المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الأولىيجوز للعامي أن يقلد المجتهدين في مسائل الفروع اجتهادية كانت أو غير اجتهادية - نهاية الوصول في دراية الأصول - جـ ٨

[الصفي الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابعفي الركن الثالثوهو العلة

- ‌القسم الأول:في الطرق الدالة على كون الوصف علة الحكم

- ‌الفصل الثانيفي إثبات العلية بالمناسبة والإخالةوهي من الطرق العقلية

- ‌المسألة الأولىفي تعريف المناسب:

- ‌المسألة الثانيةاعلم أن الحكم إذا شرع للمناسبة فلابد وأن يكون محصلًا للمصلحة أو دافعًا للمفسدة، أو محصلًا للمصلحة ودافعًا للمفسدة معًا

- ‌المسألة الثالثةفي تقسيم المناسب

- ‌المسألة الرابعةفي أن مناسبة المصلحة تبطل وتحرم بمناسبة مفسدة مساوية أو راجحة، وقال قوم لا تبطل وهو اختيار الإمام

- ‌المسألة الخامسةفي إقامة الدلالة على أن المناسبة دالة على كون الوصف علة الحكم

- ‌الفصل الثالثفي قياس الشبه

- ‌المسألة الأولىفي تعريف ماهيته

- ‌المسألة الثانيةفي إقامة الدلالة على أنه حجة إذا اقترن به الحكم

- ‌المسألة الثالثةذهب بعض أصحابنا أن الوصف الشبهي إذا لم يعرف تأثير عينه في عين الحكم بل عرف تأثير جنسه القريب في الجنس القريب للحكم لا يكون حجة. وخالفه الباقون وهو المختار

- ‌الفصل الرابعفي الدورانويسمى بالطرد والعكس

- ‌الفصل الخامسفي السبر والتقسيم

- ‌الفصل السادسفي الطرد

- ‌الفصل السابعفي تنقيح المناط

- ‌الفصل الثامنفيما ظن أنه من طرق إثبات العلة وليس كذلك

- ‌القسم الثانيمن الطرق الدالة على أن الوصف لا يجوز أن يكون علة الحكم

- ‌الفصل الأولفي النقض

- ‌المسألة الأولىاختلفوا في أن ذلك هل يقدح في علية الوصف أم لا

- ‌المسألة الثانيةالقائلون بأن تخلف الحكم عن الوصف لمانع أو لغير مانع لا يقدح في عليته اتفقوا على أن تخلفه كذلك عن حكمة الوصف لا يقدح في عليته.فأما القائلون بأن تخلفه عن الوصف يقدح في عليته اختلفوا في أن تخلفه عن حكمه المقصودة هل يقدح في عليته أم لا

- ‌المسألة الثالثةالقائلون بتخصيص العلة اختلفوا في أنه هل يجب على المستدل ابتداء التعرض لنفي المانع، أم لا

- ‌المسألة الرابعةالقائلون بعدم تخصيص العلة اختلفوا في النقض إذا كان واردًا على سبيل الاستثناء

- ‌المسألة الخامسةفي الكسروهو نقض يرد على بعض أوصاف العلة

- ‌المسألة السادسةفي كيفية دفع النقض

- ‌الفصل الثانيفي عدم التأثير والعكس

- ‌المسألة الأولىفي معناهما:

- ‌المسألة الثانيةفي أن عدم التأثير يقدح في العلية

- ‌المسألة الثالثةفي أن العكس غير واجب في العلة عقلية كانت أو شرعية

- ‌الفصل الثالثفي القلب

- ‌المسألة الأولىفي حقيقته

- ‌المسألة الثانية

- ‌المسألة الثالثةفي أقسام القلب:

- ‌الفصل الرابعفي القول بالموجب

- ‌الفصل الخامسفي الفرق

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانيةيجوز تعليل الحكم الواحد نوعًا المختلف شخصًا بعلل مختلفة وفاقًا

- ‌المسألة الثالثةالقائلون بكون الفرق يقدح في العلية اختلفوا في أنه هل هو من تمامه ولوازمه نفيه عن الفرع أم لا

