الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس
في الركن الرابع وهو الفرع
وهو الذي يراد ثبوت الحكم فيه وله شروط:
الشرط الأول: أن تكون العلة الموجودة فيه يجب أن تكون مثل علة حكم الأصل من غير تفاوت -ألبتة -لا في الماهية ولا في القدر، أي في النقصان فأما في الزيادة فقد لا تضر بل تكون أولى بالحكم، كما في قياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف بجامع الإهانة والإخلال بالتعظيم.
وقولنا: "من غير تفاوت في الماهية" جار مجرى التوكيد والتوضيح؛ لأن قولنا: مثل علة حكم الأصل ينبئ عن هذا؛ لأن المثل لا يكن إلا إذا كان غير متفاوت في الماهية، ويندرج تحت ما ذكرنا أيضًا ما إذا قيس نوع على نوع آخر كقياس وجوب القصاص في القطع على وجوب القصاص في القتل بجامع ما يشتركان من الجناية المشتركة بينهما؛ لأن التعدية حينئذ تكون بعلة مثل علة حكم الأصل فإن ما يوجد في الفرع من الجناية المشتركة بينه وبين الأصل يكون مثل الموجودة منها في الأصل.
ويندرج أيضًا تحت قياس العكس لأن تعدية الحكم فيه من الأصل إلى الفرع على تقدير نقيض المدعى فيه إنما هو بعلة مثل علة الأصل.
الثاني: أن يكون/ (232/ أ) حكم الفرع مثل حكم الأصل، إما نوعًا كقياس وجوب القصاص في النفس في صورة القتل بالمثقل على وجوب
القصاص في صورة القتل بالمحدد، أو جنسًا كقياس إثبات ولاية النكاح على الثيب الصغيرة بالقياس على إثبات الولاية في مالها، فإن المماثلة إنما هو في جنس الولاية لا في نوعها، واعتبار هذا القيد على ما ذكرنا في حد القياس ظاهر؛ فإنا ذكرنا فيه أنه إثبات مثل حكم معلوم آخر وهذا لا يتحقق إلا إذا كان حكم الفرع مثل حكم الأصل.
ومنهم من استدل على اشتراطه بأن قال: الأحكام غير مشروعة لذواتها بل لما يترتب عليها من المصالح ومقاصد العباد سواء ظهر المقصود أو لم يظهر.
فإذا كان حكم الفرع مماثلاً لحكم الأصل علمنا أن ما يحصل به من المقصود مثل ما يحصل من حكم الأصل ضرورة اتحاد الوسيلة فيجب إثباته.
وأما إذا كان حكم الفرع مخالفًا لحكم الأصل مع أنها لوسيلة إلى تحصيل المقصود، فإفضاؤه إلى الحكمة المطلوبة يجب أن يكون مخالفًا لإفضاء حكم الأصل إليها إذ المخالفة بينهما في الإفضاء أما أن يكون لزيادة في إفضاء حكم الأصل إليها، أو في إفضاء حكم الفرع.
فإن كان الأول فلا يلزم من شرع الحكم في الأصل رعاية لأصل المقصود وزيادة الإفضاء إليه، شرع الحكم في الفرع تحصيلاً لأصل المقصود [دون زيادة الإفضاء إليه؛ لأن زيادة الإفضاء إلى المقصود] مقصودة في نظر العقلاء وأهل العرف.
وإن كان الثاني فهو ممتنع؛ لأنا أجمعنا على امتناع ثبوت مثل حكم الفرع في الأصل، وعند ذلك فتنصيص الشارع على حكم الأصل دون حكم الفرع يدل على أن حكم الأصل أفضى إلى المقصود من حكم الفرع، وإلا فلو كان
الفرع أفضى إلى المقصود من حكم الأصل لكان أولى بالتنصيص عليه.
وفي هذه الدلالة نظر؛ ذلك لأنا نسلم أنه إذا كان حكم الفرع مماثلاً لحكم الأصل علمنا أن ما يحصل به من المقصود مثل ما يحصل من حكم الأصل لكن لماذا يلزم منه إثبات مثل الحكم؟
فإن قلت: لأن ذلك المقصود مقصود للشارع وهذا الحكم وسيلة إليه فيجب إثباته ليحصل مقصود الشارع.
