المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثالثةالمجتهد إذا نقل عنه قولان كالوجوب والتحريم مثلا - نهاية الوصول في دراية الأصول - جـ ٨

[الصفي الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الرابعفي الركن الثالثوهو العلة

- ‌القسم الأول:في الطرق الدالة على كون الوصف علة الحكم

- ‌الفصل الثانيفي إثبات العلية بالمناسبة والإخالةوهي من الطرق العقلية

- ‌المسألة الأولىفي تعريف المناسب:

- ‌المسألة الثانيةاعلم أن الحكم إذا شرع للمناسبة فلابد وأن يكون محصلًا للمصلحة أو دافعًا للمفسدة، أو محصلًا للمصلحة ودافعًا للمفسدة معًا

- ‌المسألة الثالثةفي تقسيم المناسب

- ‌المسألة الرابعةفي أن مناسبة المصلحة تبطل وتحرم بمناسبة مفسدة مساوية أو راجحة، وقال قوم لا تبطل وهو اختيار الإمام

- ‌المسألة الخامسةفي إقامة الدلالة على أن المناسبة دالة على كون الوصف علة الحكم

- ‌الفصل الثالثفي قياس الشبه

- ‌المسألة الأولىفي تعريف ماهيته

- ‌المسألة الثانيةفي إقامة الدلالة على أنه حجة إذا اقترن به الحكم

- ‌المسألة الثالثةذهب بعض أصحابنا أن الوصف الشبهي إذا لم يعرف تأثير عينه في عين الحكم بل عرف تأثير جنسه القريب في الجنس القريب للحكم لا يكون حجة. وخالفه الباقون وهو المختار

- ‌الفصل الرابعفي الدورانويسمى بالطرد والعكس

- ‌الفصل الخامسفي السبر والتقسيم

- ‌الفصل السادسفي الطرد

- ‌الفصل السابعفي تنقيح المناط

- ‌الفصل الثامنفيما ظن أنه من طرق إثبات العلة وليس كذلك

- ‌القسم الثانيمن الطرق الدالة على أن الوصف لا يجوز أن يكون علة الحكم

- ‌الفصل الأولفي النقض

- ‌المسألة الأولىاختلفوا في أن ذلك هل يقدح في علية الوصف أم لا

- ‌المسألة الثانيةالقائلون بأن تخلف الحكم عن الوصف لمانع أو لغير مانع لا يقدح في عليته اتفقوا على أن تخلفه كذلك عن حكمة الوصف لا يقدح في عليته.فأما القائلون بأن تخلفه عن الوصف يقدح في عليته اختلفوا في أن تخلفه عن حكمه المقصودة هل يقدح في عليته أم لا

- ‌المسألة الثالثةالقائلون بتخصيص العلة اختلفوا في أنه هل يجب على المستدل ابتداء التعرض لنفي المانع، أم لا

- ‌المسألة الرابعةالقائلون بعدم تخصيص العلة اختلفوا في النقض إذا كان واردًا على سبيل الاستثناء

- ‌المسألة الخامسةفي الكسروهو نقض يرد على بعض أوصاف العلة

- ‌المسألة السادسةفي كيفية دفع النقض

- ‌الفصل الثانيفي عدم التأثير والعكس

- ‌المسألة الأولىفي معناهما:

- ‌المسألة الثانيةفي أن عدم التأثير يقدح في العلية

- ‌المسألة الثالثةفي أن العكس غير واجب في العلة عقلية كانت أو شرعية

- ‌الفصل الثالثفي القلب

- ‌المسألة الأولىفي حقيقته

- ‌المسألة الثانية

- ‌المسألة الثالثةفي أقسام القلب:

- ‌الفصل الرابعفي القول بالموجب

- ‌الفصل الخامسفي الفرق

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانيةيجوز تعليل الحكم الواحد نوعًا المختلف شخصًا بعلل مختلفة وفاقًا

- ‌المسألة الثالثةالقائلون بكون الفرق يقدح في العلية اختلفوا في أنه هل هو من تمامه ولوازمه نفيه عن الفرع أم لا

