الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن
فيما ظن أنه من طرق إثبات العلة وليس كذلك
وهو طرق:
أحدها: زعم بعض الأصوليين، أن عجز الخصم عن إفساد كون الوصف على دليل على كونه علة.
وهو فاسد؛ لأنه ليس جعل العجز عن الإفساد دليلًا على الصحة أولى من جعل العجز عن التصحيح دليلًا على الفساد، بل هذا أولى؛ لأنه لا يوجب إثبات ما لا نهاية له بخلاف الطريقة الأولى فإنها تقتضي إثبات ما لا نهاية له: فإن ما لا نعرف دليلًا على فساده لا نهاية له فإن من جملته الأعداد ولا نهاية لها، وحينئذ إما أن يحكم بكلا الطريقتين وهو باطل:
أما أولًا: فلأنه خلاف الإجماع.
وأما ثانيًا: فلأنه يلزم من ذلك إثبات ما لا نهاية له وهو ممتنع.
وأما ثالثًا: فلأنه يلزم منه أن يكون الشيء الواحد علة، وأن لا يكون علة وهو ممتنع وتعارض الدليلين الظنيين وإن كان جائزًا لكنه خلاف الأصل لاسيما في الأشياء العديدة، أو لا يحكم بواحد منهما وهو المطلوب.
وثانيهما: قال بعضهم: يجوز الإلحاق بمجرد الاشتراك في الوصف المطلق العام، وأطبق الجماهير على فساده من حيث إن ذلك يقتضي ثبوت أحكام/ (193/ أ) متناقضة في الفرع الواحد؛ لأن ما من فرع يفرض إلا ويشبه أصولًا كثيرة متناقضة الأحكام في أوصاف عامة، فلو جاز إلحاق الفرع بالأصل بمجرد الاشتراك في الوصف العام لجاز إلحاق كل فرع بكل الأصول؛ إذ ليس إلحاقه ببعضها أولى من إلحاقه بالبعض الآخر، وحينئذ يلزم ثبوت
الأحكام المتناقضة في كل واحد من الفروع، ولأن ذلك يفضى إلى التسوية بين المجتهد والعامي في إثبات الأحكام الشرعية في الوقائع الحادثة؛ لأن ما من عامي جاهل يفرض إلا ويعلم أن هذا الفرع يشبه أصلًا من الأصول في وصف عام فيثبت حكمه فيه لاشتراكهما في ذلك الوصف العام.
واحتجوا: بقول عمر- رضي الله عنه: (اعرف الأشباه والنظائر وقس الأمور برأيك) ويكفي في كون الشيء شبيهًا بشيء أو نظيرًا له الاشتراك في وصف واحد.
وقوله: (قس الأمور) عام مرتب على ذلك فوجب أن يجوز القياس بكل وصف مشترك يتحقق به الشبه والنظارة.
وجوابه: منع تحقق المشابهة والنظارة بمجرد الاشتراك في الأوصاف العامة؛ وهذا لأن الضدين والنقيضين قد يشتركان في الأوصاف العامة نحو المذكورية والمعلومية والمخبرية مع أنه لا يعد أحدهما شبيهًا ونظيرًا للآخر بل لابد من الاشتراك بوصف خاص.
سلمناه لكنه عام وتخصيص العموم بالإجماع جائز إجماعًا، وقد أجمع السلف على أنه لابد في الإلحاق من الاشتراك بوصف خاص، بدليل أنهم كانوا يتوقفون في حكم المسألة الحادث، وما كانوا يلحقونها بأن أصل اتفق بعد عجزهم عن إلحاقها بما يشاركها في وصف خاص، ولو كان الإلحاق جائزًا بمطلق الوصف لما كان للتوقف إذ ذاك معنى.
وثالثها: قال بعضهم: إثبات الحكم في الفرع موافقًا لأصل تسوية بينهما في ذلك فيكون مأمورًا به [لقوله تعالى: {إن الله يأمر بالعدل} وعبور
من حكم الأصل إلى الفرع فيكون مأمرا به] لقوله تعالى: {فاعتبروا} وهو ضعيف جدًا.
أما أولًا: فلأن العدل ليس هو عبارة عن مجرد التسوية في كل فعل وحكم، كيف اتفق وإلا لزم أن تكون المباحات، والمكروهات والمحرمات، مأمورًا بها حيث يحصل بها التسوية، بل هي عبارة عن التسوية المخصوصة التي أمر الشارع بالتسوية فيه، وحينئذ يتوقف كونه عدلًا مأمورًا به على تحقق التسوية المخصوصة، فلو أثبت كونه عدلًا مأمورًا به بالتسوية لزم الدور وهو ممتنع.
وهذا الكلام بعينه يتوجه على الاستدلال بالآية الثانية.
وأما ثانيًا: فلأن غاية ما في الباب أنه تمسك بعموم اللفظ، وتخصيص العموم بالإجماع جائز، وأجمع السلف على أنه لابد في القياس الذي هو عبور من حكم الأصل إلى الفرع من دلالة ما على تعين الوصف للعلية بدليل ما سبق.
القسم الثاني
الفصل الأول
في النقض