قلت: نسلم أن ذلك المقصود مقصود للشارع في الجملة لكن قد حصل ذلك حيث حصل في الأصل، فلم قلت أنه مقصود له على وجه التكرر حتى يلزم منه إثبات ما هو وسيلة إليه في غير الأصل، فالحاصل أن ما ذكره راجع إلى الاستدلال بحصول مقاصد [الدلائل على تقدير ثبوت] الوسائل على ثبوتها وهو فاسد؛ لأنه يمكن أن يقال: دفع حاجة الفقير مقصود للشارع من وجوب الزكاة في المال، فبتقدير أن تجب الزكاة في المال ثابتًا يحصل هذا المقصود فوجب أن يجب.
وأيضًا: قوله: مع أنه الوسيلة إلى تحصيل المقصود فإفضاؤه إلى الحكمة المطلوبة يجب أن يكون مخالفًا لإفضاء حكم الأصل إليها.
إن عنى به أنه يكون وسيلة إلى تحصيل مثل مقصود الأصل فهو غير لازم؛ لأن بتقدير أن يكون حكم الفرع مخالفًا لحكم الأصل لا يجب أن يكون وسيلة إلى مثل ذات المقصود.
وإن عنى به: أنه يكون وسيلة إلى تحصيل مقصود من مقاصده، أما مثله، أو مخالفًا لما أن الحكم لا يشرع لا لمقصود فهذا مسلم، لكن التقسيم المرت
على هذا القسم غير منحصر؛ لأنه حينئذ يجوز أن يكون إفضاؤه إلى الحكمة المطلوبة منه [مخالفًا في النوع لإفضاء حكم الأصل إلى الحكمة المطلوبة منه] في الأصل وحينئذ لا تنحصر الأقسام المحتملة على هذا التقدير فيما ذكره من الأمرين؛ لأن بتقدير أن يكون الحكم مخالفًا له في النوع والإفضاء إلى المصلحة أيضًا مخالفًا له في النوع لا يجب أن يكون ذلك إما لزيادة في إفضاء حكم الأصل إليها، أو في إفضاء حكم الفرع إليها؛ لأن ذلك إنما يجب بعد الإيجاد في النوع، أما مع المخالفة في النوعية فلا.
فإن قلت: صريح قولكم هنا يدل على أن كون حكم الفرع مماثلاً لحكم الأصل شرط، وظاهر ما ذكرتم في حد القياس يقتضى أنه ركن فإنكم ذكرتم فيه أنه إثبات مثل حكم معلوم لمعلوم آخر، وإنما يذكر في الحد الأركان دون الشرط، ولأنه لا يتصور القياس بدون هذا القيد، فإنه لو أثبت في الفرع حكم من غير اعتبار ثبوته بمحل آخر لم يكن ذلك من القياس في شيء، وإن أثبت باعتبار ثبوته في محل آخر لزمت المماثلة وإن أثبت فيه حكم باعتبار ثبوت حكم آخر في محل آخر فإن لم يكن ذلك لعلة جامعة بينهما لزم التحكم؛ إذ ليس ثبوت ذلك الحكم فيه أولى من ثبوت حكم آخر فيه باعتبار ثبوته في محل ما وأن كان لجامع؛ إذ الجامع الواحد يجوز أن يكون مثبتًا لحكمين مختلفين على ما تقدم تقريره، فحينئذ ما عرف عليه ذلك الجامع لذينك الحكمين من ذلك المحل قطعًا؛ إذ ليس الحكم الذي أثبت في الفرع مقارن له في ذلك المحل بل بمحل آخر؛ إذ مجرد المناسبة لا يفيد ظن العلية ما لم يقارنها الحكم وهو المعنى من اعتبارها وحينئذ يصير ذلك المحل أصل القياس في الحقيقة وحصلت المماثلة ولو أثبتت عليه وصف في/ (233/ أ) صورة بالمناسبة مع الاقتران أو بالدوران أو بغيرهما ثم أثبت الحكم في صورة النزاع بما ثبت كون ذلك الوصف على من غير إلحاق إلى تلك الصورة بل بقاعدة كلية