- ‌المسألة الرابعة

- ‌القسم الثالثفي أمور ظنت أنها تفسد العلة مع أنها ليست

- ‌المسألة الأولىفي تقسيم العلة

- ‌المسألة الثانيةاختلفوا في جواز التعليل بمحل الحكم، أو جزئه الخاص:

- ‌المسألة الثالثةالحق أنه لا يجوز أن تكون علة الحكم في الأصل بمعني الأمارة

- ‌المسألة الرابعةيجوز التعليل بالحكمة عند قوم.وقال قوم لا يجوز

- ‌المسألة الخامسةذهب جمع إلى جواز التعليل بالعدم ثبوتيا كان الحكم أو عدميا

- ‌المسألة السادسةاختلفوا في جواز تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي:

- ‌المسالة السابعةالتعليل بالأوصاف العرفية

- ‌المسألة الثامنةالتعليل بالوصف المركب جائز عند المعظم، وقال بعضهم لا يجوز

- ‌المسألة التاسعةأطبق الكل على أن العلة المنصوصة أو المجمع عليها يجوز أن تكون قاصرة، وأختلفوا في المستنبطة:

- ‌المسألة العاشرةاتفقوا على التعليل بمجرد الاسم غير جائز

- ‌المسألة الحادية عشرة

- ‌المسألة الثانية عشرةذهب الأكثرون إلى إنه لا يجوز التعليل بالصفات المقدرة، خلافا للأقلين من المتأخرين

- ‌المسألة الثالثة عشرةفي تقسيم العلة باعتبارات أخر غير ما تقدم

- ‌المسألة الرابعة عشرةاعلم أن الاستدلال قد يكون بذات العلة على الحكم، وقد يكون بعلية الحكم للحكم عليه

- ‌المسألة الخامسة عشرةاعلم أن تعليل الحكم العدمي بالوصف الوجودي يسمى تعليلا بالمانع

- ‌خاتمة لهذا القسم بمسائل في أحكام العلة لم يتقدم ذكرها

- ‌المسألة الثانيةالوصف الذي جعل علة الحكم بمعنى الباعث لا شتمالها على الحكمة يجب أن لا يمكن بمثابة يلزم منه إثبات الحكم، أو نفيه مع القطع

- ‌المسألة الثالثةقيل الوصف الذي جعل ضابطا لحكمته يجب أن يكون جامعا للحكمة

- ‌المسألة الرابعةالمشهور أنه لا يجوز تعليل الحكم بعلة متأخرة عنه في الوجود

- ‌المسألة الخامسة: (231/ أ)العلة المستنبطة من الحكم يجب أن لا ترجع إليه بالإبطال، ومعلوم أن ذلك لا يكون إلا في الأصل

- ‌الباب الخامسفي الركن الرابع وهو الفرع

- ‌النوع الخامس عشرفي الاعتراضات [وأجوبتها]

- ‌النوع السادس عشرالكلام في التعادل والتراجيح

- ‌ القسم الأول في التعادل

- ‌المسألة الأولىأطبق الكل على أن تعادل القاطعين المتنافيين عقليين كانا أو نقليين غير جائزة

- ‌المسألة الثانيةالقائلون بجواز هذا التعادل [قالوا: إن وقع هذا التعادل]، للإنسان في عمل نفسه كان حكمه فيه التخيير، أو التساقط والرجوع إلى غيرهما

- ‌المسألة الثالثةالمجتهد إذا نقل عنه قولان كالوجوب والتحريم مثلاً

- ‌القسم الثانيفي التراجيح

- ‌الفصل الأولفي مقدمات التراجيح

- ‌المسالة الأولى: في حد الترجيح

- ‌المسألة الثانيةذهب الأكثرون إلى وجوب العمل بالراجح سواء كان الترجيح معلومًا أو مظنونًا

- ‌المسألة الثالثةلا يتطرق الترجيح إلى الأدلة القطعية

- ‌المسألة الرابعةالمشهور أن العقليات لا يتطرق الترجيح إليها

- ‌المسالة الخامسةذهب الشافعي ومالك- رضي الله عنهما إلى أنه يجوز الترجيح بكثرة الأدلة، خلافًا للحنفية

- ‌المسألة السادسةإذا تعارض دليلان فإن لم يمكن العمل بكل واحد منهما بوجه دون وجه صير إلى الترجيح

