الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة: (231/ أ)
العلة المستنبطة من الحكم يجب أن لا ترجع إليه بالإبطال، ومعلوم أن ذلك لا يكون إلا في الأصل
، فإن العلة إنما تستنبط من حكم الأصل لا غير.
والدليل عليه: أن العلة فرع لهذا الحكم والفرع لا يرجع إلى أصله بالإبطال، وإلا لزم أن يرجع إلى نفسه بالإبطال؛ لأن إبطال الأصل إبطال فرع، إبطال الشيء نفسه محال.
هذا صحيح أن عنى بذلك إبطاله بالكلية، فأما إذا لزم منه تخصيص الحكم ببعض الأفراد دون البعض فينبغي أن يجوز؛ لأنه كتخصيص العلة بحكم نص آخر وهو جائز، فكذا هذا، وإن كان بينهما فرق لطيف لا ينتهي إلى درجة أن لا يجوز القول بذلك معه.
مثاله: تعليل الحنفية وجوب الزكاة في نصابها بدفع حاجة الفقير مطلقًا، فإن ذلك يرفع وجوب الشاة بعينها الذي دل عليه صريح النص وهو الحكم الذي استنبط العلة منه.
فإن قلت: نحن لم نستنبط العلة المذكورة من ذلك النص وأمثاله بل من النصوص المطلقة نحو قوله تعالى: {وآتوا الزكاة} وقوله عليه السلام:
"هاتوا بربع عشور أموالكم" وعلى هذا التقدير لا يكون في العلة
ما يرجع إلى أصله بالإبطال فإن الحكم الذي استنبطت العلة منه إنما هو مطلق الوجوب لا وجوب شيء مخصوص.
قلت: استنباط مطلق دفع حاجة الفقير منه ممكن أما دفع حاجته بقدر مخصوص من المال منه فعير ممكن، والتمسك إنما وقع الثاني دون الأول، فلم يمكن استنباطه إلا عن النصوص الموجبة لمقدار معين نحو قوله عليه السلام:"في كل أربعين شاةٍ شاة".
المسألة السادسة
شرط قوم أن العلة المستنبطة يجب أن لا يكون مخصصة لعموم القرآن والسنة المتواترة، وهو بناء على أنه لا يجوز تخصيصها بالقياس، وقد بينا صحته، وفساده يعرف من ذلك، وأن لا تكون معارضة لعلة أخرى [تقضي نقيض حكمها، وهذا إن عنى به أن لا تكون معارضة لعلة أخرى] كيف كانت فهذا مما لا وجه له؛ لأن بتقدير أن تكون راجحة على ما يعارضها من العلة لا مانع من استنباطها وجعلها علة، ولا يظن أن كون تخصيص العلة غير جائز من هذا؛ لأن تلك مسألة وما نحن فيه مسألة؛ لأن ما نحن فيه ليس من شرطه أن تكون العلة معمولة بها في صورة.
وإن عنى به أن لا تكون معارضة لعلة أخرى راجحة عليها فهذا وإن كان شرائط صحة لعلة المعمول بها لكن ليس من شرائط صحة العلة في ذاتها، فإن العلة المرجوحة والدليل المرجوح لا يخرجان بسبب المرجوحية عن أن يكون علة أو دليلاً وإلا لما تصور التعارض إلا بين الدليلين المتساويين.
وأن لا تكون متضمنة لإثبات زيادة على النص وهذا أن عنوا به أن لا تكون [متضمنة لإثبات] زيادة منافية لمقتضى النص فهذا صحيح، وإن عنوا به أن لا تكون متضمنة لإثبات زيادة على النص كيف كانت الزيادة فهذا باطل، لأنا بينا أن الزيادة على النص كيف كانت الزيادة فهذا باطل؛ لأنا بينا أن
الزيادة على النص ليس بنسخ وأن تكون مستنبطة من أصل مقطوع بحكمه وهو باطل؛ لأنه يجوز القياس على الذي ثبت حكمه بدليل ظني بخبر الواحد، والبراءة الأصلية، والعموم، والمفهوم، وغيرها.
وأن تكون موجودة في الفرع قطعًا، أي يعلم ذلك على وجه القطع وهو أيضًا باطل؛ لأنه من جملة مقدمات القياس فجاز أن يكون ظنيًا كغيره من المقدمات، وأن لا تكون مخالفة لمذهب الصحابي، وهو أيضًا باطل؛ لأنه ليس بحجة [وبتقدير كونه حجة] لكن لا نسلم أنه يكون راجحًا على القياس، وبتقدير أن يكون حجة لكن يجوز أن يكون مستنده في ذلك علة مستنبطة من أصل آخر أيضًا فلم يكن مشروطًا بعدم مخالفة فرع مثله.
الباب الخامس
في الركن الرابع وهو الفرع