بأن يقال: هذا الوصف علة لما ثبت، وكل ما ثبتت العلة فيه يجب ثبوت الحكم فيه: فيجب ثبوت الحكم في هذه الصورة لثبوت العلة فيه، فنحن نمنع أن يكون ذلك قياسًا لما سيأتي، هذا إذا عرفت عليه الجامع بالاستنباط، أما إذا عرفت بالتنصيص فإن كان ذلك في صورة مخصوصة بأن قال: علة هذا الحكم هذا الوصف لزمت المماثلة أيضًا، وإن لم يكن كذلك بل نص على العلية مطلقًا بأن: قال علة الحكم الفلاني الوصف الفلاني فنحن لا نسلم أن إثبات ذلك الحكم في موارد ذلك الوصف قياس؛ وهذا لأن ما نحن فيه وهو قياس الفقهاء قياس تمثيلي، وهذا الذي ذكرتموه من الصورة ليس منه في شيء؛ لأنه ليس فيه إلحاق صورة بصورة بل هو إثبات للحكم في صورة جزئية بقاعدة كلية، وهو قياس المقدمتين والنتيجة فحينئذ كون حكم الفرع مثلا لحكم الأصل ركن في القياس لا شرط.
قلت: لا منافاة بين ما ذكرتم وبين ما ذكرنا؛ فإن ما ذكرنا هو أنه شرط الفرع، وما ذكرناه من التحديد وما ذكرتم من الدلالة يقتضى أن يكون ركنًا في القياس، ولا امتناع في أن يكون الشيء ركنًا لمجموع ويكون شرطًا لبعض أجزائه كقراءة الفاتحة فإنها ركن في الصلاة، وشرط لصحة القيام، وكذلك التشهد بالنسبة إلى القعود بل أركان الصلاة كلها بهذه المثابة فإن بعضها شرط لصحة بعضها بمعنى أن صحة بعضها لا يوجد بدون صحة البعض الآخر.
الشرط الثالث: أن يكون خاليًا عن معارض راجح يقتضى نقيض ما اقتضته علة القياس، وهذا على رأى من يجوز تخصيص العلة، فأما من لم يجوز ذلك فلا يتصور اعتباره على رأيه، وهذا في الحقيقة ليس شرطًا للفرع الذي يقاس بل للفرع الذي يثبت فيه الحكم بمقتضى القياس.
الرابع: أن لا يكون حكم الفرع منصوصًا عليه، وهذا ظاهر إذا كان ذلك
الحكم المنصوص عليه على خلاف القياس وإلا لزم تقديم القياس على النص وهو ممتنع، فأما إذا كان على موافقته، فإما أن يكون النص الدال على ثبوت حكم الفرع بعينه الذي دل على حكم الأصل أو غيره.
فإن كان الأول فالقياس ينبغي أن يكون باطلاً أيضًا؛ لأنه ليس جعل تلك الصورة أصلاً والأخرى فرعًا أولى من العكس؛ لأن نسبة دلالة النص على حكمها على السواء؛ لأن التمسك به مستدرك؛ لأنه لا يفيد فائدة زائدة أصلاً، ولأنه جار مجرى إثبات حكم الأصل بالعلة المستنبطة فيكون إثباتًا للأصل بالفرع، فإن العلة في محل النص فرع والحكم أصل على ما تقدم بيانه.
وأما إذا كان غيره فالقياس جائز فيه عند الأكثرين؛ لأن ترادف الأدلة على المدلول الواحد جائز لإفادة زيادة الظن بخلاف ما إذا كان النص الدال على حكم الأصل والفرع واحد فإن القياس في هذه الصورة لا يفيد زيادة الظن أصلاً؛ لأن العلة المستنبطة من الحكم الذي هو ثابت في الأصل والفرع بمقتضى نص واحد على حد سواء فرعه فلا يفوته؛ لأن الفرع لا يؤكد أصله، بخلاف ما إذا كان النص الدال على حكميهما متغايرين فإن العلة المستنبطة من حكم الأصل ما هي فرع الحكم الثابت في الفرع لنصه.