- ‌المسألة السابعةإذا تعارض نصان فإما أن يكونا عامين، أو خاصين.أو أحدهما عامًا والآخر خاصًا

- ‌الفصل الثانيفي تراجيح الأخبار

- ‌المسألة الأولىفي ترجيح الخبر بكيفية السند

- ‌المسألة الثانيةفي ترجيح الخبر بكيفية الرواية

- ‌المسألة الثالثةفي الترجيح بحال وروده

- ‌المسألة الرابعةفي ترجيح الخبر باعتبار اللفظ

- ‌المسألة الخامسةفي ترجيح الخبر باعتبار مدلوله وهو الحكم

- ‌المسالة السادسةفي ترجيح الخبر بالأمور الخارجية

- ‌الفصل الثالثفي ترجيح القياس بحسب علته

- ‌المسألة الأولىفي ترجيح القياس بحسب ماهية علته

- ‌المسألة الثانيةفي ترجيح القياس بحسب الدليل الدال على وجود علته

- ‌المسألة الثالثةفي ترجيح القياس بسبب الدليل الدال على علية الوصف في الأصل

- ‌المسألة الرابعةفي ترجيح القياس بسبب وصف العلة

- ‌النوع السابع عشر في الاجتهاد

- ‌ المقدمة:

- ‌الفصل الأولفي المجتهد

- ‌المسألة الأولىاختلفوا في أن الرسول- عليه السلام هل كان يجوز له الاجتهاد فيما لا نص فيه:

- ‌المسألة الثانيةاتفقوا على جواز الاجتهاد بعد الرسول- عليه السلام

- ‌المسأله الثالثةفي شرائط المجتهد

- ‌المسألة الرابعةاختلفوا في أن صفة الاجتهاد هل تحصل في فن دون فن أم لا

- ‌الفصل الثانيفي المجتهد فيه

- ‌المسألة الأولىذهب الجماهير إلى أنه ليس كل مجهد في الأصول مصيبًا

- ‌المسألة الثانيةفي تصويب المجتهدين في الأحكام الشرعية

- ‌النوع الثامن عشرالكلام في المفتي والمستفتي وما فيه الاستفتاء

- ‌الفصل الأول في المفتي

- ‌المسألة الأولىفي المفتي المجتهد إذا أفتى مرة بما أدى إليه اجتهاده، ثم سئل مرة أخرى عن تلك الحادثة بعينها:

- ‌المسألة الثانيةفي أن غير المجتهد هل يجوز له الفتوى بما يحكيه عن الغير من المجتهدين

- ‌المسألة الثالثةالمختار عند الأكثرين أنه يجوز خلو عصر من الأعصار عن الذي يمكن تفويض الفتوى إليه سواء كان مجتهدًا مطلقًا، أو كان مجتهدًا في مذهب المجتهد، ومنع منه الأقلون كالحنابلة

- ‌الفصل الثانيفي المستفتي

- ‌المسألة الأولىيجوز للعامي أن يقلد المجتهدين في مسائل الفروع اجتهادية كانت أو غير اجتهادية

- ‌المسألة الثانيةفي شرائط الاستفتاء

- ‌المسألة الثالثةالرجل الذي تنزل به الواقعة إن كان عاميًا صرفًا جاز له الاستفتاء

- ‌المسألة الرابعةالعامي إذا عمل بفتوى بعض المجتهدين في حكم حادثة وقلده فيه لم يجز له الرجوع عنه إلى حكم آخر في تلك الحادثة بعينها بفتوى غيره إجماعًا

- ‌النوع التاسع عشرالكلام في المدارك التي اختلف المجتهدون في أنها هل هي مدارك للأحكام أم لا

- ‌المسألة الأولىفي أن الأصل في المنافع الإذن، وفى المضار المنع خلافا لبعضهم

- ‌المسألة الثانيةفي استصحاب الحال

- ‌المسألة الثالثةفي أن النافي هل عليه دليل أم لا

- ‌المسألة الرابعةاختلفوا في أن مذهب الصحابي وقوله هل هو حجة على من بعدهم من التابعين أم لا

