المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الرابعةالعامي إذا عمل بفتوى بعض المجتهدين في حكم حادثة وقلده فيه لم يجز له الرجوع عنه إلى حكم آخر في تلك الحادثة بعينها بفتوى غيره إجماعا - نهاية الوصول في دراية الأصول - جـ ٨

[الصفي الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابعفي الركن الثالثوهو العلة

- ‌القسم الأول:في الطرق الدالة على كون الوصف علة الحكم

- ‌الفصل الثانيفي إثبات العلية بالمناسبة والإخالةوهي من الطرق العقلية

- ‌المسألة الأولىفي تعريف المناسب:

- ‌المسألة الثانيةاعلم أن الحكم إذا شرع للمناسبة فلابد وأن يكون محصلًا للمصلحة أو دافعًا للمفسدة، أو محصلًا للمصلحة ودافعًا للمفسدة معًا

- ‌المسألة الثالثةفي تقسيم المناسب

- ‌المسألة الرابعةفي أن مناسبة المصلحة تبطل وتحرم بمناسبة مفسدة مساوية أو راجحة، وقال قوم لا تبطل وهو اختيار الإمام

- ‌المسألة الخامسةفي إقامة الدلالة على أن المناسبة دالة على كون الوصف علة الحكم

- ‌الفصل الثالثفي قياس الشبه

- ‌المسألة الأولىفي تعريف ماهيته

- ‌المسألة الثانيةفي إقامة الدلالة على أنه حجة إذا اقترن به الحكم

- ‌المسألة الثالثةذهب بعض أصحابنا أن الوصف الشبهي إذا لم يعرف تأثير عينه في عين الحكم بل عرف تأثير جنسه القريب في الجنس القريب للحكم لا يكون حجة. وخالفه الباقون وهو المختار

- ‌الفصل الرابعفي الدورانويسمى بالطرد والعكس

- ‌الفصل الخامسفي السبر والتقسيم

- ‌الفصل السادسفي الطرد

- ‌الفصل السابعفي تنقيح المناط

- ‌الفصل الثامنفيما ظن أنه من طرق إثبات العلة وليس كذلك

- ‌القسم الثانيمن الطرق الدالة على أن الوصف لا يجوز أن يكون علة الحكم

- ‌الفصل الأولفي النقض

- ‌المسألة الأولىاختلفوا في أن ذلك هل يقدح في علية الوصف أم لا

- ‌المسألة الثانيةالقائلون بأن تخلف الحكم عن الوصف لمانع أو لغير مانع لا يقدح في عليته اتفقوا على أن تخلفه كذلك عن حكمة الوصف لا يقدح في عليته.فأما القائلون بأن تخلفه عن الوصف يقدح في عليته اختلفوا في أن تخلفه عن حكمه المقصودة هل يقدح في عليته أم لا

- ‌المسألة الثالثةالقائلون بتخصيص العلة اختلفوا في أنه هل يجب على المستدل ابتداء التعرض لنفي المانع، أم لا

- ‌المسألة الرابعةالقائلون بعدم تخصيص العلة اختلفوا في النقض إذا كان واردًا على سبيل الاستثناء

- ‌المسألة الخامسةفي الكسروهو نقض يرد على بعض أوصاف العلة

- ‌المسألة السادسةفي كيفية دفع النقض

- ‌الفصل الثانيفي عدم التأثير والعكس

- ‌المسألة الأولىفي معناهما:

- ‌المسألة الثانيةفي أن عدم التأثير يقدح في العلية

- ‌المسألة الثالثةفي أن العكس غير واجب في العلة عقلية كانت أو شرعية

- ‌الفصل الثالثفي القلب

- ‌المسألة الأولىفي حقيقته

- ‌المسألة الثانية

- ‌المسألة الثالثةفي أقسام القلب:

- ‌الفصل الرابعفي القول بالموجب

- ‌الفصل الخامسفي الفرق

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانيةيجوز تعليل الحكم الواحد نوعًا المختلف شخصًا بعلل مختلفة وفاقًا

- ‌المسألة الثالثةالقائلون بكون الفرق يقدح في العلية اختلفوا في أنه هل هو من تمامه ولوازمه نفيه عن الفرع أم لا

- ‌المسألة الرابعة

- ‌القسم الثالثفي أمور ظنت أنها تفسد العلة مع أنها ليست

- ‌المسألة الأولىفي تقسيم العلة

- ‌المسألة الثانيةاختلفوا في جواز التعليل بمحل الحكم، أو جزئه الخاص:

