المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسأله الثالثةفي شرائط المجتهد - نهاية الوصول في دراية الأصول - جـ ٨

[الصفي الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابعفي الركن الثالثوهو العلة

- ‌القسم الأول:في الطرق الدالة على كون الوصف علة الحكم

- ‌الفصل الثانيفي إثبات العلية بالمناسبة والإخالةوهي من الطرق العقلية

- ‌المسألة الأولىفي تعريف المناسب:

- ‌المسألة الثانيةاعلم أن الحكم إذا شرع للمناسبة فلابد وأن يكون محصلًا للمصلحة أو دافعًا للمفسدة، أو محصلًا للمصلحة ودافعًا للمفسدة معًا

- ‌المسألة الثالثةفي تقسيم المناسب

- ‌المسألة الرابعةفي أن مناسبة المصلحة تبطل وتحرم بمناسبة مفسدة مساوية أو راجحة، وقال قوم لا تبطل وهو اختيار الإمام

- ‌المسألة الخامسةفي إقامة الدلالة على أن المناسبة دالة على كون الوصف علة الحكم

- ‌الفصل الثالثفي قياس الشبه

- ‌المسألة الأولىفي تعريف ماهيته

- ‌المسألة الثانيةفي إقامة الدلالة على أنه حجة إذا اقترن به الحكم

- ‌المسألة الثالثةذهب بعض أصحابنا أن الوصف الشبهي إذا لم يعرف تأثير عينه في عين الحكم بل عرف تأثير جنسه القريب في الجنس القريب للحكم لا يكون حجة. وخالفه الباقون وهو المختار

- ‌الفصل الرابعفي الدورانويسمى بالطرد والعكس

- ‌الفصل الخامسفي السبر والتقسيم

- ‌الفصل السادسفي الطرد

- ‌الفصل السابعفي تنقيح المناط

- ‌الفصل الثامنفيما ظن أنه من طرق إثبات العلة وليس كذلك

- ‌القسم الثانيمن الطرق الدالة على أن الوصف لا يجوز أن يكون علة الحكم

- ‌الفصل الأولفي النقض

- ‌المسألة الأولىاختلفوا في أن ذلك هل يقدح في علية الوصف أم لا

- ‌المسألة الثانيةالقائلون بأن تخلف الحكم عن الوصف لمانع أو لغير مانع لا يقدح في عليته اتفقوا على أن تخلفه كذلك عن حكمة الوصف لا يقدح في عليته.فأما القائلون بأن تخلفه عن الوصف يقدح في عليته اختلفوا في أن تخلفه عن حكمه المقصودة هل يقدح في عليته أم لا

- ‌المسألة الثالثةالقائلون بتخصيص العلة اختلفوا في أنه هل يجب على المستدل ابتداء التعرض لنفي المانع، أم لا

- ‌المسألة الرابعةالقائلون بعدم تخصيص العلة اختلفوا في النقض إذا كان واردًا على سبيل الاستثناء

- ‌المسألة الخامسةفي الكسروهو نقض يرد على بعض أوصاف العلة

- ‌المسألة السادسةفي كيفية دفع النقض

- ‌الفصل الثانيفي عدم التأثير والعكس

- ‌المسألة الأولىفي معناهما:

- ‌المسألة الثانيةفي أن عدم التأثير يقدح في العلية

- ‌المسألة الثالثةفي أن العكس غير واجب في العلة عقلية كانت أو شرعية

- ‌الفصل الثالثفي القلب

- ‌المسألة الأولىفي حقيقته

- ‌المسألة الثانية

- ‌المسألة الثالثةفي أقسام القلب:

- ‌الفصل الرابعفي القول بالموجب

- ‌الفصل الخامسفي الفرق

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانيةيجوز تعليل الحكم الواحد نوعًا المختلف شخصًا بعلل مختلفة وفاقًا

- ‌المسألة الثالثةالقائلون بكون الفرق يقدح في العلية اختلفوا في أنه هل هو من تمامه ولوازمه نفيه عن الفرع أم لا

