المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الخامسةفي ترجيح الخبر باعتبار مدلوله وهو الحكم - نهاية الوصول في دراية الأصول - جـ ٨

[الصفي الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابعفي الركن الثالثوهو العلة

- ‌القسم الأول:في الطرق الدالة على كون الوصف علة الحكم

- ‌الفصل الثانيفي إثبات العلية بالمناسبة والإخالةوهي من الطرق العقلية

- ‌المسألة الأولىفي تعريف المناسب:

- ‌المسألة الثانيةاعلم أن الحكم إذا شرع للمناسبة فلابد وأن يكون محصلًا للمصلحة أو دافعًا للمفسدة، أو محصلًا للمصلحة ودافعًا للمفسدة معًا

- ‌المسألة الثالثةفي تقسيم المناسب

- ‌المسألة الرابعةفي أن مناسبة المصلحة تبطل وتحرم بمناسبة مفسدة مساوية أو راجحة، وقال قوم لا تبطل وهو اختيار الإمام

- ‌المسألة الخامسةفي إقامة الدلالة على أن المناسبة دالة على كون الوصف علة الحكم

- ‌الفصل الثالثفي قياس الشبه

- ‌المسألة الأولىفي تعريف ماهيته

- ‌المسألة الثانيةفي إقامة الدلالة على أنه حجة إذا اقترن به الحكم

- ‌المسألة الثالثةذهب بعض أصحابنا أن الوصف الشبهي إذا لم يعرف تأثير عينه في عين الحكم بل عرف تأثير جنسه القريب في الجنس القريب للحكم لا يكون حجة. وخالفه الباقون وهو المختار

- ‌الفصل الرابعفي الدورانويسمى بالطرد والعكس

- ‌الفصل الخامسفي السبر والتقسيم

- ‌الفصل السادسفي الطرد

- ‌الفصل السابعفي تنقيح المناط

- ‌الفصل الثامنفيما ظن أنه من طرق إثبات العلة وليس كذلك

- ‌القسم الثانيمن الطرق الدالة على أن الوصف لا يجوز أن يكون علة الحكم

- ‌الفصل الأولفي النقض

- ‌المسألة الأولىاختلفوا في أن ذلك هل يقدح في علية الوصف أم لا

- ‌المسألة الثانيةالقائلون بأن تخلف الحكم عن الوصف لمانع أو لغير مانع لا يقدح في عليته اتفقوا على أن تخلفه كذلك عن حكمة الوصف لا يقدح في عليته.فأما القائلون بأن تخلفه عن الوصف يقدح في عليته اختلفوا في أن تخلفه عن حكمه المقصودة هل يقدح في عليته أم لا

- ‌المسألة الثالثةالقائلون بتخصيص العلة اختلفوا في أنه هل يجب على المستدل ابتداء التعرض لنفي المانع، أم لا

- ‌المسألة الرابعةالقائلون بعدم تخصيص العلة اختلفوا في النقض إذا كان واردًا على سبيل الاستثناء

- ‌المسألة الخامسةفي الكسروهو نقض يرد على بعض أوصاف العلة

- ‌المسألة السادسةفي كيفية دفع النقض

- ‌الفصل الثانيفي عدم التأثير والعكس

- ‌المسألة الأولىفي معناهما:

- ‌المسألة الثانيةفي أن عدم التأثير يقدح في العلية

- ‌المسألة الثالثةفي أن العكس غير واجب في العلة عقلية كانت أو شرعية

- ‌الفصل الثالثفي القلب

- ‌المسألة الأولىفي حقيقته

- ‌المسألة الثانية

- ‌المسألة الثالثةفي أقسام القلب:

- ‌الفصل الرابعفي القول بالموجب

- ‌الفصل الخامسفي الفرق

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانيةيجوز تعليل الحكم الواحد نوعًا المختلف شخصًا بعلل مختلفة وفاقًا

- ‌المسألة الثالثةالقائلون بكون الفرق يقدح في العلية اختلفوا في أنه هل هو من تمامه ولوازمه نفيه عن الفرع أم لا

- ‌المسألة الرابعة

- ‌القسم الثالثفي أمور ظنت أنها تفسد العلة مع أنها ليست

- ‌المسألة الأولىفي تقسيم العلة

- ‌المسألة الثانيةاختلفوا في جواز التعليل بمحل الحكم، أو جزئه الخاص:

- ‌المسألة الثالثةالحق أنه لا يجوز أن تكون علة الحكم في الأصل بمعني الأمارة

- ‌المسألة الرابعةيجوز التعليل بالحكمة عند قوم.وقال قوم لا يجوز

- ‌المسألة الخامسةذهب جمع إلى جواز التعليل بالعدم ثبوتيا كان الحكم أو عدميا

- ‌المسألة السادسةاختلفوا في جواز تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي:

- ‌المسالة السابعةالتعليل بالأوصاف العرفية

- ‌المسألة الثامنةالتعليل بالوصف المركب جائز عند المعظم، وقال بعضهم لا يجوز

- ‌المسألة التاسعةأطبق الكل على أن العلة المنصوصة أو المجمع عليها يجوز أن تكون قاصرة، وأختلفوا في المستنبطة:

- ‌المسألة العاشرةاتفقوا على التعليل بمجرد الاسم غير جائز

- ‌المسألة الحادية عشرة

- ‌المسألة الثانية عشرةذهب الأكثرون إلى إنه لا يجوز التعليل بالصفات المقدرة، خلافا للأقلين من المتأخرين

- ‌المسألة الثالثة عشرةفي تقسيم العلة باعتبارات أخر غير ما تقدم

- ‌المسألة الرابعة عشرةاعلم أن الاستدلال قد يكون بذات العلة على الحكم، وقد يكون بعلية الحكم للحكم عليه

- ‌المسألة الخامسة عشرةاعلم أن تعليل الحكم العدمي بالوصف الوجودي يسمى تعليلا بالمانع

- ‌خاتمة لهذا القسم بمسائل في أحكام العلة لم يتقدم ذكرها

- ‌المسألة الثانيةالوصف الذي جعل علة الحكم بمعنى الباعث لا شتمالها على الحكمة يجب أن لا يمكن بمثابة يلزم منه إثبات الحكم، أو نفيه مع القطع

