الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما رابعاً: فلأنه أقرب إلى الضبط.
وعاشرها: العلة بمعنى الباعث أولى من العلة بمعنى الأمارة لكونه متفقًا عليه، ولأن قبول الطباع لها أكثر، ولان فعل حكمه أسهل وأيسر.
المسألة الثانية
في ترجيح القياس بحسب الدليل الدال على وجود علته
واعلم أن العلة التي علم وجودها مقدمة على ما ظن وجودها سواء كان العلم بوجودها بديهيا أو ضروريا، أو نظريًا، عقليًا كان، أو نقليًا أو مركبا منهما، وسواء قلت المقدمات أو كثرت، وهذا ظاهر لا شك فيه، وليس هو من قبيل ما نحن فيه من الترجيحات، وإنما الغرض أن ما علم وجوده بطريق من هذه الطرق هل يترجح على ما علم وجوده بطريق آخر من هذه الطرق آم لا؟ مثلاً: ما علم وجوده بطريق البداهة، أو الحس، هل يترجح على ما علم وجوده بالنظر والاستدلال أم لا؟ فذهب بعضهم وهم الأكثرون إلى أنه لا يجري الترجيح بين العلتين المعلومتين، سواء كانت إحداهما معلومة بالبديهة والأخرى بالنظر والاستدلال، وهذا على قياس ما سبق في النص فإنا قد ذكرنا أنه لا يجرى الترجيح بين المعلومات بناء على أنه لا يقبل احتمال النقيض فلا يقبل التقوية.
وكلام أبى الحسين يدل على أن العلة المعلومة تقبل الترجيح، ولا شك في جريان ذلك في النص وإلا فلا فرق فعلى هذا لا شك أن البديهيات والحسيات راجحة على النظريات.
وأما أن البديهيات تترجح على الحسيات، أو الحسيات تترجح على البديهيات فهذا في محل النظر، ولا شك أن عند هذا القائل تترجح بعض البديهيات على البعض، وكذا الضروريات.
والضابط: أن كل ما كان أجلى وأظهر عند العقل فهو راجح على ما ليس كذلك، وكذا النظريات يترجح بعضها على البعض عند هذا القائل، فإن كل ما كانت مقدماته أجلى وأقل كان راجحًا على ما ليس كذلك، فإن اختلفا في الجلاء والقلة فالاعتبار بما يفيد سكون النفس إليه إذ لا يمكن اعتبار الزيادة إذ لا زيادة بعد القطع بعدم احتمال النقيض.
واحتج من قال بالترجيح: بأن الضروري والبديهي لا يقبل الشك والشبهة، والنظري يقبلهما فكان البديهي أولى.
أجاب الإمام عنه: بأن النظري واجب الحصول عند حصول جميع مقدماته المنتجة له كما أن البديهي واجب الحصول تصور طرفيه.
وكما أن النظري يزول عند زوال أحد الأمور التي لا بد فيه في حصول مجموع مقدماته المنتجة له فكذلك الضروري يزول عند زوال [أحد] التصورات التي لا بد منها.
فإذن لا فرق في وجوب الجزم عند حصول موجباته بين البابين، بل الفرق: أن النظري يتوقف على أمور أكثر مما يتوقف عليه الضروري، فلا جرم كان زوال النظري أكثر من زوال البديهي.
فأما في وجوب وامتناع العدم عند حصول كل ما لا بد منه فلا فرق بين البديهي والنظري البتة.
وفيه نظر، لأن النظري وإن كان واجب الحصول عند حضور موجباته،
لكن تلك الموجبات أمور كثيرة من التصورات والتصديقات فالذي يمتاز به النظري عن البديهي أنه كما يتوقف على التصورات يتوقف على التصديقات أيضا بخلاف البديهي فإنه غير متوقف على التصديقات، وكل واحد من تلك التصديقات إن لم يكن بديهية تقبل الشك والشبهة والطريق الذي يؤدي إلى المطلوب قد يفيد ذلك أيضًا إذ قد يكون ذلك الطريق غير ضروري التأدية وإذا كان كذلك كان النظري متوقفا على أمور كثيرة، والضروري على أمور قليلة وما يتوقف على الأقل أولى مما يتوقف على الأكثر. فإن قلت: ما يتوقف على الأقل إنما يترجح على ما يتوقف على الأكثر إذا كان كل واحد من المتوقف عليه أو بعضها ظنيًا؛ وهذا لأنه معلل بما أن احتمال تطرق العدم إلى ما يتوقف على الأكثر أكثر، ومعلوم أن ذلك لا يتأتى إلا إذا كان كل واحد من المتوقف عليه أو بعضها ظنيا، فأما إذا كان واحد منه يقينيا كما في النظريات اليقينية فلا نسلم ذلك.
قلت: ليس اليقين فيما لا يقبل الشك والشبهة كاليقين فيما يقبلهما، فإن الإنسان يجد من نفسه تفرقة بين علمه بأن الواحد نصف الاثنين، وأن الكل أعظم من الجزء، وبين علمه بثبوت الجوهر الفرد والخلاء وغيرهما من المسائل النظرية اليقينية مع أن كل واحد منها يقيني على اعتقاده.
لا يقال: إنه وإن اعتقد ذلك في نفسه، لكنه ليس كذلك في نفس الأمر. قلت: فجاز مثله في كل نظري فلم يحصل الجزم بشيء منها، وأما إذا
كان الدليل الدال على وجود العلة ظنيا فقد قيل: كلما كانت المقدمات المنتجة له أقل فهو أولى.
وهو غير مرضى على إطلاقه؛ لأنه قد تكون المقدمات المنتجة له أقل وهو مرجوح بالنسبة إلى ما تكون مقدماته كثر لكون كل واحد من تلك المقدمات مظنونًا ظنًا قويًا، وأما المقدمات القليلة فتكون مظنونة ظنًا ضعيفًا بل الأقل إنما يرجح إذا ساوى أكثر في كيفية الظن أو وإن نقص عنه في الكيفية لكن نقصانًا لا يعدله ما في الجانب الأخر من الكمية فظهر أن هذا الكلام على إطلاقه غير مرضى بل المعتبر في ذلك: أن كل ما يفيد ظنًا راجح من الذى يفيده الآخر فهو أولى ويختلف ذلك بقلة المقدمات وكثرتها وضعفها وقوتها. إذا عرفت فنقول: الدليل الظني الذى يدل على وجود العلة إما أن يكون نصا، أو إجماعا، أو قياسا، أما القياس فالكلام فيه كما في الأول، ولا يتسلسل، بل ينتهى إلى النص أو الإجماع.
أما النص فالكلام في ترجيحه قد سبق.
وأما الإجماع فإن كانا قطعيين قال الإمام: لم يقبل الترجيح بناء على أن القطعيات لم تقبل الترجيح وهو غير مرضى، لأنه يستحيل حصوله التعارض بين الإجماعين القطعين لاقتضاء ذلك أن يكون أحدهما خطا وباطلاً وهو غير جائز على الإجماع بخلاف النص فإنه يحتمل أن يكون أحدهما منسوخا والآخر ناسخا، وإن كان أحدهما قطعيا والآخر ظنيا لم يقبل الترجيح أيضًا، لأن تقديم المعلوم على المظنون ليس من باب الترجيح الذى نحن فيه وهو الترجيح المظنون، وأما إذا كانا ظنيين فهما في محل الترجيح وقد سبق الكلام في ترجيح الإجماعات الظنية فلا حاجة إلى الإعادة وما لم نذكره منه فيعلم مما ذكر فعلى هذا إذا عارض الخصم قياس المستدل بقياس آخر وكان وجود