الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس
في الطرد
الفصل السادس
في الطرد
والمعنى منه: الوصف الذي لا يكون مناسبًا، ولا مستلزمًا للمناسب ويكون الحكم حاصلًا معه في جميع صور حصوله غير صورة النزاع فإن في حصوله معه فيها النزاع، هذا هو المراد من الجريان والاطراد على قول الأكثر.
ومنهم من قال: لا يشترط ذلك بل يكفي في علية الوصف الطردي أن يكون الحكم مقارنًا له ولو في صورة واحدة.
واختلف العلماء في حجية الوصف الطردي:
فمن قال: المطرد المنعكس ليس بحجة قال بعدم حجية المطرد بالطريق الأولى.
وأما من قال بحجيته فقد اختلفوا في حجية المطرد:
فذهب بعضهم إلى أنه ليس بحجة مطلقًا.
وذهب بعضهم إلى أنه حجة مطلقًا.
ومنهم من فصل [وقال] بحجيته بالتفسير الأول دون التفسير الثاني.
احتج من نفي حجيته مطلقًا بوجوه:
أحدها: أنه يستدل على الاطراد بصحة العلة في نفسها فيقال: هذه علة فتكون مطردة وإلا لزم نقضها وأنه خلاف الأصل فلو استدل على صحة العلة بالاطراد لزم الدور.
وثانيها: أنه إنما يعتبر الاطراد أن لو كان الاطراد اطراد علة، فإن اطراد غير العلة غير معتبر فيكون اعتبار الاطراد بالعلة فلو اعتبرت العلة بالاطراد لزم الدور.
وفيهما نظر من حيث إنه يصح أن يستدل على أثر الشيء بصحة الشيء في نفسه، وأن يستدل على صحته في نفسه بأثره مع أن ما ذكرتم من الدور حاصل فيه، وكذا قد يمكن أن يعتبر الأثر بالمؤثر مع صحة اعتبار المؤثر بالأثر.
وثالثها: إن الاطراد عبارة عن كون الوصف بحيث لا يوجد إلا ويوجد معه الحكم وهذا المفهوم لا يتحقق إلا إذا ثبت أن الحكم حاصل مع الوصف في صورة النزاع، [فإذن ثبوت الاطراد يتوقف على ثبوت الحكم في صورة النزاع، فلو أثبت الحكم في صورة النزاع] بالاطراد لزم الدور.
وهو ضعيف؛ لأنا لا نستدل على ثبوت الحكم في صورة النزاع بمصاحبته للوصف في كل الصور حتى يلزم [ما ذكرتم، بل يستدل عليه بمصاحبته له في كل صورة غير صورة النزاع وحينئذ لا يلزم ما ذكره من الدور]، وليس الاطراد عبارة عما ذكره حتى يقال أن ذلك ليس استدلالًا بالاطراد بل هو عبارة عما تقدم تفسيره.
ورابعها: أن حاصل الاستدلال بالاطراد راجع إلى الاستدلال بالمقارنة، لكن المقارنة وحدها لا تدل/ (191/ أ) على العلية فإن الجوهر مع العرض يتلازمان ولا علية، وكذا الحد مع المحدود والذات مع الصفات والحوادث مع الزمان والمكان، فإن المقارنة حاصلة في هذه الصور من غير علية.
وهو أيضًا ضعيف.
أما أولًا: فلأنا ندعى عليه المقارن الذي لم يدل دليل على عدم عليته، وما ذكرتم من الصور ليس كذلك.
وأما ثانيًا: فلأنا وإن سلمنا عدم دلالة الدليل على عدم العلية في تلك الصور لكن تخلف الحكم عن الدليل الظاهري في بعض الصور لا يقدح في دلالته كما في الغيم الرطب، فإنه دليل وجود المطر وإن تخلف عنه في بعض الصور.
وخامسها: أن المطرد فعل الطارد، ولا شيء من العلل الشرعية بفعل الإنسان، فلا شيء من الطرد بعلة.
وهو أيضًا ضعيف؛ لأنا لا نسلم أن الطرد فعل الطارد؛ وهذا لأن الطرد عبارة عن حصول الحكم في جميع محال الوصف غير صورة النزاع، وذلك ليس بفعل الإنسان بل بفعل الشارع.
نعم حصول الحكم في محل الاجتهاد يتعلق بفعله لأن حيث إنه عدى الحكم من الأصل إليه بجامع مشترك بينهما، وهو الوصف الطردي، لكن ذلك بعد ثبوت علية الطرد في غير محل النزاع، وحينئذ لا يلزم أن يكون الطرد من فعل الإنسان.
وسادسها: أن الوصف الطردي ليس فيه إلا سلامته عن النقض وهو من مفسدات العلة، ولا يلزم من سلامة الشيء عن مفسدات العلة أن يكون علة، وهو أيضًا من جنس ما تقدم؛ لأنا لا نستدل على عليته من هذه الجهة بل من جهة أن السلامة من النقض من أمارات العلية.
وسابعها: أن الاستدلال بالطرد على كون الوصف علة تصحيح للدعوى بالدعوى؛ فإن كون ذلك الوصف علة في الأصل دعوى، وكونه علة في غيره دعوى أخرى، فتصحيح الأولي بالثانية تصحيح للدعوى بالدعوى.
وهو أيضًا من نظائر ما تقدم؛ فإن الدليل على كون الوصف الطردي علة ليس هو كونه علة في الفرع حتى يلزم ما ذكره، بل هو كونه مقارنًا للحكم في جميع محاله غير صورة النزاع، وذلك ليس دعوى تحتاج إلى الدليل، فإن ذلك ثابت بالإجماع أو بالنص، وحينئذ لا يلزم ما ذكرتم من المحذور.
