الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظلم هذا" (1).
*
مآخذ على كتابات الشرقاوي حول الإمام علي:
أولاً: إن مصادر الكتابة عن الإمام علي - رفاقه ومنهج البحث في سيرة الصحابة تختلف عن المصادر ومنهج البحث في التاريخ العام، وهو لم يلتزم بهذا المنهج بل عمد لكتب التاريخ وغير كتب التاريخ فاستقى منها مادته وأخباره، فرجع إلى كتاب " الأغاني "، وهو مرجع لمؤرخي الأدب في العصر العباسي يجمع أخبار الشعراء والأدباء والمغنيين والمغنيات ومجالس الشراب والطرب، فإذا وجدت فيه معلومة عن صحابي أو تابعي فيجب الوقوف أمامها طويلاً، للبحث عما إذا كانت قد وردت في مصدر تاريخي أصيل مما تتكفل به أصول البحث العلمي، ومصطلح علم الحديث وأصول الرواية في معرفة حال الرواة وصحة المتن وطريق التحمل ولكن الشرقاوي سوى بين المصادر القديمة لقدمها ولم يفرق بينها ومن هنا وقع اللبس.
- ومن مصادر الشرقاوي (الطبري) والطبري لا يشك أحد في صدقه ولكنه اعترف في كتابه أن الكتاب لا يخلو من الوقائع المكذوبة والأخبار المنحولة فلما هوجم الشرقاوي في هذا دافع عن مصدره وأهمل هذا التحذير الخطير الذي سجله الطبري في صدر كتابه.
وهكذا فإن المصادر التي رجع إليها الشرقاوي لم تكن كلها كفئًا للموضوع فوقع في ورطة إذ لم يستجب لنصح الناصحين فيها.
ثانيًا: "تناول أشخاصًا لهم بلاء وغناء وسبق إلى إلاسلام والجهاد في سبيل الله ووصفهم بما لا يليق بأمثالهم، فهم تلاميذ محمد صلى الله عليه وسلم والشوامخ
(1)"جيل العمالقة"(ص 250 - 251).
الذين هاجروا في الله بعد ما فتنوا وهاجروا وصبروا وقد قدم لنا الإمام علي في عماية فتنة وأعصار محنة، وقديمًا قرر الفقهاء والعلماء والسلف الصالحون ممن أدركوا الفتنة وجاءوا بعدها الإمساك عن الخوض فيها فإن الصحابة كلهم عدول بتعديل الله لهم ولكل منهم وجهة نظر واجتهاد والمخطئ فيه له أجر والمصيب له أجران.
لم يتناول الكاتب دور اليهود في هذه الفتنة التي آثر الخوض فيها وما فعله عبد الله بن سبأ وأشياعه والمخدوعون به فهم أسبابها وما أشبه الليلة بالبارحة ولم ينهج نهج المحدثين وأهل الأثر من نقده الأخبار على مقتضى قوانين الرواية والجرح والتعديل الذي ميز الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم وراح يسوق الأخبار ومنها الملفقة كأنها حقائق مسلمة ويبني عليها اتهامات ويصدر أحكامًا قاسية وهي أخبار واهية لا تحل روايتها فضلاً عن اعتمادها في تقرير حكم أو توجيه لوم خاصة إذا كانت تحمل في ثناياها دليل بطلانها، ولم يشر إلى مرجع واحد من مراجعه التي اعتمد عليها، فإن كثيرًا من أئمة المؤرخين قد ينقلون الشائعات والأخبار التي لا تصدق، ولكن بأسانيدها اعتمادًا على أن الناس سيبحثون الأسانيد فيتقبلونها أو يرفضونها.
(عن بحث الأستاذ عبد المعز عبد الستار بتصرف)
ثالثًا: إلحاحه في قوله: "ليس لبني إسماعيل فضل على بني إسحاق ولا لبني إسحاق فضل على بني إسماعيل" والحق أنني ألمح منها كيدًا خفيًا من عمل اليهود وإفكًا افتروه، بعد أن عزلهم الله عن قيادة البشر وجعلها في العرب من بني إسماعيل فاليهود من يريدون أن يتساووا مع العرب والمسلمين ويستغلوا المبدأ ويقرروا أنهم يرتقون إلى مستوى المسلمين على ما بهم من بغي وكفر وقساوة قلب، وعلى أخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وقولهم:"ليس علينا في الأميين سبيل"، ونحن نقول: "بل
لبني إسماعيل اليوم فضل على بني إسحاق"، وللعرب فضل على اليهود بعد ما أثبت اليهود ببغيهم وعداوتهم أنهم على مدى التاريخ وراء كل فتنة وسبب كل محنة وأنهم كالمشركين لا يرقبون في مؤمن إِلاًّ ولا ذمةً.
رابعاَّ: غرق عبد الرحمن الشرقاوي في أباطيل الرواة وفي "الروايات الضالة فأجرى على لسان (الإمام علي) عبارات ما كان يمكن أن تجري على لسانه، وتقوَّل عليه أخبارًا كاذبة كمثل ما نسب إليه من أنه قال أنه كان أولى من أبي بكر وعمر بالخلافة.
خامسًا. انزلق عبد الرحمن الشرقاوي في أعراض الصحابة واندفع بهدف ونية مُبيتة وليس من باب الخطأ، أو عدم الإحاطة بالمصادر، ولا كانت هذه الفترة من تاريخ الإسلام شائكة، وكان هو غير متخصص في التاريخ وقليل الدراية، والعلم بالصحابة بحيث يجب أن يتناول تاريخهم بأسلوب مختلف، يقوم على احترامهم ومعرفة قدرهم وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا حين قال:"أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم"، ويقول. "لا تسبوا أصحابي، من سب أصحابي فقد سبني".