- ‌المسألة الرابعة

- ‌القسم الثالثفي أمور ظنت أنها تفسد العلة مع أنها ليست

- ‌المسألة الأولىفي تقسيم العلة

- ‌المسألة الثانيةاختلفوا في جواز التعليل بمحل الحكم، أو جزئه الخاص:

- ‌المسألة الثالثةالحق أنه لا يجوز أن تكون علة الحكم في الأصل بمعني الأمارة

- ‌المسألة الرابعةيجوز التعليل بالحكمة عند قوم.وقال قوم لا يجوز

- ‌المسألة الخامسةذهب جمع إلى جواز التعليل بالعدم ثبوتيا كان الحكم أو عدميا

- ‌المسألة السادسةاختلفوا في جواز تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي:

- ‌المسالة السابعةالتعليل بالأوصاف العرفية

- ‌المسألة الثامنةالتعليل بالوصف المركب جائز عند المعظم، وقال بعضهم لا يجوز

- ‌المسألة التاسعةأطبق الكل على أن العلة المنصوصة أو المجمع عليها يجوز أن تكون قاصرة، وأختلفوا في المستنبطة:

- ‌المسألة العاشرةاتفقوا على التعليل بمجرد الاسم غير جائز

- ‌المسألة الحادية عشرة

- ‌المسألة الثانية عشرةذهب الأكثرون إلى إنه لا يجوز التعليل بالصفات المقدرة، خلافا للأقلين من المتأخرين

- ‌المسألة الثالثة عشرةفي تقسيم العلة باعتبارات أخر غير ما تقدم

- ‌المسألة الرابعة عشرةاعلم أن الاستدلال قد يكون بذات العلة على الحكم، وقد يكون بعلية الحكم للحكم عليه

- ‌المسألة الخامسة عشرةاعلم أن تعليل الحكم العدمي بالوصف الوجودي يسمى تعليلا بالمانع

- ‌خاتمة لهذا القسم بمسائل في أحكام العلة لم يتقدم ذكرها

- ‌المسألة الثانيةالوصف الذي جعل علة الحكم بمعنى الباعث لا شتمالها على الحكمة يجب أن لا يمكن بمثابة يلزم منه إثبات الحكم، أو نفيه مع القطع

- ‌المسألة الثالثةقيل الوصف الذي جعل ضابطا لحكمته يجب أن يكون جامعا للحكمة

- ‌المسألة الرابعةالمشهور أنه لا يجوز تعليل الحكم بعلة متأخرة عنه في الوجود

- ‌المسألة الخامسة: (231/ أ)العلة المستنبطة من الحكم يجب أن لا ترجع إليه بالإبطال، ومعلوم أن ذلك لا يكون إلا في الأصل

- ‌الباب الخامسفي الركن الرابع وهو الفرع

- ‌النوع الخامس عشرفي الاعتراضات [وأجوبتها]

- ‌النوع السادس عشرالكلام في التعادل والتراجيح

- ‌ القسم الأول في التعادل

- ‌المسألة الأولىأطبق الكل على أن تعادل القاطعين المتنافيين عقليين كانا أو نقليين غير جائزة

- ‌المسألة الثانيةالقائلون بجواز هذا التعادل [قالوا: إن وقع هذا التعادل]، للإنسان في عمل نفسه كان حكمه فيه التخيير، أو التساقط والرجوع إلى غيرهما

- ‌المسألة الثالثةالمجتهد إذا نقل عنه قولان كالوجوب والتحريم مثلاً

- ‌القسم الثانيفي التراجيح

- ‌الفصل الأولفي مقدمات التراجيح

- ‌المسالة الأولى: في حد الترجيح

- ‌المسألة الثانيةذهب الأكثرون إلى وجوب العمل بالراجح سواء كان الترجيح معلومًا أو مظنونًا

- ‌المسألة الثالثةلا يتطرق الترجيح إلى الأدلة القطعية

- ‌المسألة الرابعةالمشهور أن العقليات لا يتطرق الترجيح إليها

- ‌المسالة الخامسةذهب الشافعي ومالك- رضي الله عنهما إلى أنه يجوز الترجيح بكثرة الأدلة، خلافًا للحنفية

