الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع التاسع عشر
الكلام في المدارك التي اختلف المجتهدون في أنها هل هي مدارك للأحكام أم لا
؟
وفيه مسائل:
المسألة الأولى
في أن الأصل في المنافع الإذن، وفى المضار المنع خلافا لبعضهم
.
هذا بعد ورود الشرع، فأما قبله فلا سواء كان ذلك بطريق اليقين، أو غيره على ما تقدم تقريره في مسالة حكم الأشياء قبل ورود الشرع.
أما الأصل الأول فالدليل عليه من وجوه:
أحدها: قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا} واللام للاختصاص بجهة الانتفاع، فوجب أن يكون الانتفاع بجميع ما في الأرض جائزًا.
فإن قلت: لا نسلم أن اللام تقتضى الاختصاص بجهة الانتفاع؛ وهذا لأنها وردت فيما ليس فيه ذلك كقوله: {وإن أسأتم فلها} ، {لله ما في السموات وما في الأرض} .
ففي هاتين الآيتين يمتنع أن تفيد اللام الاختصاص بجهة الانتفاع؛ أما في الآية الأولى: فلاستحالة حصول النفع في الإساعة، وأما في الثانية: فلاستحالة النفع على الله ولأن الائمة قالوا: اللام إما للملك، أو للاختصاص وهو غير ما قلتموه؛ إذ المطلق غير المقيد قطعًا.
سلمناه لكن ذلك يفيد مسمى الانتفاع أو يفيد كل الانتفاعات؟
الأول مسلم، لكنه لا يفيد المطلوب؛ لأنه يكفي في العمل بها حينئذ حصول فرد واحد من أفراد الانتفاعات ونحن نقول به، وذلك الفرد هو الاستدلال بما في الأرض على وجود الصانع تعالى، والثاني ممنوع فما الدليل عليه؟
ثم الذى يدل على أن لا يفيد التعميم: أنه ليس في مدلولات الحروف عموم ألبتة.
سلمناه لكن اللام داخلة على الخلق فيجوز الانتفاع بالخلق؟
فلم قلت: إنه يجوز بالمخلوق فإن المخلوق غير الخلق؟
فإن قلت: الانتفاع بالخلق غير متصور؛ وهذا لان الخلق صفة من صفات الله تعالى فلا نفع للمكلف في صفة الله تعالى فيجب أن يكون المراد من الخلق: المخلوق.
قلت: لا نسلم أن الانتفاع بالخلق غير متصورة وهذا لأنه يمكن الاستدلال على وجود الصانع، وكمال قدرته، وهو وإن كان غير محسوس لكنه معقول، فأما إذا شاهدنا أن الشيء وجد بعد أن لم يكن علمنا أنه إنما وجد بالخلق.
سلمنا أن الانتفاع به غير متصور لكن حمل الخلق على المخلوق مجاز.
فلم قلتم: أنه ليس هناك مجاز آخر أولى منه حتى يحمل عليه.
سلمنا أن المراد منه المخلوق لكن يجوز لكل واحد واحد من المخاطبين الانتفاع بكل واحد واحد من المخلوقات أو بكلها، والأول مسلم، والثاني ممنوع وهذا لأنه قابل الجمع بالجمع فيقتضى مقابلة الفرد بالفرد.
سلمناه لكن كلمة في للظرفية فتدل على إباحة كل ما في داخل الأرض وهو الركاز والمعادن.
فإن قلت: كلمة في تتناول ما على وجه الأرض بدليل قوله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة} ، إذ ليس المراد منه داخل الأرض وفاقًا بل وجهها.
قلت: حمل اللفظ على المجاز في صورة لضرورة امتناع حمله على ظاهره
لا يوجب حمله عليه في صورة أخرى مع أنه لا ضرورة هناك.
سلمنا أن المراد منه: ما على وجه الأرض لكن في ابتداء الخلق، أو مطلقًا، حتى يجوز له ذلك في كل الأوقات؟ والأول مسلم، والثاني ممنوع؟ وهذا لأن قوله (خلق) مشعر بانه حال ما خلقها إنما خلقها لنا، فلم قلتم: أنه بقى في الدوام كذلك.
فإن قلت: الأصل في كل شيء بقاؤه واستمراره.
قلت: هذا فيما يحتمل الدوام، لكن كونه مباحا صفة والصفة لا تبقى كالأعراض
سلمنا الإباحة للكل حدوثا وبقاءً ولكن لمن كان موجودًا وقت ورود الآية دون من يأتي بعده؛ وهذا لأنه خطاب مشافهة فيختص بالحاضرين.