- ‌المسألة الثالثةقيل الوصف الذي جعل ضابطا لحكمته يجب أن يكون جامعا للحكمة

- ‌المسألة الرابعةالمشهور أنه لا يجوز تعليل الحكم بعلة متأخرة عنه في الوجود

- ‌المسألة الخامسة: (231/ أ)العلة المستنبطة من الحكم يجب أن لا ترجع إليه بالإبطال، ومعلوم أن ذلك لا يكون إلا في الأصل

- ‌الباب الخامسفي الركن الرابع وهو الفرع

- ‌النوع الخامس عشرفي الاعتراضات [وأجوبتها]

- ‌النوع السادس عشرالكلام في التعادل والتراجيح

- ‌ القسم الأول في التعادل

- ‌المسألة الأولىأطبق الكل على أن تعادل القاطعين المتنافيين عقليين كانا أو نقليين غير جائزة

- ‌المسألة الثانيةالقائلون بجواز هذا التعادل [قالوا: إن وقع هذا التعادل]، للإنسان في عمل نفسه كان حكمه فيه التخيير، أو التساقط والرجوع إلى غيرهما

- ‌المسألة الثالثةالمجتهد إذا نقل عنه قولان كالوجوب والتحريم مثلاً

- ‌القسم الثانيفي التراجيح

- ‌الفصل الأولفي مقدمات التراجيح

- ‌المسالة الأولى: في حد الترجيح

- ‌المسألة الثانيةذهب الأكثرون إلى وجوب العمل بالراجح سواء كان الترجيح معلومًا أو مظنونًا

- ‌المسألة الثالثةلا يتطرق الترجيح إلى الأدلة القطعية

- ‌المسألة الرابعةالمشهور أن العقليات لا يتطرق الترجيح إليها

- ‌المسالة الخامسةذهب الشافعي ومالك- رضي الله عنهما إلى أنه يجوز الترجيح بكثرة الأدلة، خلافًا للحنفية

- ‌المسألة السادسةإذا تعارض دليلان فإن لم يمكن العمل بكل واحد منهما بوجه دون وجه صير إلى الترجيح

- ‌المسألة السابعةإذا تعارض نصان فإما أن يكونا عامين، أو خاصين.أو أحدهما عامًا والآخر خاصًا

- ‌الفصل الثانيفي تراجيح الأخبار

- ‌المسألة الأولىفي ترجيح الخبر بكيفية السند

- ‌المسألة الثانيةفي ترجيح الخبر بكيفية الرواية

- ‌المسألة الثالثةفي الترجيح بحال وروده

- ‌المسألة الرابعةفي ترجيح الخبر باعتبار اللفظ

- ‌المسألة الخامسةفي ترجيح الخبر باعتبار مدلوله وهو الحكم

- ‌المسالة السادسةفي ترجيح الخبر بالأمور الخارجية

- ‌الفصل الثالثفي ترجيح القياس بحسب علته

- ‌المسألة الأولىفي ترجيح القياس بحسب ماهية علته

- ‌المسألة الثانيةفي ترجيح القياس بحسب الدليل الدال على وجود علته

- ‌المسألة الثالثةفي ترجيح القياس بسبب الدليل الدال على علية الوصف في الأصل

- ‌المسألة الرابعةفي ترجيح القياس بسبب وصف العلة

- ‌النوع السابع عشر في الاجتهاد

- ‌ المقدمة:

- ‌الفصل الأولفي المجتهد

- ‌المسألة الأولىاختلفوا في أن الرسول- عليه السلام هل كان يجوز له الاجتهاد فيما لا نص فيه:

- ‌المسألة الثانيةاتفقوا على جواز الاجتهاد بعد الرسول- عليه السلام

- ‌المسأله الثالثةفي شرائط المجتهد

- ‌المسألة الرابعةاختلفوا في أن صفة الاجتهاد هل تحصل في فن دون فن أم لا

- ‌الفصل الثانيفي المجتهد فيه

- ‌المسألة الأولىذهب الجماهير إلى أنه ليس كل مجهد في الأصول مصيبًا

- ‌المسألة الثانيةفي تصويب المجتهدين في الأحكام الشرعية

- ‌النوع الثامن عشرالكلام في المفتي والمستفتي وما فيه الاستفتاء

- ‌الفصل الأول في المفتي

- ‌المسألة الأولىفي المفتي المجتهد إذا أفتى مرة بما أدى إليه اجتهاده، ثم سئل مرة أخرى عن تلك الحادثة بعينها:

- ‌المسألة الثانيةفي أن غير المجتهد هل يجوز له الفتوى بما يحكيه عن الغير من المجتهدين

- ‌المسألة الثالثةالمختار عند الأكثرين أنه يجوز خلو عصر من الأعصار عن الذي يمكن تفويض الفتوى إليه سواء كان مجتهدًا مطلقًا، أو كان مجتهدًا في مذهب المجتهد، ومنع منه الأقلون كالحنابلة

- ‌الفصل الثانيفي المستفتي

- ‌المسألة الأولىيجوز للعامي أن يقلد المجتهدين في مسائل الفروع اجتهادية كانت أو غير اجتهادية

- ‌المسألة الثانيةفي شرائط الاستفتاء

- ‌المسألة الثالثةالرجل الذي تنزل به الواقعة إن كان عاميًا صرفًا جاز له الاستفتاء

- ‌المسألة الرابعةالعامي إذا عمل بفتوى بعض المجتهدين في حكم حادثة وقلده فيه لم يجز له الرجوع عنه إلى حكم آخر في تلك الحادثة بعينها بفتوى غيره إجماعًا

- ‌النوع التاسع عشرالكلام في المدارك التي اختلف المجتهدون في أنها هل هي مدارك للأحكام أم لا

- ‌المسألة الأولىفي أن الأصل في المنافع الإذن، وفى المضار المنع خلافا لبعضهم

- ‌المسألة الثانيةفي استصحاب الحال

- ‌المسألة الثالثةفي أن النافي هل عليه دليل أم لا

- ‌المسألة الرابعةاختلفوا في أن مذهب الصحابي وقوله هل هو حجة على من بعدهم من التابعين أم لا