وقد بدا القصد من سياق السرد وهو النيل من الآخرين ومن سابقته بالذات، وهي نقطة مهمة كان لا بد من إثارتها، وكانت عبارات الكاتب تستهدف التنقيص ممن قبله من الخلفاء رضي الله عنهم أجمعين.
وقد قصد الكاتب إلى إثارة خلاف في هذه الآونة بين طائفتين أو أكثر من المذاهب الإسلامية وإيجاد بلبلة وتباغض بين تلك الأمم والمذاهب ومن هنا دخل في الخطر الكبير الذي جاء عنه التحذير في بعض الآثار: "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها".
الأخطاء كثيرة وكأن بالرجل يرمي إلى شيء من وراء هذه المغالطات غير العلم فابتعد عن الحقائق، وماذا يقصد بأوصافه التي أتى بها خياله عن
ليلة زواج ذي النورين عثمان رضي الله عنه من نائلة، وهو الذي كانت تستحي منه ملائكة الرحمن، ومن أين له هذا الوصف البعيد كل البعد عن العلم وعن التاريخ وأقرب ما يكون إلى روايات الجنس، ثم كتاباته عن أم المؤمنين عائشة وعن الصحابة طلحة والزبير وغيرهم عندما وصفهم بغير أوصاف المؤمنين وهم المؤمنون حقًا.
عن (عبد الله الأنصاري) بتصرف.
سابعًا: بدأ الشرقاوي خطته بأن ألف كتابه "محمد رسول الحرية" على أساس أن الإسلام مظهر للصراع بين الطبقات وأن الأصنام تم صبها حول الكعبة لأسباب مادية وتم هدمها كذلك لأسباب اقتصادية ومضى في طريقه يفسر الوقائع بمعايير الفكر اليساري ويقرأ كتب التاريخ غير مميز بين حقيقة وشائعة، وبين صحيح وموضوع وغير مدرك لمكانة الرجال الذين يتحدث عنهم فجاءت كتاباته بعيدة كل البعد عن المنطق العلمي، كما جاءت بعيدة الأثر في الإساءة إلى الإسلام والصحابة وإلى الآمال المرجوة في الصحوة الإسلامية وجمع الشمل وقد ردد الشبهات والتقط النقاط المشكوك فيها التي تعينه على باطله، ومنها الخطبة المنسوبة إلى علي بأنه أولى بالخلافة من أبي بكر وعمر وهي خطبة تعني أن الخلفاء الثلاثة كانوا مغتصبين حقًّا ليس لهم وأنهم طلاب دنيا وعشاق رياسة وأن جمهور الصحابة جبن عن مظاهرة صاحب الحق المقرر، وهذا النسق يرمي إلى فتح الباب للطعن في السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.
ودعواه أن بني النضير أسلموا باطل فما أسلم بنو النضير يومًا، وأنهم حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان بينهم في بعض الشئون وهناك قضية وهب لها الشرقاوي فكره ونشاطه، ويريد أن يجر الإسلام إليها جرًا دون هوادة، هل للمسلم أن يدخر أو يكنز بعد أن يؤدي الحق المقرر عليه في ماله،
أم يجب إلا يمسك عنده شيئًا فوق حاجته وهو يؤكد أنه لا يجوز استبقاء شيء لصاحبه فوق نفقته العادية، إن هذا هو ميل إلى نظرية كارل ماركس (لكل حسب حاجته)، ولكنه يصور الرأي الذي ارتآه على أنه من الكتاب والسنة، وهو يحاول أن يجعل علي بن أبي طالب ضد رأس المال مهما أدى ما عليه من حقوق وهو يحاول أن يجعل عثمان كأحد الباشوات أو اللوردات الذين يشبعون شهواتهم ويرهبون المجتمع بفضول أموالهم ومن المقرر أن كتابات عبد الرحمن الشرقاوي لا تحكي تاريخًا إِسلاميًّا، فهو يساري يريد أن يجعل الإسلام وتاريخه مصبوغين باللون الأحمر والتفكير المادي ويسوق الحوادث سوقًا لخدمة هذا الغرض.
فهل صحيح أن الصراع بين التوحيد والوثنية كان صراعًا طبقيًا كما يقول الأغنياء يدافعون عن وجودهم والفقراء عن حقهم في الحياة الكريمة، وعن أحلامهم في عالم أفضل، أي أحلام هذه وهل صحيح أن موسم الحج كان "يستثمر هؤلاء الأغنياء أموالهم في البيع والشراء والربا فيربحون ويربحون، وهذه الأصنام هي التي تمنحهم كل سلطاتهم على الأجراء والمعدومين والعبيد وأبناء السبيل وواجه محمد هذا كله بأن الأصنام ضلال مبين فهو يلعن الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله، هكذا يقول الشرقاوي في تصوير الرسالة الإسلامية. صراع بين الغنى والفقر لا وجود له إلا في دماغ المؤلف.
وآية عدم اكتناز الذهب والفضة نزلت بعد اثنتين وعشرين سنة من بدء الرسالة ولا صلة لها بعبادة الأصنام أو الحرب التي شنها الإسلام على الوثنية من أول يوم. حتى الهجرة إلى المدينة جعل لها الشرقاوي أسبابًا اقتصادية فإن المرابين في المدينة كان ضغطهم أقل، والهوان الذي يتعرض له المدينون كان أخف، تأمل قوله: هنا مجتمع آخر أكثر تقدمًا من مجتمع مكة، هنا علاقات