الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة
في تقسيم المناسب
.
وهو من وجوه:
أحدها: أن المناسب إما حقيقي، وإما إقناعي، ويظهر لك معنى الحقيقي عند تفسيرنا الإقناعي إذ قيل: بضدها تتبين الأشياء.
والحقيقي إما لمصلحة تتعلق بالدنيا، أو لمصلحة تتعلق بالآخرة أولهما.
أما الأول فهو على أقسام: وذلك لأن رعاية تلك المصلحة، إما أن تكون في محل الضرورة أو لا تكون، والتي لا تكون في محل الضرورة فإما أن تكون تابعة ومكملة للتي في محل الضرورة [أو لا تكون، والتي لا تكون مكملة للتي في محل الضرورة] فإما أن تكون في محل الحاجة أو لا تكون في محل الحاجة، والتي لا تكون في محل الحاجة فإما أن تكون مكملة للتي في محل الحاجة [أو لا تكون كذلك بل هي جارية مجرى التحسينات والتزيينات، وهي إما أن تكون على] خلاف قاعدة معتبرة أو لا، فهذه أقسام ستة:
أولها: التي في محل الضرورة، وهي التي تتضمن حفظ مقصود من المقاصد الخمس التي لا تختلف فيها الشرائع والملل بل هي مطبقة على حفظها
ورعايتها وهي الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والنسب والمال.
أما الدين فقط حفظ بشرع قتل المرتد، وقتال الكفار، وكون الذمي لا يقتل ولا يقاتل لا يخل بهذا المقصود؛ لأنه استسلم لأحكام الشرع فليس له دعوة باطنًا، ولا شوكة ظاهرًا يفسد على الناس دينهم بخلاف الحربى.
وأما النفس فقد حفظت بشرع القصاص قال الله تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} .
وأما العقل فقد حفظ بتحريم المسكر وترتيب الحد على شربه/ (173/ أ)
وأما النسل والنسب فقد حفظ بتحريم اللواط والزنا، وشرع الحد والعقوبة على فعليهما؛ إذ المزاحمة على الأبضاع تفضي إلى اختلاط الأنساب، المفضي إلى انقطاع التعهد عن الأولاد المفضي إلى إهلاكهم.
وأما المال فقد حفظ بتحريم الغصب والاختلاس والسرقة وشرع الزواجر والحد على تعاطيها، فهذه الخمسة هي المصالح الضرورية التي هي أعلى مراتب المصالح والمناسبات.
وثانيها: التي تكون مكملة للضرورية، وذلك كالمبالغة في حفظ الدين
بتحريم البدعة، وعقوبة المبتدع الداعي إليها، وكالمبالغة في حفظ العقل بتحريم شرب قليل المسكر وترتيب الحد عليه، وكالمبالغة في حفظ النسب والنسل بتحريم النظر والمس وترتيب الزجر على ذلك.
وثالثها: التي تكون في محل الحاجة فكتمكين الولي من تزويج الصغيرة؛ فإن مصالح النكاح غير ضرورية لها في الحال لكن الحاجة داعية إلى ذلك، إذ الكفء الموافق لا يوجد في كل حال، فلو لم يقيده بالنكاح فربما فات لا إلى بدل عند الحاجة إليه، ومثلا تجويز البيع والإجارة وغيرهما في عموم الأحوال وإن كان منه ما ينتهي إلى حد الضرورة كتمكين الولي من شراء الطعام والملبوس للصغير الذي في معرض التلف من الجوع والبرد وكتمكينه من استئجار المرضعة له.
ورابعها: التي تكون مكملة للتي في محل الحاجة وهي كرعاية الكفاءة، ومهر المثل في تزويج الصغيرة، فإنه أفضى إلى دوام النكاح وتكميل مقاصده، وإن كان أصل الحاجة حاصلة بدون ذلك.
وخامسها: التي تكون جارية مجرى التحسينات من غير أن تعارضها قاعدة معتبرة كتحريم تناول المستخبثات، وسلب أهلية الشهادة عن العبيد.
أما الأول: فلأن تناولها من جملة المستقبحات فيكون اجتنابها من المستحسنات، وتحريمها مما يفضى إلى الاجتناب فيكون من المستحسنات.
وأما الثاني: فلأن العبد نازل القدر، وضيع المنزلة على ما لا يخفي
تعليل ذلك، والشهادة منصب شريف فلا يليق بحاله جريًا على ما اعتاده الناس من محاسن العادات فإنهم يرون إثبات المنصب الشريف لو ضيع الحال من قبيح التصرفات.