سلمنا أن الآية تدل على اختصاصها بنا لكن قوله تعالى: {لله ما في
السموات والأرض} ينافى ذلك.
الجواب: الدليل على أن اللام للاختصاص بجهة المنفعة قوله تعالى: {لها ما كستب وعليها ما اكتسبت}
وقال عليه السلام: "النظرة الاولى لك والثانية عليك". وقال: "له غنمه وعليه غرمه"
ويقال: هذا الكلام لك، وهذا عليك.
وأما ما ذكرتم من الاستعمال في الاختصاص لكن لا بجهة الانتفاع فهو على طريق التجوز دفعا للاشتراك.
لا يقال: ليس جعلها حقيقة في ذاك مجازًا في هذا أولى من العكس؛ لأنا نقول: لو جعلناها حقيقة في الاختصاص النافع أمكن جعلها مجازا في مطلق الاختصاص [لكونه لازمًا له، ولو جعلناها حقيقة في مطلق الاختصاص] لم يمكن جعلها مجازًا في الاختصاص النافع لكونه غير لازم، أو وإن أمكن ذلك/ (330/ أ) لكن عند التعارض، الأول أولى على ما عرفت ذلك غير مرة، فيكون جعلها حقيقة في الاختصاص النافع أولى.
ولقائل أن يقول: جعلها حقيقة في مطلق الاختصاص أولى لكن لا يلزم الاشتراك ولا التجوز بل يلزم منه التواطؤ وهو خير منهما وأمكن استعمالها في
الاختصاص النافع وفى الخالي عنه على وجه الحقيقة ضرورة وجود مطلق الاختصاص فيهما فكان أولى، وكيف لا وهو موافق لكلام النحاة من أن اللام للاختصاص، ولا يقتضى النقل عنه الذى هو خلاف الأصل، وحمل كلامهم على أن المراد منه الاختصاص النافع خلاف الأصل لكونه تقييدًا للمطلق.
وعن الثاني: أنه يفيد مسمى الانتفاع كما سلمتم لكن يلزم منه المطلوب؛ لأنه يلزم منه تحقق فرد من أفراد الانتفاعات ضرورة أنه لا يمكن دخول المسمى الكلى في الوجود [إ] لا في ضمن فرد من أفراده، وما هو من ضرورات المأذون فيه يكون مأذونًا فيه فالانتفاع بفرد من أفراد الانتفاعات [مأذون فيه، ويلزم من هذا الإذن في كل الانتفاعات] ضرورة أنه لا قائل بالفصل.
وأما قوله: نحمله على الاستدلال به على وجود الصانع فغير ممكن؛ هذا النفع حاصل للمكلف من نفسه فإنه يمكنه أن يستدل بنفسه على وجود الصانع فلو حمل الانتفاع بما في الأرض على هذا لزم الحاصل وهو ممتنع.
لا يقال: لا نسلم أنه يلزم تحصيل الحاصل؛ وهذا لأن الانتفاع بالاستدلال الثاني غير الانتفاع بالاستدلال بنفسه ضرورة أنه يحصل تكيد العلم الأول؛ لأنا نقول: الدليل على أنه تحصيل للحاصل: أن الحاصل بالاستدلال الأول هو العلم بوجود الصانع وما هو من لوازمه، والحاصل بالاستدلال الثاني هو هذا فكان ذلك تحصيلا للحاصل.
وأما قوله: يحصل تأكيد العلم فممنوع؛ وهذا لأن العلم غير قابل للتأكيد.
سلمناه لكن الحمل على غير هذه الفائدة فائدة تأسيسية، والحمل على ما ذكرتم فائدة تأكيدية فكان الأول أولى.
وعن الثالث. أن المراد من الخلق المخلوق، وهو وإن كان مجازا لكن يجب المصير إليه لتعذر حمله على حقيقته كما تقدم والأصل عدم مجاز آخر.
وعن الرابع: أنه ليس من قبيل مقابلة الجمع بالجمع، بل هو جارٍ مجرى تمليك الشيء الواحد للأشخاص، فكما أن ذلك يقتضى تعلق حق كل واحد متهم بجميع أجزاء ذلك الشيء على سبيل الشيوع فكذا ها هنا.
سلمناه لكن جار لكل واحد منهم الانتفاع بفرد منه جار لغيره ضرورة أنه لا قائل بالفصل.