واحتج من قال بحجيته مطلقًا بوجهين:
أحدهما: أن هذا الحكم لابد له من علة لما تقدم، وغير هذا الوصف ليس بعلة إذ الأصل عدمه، وعدم عليته فتعين أن يكون هو العلة.
وجوابه: أن ظن انتفاء الغير إنما يوجب ظن عليته أن لو كان هو صالحًا للعلية في نفسه وهو ممنوع، فإن ما لا يكون مناسبًا ولا مستلزمًا للمناسب، ولا مطردًا ولا منعكسًا لم يصلح للعلية عند الخصم فلم قلتم أنه ليس كذلك فإن ذلك أول المسألة؟
وثانيها: أنا إذا علمنا أن الحكم لابد له من علة، وعلمنا حصول هذا الوصف ولم نعلم غيره، ظننا كون هذا الوصف علة لهذا الحكم؛ إذ لو لم يحصل هذا الظن فإما أن يكون لأجل أن ذلك الحكم لا يستند إلى علة، وهو باطل [لأنه يناقض العلم الأول، أو لأجل أنه يستند إلى غيره] وهو أيضًا باطل؛ لأن إسناده إلى غيره يقتضي الشعور بالغير، والشعور بالغير حال عدم تحقق الشعور بالغير محال.
وجوابه: أنه لا منافاة بين عدم الشعور بالغير على سبيل التفصيل وبين الشعور به على سبيل الإجمال، واللازم إنما هو الشعور بالغير على سبيل
الإجمال والمقدر أولًا إنما هو الشعور به على سبيل التفصيل.
واحتج من قال أنه حجة على التفسير الأول دون الثاني.
أما على الأول فمن وجهين:
أحدهما: أن الإنسان إذا رأى فرس القاضي واقفًا على باب الأمير، غلب على ظنه كون القاضي في دار الأمير، وما ذاك إلا للاطراد.
وثانيهما: أن الاستقراء يشهد أن النادر في كل باب يلحق بالغالب فإذا علم مقارنة الحكم للوصف في أكثر الصور، ووقع النزاع في مقارنته له في صورة النزاع وجب أن يلحق بالأكثر إلحاقًا للصورة الواحدة بأكثر الصور.
وجوابه: أنه لا ينكر ظن إلحاقه بالأكثر، لكن لم قلت أنه يفيد ظن علية ذلك الوصف، فإنه يجوز أن يلحق من غير علية، كما إذا رأينا شخصًا من بعض البلاد، وكان الغالب على أهله بعض المذاهب، أو الألوان فإنا نحكم أن ذلك الشخص على ذلك المذهب أو على ذلك اللون مع عدم العلية بينهما.
وأما أنه ليس بحجة على التفسير الثاني فمن وجهين:
أحدهما: أن الحكم بكون ذلك الوصف على مع أنه ليس بمناسب ولا يستلزم له ومع كونه مساويًا لسائر الصفات، قول في الدين بمجرد التشهي فيكون باطلًا.
أما أولًا: فلقوله تعالى: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة
واتبعوا الشهوات}.
وأما ثانيها: فبالإجماع.
وجوابه: منع المساواة فإن المقارنة مرجحة فإن فرض وصف آخر مقارن غير متعد ترجح المتعدي لورود الأمر بالقياس، أو/ (192/ أ) متعد إلى فرع آخر فيكون ذلك معارضًا له، فيجب على المستدل للترجيح وإن كان متعديًا إلى ذلك الفرع الذي ادعي المستدل ثبوت الحكم فيه لم يكن معارضًا له إذ يجوز قيام معرف واحد.
وثانيهما: أن القول بحجيته يفتح باب الهذيان:
كقولهم في مسألة إزالة النجاسة: مائع لا تبني القنطرة على جنسه فلا تجوز إزالة النجاسة به كالدهن.
وكقولهم: في أن وطء الثيب لا يمنع الرد بالعيب، شروع في نافذ فلا يمنع الرد بالعيب كالشروع في الدرب النافذ.
وكقولهم: سعي بين جبلين فلا يكون ركنًا كالسعي بين غيرهما من الجبلين وأمثالهما من الهذيان.
وجوابه: أنا لا ندعي أن مجرد المقارنة كيف ما كانت تفيد العلية بل يشترط أن لا يحصل هناك وصف آخر هو أولى بالرعاية، وهذا الشرط غير حاصل فيما ذكرتم من المثال فإنه حصل هناك ما هو أولى بالاعتبار من الوصف الذي ذكرتم وهو كون الدهن لزجًا، غير مزيل للنجاسة، ولما زال شرط العلية لا جرم لم تفد المقارنة ظن العلية.
فإن قلت: فعلى هذا يجب على المستدل بالطرد أن يتعرض لنفي
الأوصاف التي هي أولى بالاعتبار حتى يتم استدلاله.
قلت: لا يجب ذلك عليه؛ لأنه من قبيل نفي المعارض، ولا يجب على المستدل بيان نفي المعارض، وهو شرط ثبوت الحكم لا شرط الدلالة، وإنما يجب على المستدل بيان شرائط الدلالة لا بيان شرائط ثبوت الحكم.
وإذا قد ظهر ضعف دلائل المذاهب الثلاثة وجب التوقف.
الفصل السابع
في تنقيح المناط