الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية عشرة
ذهب الأكثرون إلى إنه لا يجوز التعليل بالصفات المقدرة، خلافا للأقلين من المتأخرين
.
مثاله: قول من يقول: جواز التصرفات نحو البيع والهبة والوقف والإعتاق معلل بالملك، ولا وجود له في نظر العقل، والحس فيقدر له وجود في نظر الشرع لئلا يلزم أن يكون الحكم معللا بما لا وجود له حقيقة ولا تقديرا، فيكون عدما محضا، ونفيا صرفا، وهو ممتنع.
فنقول: الملك معنى مقدر شرعي في المحل، أثره جواز التصرفات المذكورة وغيرها.
ومنه أيضا قول القائل: الملك الحاصل عقيب البيع والشراء حادث، ضروره أنه ما كان حاصلا من قبل فلابد له من سبب وهو قوله: بعت واشتريت ولا وجود لهما حقيقة لأنهما مركبان من الحروف المتوالية، التى من شأنها أن يبقى كل واحد منها عند وجود الآخر، فإذا ليس لهما وجود حقيقي، فيجب أن يقدر لهما وجود تقديري في نظر الشارع، فإنه لما حكم بحصول الملك الحادث عند تمام التلفظ بهما مع/ (225/أ) أنه ليس لهما وجود حقيقى فلابد أن يكون ذلك بناء على الوجود التقديري؛ لئلا يلزم وجود السبب عند عدم المسبب حقيقة وتقديرا وهو ممتنع، وهذا في جانب المؤثر.
فأما في جانب الأثر فنحو الدين، فإنه أثر سبب من الأسباب نحو
الاستدانة، أو الإتلاف الذي يوجب الغرم والضمان، وأثر التملك بعوض في الذمة، وليس هو السبب شرع] ابتداء [الأمر وهو ظاهر، فيقدرون الذين موجدا في ذمة المديون، لكون الدائن متمكنا من طلبه، وطلب ما ليس له وجود لا عقلا، ولا حسا، ولا شرعا محال.
وزيف الإمام هذا بأن قال: أن الوجوب إما أن يكون مفردا بمجرد تعلق خطاب الشرع على ما هو مذهبنا.
أو يكون الفعل في نفسه بحيث يكون للإخلال به مدخل في استحقاق الذم على ما هو مذهب المعتزلة.
فإن كان الأول: لم يكن لتعلق الخطاب حاجة إلى معنى محدث يكون علة؛ لأن ذلك التعلق قديم أزلي، فكيف يكون معللا بالمحدث.
وإن كان الثاني: فالمؤثر في الحكم جهات المصلحة والمفسدة فلا حاجة فيه إلى بقاء الحروف.
وأيضا فالمقدر يجب أن يكون على وفق الواقع، والحروف لو وجدت مجتمعة لخرجت عن أن تكون كلاما، فلو قدر الشرع بقاء الحروف التي حصل منها قوله:"بعت واشتريت" لم يحصل عند اجتماعها هذا الكلام.
وقال أيضا: أما تقدير المال في الذمة فهو ساقط جدا، لأنه لا معنى لكون الدين في الذمة إلا أن الشارع مكن الدائن من مطالبة المديون بذلك القدر من المال إما حالا، أو استقبالا، فهذا القدر معقول شرعا وعرفا، فلا حاجة له إلى تقدير وجود المال في الذمة.
وفيه نظر، أما الأول: فلأن الحكم عندنا ليس مجرد تعلق الخطاب، وإلا لزم أن يكون حادثا، فإن التعليق حادث، وقد اعترف الإمام به.
وأيضا: فإنه فسر الحكم في أوله كتابه بالخطاب المتعلق بأفعال المكلفين فإنه غير مجرد التعلق. فكيف يكون الشيء الواحد عبارة عن نفس الغيرين.
سلمنا صحة تفسير الحكم بمجرد التعلق، لكن لا نسلم أنه لا حاجة له حينئذ إلى معنى محدث؛ وهذا لأنه حينئذ يكون حادثا فيكون مفتقرا إلى سبب حادث، ثم هو منقوض بالأحكام المعللة بالأسباب والعلل الحادثة، فإن ما ذكره ينفي الجواز لا الحاجة فقط.
فإن قال: معنى التعليل في تلك الصور التعريف.
قيل بمثله فيما نحن فيه، فعند هذا يرد عليه أن يقال: الأمر الاعتباري لا يكون أشد محذورا من العدم، فإذا جاز التعليل بالعدم بمعنى المعرف جاز التعليل بالأمر الاعتباري بذلك المعنى أيضا؛ لأنه مثله أو أولى منه بذلك.
وأما الثاني: فهو ضعيف أيضا؛ لأنه يقتضي أن لا يجوز التعليل بالوصف؛ لأنه يمكن أن يقال: المؤثر في الحكم جهات المصلحة [و] المفسدة، فلا حاجه فيه إلى الوصف وهو خلاف الإجماع؛ لأن التعليل بالوصف جائز اجماعا، سواء جاز التعليل بالحكمة أو لم يجز.
وأما الثالث: فهو أيضا من نسق ما تقدم؛ إذ ليس معنى قولنا: أن التقرير يجب أن يكون على وفق الواقع أن المقدر يعطي حكم الواقع أن لو كان موجودا حتى يلزم ما ذكرتم، بل معناه: أنه يعطي حكم سبب موجود.
سلمنا ذلك لكن ذلك فى غير ما قدر فيه فإنه لو أعطى فى ذلك أيضاً حكم