- ‌المسألة الثالثةالحق أنه لا يجوز أن تكون علة الحكم في الأصل بمعني الأمارة

- ‌المسألة الرابعةيجوز التعليل بالحكمة عند قوم.وقال قوم لا يجوز

- ‌المسألة الخامسةذهب جمع إلى جواز التعليل بالعدم ثبوتيا كان الحكم أو عدميا

- ‌المسألة السادسةاختلفوا في جواز تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي:

- ‌المسالة السابعةالتعليل بالأوصاف العرفية

- ‌المسألة الثامنةالتعليل بالوصف المركب جائز عند المعظم، وقال بعضهم لا يجوز

- ‌المسألة التاسعةأطبق الكل على أن العلة المنصوصة أو المجمع عليها يجوز أن تكون قاصرة، وأختلفوا في المستنبطة:

- ‌المسألة العاشرةاتفقوا على التعليل بمجرد الاسم غير جائز

- ‌المسألة الحادية عشرة

- ‌المسألة الثانية عشرةذهب الأكثرون إلى إنه لا يجوز التعليل بالصفات المقدرة، خلافا للأقلين من المتأخرين

- ‌المسألة الثالثة عشرةفي تقسيم العلة باعتبارات أخر غير ما تقدم

- ‌المسألة الرابعة عشرةاعلم أن الاستدلال قد يكون بذات العلة على الحكم، وقد يكون بعلية الحكم للحكم عليه

- ‌المسألة الخامسة عشرةاعلم أن تعليل الحكم العدمي بالوصف الوجودي يسمى تعليلا بالمانع

- ‌خاتمة لهذا القسم بمسائل في أحكام العلة لم يتقدم ذكرها

- ‌المسألة الثانيةالوصف الذي جعل علة الحكم بمعنى الباعث لا شتمالها على الحكمة يجب أن لا يمكن بمثابة يلزم منه إثبات الحكم، أو نفيه مع القطع

- ‌المسألة الثالثةقيل الوصف الذي جعل ضابطا لحكمته يجب أن يكون جامعا للحكمة

- ‌المسألة الرابعةالمشهور أنه لا يجوز تعليل الحكم بعلة متأخرة عنه في الوجود

- ‌المسألة الخامسة: (231/ أ)العلة المستنبطة من الحكم يجب أن لا ترجع إليه بالإبطال، ومعلوم أن ذلك لا يكون إلا في الأصل

- ‌الباب الخامسفي الركن الرابع وهو الفرع

- ‌النوع الخامس عشرفي الاعتراضات [وأجوبتها]

- ‌النوع السادس عشرالكلام في التعادل والتراجيح

- ‌ القسم الأول في التعادل

- ‌المسألة الأولىأطبق الكل على أن تعادل القاطعين المتنافيين عقليين كانا أو نقليين غير جائزة

- ‌المسألة الثانيةالقائلون بجواز هذا التعادل [قالوا: إن وقع هذا التعادل]، للإنسان في عمل نفسه كان حكمه فيه التخيير، أو التساقط والرجوع إلى غيرهما

- ‌المسألة الثالثةالمجتهد إذا نقل عنه قولان كالوجوب والتحريم مثلاً

- ‌القسم الثانيفي التراجيح

- ‌الفصل الأولفي مقدمات التراجيح

- ‌المسالة الأولى: في حد الترجيح

- ‌المسألة الثانيةذهب الأكثرون إلى وجوب العمل بالراجح سواء كان الترجيح معلومًا أو مظنونًا

- ‌المسألة الثالثةلا يتطرق الترجيح إلى الأدلة القطعية

- ‌المسألة الرابعةالمشهور أن العقليات لا يتطرق الترجيح إليها

- ‌المسالة الخامسةذهب الشافعي ومالك- رضي الله عنهما إلى أنه يجوز الترجيح بكثرة الأدلة، خلافًا للحنفية

- ‌المسألة السادسةإذا تعارض دليلان فإن لم يمكن العمل بكل واحد منهما بوجه دون وجه صير إلى الترجيح

- ‌المسألة السابعةإذا تعارض نصان فإما أن يكونا عامين، أو خاصين.أو أحدهما عامًا والآخر خاصًا

