الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة
اختلفوا في أن مذهب الصحابي وقوله هل هو حجة على من بعدهم من التابعين أم لا
؟
وإنما قلنا على من بعدهم؛ لأنه ليس قول: بعضهم على بعض حجة وفاقًا.
فذهب الشافعي، وأصحابه، والأشاعرة، والمعتزلة، والإمام
أحمد بن حنبل في رواية.
والكرخي إلى أنه ليس بحجة مطلقًا.
وذهب الإمام مالك وكثر الحنفية كالرازي والثوري والشافعي أولاً.
والإمام أحمد في رواية وجمع من أصحابه إلى أنه حجة مطلقًا مقدم على القياس.
ومنهم من فصل وذكر فيه وجوهًا:-
أحدها: أنه حجة أن خالف القياس وإلا فلا.
وثانيها: أن قول أبى بكر وعمر حجة دون غيرهما.
وثالثها: أن قول الخلفاء الأربعة حجة إذا اتفقوا.
وهذا يشبه أن يكون من قبيل الاجماع، وقد سبق في الإجماع.
وأما الذي يليق بهذا المكان هو ان يكون قول كل واحد منهم حجة، وكذا القول في قول أبي بكر وعمر رضى الله عنهما.
احتج الأولون بوجوه:-
أحدها: قوله: {فاعتبروا} أمر بالاعتبار، وذلك ينافى جواز التقليد.
ولقائل أن يقول: ليس قبول قولهم على وجه التقليد عند القائلين به، بل هو حجة متبعة وإلا لما وجب على المجتهدين الأخذ بقولهم؛ لأنهم ليسوا أهل العقيد، بل هو على سبيل الاخذ بمدرك من مدارك الشرع كالأخذ بالنص والقياس وغيرهما من المدارك، فكما أن الامر بالاعتبار لا ينفى الأخذ بالنص لكون الامر بالاعتبار إنما هو بعد فقدان النص، فكذا في الأخذ بقول الصحابي فإنه أيضًا مقدم على القياس عند القائلين به على ما ذكرناه فلا يكون الأمر بالاعتبار منافيا لحجيته.
وثانيها: قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} أوجب الرد عند الاختلاف إلى الله والرسول، فلو كان الرد- إلى قول الصحابي أو مذهبه مدركا من مدارك الأحكام لذكره وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولأن الرد إلى الصحابي ترك للرد إلى الله ورسوله فيكود تركًا للواجب فلم يكن جائزًا فضلاً عن أن يكون واجبًا.
وهو أيضًا ضعيف؛ لأنه لا يلزم من كون الرد إلى الصحابي مدركًا من مدارك الشرع أن يذكر عقيبهما كما لم يذكر غيرهما من المدارك عقيبهما، ولا
نسلم لزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة حينئذ؛ وهذا لأنه يجوز أن يكون مذكورًا بطريق آخر وأنه لم تمس الحاجة إليه إذ ذاك.
وأما جواب قوله: ولأن الرد إلى الصحابي ترك للرد إلى الله ورسوله فنمنعه؛ وهذا لأن الرد إلى قول الصحابي مشروط عندنا بعدم الوجدان في الكتاب والسنة والرد إليهما إذ ذاك ممتنع فلا يكون الرد إليه متضمنا لترك الرد إليهما.
وأيضًا: لما قال الرسول، "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" وما يجرى مجراه في الدلالة على وجوب الأخذ بقول الصحابي [كان الرد إلا الصحابي ردًا إلى الرسول فلم يكن الرد إلى الصحابي]، مخالفًا للنص.
وثالثها: أن الصحابة أجمعوا على جواز مخالفة كل واحد من آحاد الصحابة، ولم ينكر أبو بكر وعمر على من خالفهما، ولا كل واحد منهما على صاحبه فيما فيه اختلفا.
وهو أيضًا ضعيف؛ لأنه إن عنى بقوله: إنهم أجمعوا على جوار مخالفة بعضهم المجتهدين لبعضهم فهذا مسلم لكنه غير دال على صورة النزاع؛ فإن صورة النزاع أن قولهم ومذهبهم هل هو حجة على من بعدهم من المجتهدين أم لا؟ كما تقدم.