وعن الخامس. أنا لو سلمنا أن ذلك مجار لكان يحب المصير إليه، لأن حمل كلام الله تعالى على ما هو أعم فائدة أولى.
سلمنا حصله على حقيقته لكن يلزم منه المطلوب للإجماع، إذ لا قائل بالفصل.
وعن السادس: أن المراد منه أنه خلق لنا مطلقا حتى يثبت لنا الاختصاص في كل الأوقات.
والدليل عليه. أن الرجل إذا قال لغيره: بنيت لك هذه الدار لا يفهم منه الاختصاص حالة البناء دون غيره، وإنما يفهم منه ذلك مطلقًا والأصل الحقيقة الواحدة.
سلمنا أنه يقتضي ثبوت هذا الاختصاص في الابتداء لكن الأصل في كل ثابت دوامه.
قوله: الصفة لا تبقى.
قلنا: صفة المحدث لا صفة القديم الواجب لذاته، وأحكام الشرع كلها صفته تعالى على ما عرف ذلك في تعريف الحكم الشرعي.
وعن السابع: أنه لا قائل بالفصل. وأيضًا: الطريق الذي عرفنا عدم اختصاص كل خطاب مشافهة بالحاضرين حاصل فيما نحق فيه فوجب أن لا يختص بهم.
والاعتراض الذى اعترضنا به على المتمسك بهذه الآية في مسألة الأشياء قبل الشرع آت في هذا المقام أيضًا.
والدليل الثاني على المسألة: التمسك بقوله تعالى: {أحل لكم الطيبات} وليس المراد من الطيب الحلال، وإلا لكان نازلاً منزلة القائل: أحل لكم المحللات. ومعلوم أن ذلك تكرار من غير فائدة، فيتعين أن يكون المراد منه: ما يستطاب طبعًا، وذلك يقتضي حل المنافع بأسرها وهو المطلوب.
ولقائل أن يقول: إنما يفيد العموم أن لو كان الألف واللام في الطيبات للعموم وهو ممنوع؛ وهذا لأنه يجوز أن يكون للعهد وهو ما أحل في الشرع مما يستطاب طبعًا، وحينئذ لا يحمل على العموم لأن شوط حمل الجمع المحلى بالألف واللام على العموم أن يكون هناك معهود.
الدليل الثالث: قوله: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} أنكر الله تعالى على من حرم رينة الله فوجبَ أَن لا تثبت حرمة زينة الله تعالى. وإذا لم تثبت حرمة زينة الله تعالى امتنع ثبوت الحرمة في فرد من أفراد زينة الله تعالى؛ لأن المطلق جزء من المقيد فلو ثبتت الحرمة في فرد من أفراد زينة الله تعالى لثبتت الحرمة في زينة الله تعالى وهو على خلاف النص.
وإذا لم تثبت الجرمة بالكلية ثبتت الإباحة.
فإن قلت: الدليل خاص، والدعوى عامة؛ ضرورة أنه لا يتناول ما ليس من الزينة من المنافع فلا يصح به التمسك.
قلت: قد عرف جواب هذا النوع غير مرة فلا حاجة إلى الاعادة.
واعلم أن هذا الاحتجاج مبنى على أن المفرد المضاف يفيد العموم فمن أنكر أن المفرد المعرف باللام لا يفيد العموم أنكر هذا فلا يمكنه التمسك بهذا إلا- أن يكون كرضه منه إلزام القائلين به.
الدليل الرابع: أن/ (331/ أ) الله تعالى خلق الأعيان، فإما أن يكون لحكمة، أو لا لحكمة والثاني باطل؛ لأن الفعل الخالي عن الحكمة عبث، وهو على الحكيم محال.
ويؤكده قوله تعالى: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لأعبين} {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا} وإذا بطل هذا القسم تعين الأول.
وتلك الحكمة إما عود النفع إليه وهو محال لاستحالة الانتفاع عليه، وإما عود النفع إلينا؛ لأن كون تلك الحكمة عود الضرر إلينا ممتنع إجماعا، وحينئذ يلزم أن يكون الإذن ثابتًا لأن لازم المطلوب مطلوب، ولا يخفى عليك أنه مبنى على تعليل أفعال الله تعالى.
الدليل الخامس: القياس، وتقريره: أنه انتفاع بما لا ضرر فيه على المالك قطعا، وهو خال عن أمارات المفسدة فوجب أن يجوز كالاستضاءة بسراج الغير، والاستظلال بحائط الغير.
