الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
القائلون بأن تخلف الحكم عن الوصف لمانع أو لغير مانع لا يقدح في عليته اتفقوا على أن تخلفه كذلك عن حكمة الوصف لا يقدح في عليته.
فأما القائلون بأن تخلفه عن الوصف يقدح في عليته اختلفوا في أن تخلفه عن حكمه المقصودة هل يقدح في عليته أم لا
؟
فذهب بعضهم إلى أنه يقدح محتجًا بأن الحكمة هي المقصودة من شرع الحكم دون الوصف المشتمل عليها فإذا كان تخلف الحكم [عن الوصف قادحًا في عليته مع أنه ليس بمقصود بالذات فلأن يكون تخلف الحكم] عن المقصود بالذات منه قادحًا في عليته بالطريق الأولى.
فإن قلت: لو تحقق التخلف عن الحكمة المقصودة في ضمن الوصف لزم ما ذكرتم، فأما إذا لم يتحقق ذلك وهو الغالب فإن الغالب أن الحكمة غير منضبطة فيحتمل أن يكون التخلف عن حكمه هي أنقص مقدارًا من مقدار الحكمة المقصودة من الوصف، فحينئذ لا يكون التخلف حاصلًا عن الحكمة المقصودة في ضمن الوصف فلا يلزم ما ذكرتم.
قلت: مقدار الحكمة المتخلف عنها عن كان مثل مقدار الحكمة المقصودة من الوصف أو زائدًا عليه لزم ما ذكرنا، وإلا لم يلزم كما ذكرتم لكن وقوع احتمال من احتمالين أغلب من وقوع احتمال بعينه فيغلب على الظن توجه النقض وبطلان عليته، والعمل بغلبة الظن واجب على ما تقدم تقريره فيلزم ابطال عليته.
ولقائل أن يقول: هذا إنما يلزم أن لو كانت الحكمة التي تخلف الحكم عنها من نوع الحكمة المقصودة من الوصف، فأما إذا لم يكن كذلك كما في المسألة
المشهورة التي تذكر مثالًا لهذه المسألة وهي: أن الحنفي إذا قاس العاصي بسفره في إثبات الرخصة له على العاصي في سفره بجامع المشقة التي في السفر وبين مناسبتها للترخص، فنوقض بالحمال وأرباب الصنائع الشاقة في الحضر لم يلزم ذلك؛ لأن المشقتين نوعان مختلفان، ومع اختلاف النوع لا يمكن اعتبار المقدار، نعم لو تحقق مشقة السفر في صورة من الصور مع عدم الترخص توجه البحث المذكور.
وذهب الأكثرون إلى أن ذلك لا يقدح محتجين بأن علية الوصف قد تحققت وفاقًا وبشهادة المناسبة والاقتران، وتخلفه عن مقدار الحكمة المقصودة من الوصف مشكوك فيه؛ إذ يحتمل أن تكون الحكمة التي تخلف الحكم عنها نوعًا آخر كما تقدم، أو وأن كانا نوعًا واحدًا لكن يحتمل أن يكون مقدار الحكمة التي تخلف الحكم عنها أقل من مقدار التي جعل لأجلها الوصف علة، فيصير احتمالي الخصم معارضين بهذين الاحتمالين فحينئذ يقع الشك في تخلفه عن ذلك المقدار، وإذا كان كذلك وجب اعتقاد بقائه علة ابقاء لما كان على ما كان.
وأيضًا: لو كان تخلف الحكم عن الحكمة يقدح في علية الوصف لكان تخلف الحكم عن الوصف يقدح في علية الحكمة لو جوزنا التعليل بها لتساويهما في ذلك لكن اللازم باطل لجواز أن يكون الوصف مظنة الحكمة غير واجب الاشتمال عليها فيمكن عراه عنها، فقد لا يلزمه الحكم، ومعلوم أن خلوه عن الحكم بهذا المعني لا يقدح في علية الحكمة فإنها علة بالذات على التحقيق فأينما تحققت تحقق معها فلا يتصور خلوها عن الحكم.
وفيهما نظر لا يخفي على المتأمل، والحق في ذلك أن يقال: إن الحكمتين
أعني ما تخلف الحكم عنها، وما اشتمل عليه الوصف إن كانتا من نوع واحد ولم يظهر نقصان مقدار التخلف عنها عن مقدار التي في ضمن الوصف قدح [في عليته] وإلا فلا.