وأما سلب ولايته على من يلي أمره لو كان حرًا فليس من هذا القبيل، بل هو من قبيل الحاجات لمناسبة المصلحة؛ إذ الولاية عليه تستدعي الفراغ والخلو عن الأشغال حتى يتفرغ للنظر في حاله وقضاء مهماته في غالب الأوقات، والعبد غير متفرغ لذلك لاشتغاله بخدمة السيد، ولو فرض الخلو عنها في أكثر الأوقات فإنه لا يناسب الإثبات أيضًا؛ إذ لا يؤمن عن ذلك في كل وقت لما أنه تحت تسخيره في كل وقت بخلاف الشهادة فإنها لا تتفق في غالب الأوقات بل في نادره.
وسادسها: التي من قبيل التحسينات لكنها تعارضها قاعدة معتبرة وهي "كالكتابة" فإنها وإن كانت مستحسنة في العادات ومعدودة من المكرمات لكنها في الحقيقة بيع الرجل ما له بماله وهو غير معقول.
وأما القسم الثاني: فهو ما يتعلق بالمصالح الأخروية، وهي المصالح التي يحصل برعايتها تزكية النفوس عن الرذائل، وتحليتها بالفضائل، وتهذيب الأخلاق، وحصول الثواب ودفع العقاب في الدار الآخرة.
وأما القسم الثالث وهو ما يتعلق بالمصالح الدنيوية والأخروية معًا، فهي التي يحصل برعايتها بعض ما تقدم من مصالح الدنيوية والأخروية كإيجاب الكفارات، فإنه يحصل به الزجر عن تعاطي تلك الأفعال التي بسببها وجبت الكفارات، ويحصل تكفير الذنوب، وتلافى التقصير الذي حصل له من
فعلها
ثم اعلم أنه قد يقع في كل قسم من هذه الأقسام ما يظهر كونه منه، وقد يقع فيه ما لا يظهر كونه منه.
أما الأول فهو كوجوب القصاص بالقتل بالمثقل، فإنه يظهر أنه من قبيل المصلحة الضرورية في حفظ النفوس؛ لأنه لو لم يوجب القصاص به لما حصل حفظ النفوس وأن شرع القصاص في المحدد؛ لأن كل من يريد أن يقتل انسانًا فإنه يعدل عن المحدد الى المثقل، دفعًا للقصاص عن نفسه؛ إذ ليس في المثقل زيادة مؤنة ليست في المحدد حتى يمكن أن يقال إنه لا يكثر به القتل بسبب تلك المؤنة كما يكثر في المحدد فعدم وجوب القصاص فيه لا يفضى الى الهرج والمرج كما في المحدد بل كان المثقل أسهل من المحدد لوجوده من غير عوض، فكل شرع روعي فيه حفظ النفوس لا يجوز أن يخلو عن وجوب القصاص بالمثقل.
وأما الثاني فهو ما لا يظهر كونه من ذلك القسم، وهذا ينقسم إلى ما يظهر منه أنه ليس من ذلك القسم [وإلى ما لا يظهر منه ذلك أيضًا بل يتساوى فيه الأمران أعنى كونه من ذلك القسم] أو ليس منه.
أما الأول: فهو كإيجاب القصاص بالقتل بغرز الإبرة في غير مقتل بحيث لا يعقب ألمًا وورمًا ظاهرًا، فإنه يظهر منه أنه ليس من قبيل رعاية المصالح الضرورية؛ إذ لا يفضى ذلك إلى إهدار النفوس إلا على الندور فلم يكن إيجاب القصاص فيه من قبيل رعاية المصالح الضرورية في حفظ النفوس.
وأما الثاني/ (174/أ) فهو كإيجاب قطع الأيدي باليد الواحدة فإنه
يحتمل أن يكون من قبيل رعاية المصلحة الضرورية؛ إذ لو لم يوجب ذلك لأدى الأمر إلى أن كل من أراد قطع يد إنسان استعان بشريك، ليدفع عن نفسه القصاص وحينئذ تبطل فائدة شرعية القصاص.
ويحتمل أن لا يكون منه؛ لأنه يحتاج فيه إلى أن يشاركه فيه غيره والظاهر من حال ذلك الغير أن لا يساعده عليه فلم تكن المصلحة في وجوب القصاص ها هنا كالمصلحة في وجوب القصاص في المنفرد.