- ‌المسألة الرابعة

- ‌القسم الثالثفي أمور ظنت أنها تفسد العلة مع أنها ليست

- ‌المسألة الأولىفي تقسيم العلة

- ‌المسألة الثانيةاختلفوا في جواز التعليل بمحل الحكم، أو جزئه الخاص:

- ‌المسألة الثالثةالحق أنه لا يجوز أن تكون علة الحكم في الأصل بمعني الأمارة

- ‌المسألة الرابعةيجوز التعليل بالحكمة عند قوم.وقال قوم لا يجوز

- ‌المسألة الخامسةذهب جمع إلى جواز التعليل بالعدم ثبوتيا كان الحكم أو عدميا

- ‌المسألة السادسةاختلفوا في جواز تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي:

- ‌المسالة السابعةالتعليل بالأوصاف العرفية

- ‌المسألة الثامنةالتعليل بالوصف المركب جائز عند المعظم، وقال بعضهم لا يجوز

- ‌المسألة التاسعةأطبق الكل على أن العلة المنصوصة أو المجمع عليها يجوز أن تكون قاصرة، وأختلفوا في المستنبطة:

- ‌المسألة العاشرةاتفقوا على التعليل بمجرد الاسم غير جائز

- ‌المسألة الحادية عشرة

- ‌المسألة الثانية عشرةذهب الأكثرون إلى إنه لا يجوز التعليل بالصفات المقدرة، خلافا للأقلين من المتأخرين

- ‌المسألة الثالثة عشرةفي تقسيم العلة باعتبارات أخر غير ما تقدم

- ‌المسألة الرابعة عشرةاعلم أن الاستدلال قد يكون بذات العلة على الحكم، وقد يكون بعلية الحكم للحكم عليه

- ‌المسألة الخامسة عشرةاعلم أن تعليل الحكم العدمي بالوصف الوجودي يسمى تعليلا بالمانع

- ‌خاتمة لهذا القسم بمسائل في أحكام العلة لم يتقدم ذكرها

- ‌المسألة الثانيةالوصف الذي جعل علة الحكم بمعنى الباعث لا شتمالها على الحكمة يجب أن لا يمكن بمثابة يلزم منه إثبات الحكم، أو نفيه مع القطع

- ‌المسألة الثالثةقيل الوصف الذي جعل ضابطا لحكمته يجب أن يكون جامعا للحكمة

- ‌المسألة الرابعةالمشهور أنه لا يجوز تعليل الحكم بعلة متأخرة عنه في الوجود

- ‌المسألة الخامسة: (231/ أ)العلة المستنبطة من الحكم يجب أن لا ترجع إليه بالإبطال، ومعلوم أن ذلك لا يكون إلا في الأصل

- ‌الباب الخامسفي الركن الرابع وهو الفرع

- ‌النوع الخامس عشرفي الاعتراضات [وأجوبتها]

- ‌النوع السادس عشرالكلام في التعادل والتراجيح

- ‌ القسم الأول في التعادل

- ‌المسألة الأولىأطبق الكل على أن تعادل القاطعين المتنافيين عقليين كانا أو نقليين غير جائزة

- ‌المسألة الثانيةالقائلون بجواز هذا التعادل [قالوا: إن وقع هذا التعادل]، للإنسان في عمل نفسه كان حكمه فيه التخيير، أو التساقط والرجوع إلى غيرهما

- ‌المسألة الثالثةالمجتهد إذا نقل عنه قولان كالوجوب والتحريم مثلاً

- ‌القسم الثانيفي التراجيح

- ‌الفصل الأولفي مقدمات التراجيح

- ‌المسالة الأولى: في حد الترجيح

- ‌المسألة الثانيةذهب الأكثرون إلى وجوب العمل بالراجح سواء كان الترجيح معلومًا أو مظنونًا

- ‌المسألة الثالثةلا يتطرق الترجيح إلى الأدلة القطعية

- ‌المسألة الرابعةالمشهور أن العقليات لا يتطرق الترجيح إليها

- ‌المسالة الخامسةذهب الشافعي ومالك- رضي الله عنهما إلى أنه يجوز الترجيح بكثرة الأدلة، خلافًا للحنفية