- ‌الفصل الثانيفي تراجيح الأخبار

- ‌المسألة الأولىفي ترجيح الخبر بكيفية السند

- ‌المسألة الثانيةفي ترجيح الخبر بكيفية الرواية

- ‌المسألة الثالثةفي الترجيح بحال وروده

- ‌المسألة الرابعةفي ترجيح الخبر باعتبار اللفظ

- ‌المسألة الخامسةفي ترجيح الخبر باعتبار مدلوله وهو الحكم

- ‌المسالة السادسةفي ترجيح الخبر بالأمور الخارجية

- ‌الفصل الثالثفي ترجيح القياس بحسب علته

- ‌المسألة الأولىفي ترجيح القياس بحسب ماهية علته

- ‌المسألة الثانيةفي ترجيح القياس بحسب الدليل الدال على وجود علته

- ‌المسألة الثالثةفي ترجيح القياس بسبب الدليل الدال على علية الوصف في الأصل

- ‌المسألة الرابعةفي ترجيح القياس بسبب وصف العلة

- ‌النوع السابع عشر في الاجتهاد

- ‌ المقدمة:

- ‌الفصل الأولفي المجتهد

- ‌المسألة الأولىاختلفوا في أن الرسول- عليه السلام هل كان يجوز له الاجتهاد فيما لا نص فيه:

- ‌المسألة الثانيةاتفقوا على جواز الاجتهاد بعد الرسول- عليه السلام

- ‌المسأله الثالثةفي شرائط المجتهد

- ‌المسألة الرابعةاختلفوا في أن صفة الاجتهاد هل تحصل في فن دون فن أم لا

- ‌الفصل الثانيفي المجتهد فيه

- ‌المسألة الأولىذهب الجماهير إلى أنه ليس كل مجهد في الأصول مصيبًا

- ‌المسألة الثانيةفي تصويب المجتهدين في الأحكام الشرعية

- ‌النوع الثامن عشرالكلام في المفتي والمستفتي وما فيه الاستفتاء

- ‌الفصل الأول في المفتي

- ‌المسألة الأولىفي المفتي المجتهد إذا أفتى مرة بما أدى إليه اجتهاده، ثم سئل مرة أخرى عن تلك الحادثة بعينها:

- ‌المسألة الثانيةفي أن غير المجتهد هل يجوز له الفتوى بما يحكيه عن الغير من المجتهدين

- ‌المسألة الثالثةالمختار عند الأكثرين أنه يجوز خلو عصر من الأعصار عن الذي يمكن تفويض الفتوى إليه سواء كان مجتهدًا مطلقًا، أو كان مجتهدًا في مذهب المجتهد، ومنع منه الأقلون كالحنابلة

- ‌الفصل الثانيفي المستفتي

- ‌المسألة الأولىيجوز للعامي أن يقلد المجتهدين في مسائل الفروع اجتهادية كانت أو غير اجتهادية

- ‌المسألة الثانيةفي شرائط الاستفتاء

- ‌المسألة الثالثةالرجل الذي تنزل به الواقعة إن كان عاميًا صرفًا جاز له الاستفتاء

- ‌المسألة الرابعةالعامي إذا عمل بفتوى بعض المجتهدين في حكم حادثة وقلده فيه لم يجز له الرجوع عنه إلى حكم آخر في تلك الحادثة بعينها بفتوى غيره إجماعًا

- ‌النوع التاسع عشرالكلام في المدارك التي اختلف المجتهدون في أنها هل هي مدارك للأحكام أم لا

- ‌المسألة الأولىفي أن الأصل في المنافع الإذن، وفى المضار المنع خلافا لبعضهم

- ‌المسألة الثانيةفي استصحاب الحال

- ‌المسألة الثالثةفي أن النافي هل عليه دليل أم لا

- ‌المسألة الرابعةاختلفوا في أن مذهب الصحابي وقوله هل هو حجة على من بعدهم من التابعين أم لا

- ‌المسألة الخامسةفي المصالح المرسلة

- ‌المسألة السادسةفي الاستحسان

- ‌المسألة السابعةاختلفوا في أنه هل يجوز أن يقول الله تعالى لنبي أو لعام: احكم بما شئت، فإنك لا تحكم إلا بالصواب:

- ‌المسألة الثامنةذهب الشافعي رضي الله عنه وأصحابه إلى أنه يجوز الاعتماد في إثبات الأحكام على الأخذ بأقل ما قيل فيه خلافًا لبعضهم

- ‌المسألة التاسعةذهب بعضهم إلى أن الأخذ بأخف القولين واجب على المكلف

- ‌النوع العشرونالكلام في الاستدلال

- ‌المسألة الأولىفي معنى الاستدلال

- ‌المسألة الثانيةفيما يتعلق بالسبب والشرط والمانع

- ‌المسألة الثالثةفي الاستدلال بعدم ما يدل على الحكم على عدم الحكم

- ‌المسألة الرابعةمن جملة طرق الاستدلال والاستقراء

- ‌المسألة الخامسةفي الاستدلال على عدم الحكم

- ‌المسألة السادسةفي الاستدلال على ثبوت الحكم

الفصل: ‌المسألة الرابعةالعامي إذا عمل بفتوى بعض المجتهدين في حكم حادثة وقلده فيه لم يجز له الرجوع عنه إلى حكم آخر في تلك الحادثة بعينها بفتوى غيره إجماعا

