الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عاشرًا: أنكر رؤية الله يوم القيامة وهي ثابتة، وتجاوز حدود البشرية بوصفه كلامًا مخترعًا منسوبًا إلى الذات العلية هذا فضلاً عن افترائه وكذبه" (1).
*
توفيق الحكيم من أكبر كتّاب التغريب:
استقطبت الصحافة العربية عددًا كبيرًا من كتاب التغريب الذين كانوا عدتها في سبيل تبرير مفاهيم الإقليمية والفرعونية والتنكر لمفاهيم الوحدة الإسلامية وترابط العروبة والإسلام، وكان في مقدمة هؤلاء توفيق الحكيم ولويس عوض وحسين فوزي.
وما يزال توفيق الحكيم منذ الثلاثينات يحمل لواء التفرقة بالتجهيل للعرب والإعلاء للمصرية طوال أكثر من خمسين عامًا. وهي تفرقة لا تقوم على أساس علمي، وإنما تعتمد شبهات المستشرقين وخصوم العرب والإسلام، فتوفيق الحكيم يدعي أن هناك شخصية مصرية مميزة عن الشخصية العربية الإسلامية، ويرى بين المصرية والعروبة خلافًا بل وتضادًا .. حتى يقول:"إن مصر والعرب طرفا نقيض"، وهي نفس الدعوة التي حملها طه حسين ومحمد عبد الله عنان وسلامة موسى. ويحملها اليوم لويس عوض وبطرس بطرس غالي وكثيرون من المتأثرين بالتاريخ القديم السابق للإسلام والذين يتجاهلون ما أثبته المؤرخون من "الانقطاع التاريخي" بين مصر الإسلامية العربية وبين ما قبل ذلك.
وكل الذين يفاخرون بميزات لمصر يجهلون أن مصدر هذه الميزة هي تلك الموجات العربية المتوالية التي أخرجتها الجزيرة العربية وأهمها الموجة الإسلامية
(1)"جيل العمالقة"(ص 205 - 217).
الإسلامية التي حملت معها مفهوم التوحيد الخالص، وهم يجهلون ذلك الترابط الوثيق الذي أوجده دين الحنيفية السمحاء: دين إبراهيم الذي عم وشمل كل هذه المناطق بدعوة الإسلام الأولى التي صدرت عنها من بعد رسالات الأنبياء موسى وعيسى ومحمد.
فلماذا هذا الأستعلاء العنصري بالمصرية المستمدة من الفرعونية، وقد أثبت المؤرخون أن الفراعنة عرب أصلاً، وأن جميع الموجات الفينيقية والآشورية والبابلية كلها موجات انبثقت من قلب الجزيرة العربية، وأن كل معطيات المصريين تتلخص في أمرين: العقيدة واللغة ومن ثمارهما القيم والخلق والمقومات، وكلها جاءت من الإسلام والقرآن، فليس هناك في الحقيقة طرف مصري مناقض للعرب، وإنما هي كلمات من المبالغة والتعصب والعنصرية تذاع وتستشري في فترات الضعف، وقد ذاعت إبان الاحتلال البريطاني وتجري اليوم على الألسنة إبان تحدي الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، والواقع أن الجامع الحقيقي هو الإسلام، وليس العروبة، وليست المصرية إلا دعوة مشابهة لدعوات الإقليمية التي تتحرك على أفق العالم الإسلامي هنا وهناك تحت تأثير موجة القوميات الضيقة الوافدة، ولا ريب أن العالم الإسلامي كله مقبل على الوحدة والالتقاء وأن هذه الدعوات لا تجد لها مجالاً حقيقيًا إلا عند ذوي الغايات القصيرة والأغراض الخاصة.
بل إن مصر إذا عزلت عن العروبة والإسلام فإنها لا تبقى شيئًا سوى تماثيل وأهرامات وأحجار الأقصر ووادي الملوك. وهذا يكذب عبارة توفيق الحكيم الذي يقول: "إن الاختلاط بالروح العربية كاد ينسي المصريين أن لهم روحًا خاصة تنبض ضعيفة تحت ثقل الروح الأخرى الغالبة"، وإني لأتساءل ْماذا كانت أو تكون الروح المصرية الخاصة بدون الروح العربية، أتكون روح فرعون والعبودية والظلم وعبادة الآلهة المتعددة والوثنية المغرقة في السحر:
{أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} .
- ويذهب توفيق الحكيم في هذا الطريق المظلم الموحش إلى أن يدعو مصر إلى أن تكون فندق العالم، أي أن تصبح دارًا مفتوحة لكل السائحين وطلاب الحاجات، وأن تفقد شخصيتها الحقيقية التي شاء الله أن يصنعها لها بالإسلام، وهي حماية المقدسات وحمل لواء الجهاد والمرابطة على هذا الثغر الخطير في العالم.
ولقد كانت أكبر أخطائه، تخبطه بين تأييد الاستبداد الناصري ومحاولة تخلصه منه بعد استقبال عصر جديد، فقد كتب يقول: أن السلطان في الفترة السابقة قتل الحريات وكمم الأفواه وأنه أخضع له الكتاب والمفكرين فجروا في طريقه وأيدوه، ولذلك فهو يطالب بمحاكمة هؤلاء الكتاب ويطالب أول الأمر بمحاكمة توفيق الحكيم نفسه الذي أيد السلطان في هذا الاتجاه. ويقول: أنه جرى في هذا الطريق حتى بعد وفاة عبد الناصر فطالب بإنشاء تمثال ضخم في ميدان عام تقديرًا لعظمة وبطولة ذلك السلطان، وقد جاءته مئات الخطابات المؤيدة لرأيه غير أن خطابًا واحدًا من بينها جاء فيه: صحيح أن السلطان يستحق تمثالاً كبيرًا يناسب شهرته ومكانته ولكن أين يقام هذا التمثال .. ثم اقترح أن يقام هذا التمثال في تل أبيب.
