الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع السابع عشر في الاجتهاد
وهو مرتب على مقدمة وفصول:
أما
المقدمة:
ففي تفسير الاجتهاد والمجتهد فيه:
أما الأول: فهو في اللغة عبارة: عن استفراغ الوسع في أي فعل كان. وأعلم أن قولنا: في أي فعل كان ظاهره العموم نظرًا إلى لفظه، لكنه متخصص بقولنا: هو عبارة عن استفراغ الوسع، فإن هذا لا يتحقق في كل فعل، بل إنما يتحقق ذلك في أفعال المشقة، والأعمال التي تستلزم الكلفة، فهذا هو المراد منه؛ ولهذا يقال: استفرغ وسعه في حمل الحمل أو الحجر، وفى العدو، والكلام الكثير، ولا يقال: استفرغ الوسع في حمل الرغيف، أو في حمل المنديل، ولا في الكلام القليل؛ لما أن استفرغ الوسع لا يتحقق في/ (292/ أ) ذلك.
وأما في اصطلاح الأصوليين فهو: عبارة عن استفراغ الوسع في النظر فيما لا يلحقه فيه لوم، مع استفراغ اوسع فيه.
واحترزنا بقولنا: فيما لا يلحقه، وإن استفرغ الوسع في النظر، في طلب الحق فيها إذا لم يصادف الحق على المشهور الذى عليه الجمهور.
فإن قلت: هذه الفائدة حاصلة بقولنا، فيما لا يلحقه فيه دوم فإن مسائل الاصول يلحق فيها اللوم مهما لم يصادف الحق سواء استفرغ الوسع أو
يستفرغ، فما الفائدة في ذكر قوده: مع استفراغ الوسع فيه؟
قلت: لو لم يذكر ذلك القيد، واقتصر على ما ذكرتم لم يكن الحد جامعًا لأن كان مانعًا، بل لا يكون متناولا لشيء من المسائل الاجتهادية؛ وهذا لأنه ليس اللوم منتفيًا عن المسائل الاجتهادية مطلقا فإنه إذا لم يستفرغ الوسع في النظر فيها فإنه يلام مطلقا على المذهبين، أعنى المصوبة، والقائلين بأن المصيب واحد، وأن صادف حكم الله تعالى على رأى هؤلاء، فلو اقتصر على ما ذكرتم لاقتضى ذلك انتقاء، للوم عنها مطلقا، فلم يكن متناولا لشيء منها فلم يكن الحد جامعًا فكان باطلاً.
وقيل: هو عبارة عن استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجزَ عن المزيد فيه، ولا يخفى الاحترازات التي فيها.
وفيه نظر من حيث إنه غير مانع؛ لأنه يندرج تحته ما فيه قاطع ولم يحس الطالب به وهو استفراغ وسعه في طلب حكمه بحيث إنه أحس من نفسه العجز عن المزيد فيه، وهو ليس باجتهاد، وإلا لكانت المسالة مجتهدًا فيها لكنه ليس كذلك لوجود القاطع فيها.
وأما المجتهد فيه، فهو: كل حكم شرعي ليس فيه دليل قاطع. فالحكم كالجنس يتناول الحكم الشرعي وغيره.
وأيضًا: احتراز عن الصفات الحقيقية.
واحترزنا بالشرعي عن الحكم العقلي والحسى.
واحترزنا بقولنا: ليس فيه قاطع عن وجوب الصلوات، والزكوات وأمثالهما مما اتفقت الأمة عليه من جليات الشرع.
وعن الذى فيه القاطع لكن ظن أنه ليس فيه قاطع واستفرغ الوسع طلب حكمه فإنه ليس من المجتهد فيه.
أما أولاً: فلأنه ينقض حكم الحاكم ولو كان مجتهدًا فيه لما كان كذلك.
وأما ثانيًا: فلأن كون المسالة مجتهدًا فيها ليس أمرًا نسبيًا حتى يكون بالنسبة إلى شخص لم يعلم وجود القاطع فيها مجتهدًا فيها، وبالنسبة إلى شخص علم ذلك ليس كذلك.
وقال أبو الحسين البصرى: (المسألة الاجتهادية هي التي اختلف فيها المجتهدون في الأحكام الشرعية).
قال الإمام- رحمه الله: وهذا ضعيف؛ لأن جواز اختلاف المجتهدين فيها مشروط بكون المسألة اجتهادية، فلو عرفنا كونها اجتهادية باختلافهم فيها لزم الدور.
وفى هذا التضعيف نظر؛ لأن التعريف إنما وقع بالاختلاف لا بجواز الاختلاف وهو غيره، ومثله لا يتأتى في نفس الاختلاف. لأنا نمنع أن الاختلاف فيها مشروط بكون المسالة اجتهادية، وهذا لأنه قد يقع الاختلاف في الأحكام الشرعية في غير المسألة الاجتهادية، لكن على هذا التقدير يرد عليه أن يكون غير مانع لما ذكرته من وقوع الاختلاف في غير المسائل الاجتهادية.