ومنع بعضهم من قياس المنصوص عليه مطلقًا محتجين بقصة معاذ رضي الله عنه -فإنها تدل على مشروعيته عند فقدان النص، وتدل على عدم مشروعيته عند وجدان النص؛ لأن الحكم في حديث معاذ رضي الله عنه -معلق بكلمة إن، وقد ثبت أن المعلق بكلمة إن عدم عند عدمه، فدل على أن الحكم بالقياس عند وجدان النص غير جائز، وبأن الدليل ينفي العمل
بالقياس لما سبق غيره مرة، ترك العمل به في صورة فقدان النص للضرورة فيبقى ما عداه على الأصل، وبالقياس على ما إذا كان حكم الفرع المنصوص عليه مخالفًا أو موافقًا لكنه ثابت بنص واحد.
وجوابه الأول: بمنع أن مفهومه الشرط حجة، وهذا لا يستقيم على رأينا.
سلمناه لكن المراد منه وجوب الحكم بقرينة توليته القضاء، وبقرينة قوله:(فإن لم تجد في كتاب الله، قال: فبسنة رسوله) فإن الحكم بالسنة جائز مطلقًا سواء وجد في الكتاب ما يدل عليه أو لم يوجد، وبالإجماع، وحينئذ لا يبقى فيه دلالة على المطلوب؛ لأن النزاع إنما هو في الجواز لا في الوجوب، ونحن نقول: إن وجوب الحكم بالقياس مشروط بعدم وجدان النص، فأما عند وجوده لا يجب الحكم بالقياس عندنا وإنما هو جائز فليس فيه دلالة على المطلوب.
سلمنا إطلاقه لكنه يدل عليه بطرق المفهوم وهو ضعيف بالنسبة إلى دلالة المنطوق، ودلالة المعقول، فوجب ترجح دلالة عموم قوله تعالى:{فاعتبروا} ودلالة ما ذكرنا من المعقول هنا، والذي ذكر على أن القياس حجة/ (234/ أ) عليه.
وعن الثاني: ما سبق غير مرة.
وعن الثالث: بالفرق أما بينه وبينما إذا كان الحكم مخالفًا فظاهر وأما بينه وبين الصورة الثانية فما تقدم من الإشارة إليه والكلام في شرطية هذا ما تقدم فيما قبله.
الخامس: أن لا يكون الحكم في الفرع ثابتًا [قبل الأصل؛ لأنه لو كان
كذلك للزم أن يكون الحكم في الفرع ثابتًا] بلا دليل؛ ضرورة أن دليله إنما هو القياس على ذلك الأصل فقط؛ إذ الكلام مفروض في فرع شأنه هذا وهو ممتنع، أما إذا كان على حكم الفرع دليل آخر وذكر ذلك على سبيل الإلزام على الخصم فلا يمتنع ذلك.
وشرط بعضهم كأبى هاشم واتباعه أن الحكم في الفرع يجب أن يكون معلومًا بالنص في الجملة لا تفصيلاً والمطلوب [بالقياس تفصيله فلولا العلم بورود ميراث الجد] وإلا لما جاز استعمال القياس في توريثه مع الإخوة، وهو باطل.
أما أولاً: فلأن أدلة القياس تنفيه.
وأما ثانيًا: فلأن الصحابة قاسوا "أنت على حرام" على الطلاق واليمين، والظهار، ولم يوجد في ذلك نص يدل على الحكم لا جملة ولا تفصيلاً.
خاتمة
لهذا النوع في بيان أنواع الأقيسة وأصنافها وإن تقدم ذكر بعضها.
وبيانها بتقسيمات:
القسمة الأولى: القياس إما أن يكون بذكر الجامع، أو بإلغاء الفارق، فإن كان الأول فذلك الجامع إن كان هو العلة فهو المسمى بقياس العلة سمى بذلك لكون المذكور في الجمع بين الأصل والفرع نفس العلة.
