الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي هذا المثال نظر من حيث إن المدعي في القياس الأول إن كان عدم الصحة مطلقًا فيمنع الخصم ثبوت هذا الحكم في الأصل، وإن كان في حق ذلك الغير فيرجع قلب القلب إلى عين الأول/ (207/ أ) ومن الناس من أنكر أن يكون القلب معارضة، بل هو إفساد العلة، فعلي هذا ليس للمستدل أن يتكلم على قلبه بكل ما للقالب أن يتكلم على دليل المستدل لما تقدم في النقض، ثم امتياز القلب عن مطلق المعارضة إنما هو بأمرين لا غير:
أحدهما: أنه لا يمكن فيه الزيادة في العلة، وفي سائر المعارضات يمكن.
وثانيهما: أنه لا يمكن منع وجود العلة في الفرع والأصل؛ لأن أصل القالب وفرعه هما أصل المستدل وفرعه ويمكن ذلك في سائر المعارضات.
المسألة الثالثة
في أقسام القلب:
اعلم أن كل واحد من الحكمين المذكورين في قياس المستدل وقلب المعترض إما أن يكونا مفصلين، أو مجملين، أو أحدهما مفصلًا والآخر مجملًا.
والمفصلان لا يخلو إما أن يكون كل واحد منهما يدل على فساد مذهب الخصم صريحًا أو ضمنًا، أو يكون أحدهما يدل صريحًا والآخر ضمنًا أي بواسطة فهذه أقسام خمسة.
أولها: وهو ما يكون الحكمان مفصلين وكل واحد منهما يدل على فساد مذهب الخصم وهذا ينقسم إلى قسمين:
لأنه إما أن يدل مع ذلك على صحة مذهب نفسه صريحًا أو لا.
مثال الذي لا يدل على صحة مذهب نفسه صريحًا قولنا في مسح الرأس: عضو من أعضاء الوضوء، فلا يتقدر بالربع كغيره من الأعضاء.
فيقول الخصم [في قلبه: عضو من أعضاء الوضوء فلا يكتفي فيه بأقل ما ينطلق عليه الاسم] كغيره من الأعضاء فإن كل واحد من هذين الحكمين يدل صريحًا على إبطال مذهب الخصم، ولا يدل على صحة مذهب نفسه، فإن عدم التقدير بالربع لا يدل صريحًا على الاكتفاء بأقل ما ينطلق عليه الاسم، وكذلك عدم الاكتفاء بأقل ما ينطلق عليه الاسم لا يدل صريحًا على التقدير بالربع، نعم يدل عليه بواسطة اتفاق الإمامين على أحد الحكمين ونفي ما عداهما.
مثال الذي على الأمرين معًا بطريق الصراحة، قولنا في إزالة النجاسة: طهارة تراد لأجل الصلاة، فلا تجوز بغير الماء كطهارة الحدث، فيقول الخصم: طهارة لا تراد لأجل الصلاة فتجوز بغير الماء كطهارة الحدث فإنه يجوز بالتيمم، فإن كل واحد من هذين الحكمين يدل على الأمرين جميعًا.
وثانيها: وهو ما يكون كل واحد منهما يدل على بطلان مذهب الخصم بواسطة كقول الحنيفة في صحة بيع الغائب: عقد معاوضة مع عدم رؤية
المعقود عليه فوجب أن يتمكن المشتري من الفسخ إذا وجد به برصًا أو جنونًا كما في النكاح، فنقول فوجب أن لا يثبت فيه خيار الرؤية كالنكاح، فإنه يلزم من التمكن من الفسخ انعقاد البيع قطعًا، ويلزم من عدم ثبوت الخيار عدم انعقاده؛ ضرورة أنه لا قائل بالانعقاد مع عدم خيار الرؤية.
وثالثها: وهو ما يكون أحدهما يدل صريحًا والآخر بواسطة، وهو كقولهم في هذه المسألة: عقد معاوضة فينعقد مع عدم رؤية المعقود عليه كالنكاح فنقول كما قلنا في المثال الأول.