- ‌المسألة الخامسةفي المصالح المرسلة

- ‌المسألة السادسةفي الاستحسان

- ‌المسألة السابعةاختلفوا في أنه هل يجوز أن يقول الله تعالى لنبي أو لعام: احكم بما شئت، فإنك لا تحكم إلا بالصواب:

- ‌المسألة الثامنةذهب الشافعي رضي الله عنه وأصحابه إلى أنه يجوز الاعتماد في إثبات الأحكام على الأخذ بأقل ما قيل فيه خلافًا لبعضهم

- ‌المسألة التاسعةذهب بعضهم إلى أن الأخذ بأخف القولين واجب على المكلف

- ‌النوع العشرونالكلام في الاستدلال

- ‌المسألة الأولىفي معنى الاستدلال

- ‌المسألة الثانيةفيما يتعلق بالسبب والشرط والمانع

- ‌المسألة الثالثةفي الاستدلال بعدم ما يدل على الحكم على عدم الحكم

- ‌المسألة الرابعةمن جملة طرق الاستدلال والاستقراء

- ‌المسألة الخامسةفي الاستدلال على عدم الحكم

- ‌المسألة السادسةفي الاستدلال على ثبوت الحكم

الفصل: ‌المسألة الخامسةفي ترجيح الخبر باعتبار مدلوله وهو الحكم

الأربعون: دلالة الاقتضاء راجح على مفهوم المخالفة لكونه متفقا عليه، ولكونه محتاجا إليه لضرورة الكلام، وكذا على مفهوم الموافقة، لأنه لو لم يعمل بدلالة الاقتضاء لتعطل النص ضرورة أنه من ضرورة الكلام بخلاف مفهوم الموافقة فإنه إن لم يعمل به كان النص معمولا به في محل النطق فكان الأول أولى.

‌المسألة الخامسة

في ترجيح الخبر باعتبار مدلوله وهو الحكم

وهو من وجوه:

أحدها: إذا كان أحد الخبرين مقَررًا لحكم الأصل، والثاني ناقلا فالجمهور على أنه يجب ترجيح الناقل.

وذهب بعضهم واختاره الإمام أنه يجب ترجيح المقرر.

مثاله: خبر من روى عنه عليه السلام "أنه سئل عنه فقال" (إذ مس أحدكم ذكره فليتوضأ "، وخبر من روى عنه عليه السلام [أنه سئل عنه] فقال: (هل هو إلا بضعة منك، فإن الأول ناقل عن حكم الأصل والثاني مقرر.

ص: 3718

احتج الأولون بوجوه:

أحدها: أن في تقديم المقرر على الناقل زيادة النسخ، لأنه إنما يقدم عليه بناء على تأخره عن المقرر وحينئذ يلزم النسخ مرتين، لان الناقل نسخ حكم العقل، ثم أن المقرر أزال حكم الناقل فيلزم النسخ مرتين لكن أحدهما عقلي، والثاني شرعي، بخلاف ما إذا قدمنا الناقل فإنه لم يلزم منه إلا النسخ مرة واحدة، لأنه حينئذ إنما يقدم على المقرر بناء على تأخره عنه، وحينئذ يكون المقرر واردًا أولا مؤكدًا لحكم العقل، ثم أن الناقل ورد بعده مزيلاً لحكمه فلم يلزم النسخ إلا مرة واحدة فكان أولى.

وأجيب عنه: بانا لا نسلم أنه يلزم من تقديم المقرر تكثير النسخ، وهذا لان دلالة العقل مشروطة بعدم دليل السمع، فإذا وجد لا يبقى دليل العقل لزوال ضرطه فلم يكن دليل السمع مزيلاً لحكم العقل، بل مبينا لانتهائه، فلا يكون ذلك خلاف الأصل.

وأيضًا: فإن ما ذكرتم معارض بوجه آخر، وهر: أنا لو جعلنا المبقى حكما مقدما في الورود لكان المنسوخ حكما ثابتا بدليلين: العقل والخبر وهو أشد مخالفة من النسخ مرتن لأنه يلزم منه نسخ الأقوى

ص: 3719

بالأضعف، وهو غير جائز. بخلاف ما إذا قدمنا الناقل في الورود فإنه لا يلزم منه هذا المحذور فكان تقدير تقدم الناقل في الورود أولى.

وهو ضعيف.

أما الأول: فلان هذا الاحتمال بعينه قائم في نسخ الحكم الشرعي لاسيما عند هذا القائل فإن النسخ عنده عبارة عن: بيان انتهاء مدة الحكم، وليس هو عبارة عن إزالة الحكم ورفعه فكان ينبغي أن لا يكون خلاف الأصل، وأيضا؛ توقيف دلالة الدليل على الشرط خلاف الأصل فيما يفضى إليه أيضا خلاف الأصل.

وأما الثاني: فلان ما ذكر من دلالة العقل مشروطة بعدم، دليل السمع يقتضى أن لا يكون دليل العقل دالاً على ذلك الحكم عند ورود المقرر، فإنه دليل سمعي فينبغي أن تنتفي دلالة العقل على الحكم عند وروده لزوال شرطه فلم يلزم نسخ الأقوى بالأضعف، ولئن سلم أن دلالته غير مشروطه بعدم دليل السمع، بل دلالته باقية بعد وروده لكن لا يصير الحكم قطعيا إذا كان الذى صرد من الدليل السمعي ظنيا بسبب دلالتهما عليه بل يبقى ظنيا، وحينئذ لا نسلم أنه لا يجوز نسخه بالظني الذى هو أضعف منه، فإن الضعف والقوة إذا كانا من نوعين مختلفين كما في العلم والظن لا يجوز نسخ الأقوى بالأضعف، فأما إذا كانا من نوع واحد كما إذا أفاد دليل ظني ظنًا قويا ثم ورد بعده ظني آخر يقتضى نسخه، فانه وإن كان أضعف منه فإنه يجوز النسخ به، وأيضا: فإن دليلكم منتقض بما إذا علم تقدم ورود المقرر وتأخر الناقل فإنه لا خلاف في تقديمه على المقرر مع أنه يلزم ما ذكرتم من المحذور وهو نسخ الأقوى بالأضعف.

