الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحقائق التي تكشفت قد ردت كبار الكتاب عما خدعهم به البريق الخاطف.
- يقول أنيس منصور: من الضروري أن تفلت من جاذبية شخص كبير لتجد نفسك ومعك حريتك، لقد وقعنا في غلطة حين تأثرنا بأستاذنا عبد الرحمن بدوي ذلك أن كثيرًا مما رآه كان رؤيته هو والذي وجده شاقًّا كان مشكلته هو، والذي أحبه كان مزاجه هو ولكن في السنوات الأخيرة عاودت قراءة الفلسفة من ينابيعها التي أفزعنا منها عبد الرحمن بدوي فلم أجدها كذلك.
وهكذا تبين أن هذه الهالة كانت باطلة؛ بل إن أنيس منصور يبشرنا بأن سارتر عندما مات قال على فراش الموت: لا شيء كل شيء عدم.
*
أنيس منصور ومتابعته للفكر التلمودي ودفاعه عن بيع الخمور، والرقص، وقوله عن اللباس الإسلامي أنه خيمة:
قدمت الصحافة العربية لأنيس منصور ركامًا ضخمًا من الكتابات المترجمة عن الغرب تتميز على كثرتها وتنوعها بأنها تمثل ذلك الهدف الخطير الذي عمدت إليه الصحافة في موقفها من الأدب والفكر والترجمة والنقل من الفكر الأجنبي: وهو الإثارة ولقد كانت دراسة أنيس منصور متصلة بالفلسفة أول الأمر، وكان أكبر أمانته للفلسفة الوجودية ومن هنا فقد اتسمت كل كتاباته بهذا اللون حتى بعد أن سقطت الفلسفة الوجودية وتكشف زيفها وفسادها وانطفأت تلك الشمعة التي أوقدها سارتر وسيمون دي بوفوار وكامي، وحل محلها ذلك اللون من العبث الذي عرف عن بكيت وكافكا والهيبيين.
ولقد ظهر في فترة من الفترات أن أنيس منصور قد استجاب للفكر الإسلامي واتصل بمفاهيمه وقيمه في محاولة إعلانية صحفية خطيرة تمثلت في
زيارته للكعبة والمشاهد المقدسة وفي خلال ذلك كتب صفحات حاول فيها أن يسترد إيمانه بالله، ولكنه لم يلبث بعد ذلك أن عاود كتاباته المثيرة عن الراقصات والأزياء العارية وكل ما يتصل بالوثنيات الغربية التي تتمثل في الأفكار المثيرة التي تتصل بالثورة الجنسية والمسرح والرقص، ولم تعد أمانته للمفاهيم الإسلامية إلا أثرًا بعد عين، ذلك أن محاولته لم تكن في الحقيقة رغبة صحيحة في التماس المفهوم الأصيل، ولكنها كانت مظاهرة صحفية بعد تقلص ظل النفوذ الماركسي من الفكر الإسلامي، وهي أشبه بالمظاهرة الصحفية الخطيرة التي بدأ بها حياته الصحفية حين نقل إلى الصحافة العربية فكرة السلة والقلم الذي يكتب بغير كاتب وهذه العملية الساخرة التي نقلها من بلاد الوثنية الشرقية، وكافأه عليها أصحاب أخبار اليوم بمنصب رئيس تحرير مجلة "الجيل الجديد".
ولقد أمضى أنيس منصور سنوات طويلة يكتب الصفحة الأخيرة من أخبار اليوم، وينقل فيها خليطًا من تلك الفلسفات الوثنية والأساطير والخرافات، وكتابات متضاربة عاصفة، تعصف بنفوس الشباب حين تقتلع من الجذور أسباب الإيمان وتبث الشكوك في القلوب حتى كان الباحثون يتساءلون: ما هي الفلسفة التي يحاول مثل هذا الكاتب أن يغرسها في القلوب والعقول؟ وكيف يفهم الشباب الطرير الذي ليس له خلفية كافية من الإيمان بالله، أبعاد الحياة وأمور الدنيا وشئون المجتمع، وهل هذا العمل هو هدف صحفي قاصر يراد به كسب القراء بالإثارة أم أنه جزء من خطة التغريب الضخمة التي يراد إغراق الثقافة والفكر الإسلامي فيها بترجمة فلسفات وسموم لم يكن المسلمون والعرب يومًا في حاجة إلى نقلها.
