم به، نعم إذا كانت الحكمة خفية مضطربة كان تحصيل الظن أو العلم بحصولها صعب عسر لا أنه غير ممكن.

وبهذا خرج الجواب عما ذكر من الدلالة على امتناع حصول الظن بها؛ لأنا نمنع أن الحكمة الظاهرة المضبوطة لا يمكن الوقوف عليها، على أن ما ذكر من الدلالة منقوض بالوصف، فإنه لا نزاع في أن المناسبة طريق كون الوصف علة الحكم، والمعني بذلك: أنا نستدل بكون الوصف مشتملًا على [المصلحة على كونه علة فلا يخلو إما أن يكون الدال على عليته اشتماله على] مطلق المصلحة وهو باطل، وإلا لكان كل وصف مشتمل على المصلحة كيف كانت علة لذلك الحكم أو على مصلحة مخصوصة/ (217/ أ) معينة، وحينئذ نقول: لا جائز أن تكون تلك المصلحة بحيث لا يمكن الاطلاع عليها وإلا امتنع الاستدلال بمناسبة الوصف على عليته للحكم لما تقدم أنه لا معني لمناسبة الوصف للحكم إلا اشتماله على المصلحة الملائمة للحكم وثبت أنه لا يجوز أن تكون تلك المصلحة مطلق المصلحة فيتعين أن تكون مصلحة مخصوصة معينة، فلو لم تكن تلك المصلحة بحيث يكون الاطلاع عليها ممكنًا لما أمكن الاستدلال بالوصف المناسب على عليته، وإذا بطل هذا القسم تعين أن تكون تلك المصلحة بحيث يكون الاطلاع عليها ممكنًا، وحينئذ ينتقض الدليل. فظهر بهذا بطلان قولهم: إن الحاجة أمر خفي لا يمكن الوقوف عليها.

وبه خرج الجواب أيضًا عن قوله: إنه وإن أمكن حصول الظنين لكن يعسر حصولهما؛ فإنا نمنع ذلك أولًا لما سبق، وننقضه ثانيًا بما تقدم وهو الجواب

ص: 3499

بعينه عن المعارضة الأولى.

وعن الثانية: نمنع أن الأحكام غير المعللة بالحكم والمصالح؛ وهذا لأن كثيرًا من الأحكام معلل بالحكم وحدها نحو: وجوب التوسط في إقامة الحد بين المهلك وغير الزاجر، ووجوب إقامة التعزير وإساقطه وقدره، وكذا الفرق بين العمل القليل والكثير في الصلاة وكذا الفرق بين الأكل اليسير والكثير ناسيًا في الصوم على رأي وأمثاله كثيرة، نعم التعليل بالأوصاف أكثر؛ لأنها أقرب إلى الضبط والاطلاع عليها أسهل.

وعن الثالثة: ما تقدم غير مرة.

وعن الرابعة: أنها متأخرة عن الحكم في الوجود الخارجي، لا في الوجود الذهني وهي علة فيه؛ لأنها علة بمعني الباعث، وإن فسرت العلة بمعنى المعرف توجه المنع إلى المقدمة الثانية مع ما تقدم

ص: 3500

تنبيه

القائلون بجواز التعليل بالحكمة إذا قيل لهم إن الحكمة مجهولة القدر في غالب الأمر وإن كانت جلية في نفسها، فإن حاجة الإنسان في مبدأ زمان الجوع، دون حاجته في أثنائه وانتهائه، وإذا كان كذلك لم يكن القدر الموجود في الأصل ظاهر الوجود في الفرع فلم يصح القياس لعدم الظن بحصول العلة في الفرع.

فمنهم من أجاب هذا: بأنا نعلل بالقدر المشترك بين الصورتين؛ لأنه حصل في الأصل قدر معين من المصلحة، وفي الفرع قدر معين، وكل مقدارين من نوع واحد لابد وأن يكون بينهما قدر معين مشترك بينهما، وذلك القدر يناسب التعليل به لكونه مصلحة مطلوبة الوجود.

فإذا نقض ذلك عليهم بأن يقال: المصلحة الفلانية مصلحة وحاجة مع إنها غير معتبرة في الحكم.

أجابوا: بأنا إنما عللنا الحكم بالقدر المشترك بين الأصل والفرع ونحن لا نسلم أن ذلك القدر المشترك بينهما حاصل في صورة النقض.

قال الأمام: وهذا ضعيف؛ وذلك لأنه يحتمل أن لا يكون بين القدر المشترك الحاصل في الأصل، والحاصل في الفرع اشتراك إلا في نفس كونه مصلحة، والتعليل بمسمى المصلحة غير ممكن، وإلا لحصل النقض المذكور وأمثاله من المصالح المنفكة عن الحكم.

وأما وجود قدر مشترك زائد على نفس كونه مصلحة فذلك غير معلوم ولا مظنون والتعليل بمثله غير جائز.

ص: 3501