مثاله. قولنا في القتل بالمثقل: قتل عمد عدوان فيجب في القصاص كما في صورة الجارح، وإن كان الجامع وصفًا لازمًا من لوازم العلة، أو أثرًا من آثارها، أو حكمًا من أحكامها فهو المسمى بقياس الدلالة، سمى بذلك لكون المذكور في الجمع بينهما دليل العلة لا نفسها.
مثال الأول: قياس تحريم النبيذ [على] تحريم الخمر بجامع الرائحة الفائحة الملازمة للشدة المطربة، وهي ليست نفس العلة بل هي لازمة من لوازمها.
مثال الثاني: كقولنا في القتل بالمثقل: قتل أثم به صاحبه من حيث كونه قتلاً، فوجب فيه القصاص كما في الجارح فكونه أثم به ليس هو نفس العلة بل هو أثر من آثارها.
مثال الثالث: كقولنا في مسألة قطع الأيدي باليد الواحدة: إنه قطع موجب لوجب الدية عليهم [فيكون موجبًا لوجوب القصاص] عليهم كما لو قتل جماعة واحدًا فوجب الدية على المباشر ليس نفس العلة الموجبة للقصاص بل هو حكم من أحكام العلة الموجبة للقصاص بدليل أطرادها وانعكاسها، كما في القتل العمد العدوان والقتل الخطأ، وشبه العمد فإلحاق صورة القطع بالقتل في وجوب القصاص بجامع ما يشتركان فيه من وجوب الدية على القاتل يكون من باب قياس الدلالة.
ومن هذا الباب الاستدلال على الشيء بآثاره وخواصه وإن لم يعقل هناك علة كقولنا في الوتر: صلاة تؤدى على الراحلة من غير أذان ولا إقامة فلا يكون فرضًا كسائر النوافل.
وإن كان الثاني فهو المسمى بالقياس في معنى الأصل [كإلحاق البول في الكوز وصبه في الماء الدائم بالبول فيه في النهى] عنه وقد سبق أنه يسمى بتنقيح المناط أيضًا.
القسمة الثانية: القياس ينقسم إلى مؤثر، وملائم.
أما المؤثر فإنه يطلق باعتبارين.
أحدها: ما أثر عين الوصف في عين الحكم، أو في جنسه، أو جنس الوصف في عين الحكم.
وثانيهما: ما كانت العلة فيه منصوصة بالتصريح، أو الإيماء أو مجمعًا، ولا يخفى عليك أن بين التفسيرين عمومًا وخصوصًا من وجه دون وجه.
وأما الملائم، فهو: ما أثر جنس الوصف في جنس الحكم.
ومنهم من قال: الملائم أقسام ثلاثة، هذا [وما أثر عين الوصف في جنس الحكم، أو جنس الوصف في عين الحكم والمؤثر قسم واحد وهو] ما أثر عين الوصف في عين الحكم وقد سبق بعض هذا.
القسمة الثالثة: القياس ينقسم إلى: ما يكون ثبوت الحكم في الفرع مساويًا لثبوته في الأصل ويسمى بالقياس في معنى الأصل وقد سبق مثاله.
وإلى ما لا يكون كذلك، وهو ينقسم إلى قسمين؛ لأنه إما أن يكون ثبوت الحكم في الفرع أولى من الأصل، أو لا يكون كذلك بل يكون أدنى، والأول يسمى بالقياس بالطريق الأولى سواء كان قطعيًا أو ظنيًا على ما سبق مثالهما.
والثاني يسمى بالقياس مطلقًا من غير تقييد.
ولذلك اختلف في كون القسمين السابقين قياسًا أم لا، بخلاف هذا القسم فإنه أطبق الكل على كونه قياسًا.
مثاله: كقياس تحريم النبيذ على تحريم الخمر، وكقياس سائر المطعومات على الأشياء الستة.
وقد ينقسم القياس إلى جلى. وإلى خفي.
فالجلى القسمان الأولان وما كانت العلة فيه منصوصه.
والخفى القسم الثالث وقد تقدم للجلى والخفى تفاسير أخرى في باب التخصيص بعضها مضاف للمذكور هنا، وبعضه مخالف له.