‌المسألة الرابعة

العامي إذا عمل بفتوى بعض المجتهدين في حكم حادثة وقلده فيه لم يجز له الرجوع عنه إلى حكم آخر في تلك الحادثة بعينها بفتوى غيره إجماعًا

.

وهل يجوز له أن يقلد غيره في وقائع أخر؟

اختلفوا فيه. فمنهم من منعه مطلقًا.

ومنهم من جوزه مطلقًا.

ومنهم من فصل بين عصر الصحابة والتابعين وبين عصر الأئمة الذي تقررت فيه لمذاهب فجوز في الأول دون الثاني وإليه ميل إمام الحرمين.

واحتج من منع منه مطلقًا بأن تجويزه يقضي نفي التكاليف وعدم/ (326/ أ) حصول فوائدها؛ وذلك لأن أحد المجتهدين إذا قال بإباحة شيء، والآخر بتحريمه، فلو كان العامي غير متقيد بمذهب بل له أن ينتحل أي مذهب شاء كان مخيرًا بين الحل والحرمة، فلا يتحقق الحل والحرمة عنده بل يلزم أن تكون التكاليف [بأسرها في حقه على التخيير، وفي ذلك

ص: 3919

إبطال التكاليف، وهذا الدليل يقتضى أن يجب على العامي أن ينتحل مذهبًا معينًا ابتداء، وإن لم يوجد منه تقليد لاحد منهم، وفيه أيضًا الخلاف السابق لكن يجب أن يرتب عليه، فإن قلنا في الأولى: لا يجب عليه تقليده، فلان لا يجب عليه تقليد مذهب معين ابتداء بطريق الأولى.

وإن قلنا هناك يجب تقليده فها هنا وجهان، ووجه الفرق ظاهر.

واحتج من جوز ذلك مطلقًا بإجماع الصحابة، فإنهم كانوا يجوزون للعامي أن يستفتى من بعضهم في مسألة، ومن البعض الأخر في مسالة أخرى، ولم ينقل عن أحد منهم الإنكار في ذلك، ولم ينقل عنهم أيضًا أنهم كانوا يلزمون العوام ابتداء بتقليد مذهب واحد منهم ولو كان ذلك غير جائز لما جاز منهم إهماله والسكوت على الإنكار عليه فكان ذلك إجماعا منهم على جواز ذلك.

واحتج من قال بالتفصيل: أنا لو لم نقل بذلك بعد تفرد المذاهب، وتمهيد كل منهم أصولاً تفي بأحكام الوقائع كلها لأدى ذلك إلى الخبط وعدم الضبط، وإعدام التكاليف وإبطال فوائدها كما تقدم تقريره، وأما في زمن الصحابة- رضي الله عنهم كان ذلك غير واجب؛ لأن كل واحد من المجتهدين منهم ما كان قرر لنفسه مذهبًا ومهد أصولاً وقوانين تفي بأكثر أحكام الوقائع فضلاً عن أن تفي بكلها، بل ما كانوا ينظرون في مسألة إلا بعد وقوعها لاشتغالهم بالحروب لإعلاء كلمة الله فلا جرم كانوا يجوزون لهم الاستفتاء ممن اتفق وما كانوا يلزمونهم بتقليد واحد منهم، فلا يلزم من جواز ذلك في زمانهم جوازه في زمان تقررت فيه المذاهب والأصول، وتلخصت فيه القواعد والفصول.

وأما إذا التزم العامي مذهبًا معينًا، كمذهب الشافعي- رضى الله عنه- أو غيره فهل يجوز له الرجوع عنه، والأخذ بقول غيره في مسالة من المسائل أم لا؟

ص: 3920

اختلفوا فيه:

فجوزه قوم؛ لأن التزامه بمذهب معين غير ملزم ولا يلزمه ذلك.

ومنهم من لم يجوز ذلك؛ لأنه لما التزم مذهبا معينا صار لازما له كما لو التزم مذهبه في حكم واقعة معينة.

ومنهم من فصَّل فقال: إن كل مسالة اتصل العمل بها على رأي صاحب المذهب الأول لم يجز له الرجوع عنها، وإن لم يتصل العمل بها جاز له الرجوع عنه إلى غيره.