- ‌المسألة السادسةإذا تعارض دليلان فإن لم يمكن العمل بكل واحد منهما بوجه دون وجه صير إلى الترجيح

- ‌المسألة السابعةإذا تعارض نصان فإما أن يكونا عامين، أو خاصين.أو أحدهما عامًا والآخر خاصًا

- ‌الفصل الثانيفي تراجيح الأخبار

- ‌المسألة الأولىفي ترجيح الخبر بكيفية السند

- ‌المسألة الثانيةفي ترجيح الخبر بكيفية الرواية

- ‌المسألة الثالثةفي الترجيح بحال وروده

- ‌المسألة الرابعةفي ترجيح الخبر باعتبار اللفظ

- ‌المسألة الخامسةفي ترجيح الخبر باعتبار مدلوله وهو الحكم

- ‌المسالة السادسةفي ترجيح الخبر بالأمور الخارجية

- ‌الفصل الثالثفي ترجيح القياس بحسب علته

- ‌المسألة الأولىفي ترجيح القياس بحسب ماهية علته

- ‌المسألة الثانيةفي ترجيح القياس بحسب الدليل الدال على وجود علته

- ‌المسألة الثالثةفي ترجيح القياس بسبب الدليل الدال على علية الوصف في الأصل

- ‌المسألة الرابعةفي ترجيح القياس بسبب وصف العلة

- ‌النوع السابع عشر في الاجتهاد

- ‌ المقدمة:

- ‌الفصل الأولفي المجتهد

- ‌المسألة الأولىاختلفوا في أن الرسول- عليه السلام هل كان يجوز له الاجتهاد فيما لا نص فيه:

- ‌المسألة الثانيةاتفقوا على جواز الاجتهاد بعد الرسول- عليه السلام

- ‌المسأله الثالثةفي شرائط المجتهد

- ‌المسألة الرابعةاختلفوا في أن صفة الاجتهاد هل تحصل في فن دون فن أم لا

- ‌الفصل الثانيفي المجتهد فيه

- ‌المسألة الأولىذهب الجماهير إلى أنه ليس كل مجهد في الأصول مصيبًا

- ‌المسألة الثانيةفي تصويب المجتهدين في الأحكام الشرعية

- ‌النوع الثامن عشرالكلام في المفتي والمستفتي وما فيه الاستفتاء

- ‌الفصل الأول في المفتي

- ‌المسألة الأولىفي المفتي المجتهد إذا أفتى مرة بما أدى إليه اجتهاده، ثم سئل مرة أخرى عن تلك الحادثة بعينها:

- ‌المسألة الثانيةفي أن غير المجتهد هل يجوز له الفتوى بما يحكيه عن الغير من المجتهدين

- ‌المسألة الثالثةالمختار عند الأكثرين أنه يجوز خلو عصر من الأعصار عن الذي يمكن تفويض الفتوى إليه سواء كان مجتهدًا مطلقًا، أو كان مجتهدًا في مذهب المجتهد، ومنع منه الأقلون كالحنابلة

- ‌الفصل الثانيفي المستفتي

- ‌المسألة الأولىيجوز للعامي أن يقلد المجتهدين في مسائل الفروع اجتهادية كانت أو غير اجتهادية

- ‌المسألة الثانيةفي شرائط الاستفتاء

- ‌المسألة الثالثةالرجل الذي تنزل به الواقعة إن كان عاميًا صرفًا جاز له الاستفتاء

- ‌المسألة الرابعةالعامي إذا عمل بفتوى بعض المجتهدين في حكم حادثة وقلده فيه لم يجز له الرجوع عنه إلى حكم آخر في تلك الحادثة بعينها بفتوى غيره إجماعًا

- ‌النوع التاسع عشرالكلام في المدارك التي اختلف المجتهدون في أنها هل هي مدارك للأحكام أم لا

- ‌المسألة الأولىفي أن الأصل في المنافع الإذن، وفى المضار المنع خلافا لبعضهم

- ‌المسألة الثانيةفي استصحاب الحال

- ‌المسألة الثالثةفي أن النافي هل عليه دليل أم لا

- ‌المسألة الرابعةاختلفوا في أن مذهب الصحابي وقوله هل هو حجة على من بعدهم من التابعين أم لا