- ‌المسألة الخامسةفي المصالح المرسلة

- ‌المسألة السادسةفي الاستحسان

- ‌المسألة السابعةاختلفوا في أنه هل يجوز أن يقول الله تعالى لنبي أو لعام: احكم بما شئت، فإنك لا تحكم إلا بالصواب:

- ‌المسألة الثامنةذهب الشافعي رضي الله عنه وأصحابه إلى أنه يجوز الاعتماد في إثبات الأحكام على الأخذ بأقل ما قيل فيه خلافًا لبعضهم

- ‌المسألة التاسعةذهب بعضهم إلى أن الأخذ بأخف القولين واجب على المكلف

- ‌النوع العشرونالكلام في الاستدلال

- ‌المسألة الأولىفي معنى الاستدلال

- ‌المسألة الثانيةفيما يتعلق بالسبب والشرط والمانع

- ‌المسألة الثالثةفي الاستدلال بعدم ما يدل على الحكم على عدم الحكم

- ‌المسألة الرابعةمن جملة طرق الاستدلال والاستقراء

- ‌المسألة الخامسةفي الاستدلال على عدم الحكم

- ‌المسألة السادسةفي الاستدلال على ثبوت الحكم

الفصل: ‌المسألة الثالثةالمجتهد إذا نقل عنه قولان كالوجوب والتحريم مثلا

"لا تقض في شيء واحد بحكمين مختلفين".

فأما ما روى عن عمر- رضى الله عنه- أنه قضى في مسألة الحمارية بحكمين، وقال:(ذلك على ما قضينا وهذا على ما نقضى) فيجوز أن يكون ذلك من باب تغير الاجتهاد بأن ظن في المرة الأولى قوة إحدى الأمارتين وفى المرة الثانية ظن قوة الأمارة الأخرى.

‌المسألة الثالثة

المجتهد إذا نقل عنه قولان كالوجوب والتحريم مثلاً

، فإن كانا في مسألتين مختلفتين كالوجوب في العبادات، والتحريم في المعاملات، أو كانا في مسالة واحدة لكن بالنسبة إلى حكمين مختلفين لا منافاة بينهما كالتحريم، ووجوب الحد كما في الزنا والسرقة/ (252/ أ) والقذف، أو كانا في فعلين متضادين على سبيل البدلية كوجوب غسل الرجلين ووجوب مسحهما، أو غير متضادين كوجوب الوضوء وتحريم استعمال الماء المغصوب فكل ذلك جائز بالاتفاق وهو ظاهر لا غبار عديه، وإنما النزاع في أنه هل يجوز أن يصدر عنه قولان في حكمين متنافيين على سبيل البدلية في شيء واحد، في وقت واحد من غير أن

ص: 3633

يرجح أحدهما على الأخر أم لا؟

فمن جوز تعادل الأمارتين جوز ذلك، ومن لم يجوز ذلك لم يجوز هذا.

فإن قلت: التعادل الذهني جائز وفاقا فهلا - جوز - ذلك بناء عليه.

قلت. حكمه إذ ذاك التوقف، أو التساقط والرجوع إلى غيرهما، وأما التخيير فبعيد لعلمه بأن أحدهما راجح قطعا ويجب العمل به دون المرجوح، فإنه لا يجوز العمل به، وإن جوز التخيير حينئذ فهو قول واحد وهو التخيير وليس هو قولن متنافيين فلم يجز تخريجه على التعادل الذهني، والتخيير بينهما حينئذ بعيد وإن نقله بعضهم.

إذا عرفت هذا فنقول: المجتهد إذا نقل له قولان في مسالة واحدة بالنسبة إلى حكمين متنافيين، فأما أن يكون القولان منصوصين، أو لا يكونا منصوصين.

فإن كان الأول إما أن يكونا في موضعين بأن ينص في كتاب بتحريم الشيء، وفى كتاب آخر بتحليله أو في موضع واحد.

فإن كلان الأول فإما أن يعلم التاريخ بينهما أو لا يعلم.

فإن علم كان الثاني رجوعا عن الأول ظاهرًا.