- ‌المسألة السادسةإذا تعارض دليلان فإن لم يمكن العمل بكل واحد منهما بوجه دون وجه صير إلى الترجيح

- ‌المسألة السابعةإذا تعارض نصان فإما أن يكونا عامين، أو خاصين.أو أحدهما عامًا والآخر خاصًا

- ‌الفصل الثانيفي تراجيح الأخبار

- ‌المسألة الأولىفي ترجيح الخبر بكيفية السند

- ‌المسألة الثانيةفي ترجيح الخبر بكيفية الرواية

- ‌المسألة الثالثةفي الترجيح بحال وروده

- ‌المسألة الرابعةفي ترجيح الخبر باعتبار اللفظ

- ‌المسألة الخامسةفي ترجيح الخبر باعتبار مدلوله وهو الحكم

- ‌المسالة السادسةفي ترجيح الخبر بالأمور الخارجية

- ‌الفصل الثالثفي ترجيح القياس بحسب علته

- ‌المسألة الأولىفي ترجيح القياس بحسب ماهية علته

- ‌المسألة الثانيةفي ترجيح القياس بحسب الدليل الدال على وجود علته

- ‌المسألة الثالثةفي ترجيح القياس بسبب الدليل الدال على علية الوصف في الأصل

- ‌المسألة الرابعةفي ترجيح القياس بسبب وصف العلة

- ‌النوع السابع عشر في الاجتهاد

- ‌ المقدمة:

- ‌الفصل الأولفي المجتهد

- ‌المسألة الأولىاختلفوا في أن الرسول- عليه السلام هل كان يجوز له الاجتهاد فيما لا نص فيه:

- ‌المسألة الثانيةاتفقوا على جواز الاجتهاد بعد الرسول- عليه السلام

- ‌المسأله الثالثةفي شرائط المجتهد

- ‌المسألة الرابعةاختلفوا في أن صفة الاجتهاد هل تحصل في فن دون فن أم لا

- ‌الفصل الثانيفي المجتهد فيه

- ‌المسألة الأولىذهب الجماهير إلى أنه ليس كل مجهد في الأصول مصيبًا

- ‌المسألة الثانيةفي تصويب المجتهدين في الأحكام الشرعية

- ‌النوع الثامن عشرالكلام في المفتي والمستفتي وما فيه الاستفتاء

- ‌الفصل الأول في المفتي

- ‌المسألة الأولىفي المفتي المجتهد إذا أفتى مرة بما أدى إليه اجتهاده، ثم سئل مرة أخرى عن تلك الحادثة بعينها:

- ‌المسألة الثانيةفي أن غير المجتهد هل يجوز له الفتوى بما يحكيه عن الغير من المجتهدين

- ‌المسألة الثالثةالمختار عند الأكثرين أنه يجوز خلو عصر من الأعصار عن الذي يمكن تفويض الفتوى إليه سواء كان مجتهدًا مطلقًا، أو كان مجتهدًا في مذهب المجتهد، ومنع منه الأقلون كالحنابلة

- ‌الفصل الثانيفي المستفتي

- ‌المسألة الأولىيجوز للعامي أن يقلد المجتهدين في مسائل الفروع اجتهادية كانت أو غير اجتهادية

- ‌المسألة الثانيةفي شرائط الاستفتاء

- ‌المسألة الثالثةالرجل الذي تنزل به الواقعة إن كان عاميًا صرفًا جاز له الاستفتاء

- ‌المسألة الرابعةالعامي إذا عمل بفتوى بعض المجتهدين في حكم حادثة وقلده فيه لم يجز له الرجوع عنه إلى حكم آخر في تلك الحادثة بعينها بفتوى غيره إجماعًا

- ‌النوع التاسع عشرالكلام في المدارك التي اختلف المجتهدون في أنها هل هي مدارك للأحكام أم لا

- ‌المسألة الأولىفي أن الأصل في المنافع الإذن، وفى المضار المنع خلافا لبعضهم

- ‌المسألة الثانيةفي استصحاب الحال

- ‌المسألة الثالثةفي أن النافي هل عليه دليل أم لا

- ‌المسألة الرابعةاختلفوا في أن مذهب الصحابي وقوله هل هو حجة على من بعدهم من التابعين أم لا