وأما المناسب الإقناعي فهو الذي يظهر منه في بادئ الأمر أنه مناسب لكن إذا بحث عنه حق البحث يظهر أنه غير مناسب.
مثاله: ما يقوله أصحابنا في عدم جواز بيع الكلب والسرقين، قياسًا على الخمر والميتة والعذرة: إن كون الشيء نجسًا يناسب إذلاله ومقابلته بالمال في البيع إعزاز له فالجمع بينهما متناقض، فإذا كان هذا الوصف يناسب عدم جواز البيع، وقد اقترن هذا الحكم به في المقيس عليه وجب أن يكون هذا الوصف علة لعدم جواز البيع؛ لأن المناسبة مع الاقتران دليل العلية، ثم
ثم الوصف حاصل في الفرع فوجب أن لا يجوز البيع، فهذا وإن كان يظهر منه المناسبة في أول الأمر، لكنه عند حصول إمعان النظر فيه يظهر أنه ليس كذلك؛ إذ لا معنى لكون الشيء نجسًا إلا أنه لا تجوز الصلاة معه، ولا مناسبة بين هذا المعنى وبين عدم جواز البيع.
وثانيها: الوصف المناسب بحسب شهادة الشرع لاعتباره وعدم اعتباره ينقسم إلي ثلاثة أقسام:
وذلك لأنه إما أن يعلم أن الشارع اعتبره أو لا يعلم ذلك، وحينئذ إما أن يعلم أنه ألغاه أو لا يعلم واحد منهما.
وأما الأول فهو على أقسام:
وذلك لأنه إما أن يعلم أنه اعتبره الشارع بخصوص وصفه، أو بعموم وصفه، أو بهما معًا.
وعلى التقديرات الثلاثة فإما أن يكون في عين الحكم، أو في جنسه أو فيهما معًا، فإذا ضربت الثلاثة الأول في الثلاثة الأخيرة حصلت أقسام تسعة فهذه الأقسام بحسب القسمة العقلية، وأما الواقع منها في الشرع فإنما هو أقسام خمسة هي:
أولها: ما عرف اعتباره في الشرع بخصوص الوصف في خصوص الحكم، وبعموم الوصف في عموم الحكم، وهو كقياس القتل بالمثقل على الجارح في وجوب القصاص بجامع كونه قتلًا عمدًا عدوانًا، وأنه قد عرف تأثير خصوص كونه قتلًا عمدًا عدوانًا في خصوص الحكم، وهو وجوب القصاص في النفس في المحدد، وعرف تأثير جنسه وهو عموم كونه جناية على المحل المعصوم في عموم الحكم وهو وجوب القصاص كما في الأطراف،
وهذا القسم يسمى بالمناسب الملائم وهو متفق عليه بين القائسين.
وثانيها: ما عرف اعتباره بخصوص كونه وصفًا في خصوص الحكم وهو كقياس تحريم النبيذ على تحريم الخمر بجامع كونها مسكرة، فإنه عرف تأثير. وصف الإسكار في التحريم في الخمر، ولم يعرف تأثيره في جنس الحكم، ولا تأثير جنسه في عين الحكم، ولا تأثير جنسه في جنسه.
ولا يخفي عليك أن انتفاء هذه الأقسام تارة بانتفاء التأثير، وتارة بانتفاء الجنسية، وهذا القسم يسمي بالمناسب الغير الملائم، وبالمناسب الغريب، وهذا على تقدير أن لا يرد فيه نص ولا إيماء دال على كون السكر علة التحريم فأما على تقدير ورود ذلك خرج هذا عن أن يكون من هذا القسم إذ عرفت عليته حينئذ بالنص أو بالإيماء لا بالمناسبة، وهذا القسم مختلف فيه بين القائسين:
فمنهم من أنكر العمل به.
ومنهم من اعترف به وهو الأولي؛ لأنه يفيد ظن العلية؛ إذ لا تفاوت بين السكر وبين الحرمتين، واختلاف المحل لا مدخل له في الحكم ظاهرًا فأينما ثبت السكر ثبت التحريم، ولأن الحكم لا بد له من علة إذ الحكم بلا علة إما ممتنع عقلًا أو عادةً- على اختلاف المذهبين- وتلك العلة إما ظاهرة لنا أو غير ظاهرة لنا، الثاني باطل؛ لأنه يلزم منه كون ذلك الحكم تعبديًا وهو خلاف الأصل وفاقًا، فيتعين الثاني، ولزم منه أن يكون ذلك الوصف علة لذلك الحكم وهو المطلوب.