القسمة الرابعة: القياس إما أن تكون العلة فيه منصوصة، أو مستنبطة فالأول يسمى بالقياس المنصوص [عليه.
والثاني لا يخلو إما أن يكون طريق استنباطها المناسبة] والإخالة أو السير
والتقسيم، [أو الشبه، أو/ (235/ أ) الطرد والعكس أو الطرد فقط.
فالأول يسمى قياس المناسبة وقياس الإخالة.
والثاني يسمى قياس السبر والتقسيم]
والثالث يسمى بقياس الشبه.
والرابع قياس الدوران والاطراد والانعكاس.
والخامس يسمى بالقياس الطردي.
القسمة الخامسة: القياس ينقسم إلى قياس التلازم، وإلى غيره.
فالأول هو الذي صرح فيه بصيغة الشرطية، كقولنا: لو وجبت الزكاة في حلى البالغة لوجبت في حلى الصبية؛ لأن وجوب الزكاة في حلى البالغة إنما كان لدفع حاجة الفقير، أو لصيانة المال للمناسبة والاقتران، وهذا المعنى بعينه حاصل في صورة النقض فيلزم من الوجوب في صورة النزاع الوجوب فيها، لكن اللازم منتف فيلزم انتفاء الملزوم.
وقال الإمام: "يمكن أن يعبر قياس التلازم بعبارة أخرى أشد تلخيصًا من الذي تقدم، وهي أن يقال: ثبوت الحكم في الفرع يفضى إلى محذور، فوجب أن لا يثبت دفعًا للمحذور؛ وإنما قلنا ذلك؛ لأنه لو ثبت الحكم في الفرع فأما أن يكون الحكم [معللاً] بالمشترك بينه وبين النقض أو لا يكون معللاً به بل بغيره؛ إذ لا يجوز أن لا يكون معللاً أصلاً وإلا لما صح القياس؛ إذ القياس فرع تعليل الحكم.
فإن كان الأول لزم النقض، إذ المشترك موجود في صورة النقض والحكم غير حاصل فيه.
وإن كان الثاني لزم النقض أيضًا؛ فإن المناسبة مع الاقتران دليل العلية فحصولهما بدون العلية يوجب النقض.
وفي كون هذا أشد تلخيصًا من الأول نظر.
والثاني هو الذي لم يصرح فيه بصيغته وأقسامه قد عرف مما تقدم.
القسمة السادسة: القياس ينقسم إلى ما يكون الحكم في الأصل المقيس عليه ثابتًا بعلتين مختلفتين كعدم وجوب الزكاة في حلى الصبية حين يقاس عليه حلى البالغة، فيقال: حلى معد لاستعمال أمر مباح، فلا يجب فيه الزكاة كحلى الصبية، أو لا يكون كذلك كما لو قيس الحلى المتنازع فيه على ثياب البذلة والمهنة وعبيد الخدمة.
والأول يسمى بالقياس المركب لثبوت الحكم فيه بعلتين مختلفتين، فالحكم وإن كان ثابتًا في نفس الأمر بواحدة منهما عند كل واحد من المجتهدين لكن الاتفاق عليه ما حصل إلا بمجموعهما، فلعله سمى مركبًا بهذا الاعتبار وهو يكون في النفي تارة كما سبق وهو الأكثر، وفي الإثبات أخرى كقولنا في ولاية الإجبار على البكر البالغة: بكر فوجب أن يثبت عليها ولاية الإجبار كما في البكر الصغيرة.
واختلفت في حجيته فالأكثرون على أنه ليس بحجة؛ لأنه لا يجدي نفعًا؛ إذ الخصم يسلم أن الحكم في الأصل ثابت لكن يمنع أن يكون ثابتًا بالموجود في الفرع بل بالمختص بالأصل، فحينئذ يحتاج المستدل إلى أن يثبت عليته بالمناسبة والاقتران أو بغيرهما من الطرق، وهو انتقال مسألة إلى أخرى وهو أيضًا بعينه موجود في علة الخصم فإن بين ذلك في صورة أخرى لا يتأتى للخصم فيها مثله فليقس عليه لئلا يطول الكلام من غير فائدة.