ص: 3921

الفصل الثالث

فيما فيه الاستفتاء

ص: 3923

الفصل الثالث

فيما فيه الاستفتاء

أعلم أن الاستفتاء إنما يجوز فيما يجوز التقليد، وهو وإن كان عبارة عن: قبول قول الغير والعمل به من غير حجة ملزمة فعلى هذا قبول العاس فول المفتي وعمله به لا يكون تقليدًا، ضرورة قيام الحجة الملزمة على ذلك لكن مع هذا يسمى تقليدا لعرت الاستعمال، أو لأنه وإن قامت الحجة على قبول قول المفتي لكن ما قامت على قول معين فيكون قبول قول المفتي المعين تقليدًا، وعند هذا نقول:

اتفقوا على أنه بجور التقليد والاستفتاء في المسائل الفرعية إلا على الخلاف الذي تقدم وهو غير معتبر عند الجماهير.

واختلفوا في جواز التقليد في المسائل الأصولية:

فذهب كثير من الفقهاء والسلفيين، وبعض المتكلمين كعبد الله بن الحسين العنبري والحشوية والتعليمية.

ص: 3925

إلى جوازه، وربما بالغ بعضهم وقال: التقليد واجب، وأن النظر في ذلك حرام.

ص: 3926

وذهب الباقون إلى عدم جوازه.

واحتجوا على هذا بوجوه:

أحدها: أن تحصيل العلم في أصول الدين كان واجبا على الرسول- عليه السلام لقوله تعالى: {فاعلم أنه لا إلاه إلا الله} وإذا كان واجبًا عليه لزم أن يكون واجبًا على أمته أيضًا لقوله تعالى: {اتبعوه} وما قيل عليه: بانه لا يمكن إيجاب العلم بالله تعالى؛ وذلك لأن المأمور أن لم يكن عالماً بالله تعالى لم يكن مأمورًا بتحصيل العلم بالله تعالى، لأن حالما يمتنع كونه حالمًا بالله تعالى استحال أن يكون عالمًا بأمر الله تعالى، وإلا لكان ذلك تكليف ما لا يطاق.

وإن كان عالمًا به تعالى أستحال أمره بتحصيل العلم به؛ لأن ذلك تحصيل الحاصل وهو محال.

فهو ساقط غير وارد عليه؟ لأن الآية دالة على وجوب تحصيل العلم بوحدانيته تعالى لا على تحصيل العلم بوجوده تعالى حتى يكون ما ذكروه واردًا. عليه، ونحن ما استدللنا إلا بما دلت الآية على وجوبه، لا بوجوب تحصيل العلم بوجوده تعالى.

ص: 3927

وثانيها: أن القرآن العظيم دل على ذم التقليد واتباع غير العلم، فالمراد منه أما التقليد في الاصول، أو الفروع، أو هما جميعًا، وعلى التقديرات كلها يلزم أن لا يجوز التقليد في الأصول.

أما إن كان المراد منه القسم الثاني فكذلك؛ لأن كل من قال: لا يجوز التقليد في الفروع، قال: لا يجوز التقليد في الأصول بالطريق الأولى، فالقول بعدم جواز التقليد في الفروع مع جوازه في الأصول قول مخالف للإجماع فكان باطلاً.

وإن كان المراد منه القسم الثالث فكذلك وهو ظاهر غني عن البيان.

ولو قلت دل القرآن العظيم على ذم التقليد، واتباع ما ليس بعلم فالمراد منه: أما التقليد في الأصول، أو في الفروع والثاني باطل لما ثبت من جواز التقليد فيه فيتعمق أن يكون المراد منه الأول كان حسنًا/ (327/ أ).

وثالثها: التمسك بالظواهر التي تدل على وجوب النظر والفكر نحو قوله تعالى: {قل انظروا} وقوله: {أو لم يتفكروا} .

ووجه الاستدلال بها: أن المراد منها أما وجوب النظر في المطالب الأصولية أو في غيرها، والثاني باطل؛ لأن القول بوجوب النظر والفكر في غيرها مع عدم وجوبه فيها قول مخالف الإجماع، فكان المراد منها. وجوب النظر ميها أما وحدها أو مع غيرها، وعلى التقديرين فالمقصود حاصل.

ورابعها: أنه لما نزل قوله تعالى: {إن في خلق السموات والأرض} الآية قال رسول الله-: "ويل لمن لأكلها بين لحييه ولم يتفكر فيها"

ص: 3928

وذلك يدل على وجوب النظر؛ لأن الويل لا يستحق على ترك غير الواجب.