وإن عنى به أنهم أجمعوا على جواز مخالفة كل واحد من الصحابة سواء كان المخالف منهم أو من غيرهم فهو ممنوع ولا يمكن ادعاؤه لكونه بهتًا صريحًا.
ورابعها: أن الصحابي من أهل الاجتهاد/ (340/ أ) الذى الخطأ عليه جائزًا وفاقًا، فلا يجب الأخذ بقوله كغيره من المجتهدين، وكما لا يجب على المجتهد من الصحابي الأخذ بقوله وفاقًا.
وهو أيضًا ضعيف؛ لأنه لا يلزم من عدم وجوب العمل بمذهب غير الصحابي على غير الصحابي، ومن عدم وجوب العمل بمذهب الصحابي على صحابي آخر مثله مع تساويهم في الرتبة والفضيلة عدم وجوب العمل على غير الصحابي بمذهب الصحابي مع تفاوتهما في الرتبة والفضيلة والتأييد للإصابة، والعلم بالناسخ والمنسوخ والمخصص الحالي والمقالي، ومعرفة مقاصد الكلام بسبب سياق الكلام وسباقه، بسبب الشأن والنزول.
وخامسها: أن المجتهد من التابعين متمكن من إدراك الحكم بطريقه فوجب أن يحرم عليه التقليد كما في أصول الدين.
وهو أيضًا ضعيف؛ لأنا نمنع أن يكون ذلك تقليدًا؛ وهذا لأنه حجة متبعة عندنا واتباع الحجة ليس تقليدًا، فيكون إثبات الحكم به عند عدم الكتاب والسنة إثبات الحكم بطريقه.
وسادسها: أن الصحابة اختلفوا في مسائل اختلافًا كثيرًا، وذهب كل واحد منهم إلى خلاف مذهب الأخر كما في مسائل الجد والأخوة، والحرام كما
تقدم تعريفه، فلو كان مذهب الصحابي حجة لزم أن تكون حجج الله مختلفة متناقضة فلم يكن اتباع البعض منها أولى من البعض الأخر.
وهر أيضًا كنمط ما تقدم، لان تعارض الحجج الشرعية واختلافها ليس ببدع، كأخبار الأحاد، والنصوص الظاهرة، والأقية، وحكمها عند التعارض وعدم الترجيح ما تقدم من الوقف، أو التخيير، على ما تقدم تقريره، فكذا ما نحن فيه.
وسابعها: وهو المعتمد في ذلك وهو: أن القول بكونه حجة يستدعى دليلاً عليه، فإن إثبات مدرك [من مدارك] الشرع من غير حجة باطل وناقًا ولا دليل عليه، إذ الأصل عدم الدليل وما ذكر الخصم عليه دليلاً سنبين ضعفه فوجب أن لا يكون حجة.
واحتج الخصم بوجوه:-
أحدها: قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتهون عن المنكر} ، وهو خطاب مشافهة فيختص بالصحابة، فما يأمرون به معروف، وما ينهون عنه منكر، والأخذ بالأمر بالمعروف واجب، فيكون الأخذ بقولهم أو بمذهبهم واجبًا.
وجوابه: أنه لو اختص بهم فهم إنما يدل على أن إجماعهم حجة لا على أن قول الواحد منهم أو مذهبه حجة.
وثانيها: قوله عليه السلام: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم جعل الاهتداء لازمًا للاقتداء بأي واحد كان منهم، وذلك يدل على أنه حجة وإلا لفرق بين المصيب وغير المصيب؛ فإن الاقتداء بغير المصيب ليس اهتداء.
وجوابه: أنه خطاب مشافهة فيختص بالعوام منهم لما تقدم من أن قول المجتهد منهم ليس حجة على المجتهد الآخر محهم وفاقًا.
وإنما لم يفرق بين المصيب وغير المصيب: إما لأن كل مجتهد مصيب، أو لأن فرض العامي الاقتداء بالمجتهد سواء كان مصيبا أو غير مصيب فكان مهتديا بالاقتداء- لأن [كان]، المجتهد مخطئًا في اجتهاده.
فإن قلت: فعلى هذا لا يختص هذا الحكم بهم.
