الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
الوصف الذي جعل علة الحكم بمعنى الباعث لا شتمالها على الحكمة يجب أن لا يمكن بمثابة يلزم منه إثبات الحكم، أو نفيه مع القطع
بانتفاء الحكمة أو تحققها في صورة.
مثاله: ضبط الحنفية لما يجب به القصاص وعدمه بالجرح وعدمه أو نفيه.
فنقول: لا شك في أن القصاص إنما وجب لصيانة النفس المعصومة عن الفوات، فلو ضبط وجوبه وعدم وجوبه بمجرد الجرح للزم وجوب القصاص في حق من جرح ولم يقتل، أو قتل بما يقتل قطعا أو غالبا ولم يخرج ممتنع لكونه يخالف] مقتضى الحكمة التي في صيانة النفس.
فإن قلت: الأول غير لازم لأنا لا نضبطه [بمجرد الجرح، بل بجرح يؤدي إلى القتل، أو يحصل عقيبه فوات النفس، وذلك غير حاصل في الصورة التى فوضتموها.
قلت: نحن إنما نورد ذلك على من أطلق القول في ذلك على ما هو المشهور من أصحابكم، فأما من قيده بما ذكرتم، فيرد عليه ما إذا جرح من غير قصد إلى الفعل، أو وأن قصد الجرح لكنه لا يقتل فلا يحصل فوات النفس عقيبه على الندرو، كما إذا غرز إبرة في العقب ومات عقبه من غير أن يعقبه ألم ولا ورم، فها هنا حصل فوات النفس عقيب الجرح مع عدم وجوب القصاص، ولو التزم الخصم وجوب القصاص في هذه الصورة فبعيد جداً.
فإن قلت: هذا لازم عليكم أيضا، فإن من مذهبكم أن الاستبراء واجب وإن كانت الجارية الميبعة بكرا، أو صغيرة، أو آيسة، ففى هذه الصورة قد أثبتم الحكم لتحقق ضابط الحكمة وهو تجدد الملك مع القطع بانتفاء الحكمة وهى الاحتراز عن اختلاط المائين فما هو جوابكم هنا فهو جوابنا فيما أوردتم علينا.
قلت: بمنع الحكم فيها أولا على رأي لبعض أصحابنا، ولو سلم فإنما كان كذلك لإطلاق الحديث الوارد في هذا الباب من غير فصل بين البكر والموطؤة وبين الآيسة وغيرها، فلو خلينا والمناسبة ما كان لنا أن نجعل الضابط بحيث يلزم منه ثبوت الحكم مع القطع بانتفاء الحكمة عنه، لكن الشرع لما رتب الحكم على الضابط المشتمل على الحكمة على الإطلاق من غير فصل بين أفرادها وجب علينا أن نجريه على إطلاقه؛ لأنه إن لم تجوز أن يستنبط من الحكم الملول عليه بالنص علة على وجه يرفعه بالكلية أو يخصصه فظاهر، وإن جوزنا الثاني دون الأول فكذلك؛ لأنه قد تأكد إطلاقه بإيمانه حيث قال مرتبا على حصول الملك:(ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض) فإن ذلك يدل على علية حصول الملك بوجوب الاستبراء من
المناسبة لقوة الإيماء، كما أن الإيماء قد يترك لقوة المناسبة، فإذا اجتمع الإيماء مع الإطلاق فلأن تترك المناسبة بالطريق الأولى.
وأيضا: إذا ظهر تأثير الوصف الحكم في الأصل، فإنا نعدي به الحكم إلى الفرع، وإن لم تظهر لنا مناسبته ونرجحه على الوصف الذى ظهرت لنا مناسبته ولا يكون مؤثرا، وإذا كنا نترك المناسبة لأجل التأثير في الفرع الذى ما يتناوله النص فلأن نتركها في الصورة التى يتناولها النص مع التأثير كان أولى.
فإن قلت: لا نسلم أنه لا يجوز به الضبط؛ وهذا لأنه وإن كان بمثابة يلزم منه ثبوت الحكم في صورة بدون حكمة ذلك الضابط في الأصل، لكن يجوز أن يكون ضابطا لحكمة أخرى في تلك الصورة التي ليست فيها حكمة الأصل فحينئذ لا يلزم أن يكون ثبوت الحكم في تلك الصورة خاليا عن الحكمة فلا يلزم منه مخالفة مقتضى الحكمة.
قلت: كلامنا فيما إذا كان يلزم منه ثبوت الحكم مع القطع بانتفاء مسمى الحكمة، فالألف واللام في الحكمة في قولنا: يجب أن يكون بمثابة يلزم منه إثبات الحكم أو نفيه مع القطع بانتفاء الحكمة أو تحقيقها إنما هو لتعريف الماهية لا للعهد، وحينئذ يلزم سقوط هذا الاعتراض بالكلية.
سلمنا أنهما للعهد لكن نقول: هذا الاحتمال باطل؛ لأن كون ذلك الضابط يختص في كل صورة بحكمة مخالفة لحكمة الصورة الأخرى أما أن يكون لذاته أو لازم لذاته أو لغيرهما والأول باطل؛ لأنه حينئذ يلزم اشتراك
تلك الصور في تلك الحكم ضرورة اشتراكها في موجبها وهو/ (230/أ) خلف مخالف للفرض والثاني أيضا باطل؛ لأن ذلك الغير إما أن يكون مختصا بكل واحدة من تلك الصور، أو لا يكون كذلك، فإن كان الأول فحينئذ يكون الضابط لكل واحد من تلك الحكم مجموع الأمرين مما به الاشتراك ومما به الاختصاص، فيكون ضابط الحكمة مختلفا وليس كلامنا فيه بل فيما إذا كان الضابط واحدا والحكم مختلفه فيكون خلفا.
وإن كان الثاني فإما أن يكون مشتركا بينها بأسرها وحينئذ يلزم الاشتراك في الحكم أيضا لما سبق، أو لا يكون كذلك بل كان أجنبيا عنها بأسرها وحينئذ تكون نسبته لكل واحد من تلك الصور على السوية فليس اختصاص ذلك الضابط مع ذلك الأمر بحكمة في صورة أولى من اختصاصه معه بتلك الحكمة في صورة أخرى وإلا لزم الترجيح من غير مرجح، وحينئذ إما أن يختص بتلك الحكمة في كل الصور أو لا يختص بها في شيء منها وكل واحد منهما باطل فما أفضى إليه يكون أيضاً كذلك.