وإنما قلنا ظاهرًا؛ لأنه يحتمل أن يكون القول هو الأول هو الراجح عنده، وإنما أبدى الثاني على وجه الاحتمال، أي: أنه محتمل في الجملة في المسالة وإن كان مرجوحا عنده بالنسبة إلى القول الأول.

وإن لم يعلم التاريخ حكى عنه القولان، ولا يحكم عليه بالرجوع إلى أحدهما بعينه، وإن علم أن أحدهما مرجوع عنه لا بعينه ظاهرًا، ولا يخفى

ص: 3634

عليك أنه لا يجوز العمل بأحدهما إذ ذاك قبل التبين.

وإن كانا في موضع واحد بان يقول. في المسألة قولان، فإن ذكر عقيب ذلك ما يشعر بتقوية أحدهما نحو أن يقول: هذا أشبه، أو هذا أمثل، أو هذا أوفق، أو ما يجرى مجراها، أو يفرع على أحدهما دون الآخر فهو قوله؛ لأن قول المجتهد ليس إلا ما يترجح عنده.

وإن لم يذكر شيئا من ذلك فإن ذكر القولين في معرض الحكاية لأقوال الغير فلا يكون القولان قولين له بل ذكرهما على سبيل الحكاية ليرجح أحدهما الناظر في المسالة، وإن لم يذكرهما في معرض الحكاية فيكون القولان له ظاهرًا.

فمن لم يجوز تعادل الأمارتين لم يجوز هذا، ومن جوز ذلك جوز هذا لاحتمال صدور القولين عن الأمارتين المتساويتين، ثم من الظاهر أنه ليس مضمونهما معا حقي عنده،، فإن اعتقاد التحريم والوجوب مثلاً معا محال بل ذلك على سبيل البدلية فليس له في المسالة قولان بل قول واحد.

ومنهم من زعم أن له قولين وحكمهما التخيير، وهو ضعيف؛ لأنا لو سلمنا القول به مع أن ميه كلاما فهو قول واحد لا قولين متنافيين، فإن من خير بين خصال الكفارة لا يقال: إن له في الكفارة أقوالا، بل الحق أن ذلك يدل على تردده في المسالة وتوقفه في حكمها وليس للمتردد والشاك في المسالة قول فضلاً عن أن يكون له فيها قولان، ولا يجوز أن ينسب إليه القولان على سبيل الحقيقة؛ لأن قول الإنسان على سبيل الحقيقة هو ما يقول به، وقد ظهر أنه لا يجوز أن يقول بهما ولا بأحدهما عبثا بل على سبيل البدلية، والذى يقال في مثل هذا: إن لفلان قولين في المسالة فهو على سبيل التجوز

ص: 3635

من حيث إنه يقول بهذين الاحتمالين في المسألة على سبيل البدلية لوجدان دليلهما المتساويين دون سائر الاحتمالات.

وإن لم يكونا منصوصين فإما أن يكون أحدهما منصوصًا والأخر منقولاً من نظيره المنصوص عليه وهو كالب ما يقع من هذا الجنس، أو كلاهما منقولين من مسألتين منصوصتين هما نظير في المنقول إليها في وجه معتبر.

فإن كان الأول فإن كان بين المسألتين فرق يجوز أن يذهب إليه ذاهب لم يلزم أن يكون قوله في تلك المسالة قولاً في هذه المسالة؛ لاحتمال أنه ذهب إلى ذلك الفرق فلم يجز نسبة ذلك القول إليه في هذه المسألة، وكذلك القول فيما إذا كان القولان منقولين من مسألتين منصوصتين.

وإن لم يكن بينهما فرق أصلاً فالظاهر أن قوله في إحدى المسألتين قوله في الأخرى، وإنما قلنا الظاهر؛ لأنه جاز أن نص عليها عند الذهول من نظيره تلك المسألة فلم يمكن أن يقال إن ذلك القول قوله؛ لأن قول الإنسان في الشيء يستدعي أن يكون الشيء معقولاً له، نعم هو لازم قوله لكن لازم القول قد لا يكون قول الإنسان بمعنى أنه يقول به ويرتضيه، وحينئذ إما أن يكون التاريخ معلومًا أو لم يكن والحكم على كل واحد/ (253/ أ) من التقديرين ما سبق في القولين المنصوصين.

