الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة
ذهب بعض أصحابنا أن الوصف الشبهي إذا لم يعرف تأثير عينه في عين الحكم بل عرف تأثير جنسه القريب في الجنس القريب للحكم لا يكون حجة. وخالفه الباقون وهو المختار
.
وهذا النزاع إنما يتصور إذا لم يفسر الشبه بالتفسير الذي قبل التفسير الأخير، فأما إذا فسر به فلا، فإنه عين الشبه فلا يتصور النزاع في حجيته على تقدير حجية الشبه.
لنا: أنه وإن لم يفد الظن الذي يفيده ما عرف تأثير عينه في عين الحكم، لكنه يفيد قدرًا من الظن؛ لأنا لما عرفنا أن الحكم لابد له من علة، وأن العلة: إما هذا الوصف، أو غيره ثم رأينا أن جنس هذا الوصف أثر في جنس ذلك الحكم، ولم نر هذا لمعنى حاصلًا في غيره من الأوصاف ولا شك أن ميل القلب إلى كون ذلك الوصف على أقوى من ميله إلى غيره والعمل بأقوى الظنين واجب فالعمل بهذا الظن واجب.
احتج الخصم بوجهين:
أحدهما: أن الظن الحاصل من تأثير عين الوصف الشبهي في عين الحكم ضعيف جدًا؛ ولهذا لم يقل بحجيته أكثر الأصوليين، فإذا انحط عن هذه الرتبة إلى رتبة تأثير جنسه في جنس الحكم لم يبق منه شيء، أو وإن بقى منه شيء يسير لكنه لم يجز العمل به، كما لم يجز العلم بالظن الذي ينشأ من أدني خيال وقرينة.
وجوابه: أنا لا نسلم أن الظن الحاصل من تأثير عينه في عين الحكم ضعيف جدًا، وما الدليل عليه؟ واختلاف الأصوليين في حجيته لا يدل على ذلك لجواز أن يكون الظن في نفسه قويًا لكن حصل لهم أقوى منه بعدم حجيته، على أنه لا يستدل على ضعف مأخذ الخصم بمخالفة خصمه.
سلمنا أنه ضعيف لكن لا نسلم أن ضعفه بمثابة لو انحط منه إلى رتبة تأثير جنسه في جنس الحكم لم يبق منه ما يجوز العمل به، فإنا لا نسلم أنه يكون كالظن الحاصل من أدني الخيال.
وثانيهما: أن الظن الحاصل من تأثير جنسه في جنس الحكم أضعف من [الظن] الحاصل من المناسب المرسل، وهو ليس بحجة، فما دونه أولى، وهذا بخلاف الظن الحاصل من تأثير جنس الوصف المناسب في جنس الحكم فإنه أقوى من الظن الحاصل من المناسب المرسل، فلا يلزم من عدم حجته عدم حجيته.
وجوابه: النقض بما إذا عرف تأثير عين الوصف الشبهي في عين الحكم؛ فإن الظن الحاصل منه أقل من المناسب المرسل من حيث إن مناسبته ظاهرة، ومناسبة الشبهي ليست كذلك مع أنه حجة باتفاق بيننا وبين الخصم.
فإن قلت: الظن الحاصل من المناسب المرسل وإن كان أقوى من الظن الحاصل من القياس الشبهي من الوجه الذي ذكرتموه لكنه يقوى بوجه آخر، وهو كونه ملتفت إليه من جهة الشارع بخلاف المناسب المرسل.
قلت: فهذا المعني حاصل فيما نحن فيه، فإنه غير ملتفت إليه أيضًا؛ لأن/ (186/ أ) كونه بحيث أثر جنسه القريب في الجنس القريب للحكم اعتبار له والتفات إليه كما في غيره، فلم قلت أنه ليس كذلك؟ فإن ذلك أول المسألة.
الفصل الرابع
في الدوران