وثالثها: ما عرف اعتباره بخصوص كونه وصفًا في عموم الحكم، وهو
كقياس تقديم الأخوة من الأب والأم على الأخوة من الأب في النكاح على تقديمهم عليهم في الإرث والصلاة، فإن الأخوة من الأب والأم نوع واحد في الصورتين ولم يعرف تأثيره في التقديم في ولاية النكاح لكن عرف تأثيره في جنسه وهو التقديم عليهم فيما يثبت لكل واحد منهما عند عدم الآخر كما في الإرث والصلاة.
وهذا القسم دون الثاني؛ لأن الاختلاف بين الخاصين أقل من الاختلاف بين الخاص والعام، فكان ظن العلية في الأول أكثر.
ورابعها: عكسه وهو ما عرف اعتباره بعموم الوصفية في خصوص الحكم، وهو كقياس إسقاط القضاء عن الحائض على إسقاط قضاء الركعتين الساقطتين عن المسافر تعليلًا بالمشقة، والمشقة جنس وإسقاط قضاء الصلاة/ (175/ أ) نوع واحد يشتمل على صنفين، إسقاط قضاء الكل وإسقاط قضاء البعض، وقد ظهر تأثيرها في هذا النوع ضرورة تأثيرها في إسقاط قضاء الركعتين.
وهذا القسم والثالث متقاربان لكن الثالث أولي؛ لأن الإبهام في العلة أكثر محذورًا من الإبهام في المعلول.
وخامسها: ما عرف اعتبار جنس الوصف في جنس الحكم وهو كتعليل [كون] حد الشرب ثمانين بأنه مظنة القذف ضرورة أنه مظنة الافتراء فوجب أن يقام مقامه قياسًا على الخلوة، فإنها لما كانت مظنة الوطء، أقيمت
مقامه في الحرمة فكذا ما نحن فيه، والجامع كون كل واحد منهما مظنة.
ثم قد عرف أن الجنس ينقسم إلى عال ليس فوقه جنس، وإلي متوسط فوقه وتحته جنس، وإلي سافل ليس تحته جنس وفوقه جنس [فأعم أوصاف الوصف هو كونه وصفًا يناط به الحكم فيندرج تحته المناسب وغيره وأخص منه المناسب] فيخرج منه غيره، وأخص منه الضروري فيخرج منه ما ليس بضروري، وأخص من الضروري في حفظ الدين أو النفس فيخرج منه ما عداه، وأعم أوصاف الحكم هو كونه حكمًا شرعيًا، وأخص منه كونه واجبًا أو ندبًا أو محرمًا، وأخص منه كونه عبادة وغيرها، وأخص منها كونه صلاة وغيرها، وأخص منها الفرض والنقل هكذا وقع في كلام بعضهم، ولا يستقيم ذلك إلا إذا حمل الخصوص على الخصوص من وجه دون وجه، وإلا لزم حصول الوجوب في صلاة النفل ضرورة أن العام حاصل في الخاص وهو ممتنع.
ثم كل ما كان الخصوص فيه أكثر من جهة الوصف والحكم من هذه المراتب كان ظن كونه معتبرًا في ذلك الحكم أكثر.
وأما القسم الثاني وهو المناسب الذي يعلم أن الشارع ألغاه فهو كقول بعض العلماء لبعض الملوك لما سأله عما ذا يجب عليه وقد أفطر في نهار رمضان بالوقاع عمدًا؟ يجب عليك صوم شهرين متتابعين. فقيل له: أليس أن هذه الكفارة مرتبة أولها العتق فهلا أمرته بذلك مع سعة قدرته عليه؟ فقال: لو أمرته بذلك لهان عليه الأمر فربما كان لا ينزجر عن ذلك، وأقدم
على مثله مرات أخر واستحقر ذلك في قضاء شهوة الوقاع، فكانت المصلحة في إيجاب صوم الشهرين لينزجر عن مثله كرة أخرى، فهذا وإن كان مناسبًا لكن ألغاه الشارع ولم يلتفت إليه حيث أوجب هذه الكفارة بصريح النص [مرتبة من غير فصل بين المكلفين والقول به مخالفة للنص*] فيكون باطلًا، وكيف لا وفتح هذا الباب يفضى إلي [تغيير] قواعد الشرع وقوانينها عند تغير الأحوال هذا مع ما أنه يتضمن مفسدة تربو على ما تخيله من المصلحة وهي عدم الثقة للمكلفين بمقول العلماء وعدم الاعتماد على فتواهم، فإنه إذا عرف ذلك من صنيعهم لم يحصل الظن بصدقهم فيما يفتون به، وذلك يفضى أن لا يعمل العامي بالشرع أصلًا.