لقد لخص عشرات الكتب الغربية التي لا تهدف بعرضها دون مقدمات أو تعليقات تلقي الضوء على مضامينها أو تكشف عن سلامة هذه المضامين
أو زيفها، إلا إفساد العقل الإسلامي والذوق الإسلامي والمزاج الإسلامي وتحويله إلى مفاهيم غربية صارخة تستمد أساسها الأول من نفس قلقة ومزاج مريض ورجل قد تحوطته الأمراض والأهواء جميعًا فضلاً عن علامة البدء في حياته الفكرية والثقافية الأساسية وهي الوجودية المستمدة من مفهوم الفلسفة المادية والتي تستهين بكل القيم وتحتقر كل المفاهيم الأخلاقية أو الدينية.
- ولقد كانت كتابات أنيس منصور يومًا ما -كتابات لويس عوض- لا يعرف هل هي ماركسية أو ليبرالية أم أنها من مدرسة معروفة هي مدرسة العلوم الأجتماعية التي تنكر كل القيم وتحتقر الفطرة وتعلي شأن الماديات، ولقد عرف أنيس منصور نفسه ذات يوم، فقال: أنا أول من قدم (يائل) ديان إلى القارئ، أنا أول من قدم الكاتب اليهودي العظيم ألبرتومورافيا إلى المصريين والعرب عام 1947 وترجم له أكثر من مائة قصة قصيرة، وقابلته هنا وفي بلاده وفي أمريكا عشر مرات.
وعندما ترجمت صحيفة جيوش أوبزرفر صفحات من كتابه "وداعًا أيها الملل" قالت: إن المؤلف ينتسب إلى قبائل الغجر الفلسفية التي تضم الكاتب اليهودي كافكا وغيره من الضائعين والتائهين، يقول إني لم أغضب لأن هذا ليس رأي المجلة وحدها، ولكنه رأي أنا أيضًا، ولكني غضبت لأنها ساقت المقال على هيئة اكتشاف ونسيت أنني اعترفت بذلك دون أن أدين بهذا القلق لكافكا أو لغيره (الأخبار 5 يونيه 1974).
- والحقيقة أن أنيس منصور قدم في هذا الميدان "ركامًا" كثيرًا بلبل به الأذهان وحطم به النفوس وأدخل إلى قلوب كثير من الشباب شكًا وقلقًا ويأسًا، وما تزال كتبه التي تحمل هذه السموم تطبع ويقرؤها الكثيرون على أنها فاكهة محرمة وتسلية ومتعة للغرائز والأهواء، ولكنها في الحقيقة ليست إلا أهواء البشرية الضالة الممزقة، وهو خلاصة ما قدمه الكتاب التلموديون
لتمزيق النفس الإنسانية وهدمها وتحطيم قيمها منذ ظهرت هذه الكتابات على أيدي فرويد ونيتشه وميكافيلي ورينان وأوجست كونت وبودلير وسارتر وعشرات الهدامين.
بل إن أنيس منصور قد ذهب إلى أبعد من هذا فعُني بترجمة كلمات الممثلات صوفيا لورين وبرجيت بردو، ومارلين دتريش وغيرهن، وعُني بالكتابة عن الشقراوات المتوحشات، بالإضافة إلى الأفلام العارية والأدوار الشاذة، وكتابات الإباحيين ومحاولة تصوير هؤلاء الممثلات على أنهن "الآلهات الرومانيات" وذهب في الإغراء بالكلمة إلى أبعد حد في الحديث عن الأجساد العارية وما يتصل بالفنانين من تماثيل وطوابع بريد وعملات ذهبية، وعمد إلى استغلال الجنس إلى أبعد حد في إفساد مفاهيم العلاقة بين الرجل والمرأة، وكان في كتاباته حريصًا على الاستشهاد بالتوراة وبسفر خاص فيها يتحدث عن الجنس فضلاً عن فكر أرسطو وأفلاطون.
- وحرص أنيس منصور على هدم الصلة بين الآباء والأبناء وإثارة الأبناء على الآباء، حين وصف هذه العلاقة كما وصفها فرويد والتلموديون بأنها "سيطرة" في حين أنها ليست إلا رعاية وتوجيهًا وحماية من الكبير للصغير في مرحلة من أخطر مراحل الحياة، وهو يرى أن الصحافة قد أخضعت الشباب لنفوذ آخر غير نفوذ الآباء، وأن الصحف شجعت الشبان على الثورة والتمرد على البيت والأسرة والكنيسة، ويرى أن انتشار مرقص (الروك آند رول) دليل على اهتمام الشباب بإزعاج الآباء وتحديهم، وكذلك انتشار التدخين والخمور يؤكد أن الشبان حريصون على هدم الرأي العام، ولا ريب أن ترديد هذا الكلام مرات متعددة إنما يرمي إلى الإيحاء والتوجيه وإفساد من لم يفسد، ودعوة إلى خلق جو من التمرد للقضاء على روح الإيمان والخلق بين الأجيال الجديدة.