ص: 3720

وثانيها: أنا لو اعتبرنا الناقل لكنا استفدنا منه ما لا يعلم من غيره ولو اعتبرنا المبقى لكنا استفدنا منه ما يعلم من غيره وهو العقل فكان اعتبار الناقل أولى.

وأجيب عنه: بانه يقتضي تقديم المقور فانا لو قدمنا الناقل عليه لكان المقرر

قد ورد قبل الناقل وحينئذ يكون المستفاد منه حكمًا يتمكن العقل من معرفته ولو قدمنا المقرر لكان الناقل قد ورد قبله فيكون المستفاد من كل واحد منهما حينئذ حكما لا يمكن معرفته من غيره فكان تقديم المقور أولى وستعرف ما عليه من الكلام.

وثالثها: أن الناقل معه زيادة علم فكان أولى بالاعتبار.

وجوابه: أن الفائدة في تقديم المقرر أكثر لأنه حينئذ يستفاد من كل واحد منهما حين وروده ما لا يعلم إلا منه فكان أولى.

واحتج من قال بتقديم المقرر. بانا لو قدمنا الناقل فإنما نقدمه لكوننا نقدر وروده بعد المقرر وحينئذ يكون ورود المقرر قبل الناقل فيكون واردأ حيث لا يحتاج إليه وليس له فائدة إلا التأكيد والتقرير ولو قدمناه فإنما نقدمه لكوننا نقدر وروده بعد الناقل وحينئذ يكون واردأ حيث يحتاج إليه وتكون فائدته التأسيس فكان الحمل عليه أولى لما تقدم غير مرة أن حمل كلام الشارع على الفائدة التأسيسية أولى.

وجوابه: أنا لا نسلم حينئذ يكون واردأ حيث لا يحتاج إليه، وهذا لأن كون ذلك الحكم شرعيا يحتاج إليه وهو إنما يصير شرعيا إذا قوره الشارع على ما كان عليه أو نقله، ولهذا كان قبل التقرير يجوز رفعه بكل دليل شرعي كالقياس وغيره، فأما بعده فلا يجوز إلا بنص من جنسه أو أقوى منه كالمتواتر

ص: 3721

وحينئذ يكون واردا في محل الحاجة وتكون فائدته بالنسبة إلى كون ذلك الحكم شرعيا فائدة تأسيسية كما في الناقل فلم يكن الحمل على أنه ورد بعد الناقل أولى من الحمل على أنه ورد قبله بل هذا أولى، لأنهما اشتركا في إثبات الفائدة التأسيسية وزاد هذا على الاحتمال الأول بقلة النسخ.

سلمنا عدم حصول الفائدة التأسيسية من المقرر على "تقدير" تقدمه لكن

لا يعارض هذا مفسدة زيادة النسخ فكان تقديم الناقل أولى.

فإن قلت: كلامكم في الدلالة من الجانبين يشعر بأن العمل الناقل أو المقرر على اختلاف المذهبين من باب الناسخ " فهل هو من بابه، أو من باب الترجيح؟ وبتقدير أن يكون من باب الناسخ" كيف أوردتموه في باب الترجيح فإن العمل بالناسخ ليس من باب الترجيح؟

قلت: قال القاضي عبد الجبار: أنه ليس من باب الترجيح، واستدل عليه بوجهيها:

الأول: أنا نعمل بالناقل على أنه ناسخ، والعمل بالناسخ ليس من باب الترجيح.

الثاني: أن العمل بالناقل لو كان من باب الترجيح لوجب أن يعمل بالخبر الآخر لولاه، لأن هذا حكم كل خبرين رجح أحدهما على الآخر، ومعلوم أنه لولا الخبر الناقل لكنا إنما نحكم بحكم الأصل لدلالة العقل لا لأجل الخبر.

ص: 3722

وهما ضعيفان:

أما الأول: فلأنا لا نقطع على أن الناقل أو المقرر متأخر وناسخ حيث يقدم أحدهما على الأخر حتى يكون العمل بأحدهما إذ ذاك من باب النسخ، بل نقول: الظاهر ذلك لئلا تلزم المفسدة المذكورة في الدلالتين وإن كان يجوز أن لا يكون كذلك فهو إذن داخل في باب الأولى وهو ترجيح.

وأما الثاني: فلانا لا نسلم أنه لولا الخبر الناقل لكان العمل بحكم الأصل كدلالة العقل بل للخبر المقرر لحكم الأصل، ألا ترى أنا نجعله حكما شرعيا، ولهذا لا يصح دفعه إلا بما يصح به رفع الحكم الشرعي فلولا أنه بعد ورود الخبر صار شرعيًا، وإلا لما كان كذلك.

وإذا ظهر ضعف الوجهين بطل أن يكون العمل بأحدهما من باب النسخ بل الحق أنه من باب الترجيح.

وثانيها: إذا كان أحد الخبرين إثباتًا والأخر نفيًا وهما شرعيان كخبر بلال وأسامة فإن أحدهما روى أنه عليه السلام دخل البيت وصلى، وروى؛ الأخر أنه عليه السلام دخل البيت ولم يصل، فالنافي مقدم على المثبت عند

ص: 3723

قوم.

والمثبت مقدم على النافي عند الفقهاء. وفصل بعضهم كإمام الحرمين فقال: (النافي أن ذكر لفظا معناه النفي فهما سواء)، وأن نفى الفعل أو القول كقوله: لم يفعل أو لم يقل فالمثبت مقدم.

وفال القاضي عبد الجبار. أنهما سواء وضرب لذلك أمثلة ثلاثة:

أحدها: أن يقتضى العقل حظر الفعل، ثم ورد خبران في إباحته ووجوبه. وثانيها: أن يقتضى العقل وجوب الفعل، ثم ورد خبران في حظره وإباحته. وثالثها: أن يقتضى العقل إباحة العقل، ثم ورد خبران في وجوبه وحظره.

