الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة
القائلون بكون الفرق يقدح في العلية اختلفوا في أنه هل هو من تمامه ولوازمه نفيه عن الفرع أم لا
؟
اختلفوا فيه: فمنهم من أوجب ذلك على الفارق؛ لأن مقصود الفرق أن تفترق الصورتان وذلك بيان وجوده في إحدى الصورتين دون الأخرى.
ومنهم من لم يوجب ذلك عليه؛ لأنه إن لم يكن موجودًا في الفرع فلا معني لإيجاب ذلك عليه، وإن كان موجودًا فيه فيفتقر المعلل إلى بيان وجوده فيه ليصح الإلحاق وإلا فينقطع الجامع، وهذا فيه نظر بين.
ومنهم من فصل فقال: إن صرح في إيراد الفرق بالاقتران بين الأصل والفرع فلابد من نفيه عنه، وإن لم يصرح به بل قصد به بيان أن دليله غير تام بأن يقول: دليلك غير مستقل بالدلالة على المطلوب؛ لأن الدليل دل على أنه لابد من إدراج ذلك الوصف الذي هو الفرق في الدليل حتى يكون دليلًا، وإن كان غير موجود في الفرع فلا يثبت الحكم فيه لعدم حصول الدليل فيه، وإن كان حاصلًا فيه كان الحكم بمجموع الوصفين لا بما ذكرت من الجامع وحده فلا يجب ذلك عليه.
هذا كله فيما إذا كان المقيس عليه واحدًا.
فأما إذا كان متعددًا فمنهم من منع ذلك لإفضائه إلى النشر مع إمكان حصول المقصود بواحد منها.
ومنهم من جوز ذلك؛ لأن ذلك من باب تكثير الأدلة وهو أقوى في إفادة الظن.
ثم المجوزون اختلفوا في أنه إذا فرق المعترض بين أصل واحد وبين الفرع هل يكفيه ذلك أم لا؟ بل يحتاج إلى أن يفرق بين الفرع وبين كل واحد منها:
فذهب قوم إلى أنه يكفيه ذلك، وهو الأصح، لأن إلحاق الفرع بتلك الأصول بأسرها غرض المستدل وإلا لم يعدده وهو غير حاصل، ضرورة أنه لم يكن ملحقًا بالأصل الذي فرق المعترض بينه وبين الفرع فلم يكن ملحقًا بها بأسرها، وحينئذ يحصل غرض المعترض وهو إبطال ما رام المستدل إثباته.
ومنهم من قال: لا يكفيه ذلك بل يحتاج إلى أن يفرق بين الفرع وبين كل واحد من تلك الأصول، لأن القياس على كل واحد من تلك الأصول مستقل في إفادة المطلوب، فإذا خرج بعض تلك الأقيسة بالفرق عن إفادته فقد بقي الثاني مفيدًا للمطلوب فيحصل غرض المستدل.
واعلم أنه أن كان غرض المستدل من الأقيسة المتعددة إثبات المطلوب بصفة الرجحان وغلبه الظن المخصوص فالفرق المذكور قادح في غرضه، ومحصل لغرض المعترض، وإن كان غرضه إثبات أصل المطلوب أي إثباته برجحان ما فيهما بقي قياس/ (214/ أ) واحد أو أكثر منه سليمًا عن الفرق لم يقدح ذلك في غرضه ولا يحصل به غرض المستدل.
ثم الذين لم يكتفوا بالفرق بين الفرع وأصل واحد بل أوجبوا ذكره بينه وبين جميع تلك الأصول اختلفوا في أنه هل يجب أن يكون ذلك الفرق واحدًا لئلا ينتشر الكلام وليكون موافقًا للمستدل فإنه ذكر جامعًا واحدًا في أقيسته على جميع تلك الأصول أم يجوز أن يكون متعددًا؟
فمنهم من ذهب إلى الاحتمال الأول.
ومنهم من ذهب إلى الثاني وهو الأولي؛ إذ الأول يتعذر في الأكثر فيلزم سد باب القدح على المعترض.
ثم إذا ذكر المعترض الفرق بين الفرع وبين الأصول واحدًا كان أو متعددًا فهل يكفي للمستدل أن يجيب عنه بالنسبة إلى أصل واحد أو بالنسبة إلى جميع تلك الأصول؟
اختلفوا فيه: فمنهم من قال: بالاحتمال الأول مصيرًا منه بأنه لو قاس عليه فقط في أول الأمر لكان كافيًا له فكذا في الجواب.
ومنهم من قال: لا يكفيه ذلك؛ لأنه التزم صحة القياس على كل تلك الأصول فيلزمه أن يجيب بحيث تصح كل تلك الأصول. ومنه يعرف أنه لو فرق بين الفرع وبين بعض [تلك] الأصول هل يجب عليه الجواب أم لا.