وانما قلنا: إنه لا ضرر فيه على المالك قطعًا؛ فلان المالك هو الله تعالى والضرر عليه ممتنع قطعًا.
وأما ملك العباد فلأن الأصل عدمه، فوجب استمراره، ولأن الكلام مفروض حيث لا ملك فيه لأحد من خلق الله تعالى.
وأما أنه خال من أمار ات المفسدة فلأن الكلام مفروض فعه وما ذكرناه في الجواب عنه في مسألة حكم الأشياء قبل الشرع غير آت ها هنا وهو ظاهر
فإن قلت: هذا يقتضى القول بإباحة كل المحظورات؛ لأن فاعلها ينتفع بها، ولا ضرر فيها على المالك. وهو يقتضي سقوط أكثر التكليف وهو ممتنع.
سلمنا سلامته عن النقض لكن الفرق بينهما حاصل:
وبيانه من حيث الأجمال: وهو أن المالك لو منع من الاستضاءة بسراجه ومن الاستظلال بجداره قبح ذلك منه، والله تعالى لو منع من الانتفاع لم يقبح منه، والافتراق في الحكم دليل على الافتراق في الحكمة:
قلت: أما الأول فغير واردة لأنه ليس خال عن أمارات المفسدة؛ لأن نهى الشارع عنها أمارة مفسدتها أما على رأى المعتزلة فظاهر، وأما على رأينا
فلاستلزام النهي استحقاق العقاب عليه، ولا شك أنه من أعظم المفاسد.
وعن الثماني: أن ما ذكرتم من الافتراق في الحكم إنما نشا من اختلاف الحاكم إنما من اختلاف الحاكم فيه؛ وهذا لان التحسين والتقبيح لا يتطرفان إلى أفعال الله تعالى فيحسن منه كل شيء بحكم المالكية ألا ترى أنه لو منع الله تعالى من الاستضاءة بسراج الغير، والاستظلال بحائط الغير لم يقبح منه بخلاف العبد فإن يقبح منه؛ لأنه يتطرق إلى أفعاله المدح والذم والجواز وعدمه فلا جرم لا يحسن منه كل شيء.
الدليل السادس: أن كر الاشياء المنتفع بها مباح في الشرع فإذا وجدنا شيئًا منتفعًا به ولم نجد على إباحته وتحريمه دليلاً على خصوصية كل واحد منهما ألحقناه بكثر الأشياء في الاباحة إلحاقا للشيء بالأعم والأغلب.
وأما الأصل الثاني وهو أن الاصل في المضار الحومة، وفعل الخوض في تقرير الدلالة لابد من تفسير الضرر:-
ففيل: الضرر: عبارة عن ألم القلب، لأنه مستعمل في مواضع مختلفة، فوجب جعله حقيقة في القدر المشترك بينها دفعًا للاشتراك والتجوز، والمشترك بينهما ألم القلب فوجب جعله فيه حقيقة.
وإنما قلنا: إنه مستعمل في المواضع المختلفة فلأنه مستعمل في الضرب، والشتم، والاستخفاف، والجرح، والقطع، وأخذ المال، والغضب، وتعطيل المنافع وغيرها من الصور، فيقال: أضره وأضرته، وشتمه وأهانه، وكذا الكلام في بقية الأمثلة، فثبت أن الضرر مستعمل في المواضع المختلفة.
وإنما قلنا: أن الألم قدر مشترك بينها فذلك ظاهر غنى عن البيان.
فإن قلت: ما المعنى بألم القلب؟
إن عنيت به الغم والحزن فهو باطل؟ فإن من خرق ثوب إنسان أو أحرق داره وكان المالك غافلاً عنه يقال فيه: أضر به وأضره مع أنه لا هم هناك ولا غم.
وإن عنيت به معنى آخر فبينه لينظر هل هو مشترك بينها أم لا؟ نزلنا عن هذا المقام، لكن كما أن ألم القلب قدر مشترك بينها فكذا يجوز أن يكون بينها فدر مشترك آخر وحينئذ لا يجب أن يكون حقيقة فيما ذكرتم من القدر المشترك فلم لا يجوز أن يكون كذلك وعليكم بيانه.
ثم أنا نتبرع ببيان القدر المشترك الأخر وهو أن تفويت الفع قدر مشترك بينها فلما كان ما ذكرتم من المشترك أولى من هذا؟ وعليكم الترجيح.