قلت: نعم من هذا الوجه وتخصيصهم بالذكر في الحكم المذكور لا يدل على نفيه في حق الغير.
وأجيب عنه بوجه أخر وهو: أنه وإن كان عامًا في أشخاص الصحابة فلا دلالة فيه على عموم الاهتداء في كل ما يقتدى فيه، وعند ذلك فقد أمكن حمله على الاقتداء بهم ميما يروونه عن النبي عليه السلام إذ ليس الحمل على غيره أولى من الحمل عليه.
وفيه نظر من حيث إن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية فيعم الاهتداء لعموم الاقتداء إذ لا يمكن الحمل على الرواية إذ الأخذ بالرواية لا يسمى اقتداء.
وثالثها: قوله عليه السلام: "اقتدوا بالذين من بعدي أبى بكر وعمرًا وهذا حجة من يحض الوجوب بمذهبهما.
وجوابه. ما سبق.
ويخصه أن يحتمل أذ يكون أمرأ للائمة وولاة الامر بالاقتداء بسيرتهما في العدل والإنصاف، ورعاية مصالح الخلق.
رابعها: الاجماع.
وتقريره: أن عبد الرحمن بن عوف ولى عليا- رضى الله عنه- الخلافة بشرط الاقتداء بالشيخين [فلم يقبل وولى عثمان] فقبل ولم ينكر أحد ذلك وكان بمحضر كابر الصحابة فكان إجماعًا.
وجوابه: أن ذلك محمول على الاقتداء بهما في سنتهما وسيرتهما في العدل والإنصاف كما تقدم؛ فإن الحمل على مذهبهما وقولهما متعذر لانعقاد الاجماع على أنه ليس بحجة على صحابي أخر مثله في كونه مجتهدًا، ولأن الحمل على المذهب والقول يقتضى تخطئة أحدهما إما على، وإما عثمان؛ لأن اتباع مذهب الصحابي إما واجب أو محرم، ضرورة أنه لا قائل بالفصل، فإن من قال بوجوب اتباعهم قال بالوجوب. ومن لم يقل بذلك قال بالتحريم فإن كان الحق هو الأول فعلى مخطئ بالرد، وأن كان الثاني مخطئ بالقبول، وإذا تعذر الحمل على ذلك أوجب الحمل على ما تقدم فإنه لا يلزم منه هذا المحذور.
وخامسها: قوله عليه السلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى" الحديث وهذا حجة من يقول: إن مذهب الخلفاء الأربعة حجة فقط. وجوابه: ما سبق.
ويخصه أن السنة هي الطريقة، وهى: عبارة عن الأمر الذى يواظب الانسان عليه فلا يتناول ما يقوله الإنسان مرة أو مرتين، أو فعله مرة أو/ (341/ أ) مرتين فيكون محمولا على سيرتهم وطريقتهم في العدل والانصاف، لا على مذهبهم وقولهم في المسائل الاجتهادية.
وسادسها: أن قول الصحابي إذا انتشر ولم ينكر عليه كان حجة فكان حجة أيضًا مع عدم الانتشار كقول الرسول- عليه السلام.
وجوابه: أنا لا نسلم حجيته.
سلمناه لكن لكونه إجماعا لا لكونه قول صحابي، ولهذا يطرد في أقوال غيرهم من المجتهدين، ثم هو منقوض بأقوال غيرهم من المجتهدين فإنه حجة إذا انتشر ولم يخالف لكونه إجماعا وليس كذلك إذا لم يتشر.
وسابعها: أن الصحابي إذا قال قولاً يخالف القياس فلا محمل له إلا أنه اتبع الخبر؟ إذ لا يجوز أن يقول في الدين بالتشهي من غير مستند؛ إذ يقدح ذلك في دينه وعلمه، وحينئذ يجب أن يبهون حجة.
وجوابه: لعله قال ذلك لنص ظنه دليلا، مع أنه ليس كذلك في الحقيقة. سلمناه لكنه منتقض بمذهب التابعي ومن بعده فإنه جميع ما ذكروه آت فيه بعينه.