وخامسها: الإجماع منعقد على وجوب معرفة الله تعالى، ومعرفة ما يجوز عليه وما لا يجوز عليه، والتقليد غير محتمل لها.

أما أولاً: فلأن المقلد غير معصوم عن الكذب، وخبر من كان كذلك لا يكون واجب الصدق ولا يفيد العلم واليقين.

وأما ثانيًا: فلأن التقليد لو كان مفيدًا للعلم لكان العلم حاصلاً لمن قلد في حدوث العلم ولمن قلد في قدمه وهو ممتنع لإفضائه إلى الجمع بين كون العالم حادثًا وقديمًا.

وأما ثالثًا: فلأنه لو أفاده لأفاد أما علما ضروريا وهو باطل،

أما أولا: فبالإجماع.

وأما ثانيًا: فلأنه لو كان كذلك لما خالف فيه أكثر العقلاء.

وأما ثالثًا: فلأنه يلزم أن يكون العلم الحاصل بالتقليد أقوى من العلم الحاصل بالنظر والاستدلال ضرورة أن الضروري أقوى من النظري لكنه باطل قطعًا، وأما علمًا نظريًا وهو أيضًا باطل، لأنه حينئذ لابد وأن يكون محال لكن الأصل عدم ذلك الدليل، فظهر بهذه الوجوه: إن التقليد غير محصل لها فوجب أن لا يجوز الاكتفاء به في معرفة الله تعالى.

ولقائل أن يقول: إن عنيتم أن معرفة الله واجبة أنه يجب تحصيل الاعتقاد المطابق لما هو الواقع في نفس الأمر فهذا مسلم لكن لا نسلم أن التقليد لا يفيده، وما ذكرتم من الوجوه إنما يفيد نفى العلم، لا الاعتقاد الذى يفيده التقليد ونحن لا نقول: أن الحاصل بالتقليد هو العلم بل هو اعتقاد المقلد.

ص: 3929

وإن عنيتم به: أنه يجب تحصيل العلم به تعالى وبما يجوز عليه وبما لا يجوز عليه فلا نسلم انعقاد الإجماع عليهه؛ وهذا لأن من يجوز التقليد فيه لا يوجب أن يكون الاعتقاد المطابق في ذلك عن دليل، ولا يكون ذلك علما، والخصم لا يوجب إلا تحصيل الاعتقاد المطابق، ومعلوم أنه لا يلزم منه وجوب تحصيل العلم به تعالى.

وسادسها: أن لو جاز التقليد فيه لما جاز إلا تقليد المحق لانعقاد الإجماع عليه لكنه لا يعلم كونه محقًا إلا إذا عرف بالدليل أن ما يقوله حق، فإذن لا يجوز له أن يقلد إلا بعد أن يستدل، ومتى صار مستدلا امتنع منه التقليد. وهو ضعيف؛ لأنه منقوض بالشرعيات فإنه لا يجوز فيها أيضًا إلا تقليد المحق دون المخطئ ولا يعرف ذلك [إلا] بدليل، ومتى عرف ذلك امتنع منه التقليد.

فإن قلت: لا يتصور فيها الخطأ على رأى من يقول: إن كل مجتهد مصيب فلا يتأتى هذا فيها.

قلت: لا نسلم أنه لا يتصور الخطأ فيها على رأيهم بل يتصور ذلك بان يكون مقصرًا في طريق الاجتهاد، نعم لا يتصور الخطأ على رأيهم بمعنى عدم إصابة الحكم الواقع إذ لا حكم عندهم في الواقع، وإذا تصور وقوع الخطأ على رأيهم أيضًا يتأتى فيها ما ذكرتم في الأصول. فإن قلت: الظن في الشرعيات كاف فإن أخطا كان ذلك الخطأ محطوطًا عنه.

ص: 3930

قلت: فلم لا يجوز مثله في مسائل الأصول؛ فإن الخصم لا يفرق بينهما، بل ربما يقول: إن النظر في الشرعيات مندوب إليه دون مسائل الأصول فإنه يكره ذلك فيها أو يحرم.

ولقائل أن يقول: إن صح أن المخالفين في المسالة باسرهم يقولون بانحطاط الإثم عن المخطئ في مسائل الأصول سواء كان مجتهدًا أو مقلدًا توجه ما ذكرتم، وإن لم يصح ذلك عنهم وهو الأصح فإنه لم يقل ذلك إلا أبو عبيد الله بن الحسن العنبري والجاحظ على ما تقدم في المجتهد، وقياسه يقتضى ثبوته في المقلد أيضا إن جوز الجاحظ التقليد فيه كصاحبه لم يصح أن يقال: إن الخصم لا يفوق بينهما، ولو لم يقل هذا بل اقتصر على قوله فلم لا يجوز مثله في مسائل الأصول.

