الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
في القول بالموجب
قال الإمام: وهو عبارة عن: تسليم ما جعله المستدل موجب العلة مع استبقاء الخلاف.
وهو غير جامع؛ إذ لا يتناول غير القياس، والأولى أن تبدل العلة بالدليل حتى يتناوله.
وهو قادح في الدليل؛ لأنه إذا كان تسليم موجب ما ذكره من الدليل لا يرفع الخلاف علمنا أن ما ذكره ليس بدليل الحكم الذي رام إثباته أو نفيه.
ثم اعلم أن القول بالموجب إما أن يورد على دليل يثبت به المستدل مذهبه، أو يبطل به مذهب الخصم.
فإن كان الأول: فإما أن يكون المطلوب إثبات الحكم [عامًا أو خاصًا] فإن كان الأول لم يتصور فيه إيراد القول بالموجب عليه نفيًا كان أو إثباتًا، لأنه لابد فيه من التزام موجب الدليل عامًا أو خاصًا، فإذا التزمه على العموم استحال بقاء الخلاف بعده، وإن التزمه في صورة خاصة لم يكن [ذلك] قولا بالموجب.
مثاله من القياس والحكم مثبت في قولنا في إثبات وجوب القيام في السفينة في الصلاة: إن القيام فرض يجب في الصلاة في غير السفينة فوجب في السفينة أيضا كالقراءة، فلو قال المعترض: أقول بموجبه في المصلي في السفينة إذا كانت واقفة لم يستقم؛ لأن الذي التزمه المعترض ليس هو موجب قياس المستدل؛ لأن موجبه وجوب القيام في الصلاة في السفينة مطلقًا أي على جميع الأحوال.
مثاله من النفي قولنا: مائع لا يرفع الحدث فلا يزيل الخبث كالدهن فلو قال الخصم: أقول بموجبه في المائع النجس لم يصح؛ لأن الذي التزمه ليس موجب دليله؛ لأن موجبه نفي إزالة الخبث عنه في جميع الأحوال.
وإن كان الثاني وهو أن يكون المطلوب إثبات الحكم [على جهة الخصوص فيتصور ذلك فيه سواء كان إثباتًا، أو نفيًا، أما إذا كان إثباتًا فبأن يكون المطلوب إثبات الحكم] في النوع أو في حالة مخصوصة واللازم من دليل
المستدل إثباته في صورة ما من الجنس أو على الإطلاق أي في الجملة.
مثال الأول: ما قيل في وجوب الزكاة في الخيل: حيوان تجوز المسابقة عليه فتجب فيه الزكاة كالإبل، فيقول الخصم: أقول بموجبه إذ تجب فيه زكاة التجارة، والنزاع إنما هو في زكاة العين، ودليلك إنما يقتضي وجوب الزكاة في الجملة، هذا لو سلم أن زكاة التجارة يصدق فيه قولنا فتجب فيه الزكاة ولو قال المستدل أن هذا [ليس] قولًا بالموجب؛ لأن كلامنا في زكاة العين، والألف واللام التي في لفظ الزكاة المذكورة في القياس للعهد فينصرف إليه، وحينئذ لا يكون ما التزمه قولا بالموجب لم يستقم؛ لأن العبرة بدلالة الألفاظ لا بالقرائن، وشيء من ألفاظ القياس من العلة وغيرها لا يتأتي ذلك بل يصدق عليه فكان قولًا بالموجب.
فإن قلت: فأي فرق بين هذا وبين ما تقدم من المثال وقد قلتم أن ذلك ليس قولًا بالموجب؟
قلت: لأن قولنا فرض يجب في الصلاة في غير السفينة فيجب في السفينة ظاهر في وجوبه في السفينة في جميع الأحوال، فالتزامه في بعض أحوال السفينة وهو حال وقوفها لم يكن قولًا بموجبه بخلاف قولنا: فتجب فيه الزكاة فإنه ليس ظاهرًا في زكاة العين بحسب جوهر لفظه، ولا في جميع أنواع الزكاة، ولا يراد ذلك منه حتى يكون التزام وجوب بعض أنواعه حينئذ ليس قولًا بالموجب، بل هو ظاهر في وجوب ما يصدق عليه أنه زكاة، فإذا التزم بعض أنواعها كزكاة التجارة فقد التزم موجب الدليل فكان قولًا بالموجب، وكلام بعضهم يدل على أن هذا النوع من الالتزام قول بالموجب أيضًا، لكن ما ذكرناه أظهر وإن كان محتملًا لما ذكروه.
مثال الثاني نحو قول الحنفية في مال الضمان والمغصوب والضال: أنه لو وجبت الزكاة فيها لوجب أداؤها، لأنه مال وجبت الزكاة فيه فيجب أداؤها [كغيره من الأموال الزكاتية، فيقول الخصم: أقول بموجبه أنه يجب أداؤها] إذا وجده والكلام فيما قبله ودليلك لا يفيده.
ونحو قولنا في الملتجئ إلى الحرم: أنه وجد سبب جواز استيفاء القصاص فكان [استيفاؤه جائزًا كما في حق غيره، فيقول الخصم: أقول بموجبه فإن] استيفاء القصاص جائزًا لا نزاع في ذلك، وإنما النزاع في جواز هتك حرمة الحرم وما ذكره لا يفيده.