- ‌المسألة الخامسةفي المصالح المرسلة

- ‌المسألة السادسةفي الاستحسان

- ‌المسألة السابعةاختلفوا في أنه هل يجوز أن يقول الله تعالى لنبي أو لعام: احكم بما شئت، فإنك لا تحكم إلا بالصواب:

- ‌المسألة الثامنةذهب الشافعي رضي الله عنه وأصحابه إلى أنه يجوز الاعتماد في إثبات الأحكام على الأخذ بأقل ما قيل فيه خلافًا لبعضهم

- ‌المسألة التاسعةذهب بعضهم إلى أن الأخذ بأخف القولين واجب على المكلف

- ‌النوع العشرونالكلام في الاستدلال

- ‌المسألة الأولىفي معنى الاستدلال

- ‌المسألة الثانيةفيما يتعلق بالسبب والشرط والمانع

- ‌المسألة الثالثةفي الاستدلال بعدم ما يدل على الحكم على عدم الحكم

- ‌المسألة الرابعةمن جملة طرق الاستدلال والاستقراء

- ‌المسألة الخامسةفي الاستدلال على عدم الحكم

- ‌المسألة السادسةفي الاستدلال على ثبوت الحكم

الفصل: ‌المسألة الأولىيجوز للعامي أن يقلد المجتهدين في مسائل الفروع اجتهادية كانت أو غير اجتهادية

‌الفصل الثاني

في المستفتي

وفيه مسائل:

‌المسألة الأولى

يجوز للعامي أن يقلد المجتهدين في مسائل الفروع اجتهادية كانت أو غير اجتهادية

.

ومنع منه مطلقا معتزلة بغداد.

وفضل الجبائي بين الاجتهادية وغيرها، فجوز في القسم الأول دون الثاني كالصلوات الخمس، وتحريم الربا في الأشياء الستة المنصوصة عليها.

احتج الأولون وهم الجماهير من الفريقين بوجوه:

أحدها: قوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} وهو عام في المخاطبين والمراد من العلم إما مدلوله الحقيقي، أو الظن أو القدر المشترك، والعامي لا يعلم ولا يظن فوجب أن يجوز له السؤال؛ لأن أدنى

ص: 3893

درجات الأمر أن يكون للإباحة فيجوز له الأخذ بقوله، وإلا لم يكن في السؤال فائدة.

لا يقال: لا يمكن حمله على عموم السؤال في كل ما لم يعلم وإلا لجاز التقليد في معرفة وجود الصانع وتوحيده وهو ممتنع.

سلمنا جواز التقليد فيه لكن لم لا يجوز أن يكون المراد منه السؤال عن أدلة ما لا يعلم لا عن حكمه فإن عندنا يجب على العامي أن يسأل المجتهد عن ذلك، وينبه المفتي على دليل ذلك الحكم من نص قاطع إن كان، أو دليل العقل من البراءة الأصلية، وأن الأصل في المضار الحرمة، وفى المناخ الإباحة؛ لأنا نقول: لا نسلم امتناع التقليد في أصول الدين بل يجوز فيه السؤال والتقليد أيضًا.

سلمناه لكن خروج ذلك لدليل يخصه لا يقتضى خروج غيره عنه فوجب أن يكون متناولاً لكل ما عداه.

وعن الثاني أنه تقييد أو تخصيص من غير دليل فيكون خلاف الأصل.

وثانيها: الإجماع، وتقريره: أن الأمة مجمعة قبل حدوث المخالف على جواز الاستفتاء للعوام من المفتين من غير بيان مأخذ اجتهادهم وفتواهم؛ لأن هذا كان شائعًا ذائعًا في عصر الصحابة والتابعين وفيما بعده إلى زماننا هذا من غير نكير فيما بينهم، فلو كان قبول فتواهم مشروطًا ببيان مأخذ فتواهم أو لم يجز قبول فتواهم مطلقًا لزم إجماعهم على الخطأ وهو ممتنع.