- ويتحدث أنيس منصور عن الفتاة الجامعية في الغرب التي تجد حبوب منع الحمل في أجزخانة الكلية، ولا أحد يسألها عن سبب شرائها للحبوب.
ويرى أن العري لم يعد كافيًا لإثارة الجنس، وأن هناك الإثارة العنيفة بالكلام والحركة، وأن الأغاني أكثر إثارة من الأفلام، وكذلك يرى أن الرقص الجديد يقضي على خجل الشباب، وحين يتحدث عن الزواج يقول أنه هو وحده الذي أنفرد بالملل؛ لأن كل شىء فيه يتكرر بانتظام، وينسى أن الزواج هو الطريق الكريم للعلاقة بين الرجل والمرأة، وهكذا لا يتوقف أنيس منصور عن ترديد آراء فلاسفة الجنس والمادية والإباحية الذين يصدرون عن بروتوكلات صهيون لهدم المجتمع الغربي، ثم هو ينقل ذلك إلى المجتمع المسلم بقوة وحماسة واستمرار وعمل لا يتوقف، وعندما يتحدث (محمد أنيس منصور) عن السيد المسيح يردد مسألة الصلب، والصلب غير وارد في مفهوم الإسلام.
- ويدافع أنيس منصور بعد كتاباته عن الكعبة والأراضي المقدسة عن الخمر ويهاجم قرار شركة مصر للطيران بمنع توزيع وبيع الخمور على طائراتها ويتهجم على التعليم الديني في المدارس، ويتحدث بإعجاب عن الأدب المكشوف والقصص الجنسي الأوربي، ويكشف عن خلاصة تجربته في (27/ 1/1973) أخبار اليوم، فيقول: إن كل ما قرأت وتعلمت لم يكن ينفعني في الإجابة عن شيء، ولم أجد من كل ألوف الكتب التي أمضيت فيها عمري وأطفأت فيها نور عيني وأوجعت فوقها رأسي وظهري، ولم أجد واحدًا يقول لي شيئًا يريحني أو يجعل أيامي أسهل لا شيء، إنني لم أكن قريبًا إلى نفسي أو إلى أحد وإلى هذا الحكيم المجهول القوي الذي لا نعرفه والذي هو هناك، هو هنا في كل واحد وفي كل شيء، إنك قطعت عمرك كله مسحوبًا من عقلك وقلبك وغرائزك وأنك في ساقية تدور وتدوخ وأنك
أسلمت نفسك لجلاد هو الليل والنهار، هو المال والجاه والأولاد واللذة والخوف والطمع واليأس والشك.
والحق أن هذا أمر يرثى له، أن يكون قارئ هذه المجلدات الضخمة على حافة الشك وعلى حدود الهاوية مع أنه لو اتجه نحو كتاب واحد من الكتب الأصيلة لوجد نفسه ولفهم نفسه، ولفهم مهمته في الحياة ولعرف رسالته الحقة ومسئوليته وأمانة القلم والجزاء الأخروي ولاستطاع أن يقدم خيراً كثيرًا لعل الله يغفر به تلك الصفحات السوداء التي قدمها لإثارة الشكوك في العقيدة والتمزق النفسي خلال أكثر من عشرين عامًا.
لقد صدق أنيس منصور حين طلب حرق كتبه، وقال: إن حرصي على احتراق كتبي فلأنها لا تساوي شيئًا، فلا هي أشبعتني ولا هي روتني ولا أراحتني، ولذلك يجب أن تكون ترابًا أدوسها بترابي.
- وكان أنيس منصور قد تمنى أن يحرق جسده بعد موته مع هذه الكتب، وهذه نفحة بوذية خطيرة لا يمكن أن يقولها رجل يؤمن بالله واليوم الآخر، ولعل من أبرز أخطاء أنيس منصور متابعة الفكر التلمودي في القول بأن (الرب قد خلق العالم في ستة أيام واستراح في السابع) مع أن هذا المعنى يتعارض مع مفهوم أقل المسلمين ثقافة وفهمًا للإسلام وهو في هذا متابع لليهود (أعرف عدوك) كما أنه تابع المستشرقين في القول بأن فرعون هو الذي أخرج اليهود من مصر أيام موسى عليه السلام والعكس هو الصحيح؛ فإن اليهود بقيادة موسى خرجوا فارين بدينهم من ظلم فرعون، وأن فرعون هو الذي تابعهم ليقضي عليهم فنجوا وغرق فرعون، وأغرق الله قومه.
***