- ‌المسألة الخامسةفي المصالح المرسلة

- ‌المسألة السادسةفي الاستحسان

- ‌المسألة السابعةاختلفوا في أنه هل يجوز أن يقول الله تعالى لنبي أو لعام: احكم بما شئت، فإنك لا تحكم إلا بالصواب:

- ‌المسألة الثامنةذهب الشافعي رضي الله عنه وأصحابه إلى أنه يجوز الاعتماد في إثبات الأحكام على الأخذ بأقل ما قيل فيه خلافًا لبعضهم

- ‌المسألة التاسعةذهب بعضهم إلى أن الأخذ بأخف القولين واجب على المكلف

- ‌النوع العشرونالكلام في الاستدلال

- ‌المسألة الأولىفي معنى الاستدلال

- ‌المسألة الثانيةفيما يتعلق بالسبب والشرط والمانع

- ‌المسألة الثالثةفي الاستدلال بعدم ما يدل على الحكم على عدم الحكم

- ‌المسألة الرابعةمن جملة طرق الاستدلال والاستقراء

- ‌المسألة الخامسةفي الاستدلال على عدم الحكم

- ‌المسألة السادسةفي الاستدلال على ثبوت الحكم

الفصل: ‌المسأله الثالثةفي شرائط المجتهد

‌المسأله الثالثة

في شرائط المجتهد

أعلم أن المعتبر في ذلك أن يكون المكلف متمكنًا من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها الشرعية، ولا تحصل له هذه المكنة إلا بأمور:

أحدها. أن يكون عارفًا بمعاني الألفاظ ومقتضياتها؟ لأنه لو لم يعرف ذلك لم يفهم منه شيئًا، ولما كان اللفظ قد يفيد معنى بحسب المطابقة، أو التضمن أو الالتزام، وكل واحد منهما إما بحسب الوضع اللغوي أو العرفي، أو الشرعي، وجب أن يعرف هذه الدلالات بهذه الاعتبارات، وكذلك يجب عليه أن يعوف سائر وجوه دلالات اللفظ كدلالة اقتضائه، وإشارته، وايمائه، ومفهومه المخالف، والموافق، وكذلك يجب عليه أن يعرف [ما يتعلق بها من أحكام هذه الدلالة نحو أن يعرف]، ما يجوز منها أن يجتمع صمع مع الأخرى، وما لا يجوز، وأن التي يجوز الاجتماع بينها يجب أن يحصل اللفظ عليها بأسرها عند تجرده عن القرينة المعينة لإحدى الدلالات منها.

ص: 3824

وثانيها: أن يعرف من حال المخاطب أنه يعنى باللفظ ما يقتضيه ظاهره إن تجرد عق القرينة العينة، وإن كان معها قرينة مما تقتضيه القرينة؛ لأنه لولا ذلك لما حصل الوثوق بشيء من الأحكام، ولا بالخبر ولا بالوعد والوعيد، لجواز أن يقال: إنه عنى بالخطاب الذى يدل ظاهره على حكم أو خبر أو وعد أو وعيد غير ظاهره مع أنه لم ينبه عليه.

واختلفوا في طريق العلم إلى ذلك:

فقالت المعتزلة: إنما يعرف ذلك بحكمة المتكلم، أو بعصمته أما الأول فمبنى على أنه تعالى عالم بقبح القبيح وعالم بغنائه عنه، ومتى كان كذلك يستحيل منه فعله لعدم الداعي إليه.

وأما أصحابنا لما لم يقولوا بالتحسين والتقبيح العقلي لم يمكنهم بناء ذلك عليه بل قالوا: إنا وإن جوزنا ذلك من الله تعالى بناء أنه لم يقبح شيء من الله تعالى بل كل شيء منه، لكن مع ذلك بأنه لم يقع فإن حسن الشيء لا يقتضى وقوعه، وهذا كما أنا نجوز انقلاب ماء الأدوية دمًا عبيطًا، وانقلاب الأحجار ذهبًا إبريزًار، وتولد الإنسان الشيخ من الأبوين دفعة، ومع ذلك فإنا نقطع بأنه لا يقع فكذا ما نحن فيه، فإنا وإن جوزنا من الله تعالى كل شيء، لكن الله تعالى خلق فينا علمًا ضروريًا بأنه لا يعنى من هذه الألفاظ إلا ظواهرها، فلذلك آمنا من وقوع التلبيس.

