الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعاشرها: أن ثبوت الحكم يقتضي مخالفة الأصل والنصوص الباقية لم تقدم والقياس، ولو ثبت لثبت في صورة النقض لما سبق لكنه غير ثابت إجماعًا فيلزم مخالفة القياس تخصيص النص الدال على ثبوت ذلك الحكم ضرورة أنه غير جار على عمومه لقول ابن عباس: ما من عام إلا وقد خص عنه البعض إلا قوله: {والله بكل شيء عليم} فإنه ليس نصًا خاصًا وإلا لزم أن تكون دلالته على تلك الصورة قطعية فمخالفه حينئذ مخالف للدلالة القاطعة، فإن كان ذلك مع القطع بصحة المتن لزم التفسيق والتضليل فيكون ممتنع الصدور من المجتهد، وإن كان مع ظن صحته فهو أيضًا خلاف الظاهر من حال المجتهد تصديق الراوي العدل وعدم مخالفة ما رواه من غير تأويل وإذا كان ثبوت الحكم يفضي إلى هذه المحذورات وجب أن يكون القول به باطلًا.
المسألة السادسة
في الاستدلال على ثبوت الحكم
من وجوه:
أحدها: أن المجتهد الفلاني قال به فوجب أن يكون حقًا لقوله عليه السلام: "ظن المؤمن لا يخطئ" ترك العمل به في ظن العوام؛ لكونه
غير مستند إلى دليل فيبقى معمولًا به في حق المجتهد. ولا يعارض بقول النافي؛ لأن المثبت راجح على النافي لكونه ناقلًا عن حكم العقل بخلاف النافي فإنه مقرر لحكم العقل وقد تقدم أن الأول أولى، ولأن المثبت معه زيادة علم لا محالة بخلاف النافي فإنه جاز أن يكون نفيه بناء على النفي الأصلي فكان المثبت أولى كالراوي الذي معه زيادة علم.
وثانيها: أن الحكم ثابت في شيء من الصور أو في الصورة الفلانية فوجب أن يكون ثابتًا هنا لقوله تعالى: {فاعتبروا} .
ووجه الاستدلال: هو أنه أمر بالمجاوزة لأن معنى الاعتبار والعبور المجاوزة على ما تقدم تقريره في القياس فتكون المجاوزة مأمورًا بها، والاستدلال بثبوت الحكم في محل الوفاق على ثبوته في محل الخلاف مجاوزة فكان داخلًا تحت الأمر فكان مأمورًا به.
وثالثها: أن إثبات الحكم في صورة الخلاف كثبوته بينها وبين صورة الاتفاق فكان مأمورًا به لقوله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل} فالعدل هو التسوية فتكون التسوية مأمورًا بها فكان ما ذكرناه داخلًا تحته لكونه لتسوية.
ورابعها: أن إثبات الحكم في صورة النزاع بجامع مشترك بينها وبين صورة الوفاق اتباع للرسول عليه السلام فكان واجبًا.
بيان الأول: أنه عليه السلام شبه القبلة بالمضمضة في حكم شرعي
بجامع بينهما فيكون الإثبات وهو إثبات الحكم في صورة بجامع مشترك بينها وبين صورة أخرى للأجل أنه عليه السلام فعل ذلك اتباع له لما تقدم من تفسير الاتباع في الأفعال.
بيان الثاني: قوله: (تعالى){فاتبعوه} .
وخامسها: [أن أبا بكر رضي الله عنه شبه العهد بالعقد] وعمر رضي الله عنه أمر أبا موسى بالقياس على ما تقدم تقريره، وإذا ثبت هذا وجب علينا أن نفعل مثله؛ لقوله عليه السلام "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر".
وسادسها: أن الحكم في المحل الفلاني إنما ثبت لحاجة ومصلحة وهذا المعنى حاصل في صورة الخلاف فورود الشرع بالحكم هناك يكون ورودًا هنا.
وسابعها: أجمعنا على أن حكمًا ما في علم الله تعالى ثابت ولا شك أن ذلك الحكم إنما تثبت لمصلحة وهذا الحكم بتقدير الثبوت متضمن لحصول نوع مصلحة فلابد وأن يشتركا في قدر من المصلحة فتعلل بالقدر المشترك وذلك يقتضي ثبوت الحكم.
وثامنها: أن هذا الحكم بتقدير ثبوته يتضمن تحصيل مصلحة المكلف، ودفع
حاجته فوجب أن يكون مشروعًا؛ لأن جهة كونه مصلحة جهة الدعاء إلى الشرعية، فلو خرجت عن الدعاء لكان ذلك لمعارض لكن الأصل عدمه.
وتاسعها: أن إثبات الحكم تحقيق لمقصود بعثة الرسل فكان أولى من النفي.
وعاشرها: أن إثبات الحكم لا يقتضي بعض العلة الفلانية/ (356/ أ) التي ثبتت عليتها بالمناسبة أو بالإيماء أو بالسبر أو بالدوران أو غيرها من الطرق الدالة على علية الوصف بخلاف النفي فإنه يقتضي ذلك ضرورة حصوله في صورة الوفاق فكان الإثبات أولى.
واعلم أن ضعف بعض هذه الوجوه المذكورة في الإثبات والنفي بين يعرف ذلك مما تقدم من الأصول فلذلك لم نتعرض لذلك.
ثم اعلم أن ها هنا أنواعًا أخر من الاستدلالات وهي مفيدة للقطع غير مختصة بالنفي أو بالإثبات، بل هي مفيدة للنوعين لكنها غير مختصة بهذا الفن بل دخوله في هذا الفن كدخوله في غيره واحتياج هذا الفن إليه كاحتياج غيره إليه وهي فن مستقل بنفسه فلذلك لم نوردها في هذا الكتاب وإن كان أوردها بعض المتأخرين على خلاف عادة الأصوليين الأقدمين.
وإذ قد وصلنا إلى هذا الموضع فلنختم الكتاب حامدين لمفيض الخيرات ومنزل البركات، ومجيب الدعوات، وخاتم الأعمار بالأعمال الصالحات، ومبدل السيئات بالحسنات، ومصلين على أنبيائه ورسله ذوي المعجزات الباهرات والأنوار الساطعات، اللهم جنبنا عن الظلم والاعتساف، وحبب إلينا العدل والإنصاف وحقق آمالنا بالنجح والإسعاف، وجد علينا بالطول والإعفاف بمحمد وآله الطيبين الطاهرين نجز على يد أضعف الخلق
والورى علي بن يحيى بن عمر بن حبيب الحنفي الجعفري صلوات الله على الصادق الأمين وعلى الصحابة وعلى التابعين بالإحسان وعلى جميع المسلمين في العشر الأخير من ذي القعدة سنة 697 هـ بدمشق المحروسة وافق الفراغ منه وهو حامدًا ومصليًا على محمد نبيه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
"كلمة أخيرة"
وبعد:
فقد تم بحمد الله تعالى وعونه وتوفيقه الانتهاء من إعداد هذه الرسالة بقسميها الدراسي والتحقيقي بعد أن قضينا في إعدادها عدة سنوات وقد بذلنا في ذلك ما استطعنا من جهد ووقت وأرجو أن نكون قد وفقنا فيما توخيناه من خدمة هذا السفر العظيم من تراثنا الإسلامي وإخراجه على هذا النحو.
ونسأل الله تعالى أن يجعله عملًا صالحًا خالصًا لوجهه الكريم إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.