قلنا: لما ذكرتم من الأدلة نحو الإجماع وغيره من أن المخطئ فيه آثم غير معذور.

واحتج الخصم بوجوه:

أحدها: أن النظر غير واجب؟ لكونه منهيًا عنه فيكون التقليد جائزًا، أما أن النظر غير واجب على تقدير كونه منهيًا عنه فظاهر، وأما أن التقليد حينئذ يكون جائزًا فهو أيضًا ظاهر، بقيت المقدمة الثالثة والدليل عليها الكتاب والسنة.

أما الكتاب فالآيات الدالة على النهى من الجدال نحو قوله تعالى:

ص: 3931

{ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا} وقوله تعالى: {إلا جدلاً بل هم قوم خصمون} والنظر يفضى إلى فتح باب الجدال فكان منهيا عنه. وأما السنة فنحو ما روى عنه عليه السلام أنه نهى الصحابة لما رآهم يتكلمون في مسالة القدر وقال: "إنما هلك من كان قبلكم بخوضهم في هذا".

وقال: "عليكم بدين العجائز" وهو ترك النظر والاستدلال.

وجوابه: منع كون النظر منهيًا عنه، والآيات محمولة على الجدال الباطل

ص: 3932

{وجادلهم بالتي هي أحسن} وقوله تعالى/ (328/ أ){ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} وكيف يقال ذلك وقد أثنى الله تعالى على التَفكرين في قوله تعالى: {ويتفكرون في خلق السموات والأرض} فإنه ذكره في معرض المدح والثناء، ومدح الله تعالى إبراهيم بقوله:{وتلك حجتنا أتيناها إبراهيم على قومه} وبه خرج الجواب عن السنة فإن التكلم فيه ما كان على وجه مرضى.

وأما قوله "عليكم بدين العجائز" فلم يصح، وبتقدير صحته يجب حمله على التسليم لقضاء الله تعالى وقدره جمعا بين الدليلين.

وأعلم أن كل ما ورد من الآيات والسنة في ذم الجدال وهو كثير على ما هو مذكور فيما صنف في هذا الباب فهو محمول على [الجدال بالباطل]، توفيقًا بينها وبين ما ورد في أنه مندوب إليه ومأمور له.

وثانيها: أن الأعرابي الجلف الجافي كان يحضر محند الرسول عليه السلام، ويتلفظ بكلمة الشهادة فكان- عليه السلام يحكم بصحة إيمانه من غير أن يسأل منه أنه هل يعرف دليل الوجود والتوحيد، وكونه فاعلاً مختارًا أم لا؟ بل الظاهر منه الجهل بأدلة هذه الأشياء، ولو كان العلم بهذه الأشياء شرطًا لصحة الإيمان لما حكم بصحة إيمانه.

ص: 3933

وثالثها: أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين الخوض والنظر في المسائل الكلامية أصلاً، ولو وجد ذلك منهم لنقل كما نقل كما نقل عنهم في المسائل الخلافية الفرعية [ولو كان النظر فيها واجبا لكانوا أولى بالمحافظة عليه كن غيرهم، ولكان النظر فيها أوجب من النظر في المسائل الفرعية]، ضرورة أنه فرض عين والنظر في المسائل الفرعية فرض كفاية.

وجوابهما: أنا لا نسلم أنهم ما كانوا يعلمون ذلك بالدليل، بل كانوا يعلمون ذلك به.

وبيانه من حيث الاجمال والتفصيل.

أما الأول: فلأن ذلك يقتضى نسبة الصحابة إلى الجهل بمعرفة الله تعالى مع أن الواحد منا عالم بذلك وهو ممتنع.

وأما من حيث التفصيل: فلأن العلم بوجود مركز في النفس كما قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} وذلك بسبب الاستدلال بحدوث الحوادث على وجود المحدث، فإن الإنسان في أول نشوه يشاهد أشياء تحدث، فيستدل بها على وجود الصانع، والاستدلال به على وجود الصانع جلى لا يخفى على أحد ولو أنه في غاية الغباوة فلا يكون العلم بوجوده تقليدًا، نعم قد يصعب النظر فيدق في أن ذلك المحدث ممكن أو واجب وعلى التقديرين إما موجب أو مختار، فإن معرفته تتوقف على معرفة بطلان الدور والتسلسل، وعدم تخصص الأثر بشكل معين وقدر مخصوص وفيهما أبحاث دقيقة قد تخفي على أكثر الناس، لكنا لا نشترط ذلك في صحة الإيمان فإن المعتبر في ذلك العلم في الجملة الذى تسكن به نفوس أكثر الناس لا العلم التفصيلي.

