الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو غير مفيد للقطع؛ لأنه يحتمل أن يكون حكم ذلك الجزء بخلاف حكم سائر الجزئيات المستقرات، ولا يلزم ثبوت ذلك الحكم فيه، ولذلك لا يمتنع عقلًا أن يكون حكم بعض الأنواع مخالفًا للنوع الآخر وإن كانا مندرجين تحت قياس واحد.
فإن قلت: القياس التمثيلي حجة عند جميع القائلين بالقياس في الحكم الشرعي وأنه أقل مرتبة من الاستقراء لأنه حكم على جزئي لثبوته على جزئي آخر، بخلاف الاستقراء فإنه حكم على الكلي لثبوته في أكثر الجزئيات وحاصله راجع إلى الحكم على جزئي بثبوته في أكثر الجزئيات لأنه لا يصير حكمًا على الكلي ما لم يثبت في جميع جزئياته وهو بإلحاق الجزئي لم يستقر حكمه بالجزئيات التي استقرت أحكامها، وإذا كان كذلك كان الاستقراء أولى بالحجة من القياس التمثيلي.
قلت: لكن يشترط في إلحاق الجزئي بالجزئي الآخر أن يكون بالجامع الذي هو علة الحكم، ليس الأمر كذلك في الاستقراء بل هو حكم على الكلي بمجرد ثبوته في أكثر جزئياته ولا يمتنع عقلًا أن يكون بعض الأنواع مخالفًا للنوع الآخر في الحكم وإن كانا مندرجين تحت جنس واحد كما تقدم.
المسألة الخامسة
في الاستدلال على عدم الحكم
وهو من وجوه:
أحدها: أن الحكم كان معدومًا في الأزل، وهذا على رأي القائلين بحدوث الحكم ظاهر.
وأما على رأي القائلين بالقدم فصعب اللهم إلا أن يراد من الحكم غير ما تقدم في أول الكتاب نحو أن يقال: المراد منه تعلق الخطاب بفعل المكلف فإن التعلق حادث فيستقيم على رأي من يقول بحدوثه أو كون الشخص مقولًا له: إن لم تفعل هذا الفعل في هذه الساعة أعاقبك، ومن المعلوم بالضرورة أن هذا المعنى لم يكن متحققًا في الأزل فثبت أن الحكم كان معدومًا في الأزل، ولأن المحكوم عليه كان معدومًا في الأزل فوجب أن لا يكون الحكم ثابتًا في الأزل؛ لأن ثبوت الحكم من غير ثبوت المحكوم عليه سفه وعبث وهو غير جائز على الحكيم وذلك يقتضي ظن بقائه على العدم؛ لما بينا أن الأصل في كل شيء دوامه واستمراره والعمل بالظن واجب لما تقدم.
وثانيها: أنه لو ثبت الحكم فإما أن لا يكون لمصلحة، ولا لدفع مفسدة، وهو باطل؛ لأنه عبث وسفه وهو غير جائز على الله تعالى.
أو لمصلحة عائدة إلى الشارع وهو أيضًا باطل لتنزهه عن ذلك.
أو لمصلحة تعود إلى العبد وهو أيضًا باطل؛ لأنه لا معنى للمصلحة إلا اللذة أو ما يكون وسيلة إليها ولا معنى للمفسدة إلا الألم، أو ما يكون وسيلة إليه والله تعالى قادر على تحصيل جميع المصالح ودفع جميع المفاسد من غير واسطة شيء فيكون توسيط شرع الحكم عبثًا ترك العمل به فيما توافقنا على وقوعه فيبقى في المختلف فيه على أصله ولا يخفى أنه مبني على التحسين
والتقبيح.
وثالثها: لو ثبت الحكم فلابد وأن يكون لدلالة أو أمارة وإلا لزم تكليف ما لا يطاق كما سبق وهو محال، والأول أيضًا باطل.
أما أولًا: فبالإجماع إذ الأمة مجمعة على أنه ليس في جميع المسائل الشرعية دلالة قاطعة.
وأما ثانيًا: فلأنه يكون مخالفه عاصيًا وفاسقًا وهو باطل وفاقًا.
والثاني أيضًا باطل؛ لأن اتباع الأمارة اتباع للظن وهو غير جائز لما تقدم غيره مرة ترك [العمل به] في الأحكام المتفقة فيبقى فيما عداه على الأصل، وإذا بطل أن يكون لدلالة أو لأمارة ولا لدلالة ولا لأمارة بطل أن يكون الحكم ثابتًا ضرورة أنه لا يخلو عن هذه الأقسام.