ص: 3825

تنبيه

قد عرفت أن اللفظ إذا كان معه قرينة كان المراد منه ما تدل عليه القرينة فيجب على المجتهد أن يبحث عن القرينة إلى أن يغلب على الظن وجودها أو عدمها فيعمل بمقتضاها إن وجدها وإلا فيما يقتضيه اللفظ ظاهرًا.

ثم القرينة قد تكون سمعية، وقد تكون غير سمعية، وهى إما عقلية، أو حالية.

أما السمعية فهي تبين جواز ما يراد من اللفظ، وما لا يراد منه، وتبين أيضًا ما هو المراد منه، وما هو غير المراد منه بخلاف القرينة العقلية فإنها لا تبين إلا الجواز دون الوقوع.

ثم السمعية إما مخصصة، وإما معممة، والمخصصة إما مخصصة للأعيان وهو المسمى بالتخصيص، وإما للأزمان وهو المسمى بالنسخ. والمعممة/ (301، أ) هي التي تقتضي تعميم الخاص وهو القياس.

وأما القرينة الحالية فإنها تبين الوقوع دون الجواز إذ لا دلالة للأقوال على ما يجوز من الأحوال وما لا يجوز منها، نعم لها دلالة على الوقوع بسبب شهادة الحال ثم الدلائل السمعية [وقرائنها السمعية] والحالية قد تكون غائبة عن المجتهد، فلابد وأن يكون لنقلها إليه طريق وهى: إما الأحاد، أو التواتر، والأول يفيد الظن، والثاني يفيد القطع، لكن بشرائط [ولابد وأن يكون عارفا بشرائط] كل واحد من الطريقتين.

ص: 3826

وثالثها: أن يكون عارفا بمدارك الأحكام الشرعية وبطرق استنباطاتها [منها]، ووجوه دلالتها وشرائطها.

ثم قيل: مدارك الأحكام أربعة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل فلابد من العلم بهذه الأربعة، ولابد معها من أربعة أخرى اثنان مقدمان، واثنان متممان، فهذه العلوم الثمانية لابد من بيانها، وبيان القدر الذى لابد للمجتهد من معرفته.

فأما كتاب الفه تعالى فلا يشترط معرفة جميعه، بل ما يتعلق منه بالأحكام، وهو خمسمائة آية، ولا يشترط حفظها، بل يكفى أن يكون عارفا بمواقعها حتى يطلب منها الآية التي يحتاج إليها عند نزول الواقعة.

وأما السنة فلا يشترط أيضًا معرفة جميعها، بل ما يتعلق منها بالأحكام وهي مع كثرتها مضبوطة في الكتب المصنفة في هذا الفن، ثم لا يشترط حفظها بل معرفة مواقعها حتى يطلب منها الحاجة إليها.

وأما الإجماع فينبغي أن يكون عالمًا بمواقعة، حتى لا يفتى بخلاف الإجماع، وطريق ذلك: أن لا يفتى إلا بشيء يوافق قول واحد من العلماء المتقدمين، أو يغلب على ظنه أنه واقعة وقعت في هذا العصر وليس فيها

ص: 3827

خوض للمتقدمين.

وأما العقل، فيعرف البرامة الأصلية، ويعرف أنا مكلفون بالتمسك به ما دام لم يرد [دليل]، ناقل من النص، أو إجماع، أو غيرهما، فهذه هي العلوم المعتبرة بالمدارك الأربعة، وأعلم أن هذا ما ذكره الشيخ الغزالي، ونقله الامام عنه، ووافقه على ذلك، ولم يذكر فيه القياس، فإن كان ذلك باء على أنه متفرع [من الكتاب]، والسنة فالإجماع والعقل أيضًا كذلك، فكان يجب أن يذكرهما، وإن كان ذلك بناء على أنه ليس بمدرك فكونه حجة ينفي ذلك، بل هو أيضًا مدرك من المدارك فينبغي أيضًا أن يكون المجتهد عارفًا به، وبأنواعه، وأقسامه، وشرائطه المعتبرة والطرق الدالة على العلة فيه.