ص: 3934

وأما العلم بالتوحيد فلا نسلم أنه يغير الدليل فإن أخباره عليه السلام عنه، ودعوته للناس إليه دليل عليه، فإنه يمكن الاستدلال بقول الرسول- عليه السلام على كل ما تتوقف صحة الرسالة عليه، ولا شك أن صحة الرسالة لا تتوقف على التوحيد فيصح الاستدلال بقوله- عليه السلام عليه والعلم بصحة الرسالة كلان حاصلاً لهم بدلالة المعجزات التي شاهدوها، أو نقلت إليهم بالتواتر.

وأما العلم بكونه فاعلاً مختارًا وليس موجبًا بالذات على سبيل التفصيل فغير معتبر بدليل أن الرسول ما كان يسال عن ذلك كل من كلان يؤمن، ولا كلان يخبوهم عن ذلك في تلك الحالة، ولو كان معرفته شرطا لصحة الايمان لسألهم عن ذلك أو أخبرهم به، ومحند هذا لو لحيل: إن حضور هذا بالبال غير معتبر في الإيمان فضلاً عن العلم به على سبيل التفصيل لكان فإن لم يكن كذلك فلا أقل من أن لا يعتبر العلم به تفصيلاً.

ورابعها: أن الصحابة والتابعين والعلماء في كل عصر إلى زمننا هذا لم ينكروا على من كان في زمانهم من العوام على ترك النظر في المسائل الكلامية مع أنهم كثر الخلق وتركهم النظر كان شائعًا ذائعًا، فلو معرفتها بالدليل شرطا لصحة الإيمان لما كان ذلك [ولما حكموا بإسلامهم]، ولم ينكروا أعليهم دل ذلك على أنه ليس بشرط لصحة الإيمان.

وجوابه: أنه إنما لم ينكروا، ذلك وحكموا بإسلامهم؛ لأن المعرفة

ص: 3935

الواجبة في المسائل التي معرفتها شرط لصحة الإيمان كانت حاصلة لهم بالدليل من جهة الجملة لا من جهة التفصيل كما تقدم، نعم قد لا يعرفون لا من جهة الجملة ولا من جهة التفصيل المسائل التي لا يشترط لمعرفتها في صحة الإيمان لكن لا يضرنا ذلك.

وخامسها: أن النظر والاستدلال مظنة الوقوع في الشبهات، والخروج إلى الضلالات؛ لكون الأذهان مختلفة في الذكاء والبلادة، وطرق النظر دقيقة بخلاف التقليد، لا سيما من اتفق أكثر الخلق على إصابته لغزارة علمه، وفرط ذكائه فإنه يوجب سكون النفس على شيء واحد، ولذلك تجد أكثر الخلق على ذلك فكان سلوكه أولى.

وجوابه: أن التقليد لابد وأن ينتهى إلى النظر والاستدلال لامتناع التسلسل، وحينئذ ما ذكرتم من المحذور لازم مع زيادة محذور التقليد وهو احتمال كذب المقلد فيما أخبره عن اعتقاد ونظره، وكون كثر الخلق على الكفو والضلالة والبدع والأهواء.

وسادسها: أن/ (329/ أ) أدلة الأصول أشد غموضًا وخفاءً من أدلة الفروع، فإذا جاز التقليد في الفروع مع السهولة فلأن يجوز في الأصول مع الصعوبة بالطريق الأولى.

وجوابه: ما تقدم من الفرق في مسلة جواز التقليد في الفروع، ولأن المطلوب في الفروع الظن والتقليد يحصله، والمطلوب في الأصول القطع وهو لا يحصله.

ص: 3936

وسابعها: أن الأصول والفروع [قد استويا في التكليف بهما، وقد جاز التقليد في الفروع]،- فكذا في الأصول.

وجوابه أيضًا: ما تقدم من غير تفاوت.

واعلم أنا وإن نصرنا القول بعدم جواز التقليد لكن في النفس منه شيء، والله أعلم بحقيقة الحال، وما هو الصواب من المقال ونرجو أن يهدينا إلى ذلك بفضله وسعة جوده.

ص: 3937