وثالثها. أن العامي إذا نزلت به حادثة من الحوادث التكليفية فإما أن لا

ص: 3894

يكون مأمورًا فيها بشيء، أو يكون مأمورًا فيها بشيء، والأول باطل بالإجماع؛ إذ الأمة مجمعة على أنه لابد له من طريق فيه التقصي من السؤال أو الاستدلال فيها، والثاني لا يخلو إما أن يكون ذلك الشيء هو الاستدلال، أو الاستفتاء، والأول باطل؟ لأنه لا يخلو إما أن يكون ذلك الاستدلال بالبراءة الأصلية، أو بالأدلة السمعية، والأول باطل.

أما أولاً: فبالإجماع.

وأما ثانيًا: فلأنه يلزم أن تكون التكاليف بأسرها أو أكثرها نفيًا محضًا وعدمًا صرفًا وهو ممتنع.

وأما ثالثًا: فلأن القضية ربما كانت متعلقة بالغير فلو كان مأمورًا بالاستدلال بالبراءة الأصلية لأدى ذلك إلى إبطال حقه وهو ممتنع والثاني أيضًا باطل لأنه لو لزمه الاستدلال بالأدلة السمعية عند حدوث الواقعة فإما أن يجبه عليه تحصيل ما لابد منه في الاستدلال وما به يتم الاستدلال حين بلوغه وكمال عقله، أو عند نزول الواقعة به، والأول باطل.

أما أولاً: فلان الصحابة والتابعين والسلف الصالحين ما كانوا يلومون العوام على ترك طلب رتبة الاجتهاد والفتيا بعد البلوغ، بل أبلغ من هذا وهو أنهم ما كانوا يذمونهم على ترك طلب العلم بغير أركان الدين كالصلاة والصوم.

وأما ثانيًا. فلأن وجوب ذلك على عامة المكلفين يؤدي إلى إبطال أمور المعاش واختلال نظام العالم، فإن أكثر الصناعات، وعامة التجارات، ومعظم الزراعات تبطل على ذلك التقدير، ومعلوم أن ذلك محذور في نظر الشارع.

والثاني أيضًا باطل؛ لأن تحصيل رتبة الاجتهاد والفتيا حال نزول الواقعة غير ممكن فلا يرد به التكليف، وإذا بطلت هذه الأقسام تعين الاستفتاء وهو المطلوب فإن/ (320/ أ) قلت: هب أنا نسلم لكم أن طريقه إذ ذاك إنما هو

ص: 3895

الاستفتاء والسؤال لكن عن الحكم فقط، أو عن الحكم والدليل؟ ووجه دلالة الدليل عليه؟

الأول ممنوع، والثاني مسلم، وما ذكرتم من الصعوبة واختلال نظام العالم فهو غير لازم. وبيانه: أن الذين لم يقولوا بجواز الأخذ بالفتيا من غير بيان مأخذه لم يقولوا بحجية الإجماع، وخبر الواحد، والقياس، وسائر الظواهر المحتملة، لاذا كان كذلك سهل الامر عليهم؛ وذلك لانهم حينئذ قالوا: أنه تقرر أن حكم العقل في المنافع الإباحة، وفى المضار الحرمة، فإن ورد نص قاطع المتن والدلالة في بعض الصور على خلاف هذا اتبع وإلا عمل بمقتضى حكم العقل.

فالعامي الذى نزل به الواقعة، إن كان فيه شيء من الذكاء والفطنة عرف حكم العقل فيها، وإن لم يكن فيه شيء من ذلك بل يكون في نهاية البلاد نبهة المفتي على حكم العقل فيها، وحينئذ لا يحتاج إلى المفتي في الصورة الأولى إلا في أن ينبهه أنه هل جاء في الواقعة نص قاطع المتن والدلالة أم لا، وفى الصورة الثانية يحتاج إلى هذا، وإلى أن ينبهه على حكم العقل، ومعلوم أن الاشتغال بمعرفة ذلك لا يمنعه عق الاشتغال بعمل المعاش وعمارة الدنيا.

سلمنا صحة دلالتكم لكنه يقتضى أن لا يجب النظر والاستدلال في أصول الدين، وأن يجوز فيه التقليد؛ لأنا نعلم قطعًا أن الصحابة والتابعين والسلف ما كانوا يلومون من لم يتعلم علم الكلام، بل ربما كانوا يلومون من يشتغل به ويخوض فيه.

