الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
في قياس الشبه
.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى
في تعريف ماهيته
، وذكروا له حدودًا:
أحدها: أنه عبارة عن إلحاق الفرع المتردد بين أصلين لمشابهته بإحداهما لمشابهة له في أكثر صفات مناط الحكم، وهو كقياس العبد على الحر في وجوب كمال قيمته بقطع الأطراف التي يوجب قطعها في الحر كمال الدية من حيث إنه يشبه الحر في كونه آدميًا مكلفًا/ (184/ أ) فاهمًا للخطاب مثابًا ومعاقبًا، وهو إن شابه غيره من الحيوان من حيث إنه مملوك يباع ويشتري، فكان مقتضاه أن يجب أرش ما نقص بالغة ما بلغ لكن مشابهته للحر أكثر، فإلحاقه به بكثرة الشبه [قياس الشبه].
ولهذا يسميه الشافعي- رضي الله عنه: "قياس غلبة الأشباه" وهو غير مانع؛ لأنه يدخل تحته ما ليس منه وهو بعض أنواع القياس المناسب، وهو ما يكون مشابهته للأصلين بمناسب، ويكون مشابهته لأحدهما في أكثر الصفات مع أن المناسب قسيم الشبه.
وأيضًا: اعتبار كثرة المشابهة مشعر بأن ذلك من باب ترجيح أحد
القياسين على الآخر وهو غير داخل في ماهية القياس.
ومنهم من قال: إنه عبارة عما عرف مناط الحكم فيه قطعًا إلا أنه يحتاج إلى النظر في تحققه في آحاد الصور.
وهو كطلب المثل في جزاء الصيد؛ فإن وجوب المثل معلوم قطعًا بالنص وغيره، لكن تحققه في آحاد الحيوانات يحتاج إلى الاجتهاد.
وهو فاسد قطعًا؛ لأن هذا النوع من الاجتهاد معلوم وقوع التعبد به، واعترف به أكثر منكري القياس وهو مسمي (بتحقيق المناط) على ما تقدم ذكره في صدر القياس، وقياس الشبه ليس كذلك فكيف يكون هو؟
وأيضًا: فإن النظر في قياس الشبه في أصل العلة واستنباطها وتحققها، والنظر في تحقق المناط إنما هو في تحققها فقط؛ إذ العلة فيه معلومة بالنص أو الإجماع، فكيف يكون أحدهما الآخر.
وأيضًا النظر فيما ذكر من المثال [من] تحقيق المناط إنما هو في الأشبه؛ وذلك لأن النعم لا تماثل الصيد فيكون محمولًا على الأشبه بالمثل، بخلاف قياس الشبه فإن النظر فيه في أصل الشبه الذي هو مناط الحكم.
وقيل ما اجتمع فيه مناطان مختلفان لا على سبيل الكمال، إلا أن أحدهما أغلب من الآخر، فالحكم بالأغلب حكم لغلبة الأشباه.
وهو كعقد الخلع والكتابة فإن فيهما مشابهة المعاوضات والتعليقات فإلحاقهما بالأغلب قياس غلبة الأشباه.
وهو أيضًا غير مانع؛ لأنه يشمل المناسب وغيره؛ لأن الذي فيه المناطان المختلفان لا على سبيل الكمال أعم من أن يكون ذلك المناط مناسبًا أو غير مناسب.
وأيضًا فإن إلحاقه بالغالب غير خارج عن التعليل بالمناسب.
وقال القاضي أبو بكر- رحمه الله: الوصف إما أن يكون مناسبًا للحكم بذاته وإما أن لا يناسبه بذاته، لكنه يكون مستلزمًا لما يناسبه بذاته وإما لا يناسبه بذاته ولا يستلزم ما يناسبه، والأول المناسب.
والثاني الشبه، والثالث الطرد.
وهو أيضًا ضعيف؛ لأنه غير مانع إذ يدخل تحته قياس الدلالة على ما ستعرفه.
وقيل: الوصف إذا لم يناسب الحكم لكن عرف تأثير جنسه القريب [في الجنس القريب] لذلك الحكم هو الشبه لأنه من حيث إنه غير مناسب يظن أنه غير معتبر، ومن حيث إنه عرف تأثير جنسه القريب في الجنس القريب للحكم مع أن غيره من الأوصاف ليس كذلك يظن أنه أولى بالاعتبار، فتردد بين أن يكون معتبرًا، وبين أن لا يكون معتبرًا، لكن اعتباره أغلب ولعله السبب في تسميته بقياس غلبة الأشباه كما نقلناه عن الشافعي- رضي الله عنه.
وقيل: ما توهم المناسبة من غير إطلاع عليها بعد البحث التام ممن هو من أهل الإطلاع عليها.
وتقريره: أن الوصف المعلل به لا يخلو: إما أن تظهر فيه المناسبة، أو لا تظهر فالأول: القياس المناسب، والثاني لا يخلو: إما أن يعهد من الشارع الالتفات إليه في شيء من الأحكام، أو لم يعهد، والأول هو الشبه، والثاني الطرد، فهو من حيث [إنه لم يوقف على مناسبته بعد البحث التام ربما يجزم بعدم مناسبته] ومن حيث إنه يعهد من الشارع الالتفات إليه يوجب التوقف عن الجزم بعدم مناسبته، فهو والمناسب يشتركان في كون كل واحد منهما غير مجزوم [بعدم مناسبته وهو والطرد يشتركان في كون كل واحد غير مجزوم] بالمناسبة، فهو مرتبة بين المناسب والطرد وهو دون المناسب وفوق الطرد، وفيه شبه من كل منهما ولعله السبب في تسميته قياس الشبه أو غلبة الأشباه كما سبق.
مثاله: قول الشافعي في الاستدلال في مسألة إزالة النجاسة طهارة تراد لأجل الصلاة [فلا تجوز بغير الماء كطهارة الحدث فإن الجامع هو كون كل واحد منهما طهارة] لأجل الصلاة ومناسبتها لتعين الماء فيها غير ظاهرة بعد توغل البحث عنه لكن عهد التفات الشارع إليها في بعض الأحكام كمس المصحف، والطواف، وذلك يوهم اشتمالها على المناسبة.
واعلم أن هذا وما ذكرناه قبله أقرب ما قيل في تعريف قياس الشبه.