الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الحادية عشرة
ذهب أصحابنا إلى أن الحكم أن الحكم في مورد النص ثابت بالعلة، وهذا ليس على إطلاقه فإن الحكم في بعض موارد النص غير ثابت بالعلة؛ لأن الحكم قد يكون تعبديا لا يعقل به معنى فيستحيل أن يقال أنه هناك ثابت بالعلة لا يقال: جاز أن يكون ثابتا بالعلة وإن لم يعقل له ثمة معنى فلا منافاة بينهما؛ لأنا نقول معنى قولنا: لا يعقل له علة عام يشمل ما إذا كان هناك علة ونحن لا نعقلها، وما إذا لم يكن هناك علة أصلا، وهذا القسم الثاني جائز على رأى فقهائنا، فإنهم وإن قالوا بجواز تعليل أفعال الله تعالى لكن لا يوجبون تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه في جميع الموارد بالحكم والمصالح، بل يجوز لله تعالى أن يشرع من الأحكام ما لا علة له أصلا، وإذا كان كذلك فيستحيل أن يقال معه أن الحكم في جميع موارد النص يكون ثابتا بالعلة] بل المراد منه أنه ثابت بالعلة [حيث يجعل أصلا للقياس، فإنه ما لم يعقل فيه معنى يصلح أن يكون علة وما لم يدل عليه دليل لا يمكن جعله أصلا للقياس.
وذهبت الحنفية إلى أن ثابت بالنص دون العلة، محتجين عليه بوجوه: أحدها: أن الحكم معلوم، والعلة مظنونة، ضرورة أنها مستنبطة بطريق لا يفيد إلا الظن، والمظنون لا يكون طريقا إلى المعلوم.
وثانيها: أنه لو كان الحكم ثابتا فيه بالعلة لكانت العلة أصلا له كما في الفرع، لكنه ليس كذلك بل هي فرع له كما تقدم في أول الباب فلا يكون ثابتا بالعلة، وبعبارة أخرى إن العلة في الأصل فرع الحكم كما سبق فتكون مفتقرة إليه ضرورة افتقار الفرع إلى الأصل، فلو كان الحكم ثابتا بها في الأصل لكان مفتقرا إليها ضرورة افتقار الحكم إلى العلة وحينئذ يلزم الدور وهو ممتنع.
وثالثها: أن الحكم المنصوص عليه قد يكون بحيث يكفر جاحده والحكم الثابت بالعلة المستنبطة لا يكفر جاحده فلا يكون الحكم المنصوص عليه ثابتا بالعلة.
واعلم أن الجواب عن هذه الأدلة يظهر عن تلخيص الخلاف في المسالة.
واعلم أن الخلاف في هذه المسألة آيل إلى الخلاف اللفظي؛ لأنه إن عنى بالعلة: المؤثر] يجعل الشارع إياه مؤثرا، والداعي إلى الحكم والباعث عليه فلا شك أن [كونه منصوصا عليه لا ينافى أن يكون معللا بهذا المعنى، والأدلة المذكورة لا تدل على فساد التعليل بهذا المعنى يظهر ذلك بأدنى تأمل وبهذا المعنى قال أصحابنا: أن الحكم المنصوص عليه ثابتا بالعلة، ولا ظن أن الخصم ينكره.
وأن عنى بالعلة "المعرف" فلا شك أن كونه منصوصا عليه ينافي التعليل بالعلة بهذا المعنى، والخصم إنما ينكر كونه معللا بالعلة بهذا المعنى، وأصحابنا لا ينكرون ذلك، والأدلة المذكورة تدل على فساد هذا الاحتمال فقط، وعلى هذا التقدير لا يبقى في المسالة خلاف معنوي.