وثامنها: أن مذهبه لا يخلو إما أن يكون عن نقل أو اجتهادًا:- فإن كان الأول كان حجة، وإن كان الثاني وجب أيضًا أن يكون حجة؛ لأن اجتهاده راجح على اجتهاد من بعده لترجحه على من بعده بمشاهدة التنزيل، ومعرفة التأويل، ووقوفه من أحوال النبي ومراده من كلامه على ما لم يقف عليه
غيره، فكان حال التابعي إليه كحال العامي بالنسبة إلى المجتهد التابعي فوجب اتباعه له.
وجوابه: الظاهر أنه ليس بناء على النقل وإلا لأظهره كما هو دأبهم فيما ذهبوا إليه لا سيما مع وجود المخالف لهم، ولان عدم إظهارهم ذلك كتم له وهو منهى عنه ومتوعد عليه، قال عليه السلم:"من كعم علما نافعا الجمه الله تعالى بلجام من نار" وهو خلاف ظاهر حال الصحابي.
سلمناه لكن جار أن يكون لنص ظنه مع أنه ليس كذلك فلا يلزم به العمل على غيره وحينئذ يلزم أن يكون عن اجتهاده ولا يلزم المجتهد بل لا يجوز أن يتبع اجتهاد الأخر مع احتمال إصابته وخطا الأخر وإن كان الأخر مترجحا عليه بأمور في الجملة.
سلمناه لكنه منتقض باجتهاد التابعي بالنسبة إلى من بعده، فإن نسبته إلى من بعده كنسبة الصحابي إليه وفيه نظر بين لما بين النسبتين من التفاوت الظاهر.
فرعان
الأول: إذا ثبت أن مذهب الصحابي ليس بحجة واجبة الاتباع فهل يجوز
لغيره من المجتهدين تقليده أم لا؟
اختلفوا فيه: وهذا ينبني على أنه هل يجوز للمجتهد تقليد المجتهد أم لا؟
فإن جوزنا ذلك مطلقا فتقليد الصحابي أولى.
وإن لم نجوز ذلك ففي جواز تقليد الصحابة خلاف:
فالذي نص عليه الشافعي- رضى الله عنه- في الجديد أنه لا يقلد العالم صحابيا كما لا يقلد عالما آخر وهو المختار عند الجماهير.
ونصه في القديم. مختلف، فنص في موضع على جواز تقليد مذهب الصحابي وقوله بشرط انتشاره وعدم مخالفته، ونص في موضع آخر أنه يجوز أن يقلد وإن لم ينتشر.
واحتج الجماهير على صحة ما نص عليه في الجديد: بان ما ذكرنا من الدلائل الدالة على عدم جواز تقليد العالم للعالم مطرد في الكل من غير تفصيل فوجب أن لا يجوز تقليدهم كما لا يجوز تقليد غيرهم.
فإن قلت: كيف لا نفرق بينهم وبين غيرهم مع ثناء الله تعالى وثناء رسوله عليهم حيث قال: {لقد رضى الله عن المؤمنين} وقال: {والسابقون الأولون} إلى قوله: {رضي الله عنهم ورضوا عنه} وقوله عليه السلام. "خير القرون قرني" الحديث، وقوله: "لو أنفق أحدكم ملء الأرض ذهبًا ما
بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، وقوله:"أصحابي كالنجوم" الحديث وغيرها من الآيات والنصوص الدالة على شرفهم وفضلهم.
قلت: هذا كله مما يوجب حسن الاعتقاد بهم، وكونهم مرضيين عند الله تعالى، ولا يوجب تقليدهم لا وجوبًا ولا جوازًا بدليل أنه ورد أمثالها أو أظهر منها في الثناء والتعظيم في حق آحاد الصحابة [مع إجماعهم على أنهم لا يتميزون عن بقية الصحابة] بوجوب التقليد أو جوازه.
قال عليه السلام: "لو وزن [إيمان] أبى بكر بالإيمان العالمين لرجح".
وقال: "إن الله ضرب بالحق على لسان عمر".
وقال له: "والله ما سلكت فجا إلا سلك الشيطان فجا غير فجك"
وقال في حق علي- رضي الله عنه "اللهم أدر الحق معه حيث دار" وغيرها من الأحاديث الدالة على الثناء عليهم وعلى غيرهم من آحاد الصحابة.