وأيضًا لو وجب النظر والاستدلال فيه على جميع المكلفين ولم يجوز فيه التقليد للزم تعطيل أمور المعاش، واختلال نظام العالم كما ذكرتم بل أكثر، لأن غموض أدلة الاصول أكثر، والأسئلة والأجوبة فيه أشكل وأصعب، مع أنكم ساعدتمونا أنه لا يجوز فيه التقليد فكل ما هو جوابكم ثمة فهو جوابنا

ص: 3896

ها هنا.

قلت: الدليل على أن الاكتفاء كان حاصلا بمجرد السؤال عن الحكم والجواب عنه من غير بيان وجه دلالة الدليل عليه: إجماعهم على عدم لوم العوام على تركهم السؤال عن وجه دلالة الدليل على الحكم وعدم ذكرهم ذلك عند الإفتاء مع علمهم بجهل المستفتي به، وكل ذلك معلوم قطعًا وإنكاره مكابرة، وتمام تقريره ما تقدم في تقريره إجماعهم على ذلك، وعند هذا نعرف أن الدليل الثالث لا يتم إلا بالدليل الثاني.

وعن الثاني أنا نقول: بمقتضى الدليل أيضًا في أصول الدين فإنه يجوز فيه التقليد أيضًا عندنا. سلمنا عدم جواز التقليد فيه، لكن الفرق بينهما حاصل من وجهين:

أحدهما: أن مطالبه معدودة محصورة غير متكررة وأدلتها في الأكثر قاطعة حاملة للطباع السليمة والعقول الصحيحة على اعتقاد مقتضاها بخلاف الأحكام الفرعية فإنها غير متناهية متجاوزة عن حد التعداد والإحصاء، وأدلتها ظنية مضطربة مختلفة بحسب الأذهان وليست دلالتها على نمط واحد فكان تحصيل رتبة الاستدلال والنظر فيها يحتاج إلى الانقطاع عن معاشر الأشغال والاشتغال بها، فكان تعطيل المصالح واختلال نظام العالم فيه أكثر.

وأيضًا: الذى يجب على المكلف معرفة أدلة وجود الصانع وتوحيده، والنبوة على طريق الجملة لا على طريق التفصيل، ومعرفة تلك الأدلة على سبيل الجملة أمر سهل هين يحصل بأدنى سعى وأقل مدة، بخلاف الاجتهاد في فروع الشريعة فإنه لابد فيه من علوم كثيرة، وتبحر شديد، واستحضار أصول كثيرة، وما ذكر الإمام فيه من القدح فهو مبني على الفرق بين العلم

ص: 3897

بالشيء على سبيل الجملة، وبين العلم بالشيء على سبيل التفصيل، لكن ذلك باطل، إذ الفرق بينهما معلوم بين، فإن من استدل بحدوث الحوادث في هذا العالم من الرعد والبرق وحدوث الثلج والمطر والحر والبرد على وجود الصانع المختار بناء على أن الحادث لابد له من مؤثر، وذلك المؤثر يجب أن يكون مختارًا وإلا لما تخصصت آثاره بقدر معين، ووقت معين ليس كمن علم ذلك مفصلاً؛ ولهذا فإن صاحب العلم الجملي بأدنى شبهة، وأضعف خيال يضطرب اعتقاده، ويتأثر علبه دون صاحب العلم التفصيلي، ولأنه حينئذ يلزم أن لا يبقى فرق بين علم متن الدليل دون الاعتراضات عليه، والمعارضات له والأجوبة عنها، وبين من علم ذلك كله لكن الفرق معلوم بينهما بالضرورة.

واحتج المنكرون للتقليد في فروع الشريعة بوجوه.

أحدها: قوله تعالى: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} والقول بالتقليد قول بما ليس بمعلوم فكان منهيا عنه.

وأيضًا. أن الله تعالى ذم أهل التقليد بقوله تعالى: {إنا وجدنا آباءنا على أمة} .

ولو كان التقليد جائزًا لما ذموا على ذلك.