واعلم أن الحكم بتسويتهما حيث يكون للعقل فيه حكم كما في الأمثلة التي ضربها القاضي غير مستقيم على رأيه ورأى أصحابه، لأن العقل إذا اقتضى الحظر مثلاً كما في المثال الأول الذى ضربه ثم ورد فيه خبران أحدهما يقتضى الوجوب وثانيهما يقتضى الإباحة، فالوجوب ناقل عن الحظر من

ص: 3724

وجهين وهو جواز الفعل، وعدم جواز الترك، والإباحة ناقل من وجه واحد وهو جواز الفعل.

فمن رجح المقرر على الناقل يجب أن يرجح خبر الإباحة لأنه مقرر للحظر من وجه وهو جواز الترك، لاذا كان فيه التقرير من وجه كان راجحا، لأن ما فيه جهة الرجحان راجح على ما ليس فيه جهة الرجحان.

ومن رجح الناقل ينبغي أن يرجح خبر الوجوب؛ لأنه ناقل من الحظر من وجهن: وهو جواز الفعل وعدم جواز الترك، فكان راجحا على خبر الإباحة لتعدد جهة الرجحان فيه.، وعلى هذا القياس الكلام في المثالين الباقين، إن كان كل واحد من المثبت والنافي مقررًا من وجه وناقلا من وجه كما إذا اقتضى العقل الإباحة، وأحد الخبرين يقتضى الوجوب والأخر الحظر فإنهما يستويان لاجتماع جهتي الرجحانية والمرجوحية في كل واحد منهما فظهر أن القول بالتسوية بينهما غير لائق بأصول المعتزلة، نعم يليق ذلك بأصول أصحابنا بمعنى أنه لا ينافيه، لا أنه يجب أن يكون كذلك. واحتج القاضي على التسوية بان المثبت معه زيادة غلم، والثاني متأكد بالأصل فيستويان.

وجوابه: أن كونه مشتملا على زيادة علم راجح على ما ذكرتم، لأن نسيان ما جرى والذهول عنه أقرب من تخيل ما لم يجر جاريًا.

واحتج من قدم النافي: بان تقرير وروده بعد المثبت يفيد فائدة تأسيسية، وتقدير وروده قبله يفيد فائدة تأكيدية فكان الحمل على الأول أولى لما مر غير مرة.

وهو غير آت في جميع الصور، لأنه غير آت فيما قدمناه من المثال فتكون

ص: 3725

الدعوى عامة والدليل خاصا، وهو باطل، سلمناه لكن لا نسلم أن على التقدير الثاني يفيد فائدة تأكيدية وقد عرفت سنده فيما تقدم.

واحتج من فصَّل: بأن الذى يبقى إن كان نقل لفظًا معناه النفي إذا نقل أنه لا يحل، ونقل الأخر أنه يحل فهما سواء لأن كل واحد منهما مثبت، وإن لم يكن كذلك بل أثبت أحدهما فعلا أو قولاً، ونفاه الأخر فها هنا المثبت أولى لما تقدم.

احتج من قدم الإثبات بأن المثبت مفيد لما هو حكم شرعي بالاتفاق والنافي غير مفيد لما هو حكم شرعي بالاتفاق والغالب من الشارع أنه لا يتولى إلا بيان الحكم الشرعي.

وهو أبضا ضعيف.

أما أولاً: فلما عرفت أن التقرير على العدم الأصلي حكم شرعي.

وأما ثانيًا: فلأن الحكم الشرعي غير مقصود بالذات وإنما هو مقصود للحكمة التي تترتب عليه فهو. مقصود بكونه وسيلة إليها، وإذا كان كذلك فالحكمة التي تترتب على الإثبات كما هي مقصودة، فكذا الحكمة التي تترتب على النفي فلا يفترق الحال بين النفي والإثبات.

وأما ثالثًا: فلان التقرير على العدم الأصلي والإبقاء على ما كان عليه الشيء من الشارع أكثر من التغيير فعلى هذا الخبر المقرر للنفي الأصلي يكون أولى من المغير.

وثالثها: إذا تعارض خبران في إثبات الحظر والإباحة وكانا شرعيين:

فذهب أكثر الفقهاء نحو طائفة من فقهائنا والحنفية كأبي بكر

ص: 3726

الرازي والإمام أحمد بن حنبل والكرخي إلى أن خبو الحظر أولى. وذهب أبو هاشم وعيسى بن أبان إلى أنهما يستويان.

احتج الأولون بوجوه:

أحدها: ما روى عنه عليه السلام أنه قال:" ما اجتمع الحلال والحرام إلا وقد غلب الحرام الحلال).

وقوله عليه السلام:؛"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".

ووجه الاستدلال بالأول ظاهر، فإنه قد اجتمع في الفعل ما حمله وما يحرمه، فوجب أن يغلب ما يحرمه للحديث، وكذا الثاني فإن جواز ترك الفعل الذى نحن ميه مما لا يريب، لأنه إن كان حرامًا كان الترك واجبا، وإن كان مباحًا كان جائزًا بخلاف جواز فعله فإنه مما يريب، فإن بتقدير أن يكون حرامًا لا يجوز دفله فوجب تركه للأمر بترك ما يريب.

ص: 3727

فإن قلت: المراد من الخبر الأول: ما اجتمع فيه جهتا الحل والحرمة كالمتولد بين ما يؤكل لحمه وبين ما لا يؤكل، وكالذي جهلَ حاله أنه مذبوح، أو ميت، فإن كونه مذبوحًا يوجب حقه وكونه ميتًا يوجب حرمته، وكما إذا اشتبه المذبوح بالميتة فإن كونه مذبوحًا يوجب حله، وكونه مشتبهًا بالميتة يوجب حرمته فوجب تركه، فأما ما لا يكون كذلك مثل ما نحن فيه فإنه ليس في الفعل جهتا الحل والحرمة بل ورد فيه خبران أحدهما يوجب حله والآخر حرمته، وليس يجب أن يكون ذلك بناء على جهتين فيه فإنه لو كان بناء على ذلك لقلنا به، وإذا كان كذلك فلا نسلم أن الخبر يقتضي حرمه الفعل الذى نحن فيه.