الفرع الثاني
في تفاريع القول القديم وهى متعددة:-
أولها: قال الشافعي- رضى الله عنه-: "روى عن على- كرم الله وجهه- أنه صلى في ليلة ست ركعات في كل ركعة ست سجدات، قال: لو ثبت ذلك عنه- رضى الله عنه- لقلت به لأنه لا مجال للقياس فيه فالظاهر أنه [فعله]. توقيفًا.
وهذا إشارة منه أنه يجوز تقليد الصحابي وإن لم ينتشر مذهبه لكن إذا كان مخالفا للقياس.
واعترض عليه الشيخ الغزالي- رحمه الله تعالىَ بانه لم يقبل فيه حديثا حتى يتأمل لفظه، ومورده، وقرائنه وفحواه، وما يدل عليه ولم نتعبد إلا
بقبول خبر يرويه صحابي مكشوفًا يمكن النظر فيه، فما كان الصحابة يكتفون بذكر مذهب مخالف للقياس ويقدرون ذلك حديثا من غير تصريح به.
وهو ضعيف؛ لأن القول به لا يستدعى قبول حديث وارد بلفظ من الرسول عليه السلام، أو بلفظ الراوي حتى يتأتى فيه ما ذكره/ (342/ أ) من الأمور؛ لاحتمال أن الصحابي شاهد ذلك ففعله، ثم شوهد ذلك منه فروى فحينئذ لا يلزم ما ذكره.
ثم ما ذكره الشافعي- رضي الله عنه إنما هو تفريع على القديم فإذا جاز تقليد مذهب الصحابي وإن لم يكن مخالفا للقياس، فلان جار ذلك عندما يكون مخالفا للقياس بالطريق الأولى.
وثانيها: قال الشافعي- رضى الله عنه- في موضع، (قول الصحابي إذا انتشر ولم يخالف فهو حجة).
وهذا لعله تفريع على القديم الذى يقتضى وجوب الاخذ بمذهب الصحابي
لا القديم الذى يقتضى جواز الأخذ بمذهبه، فلا يحسن إيراد هذا الفرع في هذا الموضع؛ فإن هذا تفريع على أنه ليس بحجة متبعة فكيف يكون حجة متبعة على هذا التقدير؟.
واعترض عليه الشيخ الغزالي وقال: (السكوت ليس بقول فأي فرق بين أن ينتشر وبين أن لا ينتشر).
قال الأمام: (والعجب من الشيخ الغزالي أنه يتمسك بمثل هذا الإجماع في القطع على أن خبر الواحد حجة، والقياس حجة).
ولعله إنما قال ذلك؛ لاعتقاده أن حجتيه لو قيل بها فلبس على طريق الإجماع بل بغيره وهو الحق، وإذا كان كذلك فلم يكن لسكوت الغير في حجيته مدخل.
وثالثها: نص الشافعي- رضى الله عنه- على أنه إذا اختلف الصحابة فقول الأثمة الأربعة أولى، فإن اختلفوا فقول الشيخين أولما ا)، وذلك للخبرين المذكورين.
رابعها: نص في موضع آخر: (أنه يجب الترجيح بقول الأعلم والأكثر، قياسا لكثرة القائلين على كثرة الرواة، وإنما يجب الترجيح بقول الأعلم؛ لأن زيادة علمه تقوى اجتهاده وتبعده عن الإهمال والتقصير والخطأ.
وخامسها: اختلف قوله في ترجيح الحكم على الفتوى، أو الفتوى على الحكم عند اختلاف الصحابة في ذلك:
فتارة رجح الحكم على الفتوى؛ لأن الاعتناء به أكثر وأشد.
وتارة رجح الفتوى على الحكم؛ لأن سكوتهم عن الحكم محمول على الطاعة بخلاف الفتوى فكان السكوت أدلة على الرضا.
وسادسها: هل يجوز الترجيح في الأقيسة بقول الصحابي أم لا؟
اختلفوا فيه:
والحق أنه في محل الاجتهاد؛ إذ لا يمتنع أن يتعارض ظنيان بناء على القياسين، والصحابي في أحد الجانبين فتميل نفس المجتهد إلى موافقة الصحابي ويكون ذلك أغلب على ظنه، ويختلف الحكم باختلاف المجتهدين.