وجواب الأول: النقض بجميع المطلوبات من الأمور الدينية كالعمل بالبراعة الأصلية، والقياس، وخبر الواحد، والاستدلال بجميع الطوق الشرعية قطعية كانت، أو ظنية، والدنيوية كقيم المتلفات، وأروش الجراحات، والفتوى والشهادات الظنية.

ص: 3898

وأيضًا النقض بما إذا بين له مستنده فإنه يجوز العمل به مع أنه قول بما/ (321/ أ) لا يعلم حيث يكون مستنده ظنيا.

سلمنا سلامته عن النقض لكن المراد منه النهى عن القول بما لا يعلم مما طريقه العلم كمسائل أصول الدين؛ وهذا وإن كان يلزم منه التخصيص لكن يجب المصير إليه جمعًا بين ما ذكرنا من الدليل وبين هذا.

لا يقال: ما نحن فيه طريقه العلم أيضًا عندنا، فلم قلتم أنه ليس كذلك، لأنا نقول: فعلى هذا لا يتم استدلالكم بهذه الآية على عدم جواز التقليد والاستفتاء فيما نحن فيه إلا إذا بينتم أن ما نحن فيه طريقه العلم، [فلو ثبت أن طريقه العلم]، بهذه الآية لزم الدور. وأيضًا: لو كان ما نحن فيه طريقه العلم لما جاز للمجتهد العمل في المسائل الاجتهادية؛ ضرورة أنه لا قاطع فيها وإلا لما كانت اجتهادية، وحينئذ لا يحصل العلم فيها ولا يجوز العمل بها.

وجواب الثاني: أن المراد منه التقليد في أصول الدين جمعا بينه وبين ما ذكرنا من الدليل، ولسياق الآية، ولكونه حكاية حال الكفار وهم إنما قادوا آباءهم في المسائل الأصولية دون الفروعية.

وثانيها: قوله عليه السلام: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة".

ص: 3899

وقوله عليه السلام: "اجتهدوا فكل ميسر لما خلق له"، وهما عامان في كل علم، وفى كل شخص، فإن بعض العلوم، وبعض الأشخاص عن ذلك لدليل من إجماع وغيره وجب أن يبقى ما عداه على الأصل.

وجواب الأول منهما: أن ما يقتضيه لا يقولون به، وما يقولون به، لا يقتضيه؛ وهذا لأن ما يقتضيه إنما هو وجوب طلب العلم وأنتم لا تقولون به، ومما تقولون به وهو وجوب النظر وإن لم يكن مؤديا إلى العلم لا يقتضيه الخبر.

ص: 3900

هكذا قيل في جوابه وفيه نظر؛ لأن كل ما دل على وجوب طلب العلم دل على وجوب النظر؛ وضرورة أن العلم النظري لا يحصل إلا بالنظر؛ فلا يلزم من ترك العمل بالخبر في وجوب طلب العلم لاتفاق الكل على أنه لا يجب تحصيل العلم في جميع مسائل الفروع وترك العمل به في وجوب النظر الذى لا يوجد فيه ذلك الدليل.

فالأولى في ذلك أن يقال: إن المراد منه العلم بأركان الدين وأركانها وشرائطها وجميع العلوم التي هي فرض عين دون التي على الكفاية، وهذا وإن لزم منه التخصيص، أو التقييد لكن يجب المصير إليه جمعًا بين ما ذكرنا من الدليل وبين ما ذكرتم من الدليل فإن الجمع بين الدليلين أولى من ترك أحدهما بالكلية.

وجواب الثاني: أنا لا نسلم أن المراد منه الاجتهاد الاصطلاحي منه الاجتهاد اللغوي بقرينة قوله: "فكل ميسر لما خلق له"

سلمناه لكن يجب حمله على الأمر على الكفاية جمعًا بين الدليلين.

سلمنا أنه محمول على فرض العين لكنه محمول على من له أهلية الاجتهاد لئلا يلزم تكليف ما لا يطاق أو الإضمار.

وثالثها. أن العامي لو كان مأمورًا بالتقليد فلا يأمن أن يكون من قلده مخطئًا في اجتهاده، أو أنه كاذب فيما أخبوه به فيكون العامي مأمورًا باتباع الخطأ والكذب وذلك الشارع ممتنع.