ورابعها: وهو ما يكون الحكمان مجملين وذلك لا يصح، لاستحالة اجتماع الشيئين المتنافيين.
مثاله: قولهم في الاعتكاف: لبث في مكان مخصوص، فاحتاج إلى معني يصير به قربة كالوقوف، فنقول: فلم يحتج إلى معني يصير به قربة كالوقوف فإن الحكمين لا يوجدان في الأصل صريحًا إذ الوقوف يحتاج إلى معني يصير به قربة.
وخامسها: وهو ما يكون أحدهما مجملًا والآخر مفصلًا وذلك يصح كما في المثال المتقدم، فإنهم إذا قالوا فيه ما تقدم وقرروه: بأنه يلزم من ذلك كون الصوم شرطًا لصحة الاعتكاف؛ لأن كل من قال باشتراط معني في كون الاعتكاف يقع عبادة قال أنه هو الصوم، فالقوم باشتراط معني غير ذلك فيه خلاف الإجماع فنقول نحن: لبث في مكان مخصص فوجب أن يشترط الصوم في كونه عباده كالوقوف.
ثم اعلم أن منهم (من) لم يقبل القلب المفصل الذي يدل بواسطة في معارضة الذي يدل مفصلًا من غير واسطة، وكذا القلب المجمل في معارضة الذي يدل مفصلًا لاحتياج كل واحد منهما إلى مقدمة لا يحتاج إليه دليل المعلل وهو حق إن قيل القلب: معارضة كما أن الدليل الذي تكون مقدماته أكثر مرجوحًا بالنسبة إلى الذي لا يكون كذلك، هذا أن كان عدم قبوله لكونه مرجوحًا، فإن الدليل المرجوح لا يكون مقبولًا مع وجود الراجح وإن كان ذلك لكونه ليس بدليل إذ ذاك فلا وهو ظاهر.
واعلم أن من القلب ما يسمي "قلب التسوية" وهو إنما يقع في القسم الخامس لأن من ضرورة التسوية الإجمال؛ ولهذا لم يقبله من لم يقبل القلب المجمل، وبعض من قبله لم يقبله أيضًا؛ لأن مقصود القالب من التسوية مناقض لما في الأصل فإنه يقصد التسوية بينهما في [عدم الصحة والثابت في الأصل التسوية بينهما] في الصحة وبه قدح أيضًا في تسميته التسوية، وهو ضعيف فإن القياس على الأصل إنما هو من حيث عدم الاختلاف، وهو ثابت فيه لكن عدم اختلاف الأصل في ثبوت الصحة فيهما وفي الفرع في عدم ثبوت الصحة فيهما وهو [ثابت فيه لكونه عدم اختلاف الأصل] غير مناف لاشتراك في أصل الاستواء.
مثاله: قول الحنيفة في طلاق المكره: مكلف مالك للطلاق، فيقع طلاقه كالمختار.
فنقول: مكلف مالك للطلاق فينبغي أن يستوي إيقاعه وإقراره كالمختار.
ويلزم من هذا أن لا يقع طلاقه؛ لأن إقراره غير معتبر وفاقًا، فوجب أن/ (208/ أ) لا يعتبر طلاقه، وإلا لم تحصل التسوية بينهما، فيكون هذا إنما يدل على الحكم المدعي بواسطة اتفاق الإمامين على أن إقراره غير معتبر كما في القلب المجمل على ما عرفت ذلك من قبل.
ثم لا يخفي عليك أن أعلى مراتب القلب ما يدل على بطلان مذهب الخصم وإثبات مذهب نفسه صريحًا [ثم ما يدل على بطلان مذهب خصمه صريحًا، ثم ما يدل على إثبات مذهبه صريحًا] ثم ما يدل عليهما، أو على أحدهما ضمنًا.
الفصل الرابع
في القول بالموجب