الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحاكي أن يكون عالما مجتهدًا في مذهب من حكى عنه الفتوى وإن لم يسمع منه.
فأما إن أخبره بذلك ثقة، أو وجد ذلك في كتاب، فإن كان الأول فحكمه حكم السماع، وإن كان الثاني، فإن كان ذلك الكتاب موثوقًا به جاز العمل به أيضًا كما في المكتوب في جواب الفتوى فإن لم يكن موثوقا به لم يجز العمل به لكثرة ما يتفق من الغلط في الكتاب.
المسألة الثالثة
المختار عند الأكثرين أنه يجوز خلو عصر من الأعصار عن الذي يمكن تفويض الفتوى إليه سواء كان مجتهدًا مطلقًا، أو كان مجتهدًا في مذهب المجتهد، ومنع منه الأقلون كالحنابلة
.
احتج الأكثرون.
بما روى عنه عليه السلام أنه قال: "إن الله لا يقبص العلمَ انتزاعًا يتنزعهمن الناسِ ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤسًا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، فهذا الخبر بصراحته يدل على
خلو العصر عن المفتي، وأيضًا فإنه لو امتنع فإما أن يمتنع لذاته، وهو باطل؛ لأنا لو فرضنا وقوعه لم يلزم عنه لذاته محال عقلاً، أو لأمر خارجي، وهو أيضًا باطل؛ لأن الأصل عدمه فمن ادعى ذلك فعليه البيان.
واحتج الأقلون بوجوه:
أحدها: قوله عليه السلام "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحقِ حتى يأتي أمر الله، أو حتى يأتي الدخال) وقوله- عليه السلام أنه قال: "وا شوقاه إلى إخواني قالوا يارسول الله: ألسنا إخوانك فقال. أنتم أصحابي، وإخواني قوم يأتون بعدي يهربون بدينهم من شاهق ويصلحون إذا فسد الناس".
وجوابهما: أنه لا دلالة لهما على المتنازع فيه.
أما الأول. فلأنه لا دلالة له على نفي الجواز بل لو دل فإنما يدل على عدم الوقوع، ولا يلزم منه عدم الجواز على أنا نقول: لا يلزم من كونهم ظاهرين على الحق بالحصر والتمكين والذب عن الدين أن يكونوا مفتين.
وأما الثاني فكذلك أيضًا؛ لأنه لا يلزم من كونهم يهربون بدينهم من شاهق
إلى شاهق، ويصلحون إذا فسد الناس أن يكونوا مفتين، إذ لا يلزم من كونهم يصلحون أحوالهم بما عرفوه من جليات الدين، أو بطريق الفتيا ممن كان قبلهم أن يكونوا مفتين سلمنا دلالتهما على المطلوب لكنهما/ (319/ أ) معارضان بأحاديث أخر نحو قوله- عليه السلام:"تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها أول ما ينسى".
وقوله عليه السلام: "لتركبن سنن من كان قبلكم حدو القذة بالقذة".
وقوله: (خير القرون القرن الذى أنا فيه، ثم الذي يليه، ثم الذي يليهِ، ثم تبقى حثالة كحثلة التمر لا يعبأ الله بهم، وبالذي تقدم في الاستدلال من الحديث والترجيح معنى لظهور دلالة ما تقدم من الحديث على المطلوب ولكون النقلي موافقًا للعقلى على رأينا دون رأيهم.
سلمنا عدم الترجيح لكنهما يتساقطان ويبقى لنا الدليل الثاني.
وثانيها: أن التفقه وتحصيل رتبة الإفتاء من فروض الكفايات فيستلزم انتقاؤه من كل المسلمين إطباقهم على الباطل.
وجوابه: أن انتفاءه تارة بموت العلماء، وتارة بعدم تحصيلهم، فلعله يحصل بالطريق الأول، ولا يلزم منه محذور.
وأيضا. فإن ذلك إنما يجب على الكفاية إذا كان فيهم من له صلاحية تحصيله، فأما إذا عمهم البلادة وعدم الفطنة فلا، فلعل عصر يتفق فيه ذلك.
وثالثها: أنه لو جار خلو العصر عمن يعرف الأحكام الشرعية ويعرفها للعوام لأدى ذلك إلى إندراس الأحكام الشرعية، وإندراس الشريعة وهو ممتنع
لما سبق من النص.
وجوابه. منع امتناعه وسنده ما سبق من النصوص.
سلمنا لكن لا نسلم أنه يؤدى إلى ذلك؛ وهذا لأنه يحتمل أن تنقل إليهم الأحكام من أهل عصر قبلهم نقلاً يغلب على الظن صدقه.
الفصل الثاني
في المستفتي