وجوابه. أنا لا نسلم أنه مأمور بالخطأ والكذب حينئذ؛ وهذا لأنه لما أمر باتباع المجتهد الذي غلب على ظنه صدقه، واتصافه بشرائط الاجتهاد صار ما

ص: 3901

أفتى به هو حكم الله في حقه فلم يكن اتباعه اتباع للكذب والخطأ، سلمناه لكن المحذور الأول حاصل، وإن اجتهد العامي ونظر في الأدلة والأمارات فإن احتمال الخطأ في حقه ممكن كما حق المجتهد بل هو أولى، وذلك لعدم اتصافه بشرائط الاجتهاد وهو حاصل للمجتهد فوجب أن لا يجوز له العمل بما أدى إليه اجتهاده.

ورابعها: أن جواز التقليد يفضى إلى المنع منه، لأنه يقتضى جواز تقليد من يمنع منه، وما يفضى ثبوته إلى نفيه كان باطلاً.

وجوابه: أنا لا نسلم أنه يفضى إلى ذلك لا محالة بل قد يفضى، وحينئذ ينتقض بجواز العمل بالظن فإنه قد يفضى إلى المنع منه فكان باطلاً فكل ما هو جوابكم ثمة فهو جوابنا ها هنا.

سلمنا سلامته عن النقض لكن نقول: ما يفضى ثبوته إلى نفيه كان باطلاً مطلقًا، أو إذ لم يكن شرط إثباته مخالفا لشرط نفيه، والأول ممنوع، والثاني مسلم، لكن ها هنا شرط النفي مخالف لشرط الإثبات، فإن شرط النفي أن يقلد من لا يرى جواز التقليد، وشرط الجواز أن يقلد من يرى جوازه، ولا شك أن الشرطين مخالفان، ولا بعد في إثبات شيء على شرط يؤدي إلى نفيه على شرط يخالف ذلك الشرط.

وخامسها: لو جاز التقليد في فروع الشرع لجاز في أصوله بجامع كون كل أحد منهما مكلف به مع غلبة الظن بصدق ما أخبره المقلد.

وجوابه: الفرق المذكور.

ص: 3902

وأما الحجة على الجبائي خاصة فهي: أن تكليف العامي بالفصل بين المسائل الاجتهادية، وبين غيرها تكليف له بتحصيل أهلية الاجتهاد، ضرورة أنه لا يفصل بينهما إلا أهل الاجتهاد، فيلزم المحذور المذكور من قبل، ولا شك أن تجويز التقليد له في الاجتهادية دون غيرها يقتضى تكلفه بالفصل/ (322/ أ) بينهما حتى يعلم ما يجوز له التقليد فيه وما لا يجوز له ذلك.

واحتج الجبائي على ما ذهب إليه: بأن الحق في المسائل الاجتهادية واحد متعين، فلو جوزنا له التقليد فيه لم نأمن من تقليد غير المحق بخلاف المسائل غير الاجتهادية؛ لأن كل قول فيها حق.

وجوابه: أنا لا نسلم ذلك؟ وهذا لأنا بينا أن المصيب واحد.

سلمناه لكن لا نأمن أيضًا في المسائل الاجتهادية من عدم اجتهاد المجتهد،

أو تقصيره فيه، أو أن يفتيه بخلاف اجتهاده.

فإن قلت: إن مصلحة العامي هو أن يعمل بما يفتيه المفتي وأن كان خطأ بسبب ما ذكرتم من الاحتمال.

قلت: كذلك الأمر في غير المسائل الاجتهادية وإن كان فيها من غير فرق ألبتة.

تنبيه: العامي إذا استفتى في حادثة فأفتى فيها بحكم معين، ثم وقعت له تلك الحادثة فإن لم يذكر الحكم وجب عليه الاستفتاء ثانيًا وفاقًا، وإن كان ذاكرًا له فهل يجب عليه إعادة السؤال فيما اختلفوا فيه.

فمنهم من أوجب عليه ذلك.

ومنهم من لم يوجب ذلك.

ص: 3903