قلت: لا فرق بين جهتي الحل والحرمة وبن الخبرين، فإن تنيك الجهتين لا توجبان الحل والحرمة لذاتيها لمساعدة الخصم عليه، أو لبطلان قاعدة التحسن والتقبيح إن لم يساعد عليه، واذا كان كذلك فما عرف كونهما جهتي الحل والحرمة إلا بالنص، فإذا كان اجتماعهما موجبًا للحرمة فلان يكون اجتماع الخبرين موجبا لذلك بالطريق الأولى.

فإن قلت: الجهتان حاصلتان على ذلك الشيء حصو، حقيقا وموجبهما للحرمة والحل فيه متحقق معا، بخلاف الخبرين فإنهما غير حاصلين فيه إلا على سبيل البدلية واقتضاؤهما للحل والحرمة غير متحقق معًا بل الذى يتحقق غالبًا أن أحدهما منسوج بالأخر، ولا يلزم من حرمة ما فيه جهتا الحل والحرمة حرمة ما ورد فيه خبر الحل والحرمة.

قلت: هذا لو استقام فإنما يستقيم في المثال الأول دون المثالين الباقيين، فإن الذي شك فيه أنه مذبوح أو ميت لم يتحقق فيه إلا أحد الأمرين، وكذا فيما إذا اشتبه المذبوح بالميتة فإن ما هو ميت فهو ميت لم يتحقق فيه الذبح،

ص: 3728

وما هو مذبوح فهو كذلك لم يتحقق فيه الموت غاية ما يقال: إن الموجب لحرمته ليس هو كونه ميتا بل كونه مشتبهًا بالميت وهو حاصل فيه، وكذا ليس الموجب لحرمته هو كونه ميتًا بل كونه مشكوكًا فيه غير معلوم الحال وهو حاصل فيه، وهو بعينه حاصل فيما نحن فيه فإن الموجب لحرمته هو كونه مقولا فيه بالحرمة، والموجب لإباحته هو كونه مقولاً فيه بالإباحة، وهذان الوصفان حاصلان فيه حسب حصوله في غيره فلم يظهر فرق بينه وبينما حصل فيه جهتا الحل والحرمة.

وثانيها: ما روى عن عثمان- رضى الله عنه- أنه قال في الأختين المملوكتين: "أحلتمها آية، وحرمتهما آية، والتحريم أولى" واشتهر ذلك عنه وشاع ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعًا. وثالثها: أن من طلق إحدى نسائه، ونسيها يحرم عليه وطء جميع نسائه، وكذلك لو أعتق إحدى إمائه، وكذا لو اشتبهت المنكوحة بالأجنبية أو المحرم لها، أو المذبوحة بالميتة، ففي هذه الصور كلها تغلب الحرمة على الحل، فكذا ما نحن فيه بجامع أن تغليب الحرمة على الحل يدفع ضرر خوف العقاب عن النفس.

ورابعها: أنه متردد بين أن يرتكب المحرم، أو يترك المباح، فكان ترك المباح أولى احتياطا وترجيحا لدفع المفسدة على غيره فإنه قد يترجح على تحصيل المصلحة فكيف لا يترجح على ما لا مصلحة في فعله ولا في تركه، وأما المفسدة الناشئة من الاعتقاد فمشترك، فإن بتقدير أن يعتقد الإباحة وهو

ص: 3729

محرم كان اعتقاده جهلاً، كما أنه لو اعتقد التحريم وهو مباح كان جهلاً. واحتج الذي رجح الإباحة على التحريم بوجهين:

أحدهما: أنه لو عمل بما مقتضاه الإباحة لم يلزم منه فوات مقصود الحظر فيما يتعلق بالامتناع عنه، لأن الغالب أنه إن كان مباحًا فلابد وأن يكون لمفسدة ظاهرة، وعند ذلك فالغالب اطلاع المكلف عليه وامتناعه عنه؛ لأنه قادر على الامتناع عنه، والداعي إليه موجود لاطلاعه على ما فيه من المفسدة فيبعد لزوم المحذور ويحصل ما هو المقصود منه وهو الامتناع عنه، ولو عمل بما مقتضاه التحريم لزم منه فوات مقصود الإباحة فيما يتعلق بجواز فعله وتركه لأنه حينئذ لم يقدم عليه لان رأى في فعله ما يدعوه إليه فحينئذ يفوت المقصود.

وجوابه: أنه مبنى على وجوب تعليل الأحكام ورعاية المصالح وهو باطل عندنا.

سلمناه لكنه متناقض لأنه لا يعمل بما مقتضاه الإباحة إلا وليس في الفعل مفسدة ظاهرة موجبة للتحريم، لأن بتقدير أن يكون كذلك لا يجوز الحكم بكونه مباحا فبتقدير مفسدة ظاهرة فيه على تقدير كونه مباحا في نفس الأمر متناقض.

وثانيهما: أن الإباحة تستفاد من التخيير قطعا بخلاف استفادة الحرمة من النهى لتردده بين الحرمة والكراهة فكان الأول أولى لعدم الإجمال.

وهو ضعيف، لأنه ليس من ضرورة الحرمة أن تكون مستفادة من النهي،

ص: 3730

بل جاز أن تكون مستفادة من صراحة لفظ التحريم والحظر وغيرهما من الألفاظ التي لا إجمال فيها.

ورابعها: إذا تعارض خبران في إثبات الحظر والكراهة، أو الندب

" أو الوجوب فخبر الحظر أولى، أما بالنسبة إلى خبر الكراهة والندب فظاهر، وأما بالنسبة إلى خبر الوجوب فذلك لوجهين:

أحدهما: أن الوجوب يعتمد على تحصيل المصلحة، والتحريم يعتمد على دفع المفسدة، واهتمام الشارع والعقلاء بدفع المفسدة أكثر وأتم من تحصيل المصالح، ولهذا فإن الدواعي تنبعث لدفع المفسدة وإن كانت قليلة، ولا تنبعث لتحصيل المصلحة إلا إذا كانت معتبرة.