ورابعها: أن هذه الصورة [تفارق الصورة] الفلانية في وصف مناسب فوجب أن تفارقها في الحكم وإلا لزم إلغاء الفارق المناسب وأنه يقدح في أصل العلية وهو باطل باتفاق القائسين.
أو تعليل الحكمين المتماثلين بعلتين مختلفتين، وهو غير جائز؛ لأن إسناد أحد ذينك الحكمين إلى علته إن كان لذاته أو للوازم ذاته لزم أن يكون الحكم الآخر محتاجًا إلى تلك العلة بعينها فوجب أن لا يجوز تعليله بعلة أخرى مخالفة لها.
وإن لم يكن لذاته ولا للوازم ذاته كان لا من مفارق فيكون الحكم في نفسه غنيًا عن تلك العلة والغنى عن الشيء لا يكون معللًا به فوجب في ذلك الحكم أن لا يكون مستندًا إليه هذا خلف.
وفيه نظر من حيث إن المعلول لذاته أو للازم ذاته محتاج إلى مطلق العلة وأما تعين العلة فما هو من جهة المعلول حتى يلزم ما ذكرتم من المحذور بل العلة لما تعينت في نفسها لأسباب توجب ذلك تعين المعلول وحينئذ لا يلزم المحذور المذكور.
وخامسها: لو ثبت الحكم في هذه الصورة لثبت في صورة البعض للمناسبة أو غيرها من الطرق الدالة [على] علية الوصف السالمة عن معارض تخلف الحكم عن ذلك الوصف لأنه حينئذ يكون الحكم ثابتًا في جميع صور البعض على رأي المستدل فله أن يمنع تخلف الحكم لكنه غير ثابت إجماعًا ولا يثبت فيما نحن فيه، ولا يخفى وجه المعارضة في ذلك بأن يقال لو ثبت بالمانع وغيره.
وجوابه: بالترجيح نحو أن الاستدلال بوجود المقتضى أولى من الاستدلال بوجود المانع على العدم لاستلزام ذلك التعارض الذي هو خلاف الأصل.
وسادسها: أن الحكم كان منتفيًا في أوقات متعددة غير متناهية ضرورة أنه كان منتفيًا في الأزل وذلك يوجب حصول ظن الانتفاء في هذه الأوقات المتناهية؛ لأن الأوقات الغير متناهية أكثر من الأوقات المتناهية، والكثرة مظنة الظن.
وسابعها: إن إثبات هذا الحكم يفضي إلى الضرر؛ لأنه إذا دعاه الداعي إلى خلافه فإن اتبعه لزم العقاب، وإن خالفه لزم ترك المراد/ (355/ أ)
وتحمل المشاق فيما يتعلق في فعله وفي مخالفة النفس والضرر منفي للحديث فوجب أن يكون الحكم منتفيًا.
فإن قلت: هذا مختص بالوجوب والتحريم دون الأحكام الباقية كالندب والصحة والفساد.
قلت: ما من حكم تكليفي إلا وفيه نوع من الضرر؛ فإن المندوب مثلًا فيه ضرر الفعل وضرر مخالفة النفس على تقدير الفعل، وعلى تقدير القول ضرر فوت الثواب المرتب عليه، وكذا كون العقد صحيحًا؛ لأنه إذا دعاه الداعي إلى مباشرة ما يخالفه كان مباشرًا للفائت فيترتب عليه العقاب هذا على تقدير الفعل، وعلى تقدير الترك يلزم ضرر ترك المراد وعلى هذا فقس.
وثامنها: إن الحكم إن ثبت بلا دليل لزم تكليف ما لا يطاق، وإن ثبت معه.
فإن كان الدليل قديمًا وكان الحكم ثابتًا معه في الأزل لزم العبث وإلا لزم الخلف.
وإن كان حادثًا والأصل عدمه لأنه كان معدومًا فالأصل استمراره وبقاؤه على ما كان عليه، ولأن كونه دليلًا يتوقف على وجود الذات وعلى وجود وصف كونه دليلًا بخلاف ما إذا لم يكن دليلًا فإنه إما أن لا يتوقف على شيء، أو يتوقف على أمر واحد وما يتوقف على أمرين فإنه مرجوح بالنسبة إلى ما يتوقف على أمر واحد، فكونه دليلًا مرجوح بالنسبة إلى عدم كونه دليلًا، والعمل بالظن واجب فيجب العمل بمقتضى عدم كونه دليلًا.
وتاسعها: أنه لو كان الحكم ثابتًا لاشتهر دليله لأنه مما تعم به البلوى وما شأنه كذلك يجب اشتهار دليله ولما لم يكن كذلك غلب على الظن عدمه.