ولقد كان توفيق الحكيم على مدى حياته مضطرًا إلى الخطأ غير كاشف لأبعاد الأحداث فإن انغماسه في الأساطير والقصة الغربية وما وراءها من خيالات قد حال بينه وبين الرؤية الصحيحة لأحداث العصر والمجتمعات.
فهو عندنا دعا إلى الخلاص من الطربوش، دعا إلى اللجوء إلى القبعة، وعندما ضرب الفرنسيون دمشق بالمدافع ونشروا الرعب والعدوان لم يزده ذلك على أن قال:
" لتذهب دمشق ومئات مثل دمشق إلى الهاوية وتبقى فرنسا".
وهو الذي قال مرة: إذا لم تكن لنا حضارة فلنأخذ الحضارة الغربية وننتهي.
كل هذا يعطي صورة البساطة والخيال وعدم العمق، في تناول الأمور، ويعطي مفهوم رجل المسرح والرواية والأساطير القديمة الذي يعجز عن متابعة الأحداث. وكل كتاب القصة على هذا النحو.
- يقول محمد المجذوب: كتبه أكبر شاهد على تنكره لمثل أمته حتى ما كان منها متصلاً بالسيرة النبوية ككتابه محمد صلى الله عليه وسلم أو مسرحية أهل الكهف، وبه مواطن دسائسه على الرسول.
وفي أهل الكهف: "تحوير شائن لمضمون القصة القرآنية التي قامت على إثبات حقائقها الكتب الدينية السابقة والحفريات الأثرية المعاصرة".
- ولقد كان عمل توفيق الحكيم في الحقيقة قائمًا على إحياء التراث اليوناني والوثني والأساطير (أوديب) وبثها في أفق الفكر الإسلامي، وإحياء مفاهيم الحضارة الفرعونية (إيزيس) وإحياء تراث اليهودية (الملك سليمان) وإحياء مدرسة اللامعقول وأدب اليهودية يونسكو وبكيت (يا طالع الشجرة) والماركسية الاشتراكية. وكان له إلى ذلك كله هدف مبيت دفين هو إفساد التراث الإسلامي وتغيير مضامينه بما كتب معارضًا لما جاء في القرآن سواء في أهل الكهف أو الملك سليمان، وهو يعيش تحت سيطرة مفاهيم الفلسفة المادية ومذهب مدرسة العلوم الأجتماعية والمفاهيم الماركسية التي تقول بالصراع بين العقل والعاطفة، وبين المثالية والمادية، وبين العاطفة والواقعية. ويرى أن هذا الصراع هو جوهر الفن. والحقيقة أن توفيق الحكيم قد غفل عن مصدر ثرِّ لفهم البشرية فهمًا صحيحًا وهو القرآن: ومفهوم التوحيد الخالص الجامع الذي يحول بين البشرية وبين التمزق أو الصراع أو انقسام وحدة النفس المؤمنة الربانية الاتجاه. وقد عمل على ترجمة كل الاتجاهات والمدارس والمذاهب
الغربية بخيرها وشرها وما يحسن تقديمه للفكر الإسلامي وما لا يجوز تقديمه، فكانت كتاباته حصيلة مختلطة وركامًا مضطربًا، وقد أفسد أمانة القلم ومسئولية الكلمة حين عجز أن يقدم لأمته خير ما في هذا الفكر من مثل أو أن يدل الناس على حقيقة هذه التيارات وخلفياتها لتكون على بينة مما في هذه الكتابات من سموم وأهواء.
- بل لقد دافع توفيق الحكيم عن تدريس الكتب الإلحادية في الجامعة وقال: "لماذا كل هذا الفزع كلما وقع بصرنا في كتاب على عبارة تمس الإسلام" تحت مظلة حرية الفكر الباطلة، وهو يعلم أن هذا الشباب ليس له من حصيلة إسلامية كبيرة تحميه من الشكوك التي تثيرها هذه الكتب.
- ويحمل توفيق الحكيم مجموعة من المفاهيم الفلسفية المضطربة تجعله غير قادر على الوصول إلى مفهوم الأصالة الإسلامية. فهو يقيم مفاهيم في النفس والمجتمع على الأساطير التي لا تمثل واقع الحياة في شيء كقصة أوديب الذي تزوج أمه. وهو يعتنق مفهوم هيجل في القول بأن التناقض قانون الحياة.
- كما أنه يروج لمفهوم حرية الفنان المطلقة الذي لا يتقيد بقيم الأخلاق أو الدين، كما أنه يقيد نفسه بمفهوم الصراع اليوناني بين الإنسان والقدر وبين إرادة الإنسان وإرادة الله، ويرى رأيهم في أن القوة الخارجية تتحدى الإنسان وتبطش به. ويرى أن الإنسان سجين في إطار معين من الزمان والمكان وأن إرادته ترتطم أحيانًا بكل هذه العوامل، وهو بذلك يجهل مفهوم الإسلام في إرادة الإنسان المحدودة، داخل إرادة الله تبارك وتعالى، والتي هي مناط المسئولية والجزاء الأخروي. وهو في كل آرائه متأثر بالفلسفة المادية والفلسفة الوجودية ومدرسة العلوم الاجتماعية والماركسية على شذرات وشظايا من هنا وهناك متجمعة ومضطربة لا تصل به إلا إلى مفهوم غامض مضطرب.