ثم أنه معنا؟ لأن النفع والضرر متقابلان لكون كل واحد محهما يذكر في مقابلة الآخر، والنفع عبارة عن تحصيل النفع، فيكون الضرر عبارة عن تفويت المنفعة، وإذا كان حقيقة فيه لا يكون حقيقة فيما ذكرتم دفعا للاشتراك.
سلمنا دلالة ما في ذكرتم على أن الضرر عبارة عن ألم القلب لكنه معارض بوجوه:
أحدها: أنه لو كان حقيقة فيه لوجب أن يتبادر إلى الفهم عند سماعه لأن من شان الحقيقة ذلك، لكنه غير متبادر إذ لا يفهم من قول القائل: أضر فلان فلانًا، أو أضر به أنه آلم قلبه، وحينئذ يلزم أن لا يكون حقيقة فيه.
وثانيها: قوله تعالى: {أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئًا
ولا يضركم}.
أخبر أن عبادة الأصنام لا تضرهم مع أنها تؤلم قلوبهم يوم القيامة؛ لأنهم يعاقبون بذلك، ويلزم من هذا أن الضرر ليس عبارة عن ألم القلب.
وثالثها: أن من يسعى في إزالة مال أحد أو جاهه بحيث لا يعلم صاحبه بذلك.
يقال: أنه يضره مع أنه لم يوجد هناك ألم القلب ضرورة أنه/ (332/ أ) مشروط بالشعور به.
قلت: أما ألم القلب فحالة وجدانيه يعلمه كل أحد بالضرورة ويفرق بينه وبين فرحه ولذته، وإذا كان كذلك فلا حاجة لنا إلى تعريفه لأن المعلوم بالوجدان لا يعرف.
قوله: لم لا يجوز أن يكون هناك مشترك آخر؟
قلنا: الأصل عدمه.
قوله: تفويت النفع قدر مشترك بينهما.
قلنا: لا نسلم؟ وهذا لأنه ليس في صورة الشتم والإهانة إزالة لنفع مع أنه يستعمل فيهما الضرر.
سلمناه لكن لا يمكن جعله مدلول الضرر؟ لان البيع والهبة حصل فيهما تفويت النفع إذ البائع فوت على نفسه الانتفاع بالمبيع وكذا الواهب مع أن ذلك لا يسمى ضررًا.
لا يقال: شرطه أن لا يستلزم نفعًا آخر من محوض أو ثواب أو ثناء؛ لأنا نقول: فعلى هذا لا يوجد ضرر أصلا؛ لأنه ما من صورة من صور
تفويت المنافع إلا ويوجد فيه نفع آخر من الثواب أو الثناء كما في الميتة.
سلمناه لكن توقيف المقتضى على الشرط على خلاف! الأصل.
قوله: النفع يذكر في مقابلة الضرر.
قلنا: هب أنه كذلك لكن ذلك لا يضرنا؛ لأن النفع عبارة عن تحصيل اللذة، أو ما يكون وسيلة إليها.
والضرر عبارة عن تحصيل الألم، أو ما يكون وسيلة إليه، وعلى، هذا التقدير المقابلة بينهما حاصلة مع أنه لا دلالة فيه على مطلوبكم.
وأما الجواب عن المعارضة الأولى فهو: أنا لا نسلم لنه لا يفهم هذأ المعفط منه؛ وهذا لأنه يصع أن يقال: أضره، وأضر به، ثم طيب خاطره وفرحه فلولا أنه يفهم منه هذا المعنى وإلا لما صح ذلك.
وعن الثانية: أنا لا نسلم أن الأصنام تؤلم القلب، بل الذي يؤلمه إنما هو عبادتها وهى غيرها فلم تدل الآية على التغاير لعدم اتحاد الوسط.
وعن الثالثة: أن ذلك بطريق التجوز من قبل إطلاق اسم المسبب على السبب فإنه إنما يقال ذلك على معنى أنه يوجد فعلا لو حصل الشعور به لحصل ألم القلب فألم القلب مسبب ذلك الفعل عند حصول الشعور به فبهذا الاعتبار يقال: أضر به أو أضره إذا عرفت هذا فنقول: الدليل على حومة الضرر قوله عليه السلام: "لا ضرر ولا إضرار في الإسلام" أي في أحكام
الإسلام فلو أبيح له ما هو منشأ للضرر الذي هو عبارة عن ألم القلب لكان في أحكام الإسلام ضرار والحديث ينفيه.
وأيضًا: لو شرع ما هذا شانه لكان فيه حرج وعسر فكان منفيا بالنصوص النافية للحرج والعسر.