وأما العلمان المقدمان:

فأحدهما: علم شرائط الحد والبرهان، والعلم المتكفل ببيان ذلك هو المنطق، ولا يشترط في ذلك أن يكون بالغًا إلى الغاية القصوى، نحو أن يعرف نوادر الحد، وأن يعرف طرق الإنتاجات البعيدة من المتصلات، والمنفصلات، والمختلطات، بل يكفي أن يكون في المرتبة الوسطى من ذلك.

وثانيهما: معرفة النحو واللغة والتصريف، [لأن شرعنا]، عربي فلا يمكن التوصل إليه إلا بفهم كلام العرب، وقد تقدم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولا يشترط في ذلك أن يكون بالغًا إلى حد

ص: 3828

الأصمعي، والخليل، وسيبويه، بل يكفى في ذلك أن يكون عارفًا بأوضاع العرب بحيث يميز العبارة الصحيحة عن الفاسدة، والراجحة عن المرجوحة، فإنه يجب حمل كلام الله وكلام رسوله على ما هو الراجح لأن كان عكسه مرجوحًا جائزًا في كلام العرب، وبحيث يميز بين دلالة المطابقة، والتضمين، والالتزام، وبين المفرد والمركب وسائر الاقسام التي ذكرناها في اللغات.

وأما المتممان:

فأحدهما: يعم الكتاب والسنة وهو علم الناسخ والمنسوخ، وأسباب

ص: 3829

النزول في النصوص الأحكامية.

وثانيهما: مختص بالسنة وهو علم الجرح والتعديل، ومعرفة أحوال الرجال، ومعرفة الصحيح منها عن غيره من المطعون والمردود وغيرهما، ولا يشترط في ذلك أن يعرف ذلك بالنظر، والاختبار، والتواتر فإن كل ذلك متعذر أو متعسر في الذين درجوا، وطالت مدتهم، وكثرة الوسائط بيننا وبينهم بل يكفى في ذلك أن يعرف بالتقليد بتقليد الائمة الذين اتفق الخلق على عدالتهم/ (302/ أ) كالإمام أحمد، وصاحبي الصحيحين مسلم والبخاري وأمثالهم- رحمهم الله تعالى-.

ولا يشترط معرفة علم الكلام بل يكفى أن يعرف منه ما يصح به إسلامه كوجود الرب تعالى وتوحيده، وكونه عالمًا بكل المعلومات، وقادرًا على كل المقدورات، وكونه حيًا مؤيدًا، وما يتوقف عليه صحة التكليف ككونه متكلمًا آمرًا وناهيًا، ولا يشترط معرفة هذه الأشياء بالدليل والبرهان بل يكفي فيه التقليد لأنه يصح إسلام المقلد على الأصح، ويصح منه الاستدلال بالأدلة الشرعية إذ ذاك ولا يعتبر فيه سوى الإسلام، والتمكن من استنباط الأحكام

ص: 3830

عن الأدلة وهو حاصل إذ ذاك.

وأما تفاريع الفقه فغير معتبر معرفتها؛ لأن هذه التفاريع فرع الاجتهاد، فلو اعتبرت معرفتها فيه لزم اشتراط الفرع في الأصل وأنه دور.

واعلم أن الإنسان كلما كان أكمل في معرفة أصول الفقه كان منصبه أتم وأعلى في الاجتهاد، لأنه قد ظهر مما تقدم ذكره أن أهم العلوم في الاجتهاد إنما هو علم أصول الفقه، وإذا كان الانسان فيه أكمل لزم منه أن يكون منصبه في الاستدلال والاجتهاد أتم وأعلى، ثم ضبط القدر الذي لا تحصل صنعة الاجتهاد بدونه كالأمر المتعذر، وإنما يتبين القدر المعتبر منه فيه بنوع من التقريب وهو الذى تقدمت الاشارة إليه.

ص: 3831