وأما إذا كان نفيًا فيتصور ذلك أيضًا فيه على قياس ما سبق في الإثبات كقولنا في القهقهة: أنها غير ناقضة للوضوء خارج الصلاة، وكذا في الصلاة كغيرها/ (209/ أ) من الأفعال نحو الأكل والكلام، فيقول الخصم: أقول بموجبه أنها لا تنقض في صلاة الجنازة.
وإن كان الثاني وهو أن يكون القول بالموجب يورد على دليل يبطل به مذهب الخصم وهو على قسمين:
أحدهما: أن يكون المطلوب نفي الحكم، واللازم من دليل المستدل نفي كون شيء معين موجبًا له كقولنا في القتل بالمثقل: التفاوت في الوسيلة لا يمنع وجوب القصاص [كالتفاوت في المتوسل إليه، فيقول الخصم: أقول بموجبه وهو أن التفاوت في الوسيلة لا يمتنع وجوب القصاص] فلم لا يمنع القصاص بشيء آخر نحو وجود مانع آخر، أو فقد شرط، أو عدم المقتضي؟ وما ذكرته لا يفيد امتناع شيء من ذلك.
وثانيهما: أن يكون المطلوب نفي علية ما هو علة الحكم عند الخصم واللازم من القياس نفي علية ملزوم علته، كقولنا في أن الإجارة لا تنفسخ بالموت: بأن الموت معني يزيل التكليف فلا تنفسخ به الإجارة كالجنون، فيقول الخصم: أقول بموجبه، لا تنفسخ بالموت، وإنما تنفسخ عنده لزوال الملك، ولهذا لو باع العين المستأجرة ورضي المستأجر بالبيع انفسخت الإجارة، والقول بالموجب غير متصور في الأصل، لأن القياس ما ذكر لإثبات الحكم فيه فلم يتصور فيه القول بالموجب.
واختلفوا في أنه هل يجب على المعترض إبداء سند القول بالموجب أم لا اختلفوا فيه:
فذهب بعضهم: إلى أنه يجب لكونه أقرب إلى ضبط الكلام وصونه عن الخبط؛ وذلك لأنا لو لم نوجب ذلك عليه لم نأمن منه أن يورد القول بالموجب وإن كان ما أبطله المستدل هو مأخذ مذهبهم عنادًا، أو قصدًا لإبطال كلام المستدل بخلاف ما إذا أوجبنا عليه ذلك فإنه لا يقدم على ذلك خوفًا من ظهور
عناده ومكابرته.
وذهب الآخرون إلى أنه لا يجب عليه ذلك؛ لأنه عاقل متدين وهو أعرف بمأخذ مذهبه فيصدق فيما يقوله كما في غيره من الأخبار على أنه لا فائدة فيه؛ فإنه لو أوجب عليه ذلك فأبداه فأما أن يمكن المستدل من الاعتراض عليه، أو لا يمكن، والأول باطل، لما فيه من انتشار الكلام وقلب الموضوع، فإنه حينئذ يصير المستدل معترضًا والمعترض مستدلًا، والثاني يحصل المقصود؛ لأنه إذا علم أنه لا يعترض عليه فيما يقول فربما يقول ما لا يصح من جعل ما ليس بعلة علة.
ثم الجواب عن القول بالموجب بوجوه:
أحدها: أن يبين المعلل أن الذي التزم فيه المعترض القول بموجب دليله هو صورة النزاع، أو من جملة صورها إما بالنقل الصريح عن كتاب معتبر لهم، أو عن إمام لهم اتفق على علمه وعدالته، أو بأنه مشهور بالخلاف، أو أن مأخذه عند الخصم كذا وهو حاصل فيما دل عليه كلام المعلل.
وثانيها: أن يتبين أنه وإن لم يكن محل الخلاف لكن يلزم منه الحكم في محل الخلاف كما إذا استدل على أنه لا يجوز قتل المسلم بالذمي، فقال المعترض أقول بموجبه فإنه عندي غير جائز بل هو واجب، فيقول المستدل: يلزم من عدم الجواز عدم الوجوب قطعًا؛ إذ المراد من الجواز المنفي رفع الحرج عن الفعل لا الإباحة، ولا شك جزؤ الواجب ويلزم من انتفاء جزئه انتفاؤه قطعًا، وهذان الجوابان يختصان بما إذا كان القول بالموجب يصرف الخلاف إلى غير ما دل عليه ظاهر كلام المستدل.
وثالثها: أن يقول: إن هذا إنما يكون قولًا بالموجب إذا لم يكن كلامي يجري على ظاهره كما تقدم من المثال لكن ذلك باطل وهو على خلاف الأصل
فلم تكن تلك الصورة قولًا بالموجب.
ورابعها: أن يقول: إن هذا ليس قولًا بالموجب؛ لأنه إنما يكون كذلك أن لو كان تمام موجب الدليل حاصلًا فيه، لكنه غير حاصل فيه لأنه فقد عنه المعني الفلاني وهو مدلول الدليل لفظًا أو معني لو أمكنه بيان ذلك.
الفصل الخامس
في الفرق