الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
في ترجيح الخبر بكيفية الرواية
، وهو من وجوه:
أحدها: إذا كان أحد الخبرين متواترًا، والآخر أحادًا فالمتواتر أولى لإفادته اليقن، ولو سلم أنه لا يفيده فهو أيضا أولى، لأن الظن فيه أغلب فعلى الأول يكون الترجيح من باب المقطوع، وعلى الثاني من باب المظنون.
وثانيها: أن يقع الخلاف في أحدهما أنه موقوف على الراوي، أو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والأخر لم يقع فيه هذا الخلاف، بل اتفقوا كلى أنه رفوع إليه عليه السلام فالثاني أولى.
وثالثها: أن يكون أحد الخبرين منسوبًا إلى النبي- عليه السلام قولاً، والأخر اجتهادًا بأن يروى: أنه وقع ذلك في مجلسه- عليه السلام فلم
ينكر عليه فالأول أولى، لأنه أقل احتمالاً لما ينافى الحجية.
ورابعها: أن يذكر أحد الراوين سبب نزول ذلك الحكم الذى تضمنه الخبر، ولم يذكره الآخر فرواية الأول راجحة على رواية الثاني لأنه يدل على شدة اهتمامه بمعرفة ذلك الحكم.
وخامسها: أن يروى أحد الراويين الخبر بلفظه، والآخر بمعناه، أو يحتمل أن يكون تد. رواه بمعناه فراوية الأول أولى.
وسادسها: أن يروى أحد الراوين حديثا يعاضده سياقه، أو حديث آخر، والآخر يروى ما ليسن كذلك فرواية الأول أولى.
وسابعها: الحديث الذى لم ينكره راوي الأصل راجح على الذى ينكره راوي الأصل إذا كان ذلك الإنكار لا يوجب الرد، فأما إذا أوجب ذلك فليس هو حينئذ من هذا الباب، وتد عرفت في باب الإخبار الانكار الذى يوجب الرد والذى لا يوجبه.
وثامنها: أن يكون أحد الحديثين مرويا بطريق العنعنة، والأخر مروى بطريق الشهرة، أو بالإسناد إلى كتاب من كتب المحدثين، فالأول أولى، لأنه أغلب على الظن صدقه بالنسبة إلى الثاني، ولا يخفى تعليله، وإذا وقع التعارض بين ما طريقه الشهرة، وبين ما طريقه الإسناد إلى كتاب من كتب المحدثين: فإن لم يكن ذلك الكتاب من الكتب المشهورة لهم فالثاني أولى، لأن احتمال تطرق الكذب إليه أبعد ولهذا فإن كثيرًا من المشاهير كذلك ومردود عندهم.
وتاسعها: إذا كان أحدهما مسندًا إلى كتاب مشهور والأخر ليس كذلك
فالأول أولى، وإذا كان كلاهما مسندين إلى كتابين مشهورين لكن أحدهما محكوم عليه بالصحة كالصحيحين، والأخر ليس كذلك كسنن أبى داود فالأول أولى.
وعاشرها: ما طريق روايته قراءة الشيخ عليه راجح على ما طريقه ليس كذلك، وما طريق روايته قراءته على الشيخ راجح على ما طريق روايته [المناولة، أو الإجازة، أو الكتابة، وما طريق روايته المناولة راجح على ما طريق روايته]، الإجارة، أو الكتابة، لأن المناولة إجازة وزيادة، فإنه يقول فيها: خذ هذا الكتاب وحدث به عنى، فقد سمعته من فلان وهذا إجازة/ (265/ أ) وزيادة، وما طريق روايته الإجارة راجح على ما طريق روايته الكتابة، وهو أن ترى على الكتاب خط الشيخ بالسماع والإذن له بالحديث عنه، لأن الخط يشبه الخط، ولا يؤمن فيه من التزوير بخلاف ما إذا سمع ذلك من الشيخ.
وحادي عشرها: ما طريق روايته السماع من غير حجاب راجح على ما طريق روايته السماع بحجاب، وذلك كرواية القاسم بن محمد عن عائشة - رضى الله عنهم- من غير حجاب، لأنها عمة له: أن بريرة أعتقت وكان
زوجها عبداً راجحة على رواية من روى عنها أن زوجها حر، لأنه سمعها منها من وراء حجاب وكيته ظاهرة.
وثاني عشرها: إذا كانت احدى الروايتين قد اختلف فيها، والأخرى لم يختلف فيها فالثانية أولى للاتفاق.
وثالث عشرها: المسند راجح على المرسل أن قبل المرسل، وقال قوم نحو عيسى بن أبان: المرسل أولى.
وقال قوم منه القاضي عبد الجبار: أنهما يستويان.