فأما الأقوال المحكية عن الشافعي- رضى الله عنه- في المسألة الواحدة فهو يحتمل وجوها:

أحدها: وهو الأكثر أنه قد نص على حكم في كتبه القديمة، وفى كتبه الجديدة نص على حكم آخر، والناس نقلوهما من غير تعرض لبيان القديم والجديد للاطلاع على مأخذيهما لا للإفتاء، فإن الجديد ناسخ للقديم فلا يحل الإفتاء به، اللهم إلا إذا نص على رجحانه على الجديد.

ص: 3636

ولا يخفى على من له أدنى فطانة أن هذا يدل على علو شانه في العلم والورع.

أما الأول: فلأن ذلك يدل على أنه كان في طول عمره مشتغلاً بالطلب والبحث والنظر في أدلة الأحكام، وإلا لما عثر على الأكثر على أدلة أقوى من الأدلة الأولى.

ولا يحال ذلك إلى اختلاف الاجتهاد مع اتحاد الدليل حتى يقال: إن ذلك يدل على ضعف نظره أولاً؛ لأن صلاحية الدليل الواحد للدلالة على الحكمين المتنافيين في شيء واحد في غاية الندور ولا يجوز إحالة الأكثر إليه، ولو سلم ذلك فذلك أيضا يدل على علو شأنه في العلم إذ يدل على أنه كان [مشتغلاً بالعلم طول عمره، من حيث إنه كان باحثًا عن الأدلة، وعن وجوه دلالتها طول عمره حتى كان يظهر له وجه بعد وجه.

وأما الثاني: فلأنه يدل على أنه كان، متبعًا للحق دائرًا معه حيث دار؛ لأنه متى لاح له حقية شيء، بوجه معتبر أقوى من الوجه الأول اتبعه وأظهره، وأنه ما كان يتعصب لنصرة قوله، وترويج مذهبه، بل كان منتهى أمله وطلبه اتباع الحق وإرشاد الخلق إليه.

وثانيها: أن يكون قد ذكر القولين في موضع واحد، وفص على الترجيح، كقوله في بعض ما ذكر فيه قولن: أن هذا أصح، أو أولى، أو أشبه، أو أقيس، أو بهذا أقول.

أو نته عليه كما إذا فرع على أحد القولين دون الآخر فإن ذلك يدل على أن الذى فرع عليه أقوى عنده، أو كما إذا ذكر أحد القولين أولاً أو ما يشبه ذلك، ثم أن الناقل نقل القولين فقط فلم يذكر ما ذكره من الترجيح، إما لعدم اطلاعه عليه لكونه مذكورًا في آخر كلامه وهو لم ينته إليه، أو وإن كان

ص: 3637

قد انتهى إليه لكن لم يتنبه له للملالة أو غيرها، أو وإن تنبه له لكنه لم يذكره اختصارًا للمصنف ولعل هذا هو السبب الأكثر في هذا الباب.

وثالثها: أنه وإن ذكر في المسألة الواحدة قولن في وقت واحد، لكن لم يقل: قولان لي، بل قال: فيها قولان، فلعل القولين لغيره وإنما ذكرهما في كتابه على سبيل الحكاية كما تقدم ذكره ليطلع فيه عليهما وعلى مأخذهما، وإيضاح القول في كل واحد منهما وعليهما.

وأيضًا فإنه قد يلوح للإنسان ما ينوى أحد ذينك القولين لكن لا يمكنه القول به لظنه أنه قول حادث، خارق للإجماع، فإذا نقل القولين عرف أن المصير إليه ليس خرقا للإجماع، ثم أن الناقل ذكر القولين ونسبهما إليه- رضى الله عنه- لظنه كذلك فهذا لا يكون عيبا على الإمام الشافعي- رضى الله عنه- بل على الناقل حيث جزم بالنسبة إليه مع احتمال أن لا يكون كذلك.

وأيضًا: فإنه يحتمل أن يكون المراد من القولين: الاحتمالين وإنما سماهما قوفي وذكرهما دون ما عماهما من الاحتمالات، لانهما بحيث يمكن القول بهما دون ما عداهما من الاحتمالات فإنه قد يكون ظاهر البطلان.