وأيضًا: فإن الشارع رتب من العقوبات والزواجر على فعل المحرم ما لا يترتبه على ترك الواجب، فإن الرجم والقتل مرتب على زنا المحصن والقتل العمد والعدوان والجلد والتغريب مرتب على الزنا، وقطع اليد على السرقة، ولم يترتب مثله على ترك الحج والصوم والزكاة، نعم القتل مرتب على ترك الصلاة على مذهب الإمام الشافعي- رضى الله عنه- على خلاف قياس سائر الفرائض للنص وهو نادر، وإذا كان كذلك كان ترجيح خبر الحظر أولى. وثانيهما: أن ما هو المقصود من التحريم يحصل بالترك بسهولة من غير كلفة عمل ومن غير قصد، بخلاف ما هو المقصود من الواجب فإنه لا يحصل إلا بكلفة العمل والقصد، ولهذا كان تحريم الشيء يقتضى الامتناع عنه دائما بخلاف إيجابه فإنه لا يقتضى فعله دائما، وإذا كان كذلك كلان المصير إلى الأخذ بما يقتضى التحريم أولى لنفى الحرج والمشقة، ولكونه أفضى إلى حصول مقصود الشارع.

وخامسها: إذا تعارض خبران وأحدهما يقتضي الوجوب، والآخر يقتضي

ص: 3731

الندب أو الإباحة، أو الكراهة، فالمقتضى للوجوب أولى.

أما أولاً. فلطريقة الاحتياط.

وأما ثانيًا: فلان اهتمام الشارع بالواجب أكثر لكثرة ما يترتب على فعله من المصالح وعلى تركه من المفاسد بخلاف الأحكام الثلاثة، وكذا اهتمام العقلاء بفعل ما لابد منه أكثر من اهتمامهم بفعل ما عنه بد، فكان الأول أولى.

وأما ثالثًا: فلان داعية المكلف إلى فعل الواجب أكثر من فعل الندب، أو الإباحة، أو ترك الكراهة لأنه يحرص عليه من وجهين:

أحدهما: بالثواب الكثير والأجر الجزيل على فعله.

وثانيهما: بالعقاب على تركه بخلاف الأحكام الثلاثة فإنه ليس في واحد

منها مثل هذا التحريض، فكان الأخذ بما يقتضى الوجوب أولى.

وإذا وقع التعارض بين خبري الندب والكراهة فخبر الكراهة أولى لبعض ما سبق. وإذا وقع التعارض بين خبري الندب والإباحة صبر الندب أولى لبعض ما سبق.

ويمكن أن يرجح خبر الإباحة عليه بكونه متأيدًا بالأصل في جانب الفعل والترك، وبكونه أعم وأسهل من حيث أنه مفوض إلى خبرة المكلف، ومن حيث أنه لا إجمال في الصيغة الدالة عليه بخلاف الندب فأنه يثبت بصيغة الأمر وفيها الإجمال، وقد عرفت ما على هذا من الكلام.

وسادسها: إذا كان أحد الخبرين يثبت حكمًا معقولاً، والآخر غير معقود،

ص: 3732

فالأول أولى، لأن انقياد المكلف له أكثر فيكون أسرع إلى القبول، وأفضى إلى الوقوع فيكون حصول مقصود الشارع أتم وأكمل، ولهذا لو دار الحكم بين أن يكون معقول المعنى، وبين أن يكون غير معقول المعنى، كان المصير إلى كونه معقول المعنى أولى.

وأيضا: فإن معقول المعنى كثر فائدة وعائدة من غير معقول المعنى من جهة أنه يمكن الإلحاق بطريق القياس دون الثاني فكان الأول أولى.

فإن قلت: الثواب بتلقي الحكم الذى هو غير معقول المعنى أكثر لزيادة المشقة من جهة أن الطبع ينافي قبوله فقبوله له مع إباء الطبع كثر مشقة فيكون كثر ثوابا للحديث.

قلت: اعتبار مقصود الشارع أولى، وقد ذكرنا أن حصول مقصود الشارع على تقدير كونه معقول المعنى أتم وكمل فكان اعتباره أولى من حصول زيادة الثواب للمكلف على أن ذلك معارض بما أنه ربما ينفر طبعه عن قبوله والعياذ بالله فيكفر.

وسابعها: إذا كان أحد الخبرين موجبا لحكمين، والأخر موجبا لحكم واحد، فالذي يوجب حكمين أولى، لأنه يشتمل على زيادة لم ينفها الثاني فكان اعتباره أولى، ولأن ترجيح الثاني عليه يقتضى إبطال أحد حكمي الأول المدلول عليه بصريح اللفظ، وترجيح الأول لا يقتضى بطلان شيء من منطوق الثاني فكان أولى.

وثامنها: المثبت للطلاق والعتاق يقدم على النافي لهما [عند قوم منهم الكرخي.

ص: 3733

وقال بعضهم: يسوى بينهما.

وقيل: يقدم النافي]

احتج الأولون: بأن ملك النكاح واليمن مشروع على خلاف الأصل، فيكون مزيلهما على وفق الأصل، والخبر المتؤيد بموافقة الأصل راجح على الذى على خلافه.

واحتج الذي قال بالتسوية بينهما: بأن كونه مثبتًا للطلاق والعتاق يوجب الرجحان لما ذكرتم، وكون الخبر الأخر نافيًا يقتضي رجحانه لما تقدم أن النافي للحكم أولى من المثبت فاستويا.

واحتي من قدم النافي: بأن النافي لهما على وفق الدليل الشرعي المقتضي لصحة النكاح وإثبات ملك اليمين، فكان أولى بالنسبة إلى المثبت لهما وإن كانا على وفق الأصل، لأن مرافقة الدليل الشرعي أولى.

وتاسعها: المثبت للحكم الوضعي أولى من المثبت للحكم التكليفي.

وقيل بالعكس واحتج من قال بالأول: أن الحكم الوضعي لا يتوقف على ما يتوقف عليه الحكم التكليفي من أهلية المخاطب، وفهمه، وتمكنه من الفعل فكان أولى، لأن غير المتوقف أولى من المتوقف.