وأما القسم الثالث وهو المناسب الذي لا يعلم أن الشارع اعتبره أو ألغاه فهو الذي لا يشهد له أصل معين من أصول الشريعة بالاعتبار بطريق من الطرق وهذا هو المسمى (بالمصالح المرسلة) وستعرف هل هي حجة أم لا؟
واعلم أن هذا إنما يكون بحسب أوصاف أخص من كونه وصفًا مصلحيًا
وإلا فعموم كونه وصفًا مصلحيًا مشهود له بالاعتبار، فلا يتصور أن لا يشهد له أصل معين باعتباره بل كل الأصول تشهد له بذلك الاعتبار.
التقسيم الثالث
المناسب إما مؤثر أو غير مؤثر، وغير المؤثر إما ملائم أو غير ملائم، وغير الملائم إما غريب، أو مرسل، أو ملغى؛ وذلك لأن المناسب إما معتبر أو غير معتبر والمعتبر إما عين الوصف في عين الحكم، أو عينه في جنسه أو جنسه في عين الحكم أو جنسه فإن كان الأول والثاني فإما أن يكون اعتباره فيهما بالنص أو بالإجماع أو بالإيماء والتنبيه أو لا بل بالمناسبة أو غيرها من الطرق العقلية.
فإن كان الأول فهو المؤثر يسمى بذلك لأنه ظهر تأثيره فيهما فلا يحتاج فيه إلى المناسبة، وهو كتعليل الولاية في النكاح بالصغر دون البكارة. فإنه قد ظهر تأثيره في الولاية عليه في عين النكاح بالإجماع.
ومنهم من قال: إن ما يعرف اعتباره بالإيماء والشبه فليس بمؤثر بل هو ملائم أو غريب.
وإن كان الثاني فالأول منهما هو المناسب الغريب وهو كالمسكر في تحريم الخمر على الوجه الذي تقدم ذكره، والثاني منهما هو الملائم، وإن كان الثالث والرابع فهما أيضًا معدودان من الملائم.
وغير المعتبر إما ملغى وهو الذي ثبت أنه ألغاه الشارع كما تقدم مثاله، أو غير ملغى هو المناسب المرسل وهو إن ثبت عدم مجانسة جنسه القريب فمردود وفاقًا وإلا فمختلف فيه على ما سيأتي شرح ذلك- إن شاء الله تعالى-.
التقسيم الرابع
المناسب إما محصل للمصلحة الدنيوية أو الدينية أو لهما معًا.
أما الأول فإما أن يكون محصلًا لأصل المقصود، أو تكميل المقصود وكل واحد منهما إما محصل له في الابتداء أو في الدوام فهو إذن أقسام أربعة:
أولهما/ (176/ أ): ما يحصل أصل المقصود ابتداءً، وهو كالبيع والنكاح والإجارة الصادرة من الأهل المضافة إلى المحل، فإنها تحصل ما يترتب عليها من المقاصد الأصلية كملك العين والبضع، والمنفعة.
وثانيها: ما يحصل أصل المقصود دوامًا وهو كشرعية القصاص في القطع والقتل فإنه يحصل المقصود الأصلي وهو حفظ النفس لكن في الدوام.
وثالثها: ما يحصل تكميل المقصود في الابتداء كاشتراط طهارة البدن والمكان، وتوجه القبلة، وستر العورة في الصلاة؛ وذلك لأن المقصود الأصلي من الصلاة إنما هو تعظيم الرب سبحانه وتعالى، وكون العبد ذاكرًا في كل ساعة بأن له خالقًا يستحق العبادة والتعظيم، ولا شك في أن هذا المقصود يكمل باشتراط هذه الأمور في ابتداء الشروع.
ورابعها: ما يحصل المقصود التكميلي وهو كاشتراط عدم الكلام في الدوام، فإنه لو أبيح له ذلك لأخل بكمال التعظيم في الدوام.