فأما الاحتمالان المذكوران فإنهما قويان، بحيث يمكن نصرة كل واحد منهما بوجوه جلية ظاهرة، ولا يقدر على تمييز الحق منهما عن الباطل إلا البالغ في التحقيق بالنظر الدقيق فلا جرم أفردهما بالذكر، دون سائر الاحتمالات الممكنة في المسالة. فالحاصل أن تسميتها قولين مجاز باعتبار الصلاحية والصيرورة أي أنهما صالحان لان يكونا قولن وأنهما يمكن أن يصيرا قولين وهو أحد أسباب المجاز القوية.

ورابعها: أن ينص على القولين من غير أن يرجح أحدهما على الأخر بناء على تساوى أمارتيهما إما في ذهنه أو في الخارج إن جوز ذلك ولم يوجد

ص: 3638

من الإمام الشافعي رضي الله عنه قولان على هذا الوجه أعنى من غير ترجيح منه لأحدهما إلا في سبعة عشر مسالة على ما ينقل ذلك عن الشيخ أبى حامد الإسفراييني - رحمة الله تعالى.

وهذا أيضًا يدل على كمال علمه ودينه.

أما الأول: فلأن كل من كان أغوص نظرًا، وأدق فكرًا، وأكثر إحاطة بالأصول والفروع، وأتم وقوفا على شرائط الأدلة كانت الإشكالات عنده أكثر.

فأما الإصرار على الوجه الواحد طول العمر وعدم التردد بين محتملات المسالة في المسائل الظنية، والمباحثات الغير يقينية فذلك لا يكون إلا من جمود الطبع، وقلة الفطنة، وكلال القريحة، وعدم الاحاطة بشرائط الأدلة والاستدلال، وعدم الوقوف على الأسئلة القادحة، والاعتراضات المنقدحة.

وأما الثاني فمن وجهين:

أحدهما: أنه لما لم يظهر له في المسألة وجه الرجحان بين محتمليهما لم يستنكف من/ (254/ أ) الاعتراف بعدم العلم، ولم يشتغل بالترويج والمداهنة، بل صرح بعجزه عما هو عاجز فيه، ومعلوم أن مثل هذا لا يصدر إلا عن الدين المتين، ولهذا عد المسلمون وأئمة الدين من فضائل عمر- رضي

ص: 3639

الله عنه- ومناقبه ما روى عنه من اعترافه بعدم العلم في كثير من المسائل. وثانيهما: أنه لم يقل ابتداء، إني لا أعرف هذه المسائل حتى لا يحمل ذلك على تقصيره في طلب أدلته ومرجحاته بل بين حكمها لكن تردد بين احتمالين فيها لكونه وجد المسألة واقعة بين الأصلين، دائرة بين الدلالتين القويتين، فبين وجه وقوعها بينهما، وكيفية مشابهتها لهما، وترددها بين تينك الدلالتين القويتين، ثم لما لم يظهر له الرجحان تركها على تلك الحالة ليكون ذلك باعثا له على الفكر بعد ذلك وحثا لغيره من المجتهدين على طلب الترجيح، ولا يخفى أن هذا هو اللائق بالدين المتن، والعقل الرزين.

فظهر من هذا أن ترديد القولين أو الأقوال في المسألة ليس عيبًا ولا تقصيرًا في الاجتهاد كما اعتقده بعض المتعصبين بل هو من الفضائل العلية والمناقب السنية كما تقدم تقريره.

القاطعين لزم حصول مدلوليهما وهو جمع بين المتنافيين وهو ممتنع.

ص: 3640

واختلفوا في تعادل الأمارتين:- فمنعه الإمام أحمد، والكرخي، وجمع من فقهائنا.

وجوزه الباقون من الفقهاء، والمتكلمين.

وهؤلاء اختلفوا في حكيمه عند وقوعه على ثلاثة مذاهب:-

أحدها: أن حكمه له التخيير، وهو اختبار القاض أبى بكر، وأبى على، وأبى هاشم.

وثانيها: أن حكمه التساقط، ويجب الرجوع في ذلك إلى غيرهما، وهو البراعة الاصلية، وهو مذهب أكثر الفقهاء منهم.

ص: 3641