لنا: أن عدالة المروى عنه في صورة الإرسال معلومة لرجل واحد، وهو الذى روى عنه، وفى صورة الإسناد عدالته معلومة لكل أحد لكونه متمكنا من البحث عن أسباب جرحه وعدالته، ولا يخفى أن من لم تظهر عدالته إلا لرجل واحد مرجوح بالنسبة إلى من تظهر عدالته لكل أحد لاحتمال أن يكون قد يخفى حال الرجل على إنسان واحد، ويبعد ذلك على الكل فثبت أن المسند أولى.
واحتج من قال بترجيح المرسل على المسند بوجهين:
أحدهما: أن الراوي العدل إذا أسند الخبر وذكر المروى عنه فإنه لم يحكم بصحة الخبر، ولم يزد على حكاية أن فلانا زعم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال ذلك الخبر فليس فيه قطع ولا غلبة ظن، بصحته بخلاف ما إذا أرسل الثقة فإنه حكم على ذلك الخبر بالصحة، وحكم على الرسول بانه قال، فيكون حاكمًا عليه: عليه السلام بالتحليل، أو التحريم، وذلك لا يكون إلا عن قطع، أو قريب من القطع، فكان الظن بصدق الخبر في صورة الإرسال أكثر.
وجوابه: أن قوله: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم لا يمكن إيراده علا ظاهره، لأنه يقتضى الجزم بصحة خبر الواحد، وهو جهل غير جائز على العدل العالم، فوجب حمله على أن المراد منه. إني أظن أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال ذلك الخبر، وإذا كان كذلك كان الإسناد أولى منه، لأن في صورة الإسناد يحصل ظن العدالة للكل، وفى كحورة الإرسال لا يحصل ذلك الظن إلا للواحد، ومعلوم أن ما تشهد له الظنون الكثيرة أولى مما يشهد له الظن الواحد.
وثانيهما: روى عن الحسن- رحمه الله تعالى- أنه قال: (حدثني أربعة نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث، تركتهم وقلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ووجه الاستدلال به ظاهر فإنه أخبر عن نفسه أنه لا يستجيز هذا الإطلاق إلا عند فرط غلبة الظن.
وجوابه: ما سبق. ويخصه أن هذا يقتضى أن تكون مراسيل الحسن مقبولة وراجحة لا كل المراسيل، ونحق ربما نقول به أنه إذا علم من حال الراوي أنه لا يروي إلا عن عدل، ولا يوسل إلا إذا كان ظنه أغلب من صور الإسناد أن مرسله راجح على المسند.
واحتج القاضي على صحة ما ذهب إليه: أن في صورة الإسناد حصل نوع من القوة وهو أن عدالة المروى عنه معلومة للسامع لتمكنه من البحث عنها، وفى صورة الإرسال حصل نوع آخر من القوة وهو أنه حصل للراوي غلبة الظن بعدالة المروى عنه وإلا لما أرسل فيستويان ويتعارضان.
وجوابه: منع التساوي، وهذا فإن الظن بعدالة المروى عنه في صورة الإسناد أكثر، لكون السامع بحث عنها واختبرها لإرسال الراوي عنه كالتزكية له، وقد بينا أن العدالة المظنونة بالبحث والاختبار راجحة على المظنونة بالتزكية.
فروع ثلاثة
أحدها: لو صح رجحان المرسل على المسند فإنما يصح حيث يقول الراوي: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم فأما إذا لم يقل ذلك بل قال ما يحتمله كقوله: عن النبي- صلى الله عليه وسلم فالأظهر أنه لا يترجح عليه، لأنه في معنى المسند، ولهذا قبله من لم يقبل المرسل.
وأما ما قيل: إنه في معنى قوله [روى] عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم فذلك يوجب المرجوحية أو الرد، لأنه ظاهر/ (266/ أ) أنه بلغه من سماع ولم يذكر عمن بلغه، ولم يصدر منه ما ينبى عن حصول غلبة الظن له فلم تقبل روايته.
وثانيها: مراسيل الصحابة إن جعلت من صورة الخلاف فهو أولى من مراسيل التابعين وغيره، لأن الظاهر روايته من بعضهم، ومراسيل التابعين أولى من غيرهم، لأن الظاهر روايته عن الصحابي، والصحابة كلهم عدول على ما تقدم تقريره، وكل ما علم من مراسيل أن الوسائط فيه أقل فهو راجح على ما لم يعلم ذلك فيه، فعلى هذا مراسيل كل عصر أولى من مراسيل عصر بعده.
وثالثها: إذا علم من حال الشخص العدل أنه لا يرسل إلا إذا كان المروى عنه عد، كمراسيل سعيد بن المسيب فهو والمسند سواء، وأما إذا علم من حاله أنه لا يرسل إلا إذا حصلت له غلبة الظن بصدق الخبر فمرسله راجح على مسنده.
خاتمة
رجح قوم الخبر بالحرية والذكورة قياسًا على الشهادة وفيه احتمال ظاهر