واحتج من رجح الحكم التكليفي: بانه كثر مثوبة، وأنه مقصود الشارع بالذات، وأنه أكثر من الأحكام فكان أولى.

ص: 3734

وعاشرها: النافي للحد والقصاص مقدم على المثبت لهما عند قوم وأنكره المتكلمون.

احتج الأولون من وجوه:

أحدها: الحد ضرر، فيكون النافي له راجحا.

ثانيها: أن ورود الخبر في نفى الحد مع المعارض له يفيد شبهة فيه، وإذا حصلت الشبهة سقط الحد لقوله- عليه السلام: "ادرؤوا الحدود بالشبهات وفيه نظر، إذ يمكن أن يقال: إن هذا ليس تقديًما للنافي بل هو إسقاط للخد للشبهة، غاية ما في الباب أن المنافي موجب

ص: 3735

للشبهة عند وجود المعارض له وهو غير مقتضى النافي، لأن مقتضاه عدم وجود الحد بالأصالة، وهذا يقتضى سقوطه للشبهة وهو غير نفى الوجوب بالأصالة، اللهم إلا أن يراد بالنافي للحد أعم من أن يكون نافيا له بالأصالة، أو بطريق الشبهة فحينئذ ربما يتجه ذلك.

وثالثها: إذا كلان الحد يسقط بتعارض البينتين مع ثبوته في أصل الشرع فلان يسقط بتعارض الخبرين في الجملة، ولم يتقدم له ثبوت أصلا كان أولى، وهذا يؤكد ما ذكرنا من الاعتراض على الدليل المتقدم، فإن هذا يشعر إشعارًا ظاهرًا بان السقوط للشبهة يقتضى ثبوت أصل الحد والنافي إنما هو لأصله فلم يكن السقوط للشبهة عملا بالنافي بل يستلزمه، وأما الاعتراض على هذا الدليل الثالث: فهو أنه لا نزل في سقوط الحد؛ إذ المخالف لا يقول بتقديم المثبت بل هما متساويان [عنده] لكن نقول: إنه من جهة تعارض الدليلين فإن الدليلين إذا تعارضا تساقطا ويجب الرجوع إلى غيرهما إن كلان هناك دليل شرعي آخر دالا بقى الأمر على ما كان عليه في الأصل فيلزم نفى الحد لكنه ليس ذلك تقديما للنافي، على المثبت، وأما تقديم النافي على المثبت فإنما يكون لو حصل عدم الحكم بالنافي لا بالبقاء على العدم الأصلي حتى يصير عدم وجوب الحد حكما شرعيا لا يجوز رفعه إلا بما يرفع الحكم الشرعي، ومعلوم أن الدليل المذكور لا يفيده فلا يفيد المدعي، نعم لو قال المخالف يتقدى المثبت بناء على أنه مثبت للحكم الشرعي فيكون أولى من النافي الذى هو مقرر للحكم العقلي فربما اتجه هذا.

رابعها: أن النافي متأيد بالأصل فوجب أن يكون راجحًا.

ص: 3736

وحادي عشرها: إذا كان حكم أحد الخبرين أخف، وحكم الخبر الآخر أثقل فقيل: إذا الأول أولى، وقيل بالعكس.

احتج الأولون. بأن الشريعة مبناها على التخفيف على ما دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة.

والاستقراء يدل عليه أيضا: فإن أكثر أحكام الشرائع سهل غير مشق على المكلف؛ بحيث يحتاج فيه إلى بذل جهده واستفراغ وسعه فيغلب ذلك على الظن بان هذا الحكم يكون مشروعًا على وجه السهولة والخفة، فإن ما جهل حاله من أفراد النوع الواحد يلحق بالأكثر منه.

والمعقول يدل أيضا على أن الأخف أولى، لأن الله كريم رحيم غنى عن العباد وطاعتهم ومن يكعون كذلك لا يشرع في حق عبيده الضعاف المحتاجين ما يثقل عليهم ويذهب طاقتهم.

واحتج النافون: بما روى "أن الحق ثقيل مرى، والباطل خفيف".

وبأنه أكثر ثوابا لزيادة المشقة، ولأن الغالب تأخره عن الأخف لكونه يدل

ص: 3737

على أنه في حال ظهوره، وقوته عليه السلام وهو في آخر الأمر، ولكون العادة جارية أن من قصد تحصيل مصلحة بفعل من الأفعال، ولم تحصل به فإنه يقصده بما هو أعلى منه في التحصيل، والغالب أن الأثقل أعلى من الأخف إذا كانا من نوع واحد في تحصيل ما هو المقصود من ذلك النوع. وقولنا: ولم يحصل به: احترزنا به عما إذا حصل به المقصود فإنه لا يمكن إزالته إلا بطريق النسخ بالأثقل والأخف.

الجواب عن الأول: أنه لا دلالة فيه؛ إذ لا يلزم من كون كل الحق ثقيلاً أن يكون كل الثقيل حقًا ولو أحد جزئه لم يفد، لأنا نسلم أن بعض الثقيل حق لكن لا يحصل به المطلوب.

وعن الثاني: أن اعتبار مقصود الشارع أولى، وبتقدير أن يرجع الأخف كان ذلك أفضى إلى الوقوع وفى ذلك حصول مقصود الشارع [أولى، وبتقدير.

وعن الثالث: أن التثقيل والتشديد كلان في أول الأمر أكثر لقطع المألوف والعادة.

وعن الرابع: أنه كما يجوز النسخ بعد حصول المقصود فكذا يجوز قبله، لكن بعد حضور وقت العمل به فجار أن يكون الأخف متأخرًا.

وثاني عشرهما: أن يكون حكم أحد الخبرين مما لا تعم به البلوى، أو الآخر مما تعم به البلوى، "وكل واحد منهما خبر واحد، فالأول راجح على الثاني؛ لأن الأول متفق عليه بين القائلين بأخبار الآحاد، والثاني مختلف فيه فيكون أولى، ولأنه أبعد عن احتمال الكذب بخلاف الثاني فإن تفرد الواحد

ص: 3738